التحديات الإسرائيلية في ظل المتغيرات الإقليمية

السنة الرابعة عشر ـ العدد 164 ـ (شوال ـ ذو القعدة 1436 هـ) آب ـ 2015 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

يشكل طريق البحر المتوسط أهمية خاصة لإسرائيل، لأنها تنقل من خلاله ما يقرب من 90% من تجارتها الخارجية، ما يزيد من أهمية حرية الملاحة في هذه المنطقة للحفاظ على الرخاء الاقتصادي للدولة العبرية. علاوة على ذلك، فإن حقول الغاز البحري المكتشفة حديثاً يمكن أن تحول إسرائيل إلى دولة لديها اكتفاء ذاتي من الطاقة، ومصدرة للغاز بشكل كبير.

ولكن هذه التطورات ترتبط بقدرتها على تأمين ممر بحري حر، والدفاع عن حقول الغاز والنفط المكتشفة حديثاً.

وبينما ساعدت الاضطرابات الإقليمية الأخيرة على تحسين البيئة الإستراتيجية لإسرائيل، في ظل ضعف خصومها العرب، فقد أصبح الشرق الأوسط أكثر تعقيداً بسبب زيادة الحضور الروسي، والنشاط التركي في المنطقة، وزيادة العمليات الإرهابية والجماعات المتشددة، والصراع على الطاقة، وبزوغ المحور القبرصي- اليوناني- الإسرائيلي. كما أن تآكل نظام الدولة حول المتوسط أعطى القوى الإسلامية - التي لديها أجندة معادية للغرب- الصدارة.

تحديات هامة

مع دخول العام 2015 لا يختلف اثنان على أن عام 2014 كان ثقيلا على (إسرائيل) في ضوء أن العديد من المشاكل المرتبطة بأمنها مازالت تؤرق كاهلها بالوقت الراهن وذلك بالتزامن مع وجود بيئة أمنية بالغة الصعوبة في الشرق الأوسط.وكان رئيس الحكومة (الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو قد أشار خلال اجتماعه مع السيناتور الأمريكي ليندزي جراهام إلى أن(إسرائيل) ستواجه تحديات كثيرة خلال العام الجديد والتي ستهدد أمن المجتمع بأكمله.

السنوات الماضية والتي شهدت مواجهات عديدة بين قوات الجيش (الإسرائيلي) والمقاومة أثبتت أن نظرية الأمن المتبعة منذ عام 1967 التي  ترتكز على ثلاثة عوامل "الردع والإنذار المبكر والحسم" تعرضت لهزة كبيرة خلال الحروب الثلاث التي خاضتها دولة الاحتلال ضد قطاع غزة وحزب الله في لبنان.

(إسرائيل) تدرك جيداً أن مشهد الأحداث والمتغيرات السياسية والأمنية وغيرها بالمنطقة يزداد تعقيدا, إضافة إلى أن جيشها في ظل هذه الظروف بات عاجزاً بكل قوته وسلاحه ومعداته عن حسم أي مواجهة قادمة لصالحه وهذا ما اتضح في السنوات الأخيرة.

المعطيات السابقة أكدها نائب رئيس مجلس الأمن القومي (الإسرائيلي) السابق تشيك فرايليخ، في دراسة جديدة أعدها لصالح مركز أبحاث"بيغن". وأوضح أن عامل "الدفاع" في الإستراتيجية العسكرية تضرر بشكلٍ بالغٍ، لاسيما أن الجيش لم يعد قادرا على الدفاع عن مجتمعه وأن المشكلة الأساسية باتت اليوم تكمن في نوعية الردع.

هذه هي الحقيقة الموجعة التي يعيشها الجيش (الإسرائيلي) بحسب فرايليخ تؤكد لحكومة الاحتلال وقياداتها على مختلف الأصعدة بأن جل التهديدات الخارجية والألغام المحيطة بكيانهم ما زالت قائمة.

وهناك تحدٍّ هام بحسب جابر مرهون في تطورات الوضع بالجنوب اللبناني وكثرة الروايات التي يتناقلها الإعلام الصهيوني حول تعاظم قوة حزب الله.

وهذا بالفعل ما أشار إليه المحلل (الإسرائيلي) السابق رابابورت خلال حديثه عن التهديد الثاني لـ(إسرائيل) المتمثل في مواجهة جديدة مع حزب الله الذي يحاول منذ الحرب الثانية عام 2006 الدخول في معركة مع الجيش (الإسرائيلي).

كما ويعتقد رابابورت أن التهديد الأخر قد يتمثل في زيادة عمليات الطعن ضد المستوطنين بالضفة الغربية والقدس, وفي إمكانية خوض حماس معركة جديدة مع الاحتلال.

وعلى الرغم من أن الملف الإيراني يمثل تهديداً أساسياً يؤرق الاحتلال, إلا أن جابر يستبعد قيام (إسرائيل) بأي تحرك عسكري ضد إيران التي تمتلك قوة صاروخية هائلة تمكنها من إصابة أي هدف داخل عمق الكيان (الإسرائيلي).

جابر يشير إلى أن الاحتلال قادر على مواجهة هذه الأخطار والتحديات الخارجية من خلال اتخاذ إجراءات وعقوبات أوسع وأكثر صرامة كما جاء على لسان نتنياهو, لاسيما وأنه يرى أن (إسرائيل) لا زالت قوية على الرغم مما تعرضت له في الفترة الأخيرة, في المقابل يوضح أن الأمر الذي تخشاه يكمن في وقوع خسائر بشرية في صفوف الجيش.

في حين ذكر جابر أن أبرز التحديات الداخلية التي تواجه الاحتلال الهجرة العكسية من (إسرائيل) إلى بلاد العالم الناتجة عن الضائقة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والفقر وعدم قدرة الحكومة على دفع خدمات المجتمع.

المقاطعة الأوروبية

أيدت عدة دول أوروبية، بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وهولندا، تبني تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حربها الأخيرة على غزة.

وعلى الرغم من الخطر الذي تستشعره إسرائيل من أثر هذا التقرير على ميل المحكمة الجنائية الدولية نحو التحقيق في هذه الجرائم، فإنها تخشى خطراً لا يقل عنه، وهو تعزيز جهود مقاطعة إسرائيل في أوروبا. وقد مضى الوقت الذي كانت فيه حكومات إسرائيل تستخف بهذا الخطر، وصار كثيرون من القادة يعتبرون المقاطعة الاقتصادية والثقافية خطراً وجودياً.

وفي إطار ترجمة هذا الخطر إلى معطيات ملموسة فإن البنك المركزي في إسرائيل نشر مؤخراً تقريراً يحذر فيه من اهتزاز العلاقة الاقتصادية مع أوروبا، وهي الشريك التجاري الأكبر لها. وبديهي أنه ليس ثمة تكافؤ بين إسرائيل وأوروبا في هذه الشراكة، إذ أن أوروبا هي الشريك التجاري الأول لإسرائيل، في حين أن إسرائيل لا تحتل سوى المكان 28 في الترتيب الأوروبي للشراكة التجارية. ولا تشكل الواردات الأوروبية من إسرائيل إلا 0.7%، في حين أن الصادرات إليها أيضاً ليست أكثر بكثير من 1%. والصورة مغايرة تماماً من الجانب الإسرائيلي، حيث تصدر إسرائيل لأوروبا 30% من صادراتها وتستورد 41% من وارداتها.

وإذا ما نفذت أوروبا تهديدها بمقاطعة منتجات إسرائيل فإن تقرير بنك إسرائيل يشير إلى حجم الخسائر المتوقعة. وهو يبين أن سيناريو مقاطعة إسرائيل بالكامل يعني ضرب الصادرات الإسرائيلية البالغ قيمتها 84.4 مليار شيكل (حوالي 22 مليار دولار)، وهو ما يعني مساً بالناتج القومي العام لإسرائيل بحوالي 40.35 مليار شيكل، وتسريح حوالي 36 ألف مستخدم. أما في حال استمرار المقاطعة بشكل طوعي للمنتجات الإسرائيلية، أو تنفيذ وضع شارات على بضائع المستوطنات، فإن الضرر على الصادرات يقدر بـ 1.7 مليار شيكل وتراجع الناتج القومي العام بحوالي نصف مليار شيكل وتسريح 435 عاملا.

وفي ظل منهج الغطرسة الذي تنتهجه حكومة بنيامين نتنياهو فإن هناك ميلاً لإظهار أن لدى إسرائيل بديلاً لأوروبا، وهو التوجه نحو آسيا. وهذا ما تجلى في المحاولات الإسرائيلية الجادة لتحسين العلاقات مع دول آسيا، خصوصاً اليابان والصين والهند. وتدعي أوساط إسرائيلية أن الميل لتنويع الشركاء الاقتصاديين يهدف أساساً إلى تقليص الركون إلى الشريك الأوروبي، الذي بات يثقل على إسرائيل بمطالبه السياسية.

ولكن لا خلاف بين الخبراء الاقتصاديين في إسرائيل حول واقع أن ما تعلنه حكومة الاحتلال لا يعني بالضرورة القدرة على تنفيذه، وإذا توفرت القدرة فإن الأمر مستحيل في المدى القريب. وهناك وعي كامل لدى الخبراء بأن لجوء أوروبا إلى فرض نظام عقوبات على إسرائيل يلحق بالأخيرة أضراراً واسعة. ويشدد هؤلاء على أنه خلافاً لمزاعم نتنياهو، ليس بوسع إسرائيل في المدى المنظور أن تبعد الخطر الأوروبي عن طريق تحويل توجهاتها نحو أسواق آسيا ودول أخرى.

ومشكلة إسرائيل أن غالبية بضائعها إلى أوروبا منتجة في شركات متعددة الجنسيات تقيم مراكز في إسرائيل، أو شركات إسرائيلية لها فروع في أوروبا. لذلك فإن تطوير المقاطعة يشكل مساً كبيراً بهذه الشركات وقد يضر بإنتاجها في أوروبا، وينظر إلى شركة "تيفع" لإنتاج الدواء كمثال بارز على ذلك. كما أنه يصعب على إسرائيل إيجاد بدائل آسيوية لأسواقها الأوروبية ما يجعل التهديدات الإسرائيلية بالتبادلية مجرد هراء. وهذا يجعل من الكلام عن أن التجارة مع آسيا أقل حساسية لإسرائيل من التجارة مع أوروبا أقرب إلى شيك من دون رصيد.

ومن الواضح أن تبادل العقوبات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي يعني في جوهره شل الصادرات الإسرائيلية، مقابل احتمالات نشوء صدامات بين قوى لها مصالح في التجارة مع إسرائيل وحكومات بلادها. والفارق واضح وهو في غير مصلحة إسرائيل.

وربما أن الأمر وجد تعبيراً له في كلام وزير المالية الإسرائيلي السابق يائير لبيد، قبل حوالي شهر، حين أكد أن على الأوروبيين الذين سيقاطعون منتجات المستوطنات أن يميزوا بين ما إذا كانت منتجة في "معاليه أدوميم" أو في نهاريا. وقال إن وضع إشارات على منتجات المستوطنات سيقود فعلياً إلى مقاطعة شاملة للمنتجات الإسرائيلية. وفي نظره فإن الأوروبي المقاطع حينها سيقول "لا أريد بضائع إسرائيلية، وهو ما سيلحق الضرر بأكثر من 30% من صادرات إسرائيل". وطالب لبيد حكومة إسرائيل بالانتباه إلى تدحرج القضايا نحو اتجاهات غير متوقعة. وقال "لم يتوقع أحد ما جرى في الفيفا، وأعتقد أن شيئاً ما سيجري في الألعاب الأولمبية".

مخاوف نووية

إسرائيل تبني على الإفادة من الاتفاق النووي مع إيران في كل الأحوال. فالتهويل من الخطر النووي الإيراني يرمي إلى تحقيق أهداف عدة في وقت واحد. وأبرز هذه الأهداف إظهار إسرائيل في موضع الضحية ولكن القادرة على الدفاع عن نفسها والتي تطالب العالم بأن يمسكها حتى لا تضرب إيران دفاعاً عن وجودها. ولكن لا يقلّ أهمية عن ذلك أن إسرائيل تطمح لنيل تعويض سخي من الغرب عموماً ومن الولايات المتحدة خصوصاً عن أي اتفاق يبرم مع إيران. وهناك إشارات كثيرة إلى مطالب إسرائيلية مبالغ فيها بشأن ما تريده من أسلحة ومنظومات أمنية لا تحافظ فقط على تفوق إسرائيل النوعي وإنما تحفظ أيضاً تفوقها الكمي.

وفي إطار محاولاتها إقناع الغرب بضرورة عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران أثارت إسرائيل مخاوف من أن الاتفاق الذي يضبط المشروع النووي الإيراني ويقيّده سوف يقود إلى سباق تسلح نووي في المنطقة. وهي ترى أن دولاً مثل السعودية ومصر والأردن وتركيا سوف تسعى من الآن فصاعداً لامتلاك قدرات نووية بغرض إحداث توازن نووي مع إيران. وإسرائيل في عرضها لهذه المبررات تخفي تماماً واقع أنها الدولة النووية الأولى في الشرق الأوسط وأنها الدولة الوحيدة التي ترفض التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما ترفض إخضاع منشآتها النووية للمراقبة الدولية.

وكتب الخبير في الشؤون الأمريكية، الدكتور أبراهام بن تسفي، في صحيفة "إسرائيل اليوم" أن "واقع مرور موعد الاتفاق الدائم بين الدول العظمى وإيران حول السلاح النووي من دون أن يتصاعد الدخان الأبيض، يثير الاستغراب.

فليس هناك أي مؤشر على تراجع أو زوال اندفاع واشنطن لإنهاء المفاوضات بنجاح. بل العكس، يتبين في الأشهر الأخيرة أكثر فأكثر أن الرئيس أوباما قد جعل موضوع الاتفاق هدفاً مركزياً، وأن تحقيقه سيغطي على جميع أخطائه وفشله في الشرق الأوسط، حيث سيُبشر بذلك عن بدء مرحلة جديدة تكون فيها إيران الشريك الجديد".

وأضاف أن "أوباما مصمّم ويؤمن بسياسة المصالحة، التي تستند إلى مجموعة واسعة من خطوات بناء الثقة في الاقتصاد، وتضع نظام آيات الله على خط التعامل البراغماتي والمعتدل. عن طريق جزرة الاستثمارات الاقتصادية وإلغاء العقوبات، يتم وضع الأساس لتعاون سياسي واستراتيجي قوي بين واشنطن وطهران، يكون مركزها استعداد النظام الإيراني للعب دور أساسي في الصراع للقضاء على داعش. ومن اجل تحقيق هذا الحلم تستمر الإدارة الأمريكية الآن أيضاً في التدهور باتجاه الاتفاق الدائم وبأي ثمن، وهذا من خلال غض النظر والتغاضي عن استمرار العمليات الإرهابية التي مصدرها العاصمة الإيرانية والتي تشمل المنطقة كلها".

في كل حال يتناسب هذا التحليل مع المنطق الذي يشيعه نتنياهو ومفاده أن الاتفاق النووي مع إيران "يمهد لها الطريق لإنتاج الكثير من القنابل النووية ما يعرض للخطر سلامة العالم بأسره". ويشير نتنياهو إلى أن إيران لا تخفي نيتها في مواصلة عدوانها الدموي حتى على من يتفاوضون معها. ويشدّد على "ربما أن الدول العظمى مستعدة للخنوع للواقع الذي تفرضه إيران، والذي يشمل دعوتها التي لا تتوقف إلى تدمير دولة إسرائيل. ولكننا لن نسلم بذلك".

غير أن تهديدات نتنياهو تعتبر في نظر الكثير من القادة الإسرائيليين فارغة. إذ ليس بوسع إسرائيل فعل شيء إذا ما قررت دول الغرب الكبرى الاتفاق مع إيران، وسوف تعتبر كل محاولة إسرائيلية لضرب إيران تخريباً على هذا المسعى الغربي. ولكن هناك في إسرائيل من يؤمنون أنه ليست في إسرائيل قدرة فعلية على توجيه ضربة ناجعة للمشروع النووي الإيراني. ورغم امتلاك إسرائيل لقدرات عسكرية هامة بعضها مؤذٍ لإيران إلا أن ذلك شيء وضرب المشروع النووي الإيراني شيء آخر. ومع ذلك تحاول إسرائيل في الغرف المغلقة التأكيد على أن استمرارها في إثارة تهديد الضربة العسكرية يرمي إلى مساعدة المفاوض الغربي في مواجهة إيران.

عموماً، وعلى الرغم من ميل إسرائيل إلى الحفاظ على استقلالها العملياتي فإن تضارب مصالحها مع مصالح الغرب في المنطقة قد يقود إلى فرض قيود عليها حتى لو كانت هذه القيود من حرير. ومعروف أن إسرائيل تتلقى مساعدات عسكرية كبيرة، خصوصاً من الولايات المتحدة وألمانيا الملتزمتين الحفاظ على تفوقها العسكري. وليس مستبعَداً أن تقبل في النهاية عروضاً أمريكية بمنحها مظلة نووية لحمايتها في إطار تبديد مخاوفها المرضية التي لا علاج لها.

تراجع الدور الأمريكي

ثمة مجموعة من الانعكاسات لتراجع الدور الأمريكي في المنطقة، ومن أبرزها:

- تزايد الجماعات الإسلامية الراديكالية، حيث أرجعت دراسة سبب تزايد قوة الجماعات الإسلامية الراديكالية في منطقة المتوسط إلى ضعف قدرة أغلب الدول الإسلامية – مثل ليبيا، وسوريا، ومصر، وغزة، وتركيا- على الحفاظ على هياكلها، مما سمح للقوى السياسية الإسلامية للتأثير في الشئون الداخلية لتلك البلدان أكثر من أي وقت مضى، ما يهدد أمن إسرائيل, على حد قول الكتاب الإسرائيليين.

- التوترات الأمنية في بعض دول الجوار، حيث أوضحت الدراسة أن ليبيا لا تزال تعاني الفوضى للعام الرابع على التوالي. فانعدام النظام ربما يؤدي إلى انقسام الدولة، ويسمح بمزيد من حرية العمل للمتطرفين المسلمين. كما أن مصر، التي تتحكم في قناة السويس - التي تعد ممراً أساسياً للربط بين أوروبا والخليج العربي والشرق الأقصى- ربما تقع في أيدي الإسلاميين، كما توقّع الكاتب، لأنه من السابق لأوانه – كما يرى- الحكم بأن العناصر الإسلامية ستلعب دوراً ثانوياً في النظام السياسي الناشئ الذي يعد فيه الجيش اللاعب الأساسي. وحتى إذا كان الجيش المصري قادرا على كبح القوى الإسلامية، فإن قبضته على شبه جزيرة سيناء واهية، على الرغم من محاولات الجيش المصري بقيادة السيسي لطرد الجهاديين، إلا أنه لم يستعد السيطرة على سيناء بصورة كاملة. وحذر من أن يؤدي ذلك إلى ما وصفه بـ"صوملة" شبه جزيرة سيناء، ما يؤثر سلباً في التجارة البحرية على طول المتوسط، وقناة السويس والبحر الأحمر.

- الصراع حول الطاقة، حيث ذكرت الدراسة أنه ربما يزيد اكتشاف حقول الغاز في شرق البحر المتوسط من تصاعد التوترات في هذه المنطقة المضطربة على نحو متزايد. ففي شمال إسرائيل، يقع لبنان- الذي يسيطر عليه حزب الله - والذي طالب بالفعل ببعض حقول الغاز التي اكتشفتها إسرائيل حديثاً. وأوضح أن سوريا - عدو إسرائيل والحليف القوي لإيران- تمارس نفوذاً كبيراً على لبنان.

كما أن تركيا مهتمة بالسيطرة على حقول النفط في شرق المتوسط بهدف التقليل من اعتمادها على الطاقة الروسية والإيرانية، وتحقيق طموحها لتكون جسراً للطاقة إلى الغرب، ما يضع أنقرة في خلاف مع نيقوسيا والكيان الصهيوني، والتي تتشارك المصلحة في تطوير حقول النفط والغاز في مناطقها الاقتصادية الخالصة، وتصدير الغاز إلى أوربا المتعطشة للطاقة. كما أن اليونان – التي تقع في غرب تركيا- لديها قدرة عسكرية محدودة لصد التحدي التركي وحدها، خصوصاً أنها غارقة في المشكلات الاقتصادية.

ففي الآونة الأخيرة، أظهرت روسيا اهتمامها بحقول النفط المكتشفة حديثاً. ففي يوليو 2012، تطرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته إلى إسرائيل، لمناقشة حقول الغاز. ويُذكر أن موسكو وقعت اتفاقاً للطاقة لمدة 25 عاماً مع سوريا، ما يفتح الطريق للتحرك الروسي إلى منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز.

وعلى الجانب الآخر، أشارت دراسة إلى أن التهديدات وقضايا المنطقة المحدقة بإسرائيل أدت إلى دعوة مسئولي الدفاع الإسرائيليين للبحرية الإسرائيلية للدفاع عن حقول الغاز البحرية، وأيضاً تعزيز العلاقات بين إسرائيل، وقبرص، واليونان. وبغض النظر عن المصالح المشتركة بين هذه الدول في مجال أمن الطاقة، فإن لديها مخاوف من أن يصبح شرق المتوسط بحيرة إسلامية. ولذلك، تأمل القدس وأثينا ونيقوسيا في تنسيق عمل جماعات الضغط في واشنطن لتوعية الإدارة الأمريكية بمخاوفها.

وبالفعل، فإن هناك تعاوناً عسكرياً بين إسرائيل واليونان، كما أن هناك زيارات متبادلة بين البلدين على المستوى الرسمي، فقد قام نتنياهو بزيارة اليونان في أغسطس 2010، وكان من ضمن مجالات التعاون التي تمت مناقشتها إمكانية إنشاء مثلث للغاز – يضم إسرائيل، وقبرص، واليونان- بحيث تكون اليونان هي محور صادرات الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى أوروبا، مما يقلل من اعتماد القارة على الطاقة الروسية.

- عودة الدور الروسي، حيث يشار إلى أن تراجع الدور الأمريكي أسهم في عودة الدور الروسي المفقود منذ نهاية الحرب الباردة. فمع تراجع القوات البحرية الأمريكية والأوروبية في المنطقة بشكل تدريجي على مدى سنوات، احتفظت روسيا بقاعدتها البحرية في طرطوس على الساحل السوري، وحسًنت تدريجياً حجم أسطولها، وكثفت دورياتها في شرق المتوسط بالتزامن مع تصاعد الحرب الأهلية السورية، كما قامت بالعديد من المناورات البحرية. وقد أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، أخيرا عن إنشاء قوة بحرية في البحر المتوسط بشكل دائم.

كما يشار إلى أهمية الدعم الروسي في الحفاظ على بقاء نظام الأسد في السلطة، وعلاقات موسكو مع طهران. وأشار الكاتب هنا إلى ازدياد النفوذ الروسي في مصر بعد الانقلاب العسكري، محذراّ من إغفال القوى الغربية الأهمية الإستراتيجية لتعزيز العلاقات المصرية- الروسية.

كما يمكن التأكيد بأن موسكو مهتمة في المقام الأول بتسويق ثروات الطاقة في المنطقة، وتأمين احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط، مما يساعدها في الحفاظ على مركزها المهيمن كمورد للغاز الطبيعي إلى أوروبا الغربية، والذي ربما يكون له منافسون جدد في المنطقة. وعلاوة على ذلك، أسهم تأخير نقل الغاز الروسي إلى أوروبا في تعزيز دور روسيا كمورد رئيسي للطاقة إلى أوروبا، وإبقاء الأسعار مرتفعة.

-الإرهاب الدولي، حيث الإيضاح بأن تعامل الأجهزة الأمنية مع الإرهاب في المنطقة أثًر سلبا في السياسة الداخلية، مما أفقدها بعضا من كفاءتها، فقد تحولت سيناء إلى طريق لعبور الأسلحة الإيرانية إلى حماس، وقاعدة لشن هجمات إرهابية ضد إسرائيل، كما ذكر الكاتب. وذكر الكاتب أن هذه الأنشطة الإرهابية تؤثر سلباً فى الملاحة عبر قناة السويس، كما أن سوريا أيضا ملاذ للكثير من الجماعات الإسلامية نتيجة للحرب الأهلية، مما يزيد من احتمالية إلحاق الضرر بأمن إسرائيل.

- تزايد الوجود الإيراني، حيث يخشى الصهاينة أن انخفاض قوة الولايات المتحدة في المنطقة، والاضطرابات في العالم العربي، وبقاء الرئيس الأسد في السلطة، تعد أمورا بالغة الأهمية من أجل تأسيس ما يسمى "الهلال الشيعي" من الخليج العربي إلى بلاد الشام، والذي من شأنه تعزيز النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وشرق البحر المتوسط. كما عززت طهران من تعاونها البحري مع موسكو، وينظر إليها كشريك محتمل في الجهود المبذولة لتقليص نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.

وأخيراً يمكن الإشارة إلى انعكاسات تراجع الدور الأمريكي في منطقة شرق المتوسط، والتطورات التي تشهدها المنطقة في التأثير في أمن إسرائيل ومستقبلها بسبب حيوية منطقة شرق المتوسط لإسرائيل للحفاظ على حرية الطرق البحرية للتجارة الخارجية، وتوفير الأمن لحقول الغاز المكتشفة حديثا لها.  

اعلى الصفحة