|
|||||
|
بمناسبة الذكرى السادسة على رحيل مؤسس جبهة العمل الإسلامي في لبنان الداعية الدكتور فتحي يكن رحمه الله تعالى انعقد مؤتمر المقاومة والوحدة في فكر الداعية المجاهد فتحي يكن بتاريخ اليوم السبت 26 شعبان 1436 هـ الموافق 13 حزيران 2015 م في فندق غولدن توليب – منطقة الجناح، وقد حضر المؤتمر العديد من الشخصيات والضيوف العربية والإسلامية المحلية والإقليمية والعالمية. وقد شارك تجمع العلماء المسلمين بهذا المؤتمر. وكانت مداخلة لسماحة الشيخ الدكتور حسان عبد الله تحت عنوان المرتكزات الفكرية في حركة الداعية فتحي يكن الوحدوية. وهذا نصها: "إذا أردنا أن نحدد المرتكزات الفكرية في حركة الداعية فتحي يكن رحمه الله الوحدوية فنحن لا نحتاج إلى مزيد عناء فيكفي أن نقول: أن هذا الداعية الرسالي أخذ من الإسلام منهجاً في كل حياته واعتمد مرتكزاته الفكرية طريقاً في العمل، فأنت لا ترى منه انحيازاً عن الطريق والنهج الذي أختطه الدين في كل المواقف التي اتخذها والمعلوم أن الوحدة الإسلامية هي أساس ديننا والآيات في ذلك مستفيضة، فمن قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾. إلى قوله: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. إلى قوله: ﴿وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. إلى غيرها من الآيات والروايات وقد كان الداعية رحمة الله عليه فيما عرفته عنه وفيما سمعته منه مصداقاً للرجل الوحدوي الذي لا يرى عزة للإسلام إلا بالوحدة ولا يرى نصراً على العدو الصهيوني إلا بالوحدة وكان يعتقد تماماً أن هناك اختلافات في وجهات النظر بين فقهاء المسلمين ومتكلميهم إلا أن هذه الاختلافات تبقى أكثر من طبيعية بل ضرورية من أجل إثراء الفكر الإسلامي واستمرار التجدد في متابعة ومواكبة الإسلام للتطورات الحاصلة في المجتمعات الإنسانية. وهو رحمة الله عليه كان ينظر إلى الصراعات التي تحصل بين المسلمين وبعض الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي على أنها خروج عن النهج الإسلامي الأصيل وكان يزعجه كثيراً أن يرى جبهة كفر واحدة ، في حين الحركات الإسلامية حركات متشتتة والله عز وجل يقول: ﴿وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾. وهو كان يعتقد أن الأصالة عند الحركة الإسلامية تفرض عليها أعلى درجات التنسيق إن لم تكن الوحدة. وقد أفرغ هذا التوجه في كتابه القيم "نحو حركة إسلامية عالمية واحدة". فهو بذلك كان يعتقد أن رسالة الإسلام العالمية تفرض أن نتوجه نحو توحيد الأمة ما يفرض على الحركات الإسلامية الوحدة. وما نراه اليوم من دعوات للتكفير والقتال تقوم بها بعض الحركات التي تدعي الإسلام هو خطر لطالما نبَّه منه رحمه الله. لم يتنكر الداعية الدكتور فتحي يكن أنه ابن حركة الإخوان المسلمين إلا أنه لم يكن يوماً مع أنه هو أحد مؤسسي حركتها في لبنان داعياً للتقوقع الحزبي، بل كان دائم الحوار مع كل الحركات الإسلامية على اختلاف مشاربها ومذاهبها، وهو بذلك يتطلع إلى رسائل الشهيد حسن البنا رحمه الله الذي كان أيضاً يدعو للوحدة الإسلامية العالمية فنراه يقول في رسالته للمؤتمر الخامس للإخوان:"يبقى علينا أن نحدد موقفنا من الوحدة الإسلامية، والحق أن الإسلام كما هو عقيدة وعبادة وهو وطن وجنسية وأنه قضي على الفوارق النسبية بين الناس فالله تبارك وتعالى يقول : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. والنبي(ص) يقول: (المسلم أخو المسلم) إلى أن يقول فالإسلام والحالة هذه لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا يعتبر الفوارق الجنسية الدموية ويعتبر المسلمين جميعاً أمة واحدة. من هذه المدرسة يتبنى الداعية فتحي يكن رحمه الله مسألة الوحدة الإسلامية وهو كان يعتبر دائماً أن أشد الأمراض فتكاً بجسم أمتنا الإسلامية هي الفتنة التي يعمل لها أعداء الأمة. وهو بذلك سلك منهجاً تحَّمل بسببه الكثير من الافتراءات والاتهامات والإهانات، وكنتُ استمع إليه وهو يتعالى عن هذه الصغائر معتبراً إياها ضريبة واجبة الدفع للداعية، فأين هو من مظلومية رسول الله (ص) من قومه التي تعالى عنها بقوله (ص):" اللهم اغفر لقومي إنهم لا يعلمون" فهو اقتدى بسنة رسول الله (ص) فتابع مواقفه الوحدوية غير عابئ بالمثبطات والاتهامات وفي نفس الوقت كان يحاور الآخرين على قاعدة جلبهم إلى الموقف الإسلامي الأصيل وإفهامهم أن العدو المتربص لا يريد القضاء على السنة أو الشيعة وإنما يريد القضاء على الإسلام كدين وهو يتوسل لذلك إيقاع الفتنة بين أبنائه كي تضعف جبهتهم ثم ينقض عليهم ويقضي على كل أمل في نهوض الأمة الإسلامية. إن مظلومية الداعية فتحي يكن رحمه الله تجعلني أؤكد أنها ساهمت في ضعف بدنه وعدم قوته على مواجهة المرض الذي تعرض له. إننا عندما نتحدث عن الداعية فتحي يكن رحمه الله في مسألة الوحدة لا بد أن نبين بعضاً من مواقفه التي أثرت في المسار السياسي للحركة الإسلامية الوحدوية: أولاً: عندما حصلت مشكلة الإخوان في سوريا لم يمنعه ذلك عن التواصل مع القيادة السورية لأنه كان يعتقد تماماً أن أي فتنة داخل سوريا ستساهم في إضعاف هذا البلد الذي يواجه على حدوده عدواً صهيونياً متربصاً ومتحيناً الفرصة أن يضعف البلد لينقض عليه، وهو قد أُتهم من القريب قبل البعيد بتعابير لا تليق، ولم يمنعه ذلك من الاستمرار حقناً للدماء وتوجيهاً للبوصلة نحو العدو الحقيقي العدو الصهيوني وإسهاماً في درء الفتنة لصالح الوحدة الإسلامية. ثانياً: في حرب تموز كان هناك سعي من العدو الصهيوني مستعيناً ببعض الأدوات الداخلية اللبنانية لإظهار أن هذه الحرب والتي نعيش اليوم في ذكراها هي حرب للصهاينة على الشيعة وأن السنة والمسيحيين غير مستهدفين، وشحذت سكاكين متعددة للإجهاز على المقاومة ولكن شخصاً كبيراً وقامة شامخة كالدكتور فتحي يكن رحمه الله تنبَّه لخطورة ذلك وكانت دعوته لإطلاق جبهة العمل الإسلامي من داخل العاصمة بيروت ليؤكد أن العدو الصهيوني هو عدو الأمة بكاملها، وهذه الأمة يجب أن تكون بكاملها في مواجهة هذا العدو الصهيوني. إن جبهة العمل الإسلامي تحمل على عاتقها اليوم الاستمرار في تكريس نهج مؤسسها وعدم التهاون في ذلك فهي أمانة في أعناقهم، وهم مسؤولون عنها قبل غيرهم وعليهم وحدهم لا على غيرهم يقع اللوم لا سمح الله إذا ما حصل أي تقصير في ذلك. ثالثاً: بعد مؤامرة الخامس من أيار التي تواطأ فيها جماعة السفارة الأميركية من خلال قرار الاعتداء على شبكة اتصالات المقاومة وما أعقبها من حوادث في السابع من أيار تصاعدت اللغة المذهبية في البلد وحاول الكثير اللعب من جديد على وتر الفتنة المذهبية ويومها بادر سماحته وبالتعاون معنا في تجمع العلماء المسلمين إلى الدعوة إلى صلاة الجماعة في وسط بيروت واصطفت العمائم السنية والشيعية جنباً إلى جنب والشباب السني والشيعي في صلاة واحدة جامعة بإمامته، وكانت رسالة مدوية لا تقتصر على الساحة اللبنانية بل تعمها إلى كل ساحات العالم الإسلامي بأن الخلاف ليس خلافاً مذهبياً بل هو خلاف سياسي بين نهجين نهج مقاومة فيه السني والشيعي ونهج استسلام وارتماء في أحضان الأمريكي فيه سني وشيعي بغض النظر عن النسب. لقد كان لهذه الصلاة كما قلت تأثيراً كبيراً لدى المسلمين والحركات الإسلامية في العالم ، وأذكر أنني سمعت تنويهاً بها في اندونيسيا وماليزيا كما من شخصيات علمائية مختلفة في العالم الإسلامي. إن الفكر الوحدوي للداعية فتحي يكن رحمه الله ليس بدعة من عنده بل هو إلتزام بنهج الدين القويم وينطلق من المرتكزات الفكرية للإسلام، والتحريف إنما وضع من أولئك الذين دعوا للفتنة التي حذر منها الإسلام بقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
|
||||