|
|||||||
|
تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أول نكسة سياسية كبيرة، أسقطت أحلامه في الهيمنة على البلاد بعد ١٣ عاما من صعوده السياسي، وذلك على أثر فشل حزبه "العدالة والتنمية" الحاكم في تأمين الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ٧ حزيران، ما يعني فشله في تشكيل حكومة بحزب منفرد، فضلاً عن أن أردوغان لن يتمكن من تحقيق حلمه بتوسيع سلطاته وتحويل النظام البرلماني إلى رئاسي، الأمر الذي بات في حكم المستحيل. إن توزيع المقاعد في الانتخابات البرلمانية التركية يعكس، على نحو كبير، عدم رضى الرأي العام التركي، الأمر الذي قد يحمل تغييرا مهما في السياسة الخارجية لتركيا، إذ إن الرأي العام في البلاد يخشى من أن يؤدي التورط في سوريا وسياسات حزب "العدالة والتنمية" التصادمية تجاه بعض دول الجوار إلى زيادة الأوضاع سوءا في المنطقة. من جهة أخرى، من المحتمل أن يفضي التشكيل البرلماني الجديد إلى مزيد من التدقيق في إدعاءات الفساد والقضايا المالية، ذلك أن أيام بناء قصور أكبر من قصور فرساي لإيجاد حل لمشكلة الصراصير قد انتهت. بعد أن فشل أردوغان في الانتخابات، عليه أن يسعى إلى تشكيل ائتلاف مع شركاء، ما سيضطره إلى كبح جماح أساليبه الاستبدادية لنيل رضا الأقلية الكردية. أما إذا فشل في تشكيل حكومة كهذه، فإن تركيا ستتجه إلى انتخابات مبكرة في آب المقبل، وذلك بعد رفض الناخبين الأتراك الإذعان لطموحات الرئيس التركي، حيث أوصلوا الأكراد إلى مقاعد البرلمان في خطوة تاريخية. تواجه تركيا فترة من الغموض السياسي لأسابيع، وذلك بعد أن رفع الناخبون الأتراك البطاقة الحمراء بوجه الرئيس التركي، بعدما أصابهم الملل من الأساليب التي يتبعها الحزب الحاكم، فضلاً عن كشف حقيقة أكاذيب الحكومة في ما زعمته من قضايا الانقلاب والتجسس والاتهامات المستمرة لجماعة الداعية فتح الله غولن. تنقل بعض المصادر الإعلامية أن الكثير من التوقعات والاستطلاعات كانت ترجح حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم على أكثر من نسبة ٤٥% من الأصوات، وهو ما سيمكنه من الحصول على الأغلبية البرلمانية، ويذكر بأن نسبة ٤٣% في قانون البرلمان التركي هي الحد الفاصل لتشكيل حكومة تتمتع بالأغلبية البرلمانية. لكن النتائج النهائية تشير إلى حصول حزب أردوغان على نسبة40.80 % من الأصوات وحصوله على ٢٥٨ مقعداً برلمانيا، من المقاعد النهائية للبرلمان التركي البالغة عددها ٥٥٠ مقعداً، وهو ما أبعده كثيراً عن الأغلبية البرلمانية. وتضيف المصادر أن هذه الانتخابات قد أتت بالعديد من المفاجآت ومنها حصول الأحزاب المعارضة على إنجازات سياسية مهمة، فقد حصل حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي على نسبة 12.91% من الأصوات وعلى ٧٩ مقعداً برلمانياً والذي عده البعض انتصاراً كبيراً وصفعة قوية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، لكون المعطيات الجديدة التي أفرزتها النتائج تعطي لحزب الأكراد الوزن والثقل السياسي الكبير في المساهمة في رسم السياسة التركية. حصل أكبر حزبين منافسين للحزب الحاكم وهما حزب "الشعب الجمهوري" (اشتراكي ديمقراطي) وحزب "العمل القومي اليميني" على 25.2% و5.16% من الأصوات على التوالي. وبذلك فاز الأول بـ١٣١ مقعداً والثاني بـ٨٢ مقعداً. وذكر مسؤول كبير في حزب "العدالة والتنمية" بعد ظهور النتائج الأولية، أن الحزب ربما سيضطر لتشكيل حكومة أقلية، مرجحاً إجراء انتخابات مبكرة. وقال مراقبون إن ما حدث هو نتاج طبيعي للسياسة الفاشلة، التي اعتمدها أردوغان ضد الشعب التركي من خلال إقصاء الأصوات المعارضة وقمع الحريات، يضاف إلى ذلك فساد الحكومة وعدم الحفاظ على العلاقات الدولية والتدخلات المتواصلة بشؤون الغير ودعم الجهات الإرهابية وغيرها من الأمور الأخرى. أردوغان ونتائج الانتخابات في هذا الشأن، يجلس في " قصره الأبيض" المبني حديثا بغرفه وقاعاته الألف وقد اكتملت خططه لإرساء دعائم رئاسة نافذة قوية، لكن في ذات اللحظة التي كان يتوقع أن يرى فيها نصرا متوجا لتلك الخطط، بدا أن نجمه يأفل. ولو أن هناك شعوراً واحداً جمع بين الأحزاب التركية المعارضة بعد الانتخابات العامة، فسيكون صدى لكلمة "لا" لحملة الرئيس رجب طيب أردوغان من أجل تمهيد الساحة السياسية لإنشاء تركيا الحديثة كما يراها. لا يزال حزب "العدالة والتنمية" الذي أسسه أردوغان عام ٢٠٠١ الحزب الأكبر على الإطلاق، لكنه فقد لأول مرة أغلبيته المطلقة وعجز عن تحقيق أغلبية الثلثين التي يحتاجها لتعديل الدستور، ولاح شبح التحالف لرجل لم يألف الحل الوسط. طموح أردوغان وسلطته النافذة التي طالما لملمت شتات حزب يجمع بين إصلاحيين ليبراليين وعناصر قومية وأخرى من يمين الوسط، إضافة إلى التيار الديني المحافظ هي عرضة الآن لتمزيق الحزب نفسه. ويشعر أيضاً شركاء تركيا الغربيون في حلف شمال الأطلسي بالقلق من أي تبعات محتملة للاضطرابات السياسية داخل أي دولة حليفة على حدود العراق وسوريا وإيران. يمكن تلخيص هذه النتائج في جملة واحدة: الناخبون قالوا "كفى" لأردوغان. وكان أردوغان قد استقال من رئاسة الوزراء في أغسطس آب الماضي، بعد أن أمضى في ذلك المنصب أكثر من عشر سنوات كي يتولى رئاسة البلاد، وهي منصب شرفي إلى حد كبير خطط لتحويله لمنصب تنفيذي قوي. بعد أن استنفد أردوغان كل القنوات التي أتاحها له الدستور، أمسك بزمام الحكومة فكانت اجتماعات مجلس الوزراء تعقد في قصره، فكان يرى أنها مجرد مسألة وقت إلى أن يقر البرلمان الجديد دوره. ويقول منتقدو أردوغان إنه لم يراع ما كان ينبغي أن يلتزم به كرئيس من علو فوق السياسات الحزبية. أما هو، فقد خاطب ما يصل إلى ثلاثة تجمعات حاشدة قبل يوم واحد من التصويت، مهمشاً رئيس الوزراء وزعيم الحزب أحمد داود أوغلو الذي اتهمه الرئيس بعدم بذل جهد يذكر للترويج لفكرة الرئاسة التنفيذية. قال مسؤول كبير في "العدالة والتنمية": "أسلوب أردوغان أضعف داود أوغلو، أيا كان ما يردده أي شخص، فإن سيطرة أردوغان على العملية الانتخابية للحزب وتدخله في الأحداث اليومية أثارا عدم ارتياح في الحزب وبين الناخبين". لقد أسس أردوغان حزب "العدالة والتنمية" في وقت كانت تركيا تنزلق فيه إلى أزمة مالية عام ٢٠٠١، حيث فاز الحزب بنصيب متنام من الأصوات في ثلاثة انتخابات برلمانية متعاقبة خلال عقد من الزمن، لكن تشدده المتزايد مع المعارضة أفقده تأييد نصف الأتراك، وترك البلاد في حالة انقسام حادة، بينما أصبحت المركزية سمة مثيرة للقلق من سمات حزبه "العدالة والتنمية". ويخشى بعض أعضاء الحزب أن يلقي أردوغان باللائمة في نتيجة انتخابات على داود أوغلو، الذي يحاول تعزيز وضعه داخل الحزب أو أن يسعى للانتقام منه فيستبدله ببديل طيع. وقال مسؤول كبير ثان بالحزب: "سيعتبر أردوغان هذه النتائج هزيمة لحزب "العدالة والتنمية" وسينتقد الحزب، هو دائما يفكر في بديل لداود أوغلو". وأضاف: "لا يقبل الهزيمة أبداً، لكنه لن يستطيع أن يفعل ما يحلو له في "العدالة والتنمية" بنفس السهولة التي كان يجدها من قبل". إن الاقتصاد التركي، الذي طالما كان دعامة من دعائم نجاحات "العدالة والتنمية" الانتخابية، بات إحدى نقاط ضعف أردوغان. فبعد سنوات من النمو المضطرد ابتلي بالبطء، كما أن خطر التشدد المتزايد في سوريا والعراق المجاورين،يلوح بقوة في وقت يشهد اضطرابا في العلاقات مع الغرب وشركاء بالمنطقة. ففي حالة اضطرار حزب "العدالة والتنمية" لتشكيل ائتلاف، قد يرفض شريكه الأصغر قطع ذلك الشوط الطويل إلى قصر الرئاسة الذي بني بنحو ٥٠٠ مليون دولار ليعقد اجتماعات مجلس الوزراء تحت سمع أردوغان وبصره. أما الرئيس، فهو ليس بالشخص الذي يجلس وحيداً في نعيم وبذخ وينتظر ما تأتي به الأحداث. من جانب آخر، اندهش الأتراك لغياب صوت الرئيس رجب طيب أردوغان المفاجئ عن موجات الأثير بعد أن فقد حزبه الأغلبية البرلمانية، فبدأوا يتشاركون عبر الإنترنت ساعة إلكترونية تحسب فترة صمته الإذاعي. وكانت القنوات التلفزيونية تبث خطابات أردوغان ثلاث مرات يومياً طوال الأسابيع التي سبقت الانتخابات، حيث كان يأمل أن يحقق حزب "العدالة والتنمية" الحاكم نصراً قوياً يمكنه من تعزيز سلطات الرئيس. لكن الحزب لن يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده للمرة الأولى منذ أكثر من عقد. الصراصير والقصر الجديد إلى جانب ذلك، وفيما يخص بعض القضايا المهمة التي أثارتها الحرب الانتخابية ومنها القصر الرئاسي الجديد، فقد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن انتشار الصراصير في قصره القديم كان السبب الذي دفعه إلى تشييد قصره الجديد المترامي على مشارف أنقرة. وأصبح القصر الجديد البالغة كلفته ٦١٥ مليون دولار محط سخرية المعارضة، التي وصفته بأنه ترف لا ضرورة له وخال من الذوق للرئيس الذي يزداد سلطوية. ولكن في مقابلة مع تلفزيون "أهابر"، قال أردوغان إن الأسباب التي دفعته إلى بناء القصر الذي يضم ١١٥٠ غرفة، كانت ملحة للغاية. وأوضح أن مكاتبه القديمة عندما كان يتولى رئاسة الوزراء من ٢٠٠٣ إلى ٢٠١٤، كانت تعج بالصراصير. وأضاف: "كان الضيف يأتي إلى مكاتب رئاسة الوزراء القديمة، ويجد صراصير في الحمام. ولهذا السبب بنيت هذا القصر". لقد هزئ المنتقدون بتصريحات أردوغان، فأطلقوا هاشتاغ "كارفاتما"، وتعني بالتركية صرصور على موقع تويتر، ودعوا الناس إلى التصويت ضد حزبه في الانتخابات التشريعية. إضافة إلى ذلك، قرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفع شكوى قضائية ضد أحد خصومه الرئيسيين بعد أن قال إن أغطية مقاعد المراحيض في قصره من الذهب. اتهم كيليتش دار أوغلو أردوغان بأن قصره مجهز بمراحيض من الذهب للتنديد بالفساد. أما أردوغان فقد أخذ هذه الاتهامات على محمل الجد وتحدى خصمه بإثباتها. وخلال مقابلة على تلفزيون "تي آر تي" العام، أجاب أردوغان بجدية على إدعاءات خصمه، داعياً إياه إلى التحقق منها في القصر. وقال أردوغان: "...أتساءل ما إذا كان بإمكانه إيجاد غطاء مرحاض من الذهب في القصر". وأضاف، "إذا كان الأمر صحيحاً سأقدم استقالتي". وقال أردوغان: "يا كيليتش دار أوغلو، متى زرت هذه المراحيض، وهل غسلتها لاكتشاف أنها من الذهب؟". وأجاب كيليتش دار أوغلو بالقول: "إنه غير مهتم بالقصور"، منتقداً "شهية أردوغان للذهب والدولارات واليوروهات". والقصر الذي دشن في الخريف هو موضع انتقادات من قبل معارضي الرئيس التركي المحافظ. إمكانية تحويل هزيمة أردوغان إلى انتصار بإمكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يحول انحسار حزب "العدالة والتنمية" إلى انتصار، وهذا أمر ممكن إذا كانت لدى أردوغان الشجاعة والحكمة الكافيتان لإعادة إحياء المفاوضات الخفية التي تجري منذ سنوات بين السلطات التركية، من جهة، وعبد الله أوجلان زعيم حزب "العمال الكردستاني" المحظور، من جهة أخرى. والحقيقة أن عبد الله أوجلان، المحكوم عليه بالسجن المؤبد، يظل ينظر إليه لدى أكراد تركيا بوصفه رمز النضال الكردي في تركيا، وشخصية تختلف كثيراً عن الزعامات الكردية في العراق وسوريا وإيران، من حيث طريقة تعامله مع المطالب الكردية ومع المشروع الكردي برمته. كان عبد الله أوجلان عاملاً أساسياً من العوامل التي دفعت ناخبين أكراداً في تركيا إلى التصويت في السابق أكثر من مرة لحزب "العدالة والتنمية"، ويعزى ذلك أساساً إلى قناعة لدى أوجلان بأن المصالحة الوطنية التركية بين السكان الأكراد الذين يمثلون قرابة خمس سكان تركيا، من ناحية، والسكان الأتراك الآخرين، من ناحية ثانية، يمكن أن تحصل عبر تعزيز الديمقراطية على نحو يشعر كل تركي بأنه كذلك، بصرف النظر عن انتماءاته الإثنية والطائفية والعقائدية والدينية والسياسية. لقد قيل أكثر من مرة إن الشخص القادر، من خارج الأكراد، على إجراء هذه المصالحة هو رجب طيب أردوغان. ولكن أردوغان لم يهتد إلى ذلك لعدة أسباب أهمها قناعته في السنوات الأخيرة بأن سلطته شبيهة بسلطة سلاطين الإمبراطورية العثمانية في عصرها الذهبي. من جديد، يمكن لأردوغان، بعد انحسار حزب "العدالة والتنمية" الأخير أن يساهم في تحقيق هذا المشروع لعدة أسباب يمكن حصرها في النقاط الآتية: ١- إن الأكراد أصبح لديهم حضور قوي في البرلمان التركي، فقد حصلوا على حوالي ثمانين مقعداً. ٢- إن مضاعفة عدد النساء في البرلمان الجديد يعزى قبل كل شيء إلى المرشحات الكرديات، ومن بينهن ابنة شقيق عبد الله أوجلان. ٣- إن الخطاب الذي وصل من خلاله النواب الأكراد إلى البرلمان التركي معتدل جدا ومستثمر في المنظومة الديمقراطية. ٤- إن هذه المصالحة قادرة، في حال حصولها على منح الطبقة السياسية التركية برمتها منزلة خاصة في العالم، حيث تنمو أزمات انعدام الثقة بين المواطنين من جهة، والأحزاب السياسية، من جهة أخرى. نتائج الانتخابات التركية والحرب على سوريا ليس خافياً على أحد أن تركيا حزب "العدالة" تلعب دوراً رئيساً في الحرب على سوريا، سواء من خلال فتح حدودها للإرهابيين الأجانب أو مدهم بالسلاح، أو باستضافتها غرفة عمليات مشتركة دولية إقليمية، توجه وتقود الحرب الإرهابية على سوريا، كما أن تركيا لعبت دوراً كبيراً في تعطيل الحلول السياسية للأزمة القائمة في سوريا، حيث اعترضت على جميع محاولات البحث عن حل سياسي يحقن دماء السوريين ويوقف مسلسل تدمير بلادهم. لا شك أن الانتخابات التركية ستترك تأثيراً مهماً على مجرى الأحداث الميدانية لاسيما في هذا التوقيت، حيث الرهان الدولي والإقليمي على دور تركيا في التصعيد الذي شهدته محافظة إدلب، وكذلك الاستعدادات لتصعيد مماثل في محافظة حلب. فقد وجهت نتائج الانتخابات ضربة كبيرة لهذه المخططات، بمعزل عن المآل الذي سترسو عليه الأوضاع السياسية في تركيا، ذلك أن حزب "العدالة والتنمية" بات الآن تحت رقابة شديدة من الأحزاب الثلاثة المعارضة، والتي تتقاطع سياستها مع سياسية رفض سياسة أردوغان في سوريا، وتحديداً دعمه للتنظيمات الإرهابية التكفيرية، سواء المصنفة إرهاباً دولياً أو المصنفة معتدلة. من المؤشرات على سقوط حزب "العدالة والتنمية" في تركيا، تحول علاقاتها مع دول الجوار إلى علاقات عدائية، وخصوصاً مع سوريا والعراق. إن انتخابات ٧ حزيران ونتائجها هي حصيلة عملية ومنطقية لهذه السياسات، التي ساهمت في تقويض النموذج الإسلامي التركي الذي راهن عليه الغرب وشرائح كثيرة. إن نتائج الانتخابات النيابية في تركيا أكدت بشكل قاطع أن سياسات أردوغان الداخلية والخارجية مرفوضة، إذ إن ما يمارسه من إرهاب داخل الساحتين السورية والعراقية لا يحظى بقبول الشارع التركي، وأن العودة إلى العصر العثماني من ظلام وتجهيل للشعوب هو أمر بحكم المستحيل، فتركيا ليست مزرعة لأردوغان وتوجهاته، هذه التوجهات التي تحمل عنوان الساحات العربية. إن عدم حصول الحزب الحاكم في تركيا على الأغلبية، يعني وجود أطراف أخرى غيره في الحكومة المقبلة. وبما أن الموقف المتشدد تجاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد كان موقفاً فردياً من حزب "العدالة والتنمية"، فإن الأحزاب الأخرى التي ستدخل الائتلاف قد لا توافق على النهج نفسه حيال الوضع في سوريا. قبل أيام من انطلاق الانتخابات التشريعية، نشرت صحيفة (جمهورييت) المعارضة صور قذائف هاون مخبأة تحت أدوية في شاحنات مؤجرة رسميا لصالح منظمة إنسانية، اعترضتها قوة درك تركية قرب الحدود السورية في يناير٢٠١٤. وقد أثار هذا الأمر فضيحة، خصوصاً عندما أكدت وثائق سياسية نشرت على الإنترنت أن الشاحنات تعود إلى الاستخبارات التركية، وتنقل أسلحة وذخائر إلى إرهابيين يقاتلون نظام الرئيس السوري بشار الأسد. رغم نفي أنقرة الدائم دعم المقاتلين المعارضين للنظام السوري، فإن نكسة حزب "العدالة والتنمية "في الانتخابات، ستترك أثراً سلبياً على نشاط مقاتلي المعارضة المسلحة في الداخل السوري. إذا تم تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب "العدالة والتنمية" التركي، فهذا بالتأكيد سيؤثر في انخراط تركيا في دعم المجموعات الإرهابية المسلحة. إن مستوى الدعم التركي سيتناقص إلى مستويات منخفضة، وستكون الحكومة الجديدة أكثر تعاوناً مع المجتمع الدولي ومع مجلس الأمن، الذي يطالب بوقف تدفق الإرهابيين عبر الحدود التركية. لا شك أن الموقف التركي سيتغير وسيصبح مطالباً بحل سياسي بدلاً من الموقف التركي السابق، والذي كان يدعو إلى الحل العسكري ودعم الإرهابيين في سوريا. يرى أمين عام هيئة العمل الوطني الديمقراطي في سوريا المعارض، محمود مرعي، تغيراً، بدون أدنى شك، في السياسة التركية تجاه سوريا بعد خسارة حزب أردوغان. وقال مرعي: "إن حزب "العدالة والتنمية" مجبر على أن يشارك القوى السياسية الأخرى في حكومة، وفي حال شارك هذه القوى السياسية، فهي لها وجهة نظر لا تريد العداء مع سوريا ولا تريد إدخال السلاح والمسلحين ولا تريد دعم المسلحين الذين يدخلون إلى سوريا، لذلك السياسية التركية على الأغلب سوف تتغير". لماذا يقلق أردوغان يمكن لأردوغان أن ينكر كل الاتهامات حول تحالفه مع الإرهاب، لأن المجاهرة به تعتبر إدانة مادية مباشرة له. لكن، ماذا بشأن الشاحنات المحملة بالأسلحة التي ضبطت وهي متجهة إلى سوريا بحماية المخابرات التركية، وتم تصوير محتوياتها والتحدث مع سائقها؟ - كما فضحت ذلك صحيفة جمهورييت التركية -. ثم كيف يصدّر الإرهابيون النفط من حقول سوريا والعراق إلى الخارج وعن أي طريق، ومن يتولى نقل الصهاريج عبر الأراضي التركية علانية وبيعها للتجار بأسعار تقل عن نصف الأسعار العالمية؟. ليس هذا فحسب، فالأراضي التركية ما زالت تعتبر الملاذ الآمن للجماعات الإرهابية ومقراً وممراً لكل المرتزقة الذين يتم تجنيدهم من مختلف أرجاء العالم للقتال في سوريا والعراق، والنفي التركي أو تحميل الآخرين مسؤولية التعاون لا ينفي الحقيقة التي تقول غير ذلك وتدحض كل ما يصدر عن أردوغان وغيره من المسؤولين الأتراك بهذا الخصوص. من حق أردوغان أن يقلق على كل هزيمة أو انتكاسة تلحق بـ"داعش" أو "جبهة النصرة" أو غيرهما من التنظيمات الإرهابية، حتى تلك التي يسمونها بالمعتدلة للتغطية على إرهابها، لأن ذلك لا بد أن يشكل هزيمة أو انتكاسة لمشروعه التدميري.
|
||||||