|
|||||
|
أقلامٌ تنقلُ عدوى "الثورات"
مثلت الصحافة قوة دفع كبرى للتغيير في دول الربيع العربي، لاسيما تلك الدول التي تمتعت بقدر معتبر من حرية الكلمة. ويرصد هذا الكتاب الدور الكبير للصحافة في تهيئة المجتمع المصري لثورة 25 يناير، والإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. ويتناول الكتاب أحد أهم موضوعات الاتصال السياسي المطروحة على ساحة النقاش الأكاديمي والمجتمعي بعد ثورة 25 يناير، من خلال عرض دراستين: الأولى تركز على تحليل وتفسير دور الصحافة المصرية في التمهيد للثورة، وهي خلاصة رسالة ماجستير أعدها المؤلف وفازت بجائزة أفضل رسالة في مجال الإعلام عن عام 2013 من جامعة القاهرة، بينما تركز الدراسة الثانية على أبعاد أزمة الشرعية السياسية في المجتمع المصري وتناول وسائل الإعلام لها قبيل أحداث 30 يونيو. ويقدم المؤلف رؤيته للعلاقة بين وسائل الإعلام وشرعية النظم السياسية، سواء كانت تلك الوسائل مصطفة بجانب السلطة أو مناوئة لسياساتها. وفي الحالة الأولى تسهم وسائل الإعلام في إضفاء الشرعية على النظام السياسي من خلال آليات من بينها متابعة تنفيذ المشروعات التنموية، والتأكيد على كفاءة النظام في أدائها، والتركيز على الإنجازات الحكومية، أما في الحالة الثانية، فتلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً في تقويض شرعية السلطة، وإبراز سلبيات النظام السياسي، والتشكيك في قدرات النخبة السياسية. في الفصل الأول من الكتاب يحاول المؤلف إلقاء الضوء على دور الصحافة والإعلام في تكوين حالة تراكمية من الرفض والإحباط واليأس من تحقيق التطلعات، وزيادة الشعور بالحرمان من الحقوق تدريجياً إلى أن تدفع المعاناة الأفراد المحرومين إلى تنظيم أنفسهم في محاولة لإجبار السلطات والمؤسسات على تحسين ظروفهم. ويرى المؤلف أن العلاقة بين الحرمان الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي أو الثورة ليست علاقة مباشرة، فلا بد من أدوات وسيطة تؤثر على العلاقة بينهم، فالحرمان الاقتصادي لا بد أن يصحبه وعي اجتماعي كعامل مساعد حتى يؤدي إلى نتائجه الخاصة بالتوتر النفسي على المستوى الفردي، ثم الغضب الاجتماعي على المستوى الجماعي. وتساهم وسائل الإعلام في نقل ما يسميه المؤلف بـ"عدوى الثورات"، من خلال تسليط الضوء على الثورات التي تقع في الدول الأخرى، وإضفاء الشرعية عليها، وشرح أسبابها وتفاصيلها للجماهير، ويشير إلى عراقة الدور التنويري للصحافة المصرية مستشهدا بدورها في التمهيد للثورة العرابية عام 1882، من خلال نقل أحداث الثورة الفرنسية للمصريين، والثناء على نجاحها في تحقيق أهدافها. كما تساهم وسائل الإعلام في خلق حالة من الإجماع تجاه مشكلات بعينها، كانتشار الفقر وغياب العدالة والمساواة، أو استغلال أزمة معينة أو حادث طارئ، يكون بمثابة الشرارة الأولى لتفجير الغضب، وإدراك الفكر الجمعي لأهمية التغيير وضرورته. ويرى المؤلف أن وسائل الإعلام لها دور وظيفي في عملية التحول الديمقراطي، عبر القيام بمجموعة من الوظائف في مقدمتها إمداد الجمهور بالمعلومات، إلا أن هذا الدور مرهون بمستوى الحرية التي تتمتع بها تلك الوسائل، وطبيعة علاقتها بالنظام السياسي. ويرصد المؤلف ثلاثة اتجاهات حول حدود العلاقة بين الإعلام والتطور الديمقراطي، أولها يرى أن الصحافة والإعلام فاعل رئيسي في العملية الديمقراطية، باعتبارها أداة يمكن من خلالها توجيه الرأي العام، إضافة إلى دورها الرقابي، وقدرتها على تقويض شرعية النظام السياسي، وهي رؤية اعتبرها المؤلف متسمة بالقصور، لأنها تتعامل مع الإعلام وكأنه الفاعل الوحيد، وتتجاهل دور القوى السياسية والمجتمع المدني. "تساهم وسائل الإعلام في نقل ما يسميه المؤلف بـ"عدوى الثورات"، من خلال تسليط الضوء على الثورات التي تقع في الدول الأخرى، وإضفاء الشرعية عليها، وشرح أسبابها وتفاصيلها للجماهير" أما الاتجاه الثاني، فيشكك في أهمية الدور الإعلامي في دعم عملية التطور الديمقراطي، وينظر بسلبية إلى جهود الصحافة في التغيير السياسي، باعتبار أن وسائل الإعلام والصحافة ما هي إلا أداة لمساندة السلطة، تستخدمها الأنظمة الاستبدادية لفرض سيطرتها على المجتمع، وهي رؤية يرفضها المؤلف أيضا، لأنها تضع وسائل الإعلام كلها في سلة واحدة، دون تفرقة بين الحكومي منها والخاص والحزبي، والدور الواضح للإعلام في توجيه الجماهير نحو التغيير. فيما يقر أصحاب الاتجاه الثالث، بالقيود المفروضة على الصحافة والإعلام، ومحاولات الأنظمة للحد من دورها، إلا أنهم يرون إمكانية إصلاح هذا الخلل، بالتحرير التدريجي للإعلام ليتبلور دوره بالتوازي مع عملية التحول الديمقراطي. ويتوقف المؤلف أمام الإشكاليات التي تعوق العمل الحر لوسائل الإعلام، ومن أهمها ترسانة القوانين، التي تتخذ السلطة السياسية منها ذريعة لإحكام قبضتها على الصحف، باستخدام مصطلحات مطاطة، مثل "الأمن القومي" و"حماية النظام العام"، ومنها أنماط الملكية (حكومي، حزبي، خاص)، وبيئة العمل داخل المؤسسات الصحفية، ومدى الكفاءة المهنية للعاملين فيها. ويخصص المؤلف فصلاً كاملاً لتحليل خطاب الصحافة المصرية بأنماط ملكيتها المختلفة، واتجاهاتها في التمهيد لثورة 25 يناير، من خلال عينة ممثلة في صحف "الأهرام" و"روز اليوسف" (حكومي) و"المصري اليوم" و"الدستور" (خاص) و"الوفد" و"العربي" (حزبي)، خلال الفترة من 2005 حتى نهاية عام 2010، وتناول هذه الصحف لمجموعة من الأحداث الكاشفة، من بينها التعديلات الدستورية عام 2005، والانتخابات البرلمانية والرئاسية في نفس العام، وحادث غرق العبارة السلام عام 2006، وإضراب 6 أبريل/نيسان في 2008، وانتخابات مجلسي الشعب والشورى عام 2010. ويرصد المؤلف استعانة كتّاب الرأي في الصحف المصرية بما تنشره الصحافة العالمية، وبينما كانت الصحف المعارضة تنقل ما يؤيد موقفها من النظام السياسي، ويظهر استبداده وفساده، كان الكتاب الموالون للنظام، يتخذون من هذه الاستشهادات دليلاً على عدائية الغرب، وأن ما ينشره مجرد كذب وزيف يستهدف تشويه صورة نظام مبارك، لإتاحة الفرصة للتدخل في شؤون البلاد.
|
||||