التوظيف الإسرائيلي لوسائل التواصل الاجتماعي

السنة الرابعة عشر ـ العدد 163 ـ (رمضان ـ شوال 1436 هـ) تموز ـ 2015 م)

بقلم: ازدهار معتوق(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

المحاكم الإسرائيلية تصدر أحكاماً بالسجن على 10 فلسطينيين من القدس بسبب كتابات على موقع الفايسبوك وصفتها الشرطة الإسرائيلية بأنها ذات طابع تحريضي. كما تلقى أمين سر حركة فتح في القدس عمر الشلبي بسبب ما كتبه تلقى أمراً بالإبعاد هو وعائلته. وأمضى إسلام النتشة 5 أشهر، في السجون الإسرائيلية على خلفية كتابات على حسابه في فايسبوك، وكان من بين 10 فلسطينيين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية على خلفية ما كتبوه على الموقع.

وما زال 9 من المعتقلين ينفذون أحكاماً مختلفة بالسجن، وقد استخدمت المحكمة الإسرائيلية عبارة، قالت إن إسلام كتبها تعليقاً على أحد المشاركات المنشورة. ويقضي عمر الشلبي، ناشط في حركة فتح، أيضاً حكما بالسجن لتسعة أشهر، والتهمة المنسوبة إليه هي "التحريض عبر الفايسبوك". وعُمَر هو والد لستة أطفال، تقول زوجته إنها تلقت أيضاً أمراً بإبعادها وزوجها عن مدينة القدس لأسباب تصفها إسرائيل بالأمنية.

ويشعر الفلسطينيون بمراقبة الأجهزة الإسرائيلية لمواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل مصدراً استخباراتياً مهماً لهم، لكن تهمة التحريض لم تستخدم ضد ناشطين يمينيين إسرائيليين. وقد بات ما يكتبه الفلسطينيون على مواقع التواصل، وسيلة جديدة تستخدمها سلطات إسرائيل للنيل من حرية شعب قابع تحت الاحتلال.

وسيلة جديدة للتجسس

يعتبر موقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" مصدراً معلوماتياً هام للموساد الإسرائيلي, فقد دشنت الجهات الإسرائيلية عدداً كبيراً من الصفحات على موقع الفايسبوك الناطقة باللغة العربية لتكون - من ناحية - مصدراً للمعلومات عن إسرائيل, ووسيلة لإطلاع العرب على أنشطتها, والحرص على تجميل وجهها, وإبراز وجه إنساني مُتسامح مُتقدم علمياً وإنسانياً. كما ويعتمد الموساد الإسرائيلي على آلاف الصفحات التي يقوم بتدشينها على موقع الفايسبوك, بحيث يقوم كل عنصر في الموساد بإدارة عدد من الحسابات, وكتابة تقارير يومية وأسبوعية وشهرية عن الأوضاع داخل الوطن العربي, تتضمن(الحالة الأمنية – الاقتصادية – المستوي المعيشي والثقافي للشباب العربي – علاقة المواطنين بحكومات دولهم), مُعتمدين في تلك التقارير علي آراء وتوجهات الشباب العربي الذين يتم إضافتهم  كأصدقاء علي تلك الصفحات.

ولكن الأمر لم يقتصر على ذلك, حيث ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونت" الإسرائيلية  منذ أيام قليلة ماضية على موقعها الإلكتروني, أن "معهد الموساد للاستخبارات والعمليات الخاصة" قد أطلق حملة جديدة على موقع الفايسبوك تحت شعار "مع أعداء على هذا النحو – هناك حاجة للأصدقاء" التي تهدف إلى ضم "تجنيد" العديد من المهنيين العرب إلى صفوف الموساد الإسرائيلي, وأشارت الصحيفة أن تلك الحملة تعتبر من أكبر الحملات التي أطلقها الموساد منذ عدة سنوات. وتضمنت الصفحة الخاصة بتلك الحملة, إعلان عن أن الموساد مُستعد لقبول الأشخاص الذين يتمتعون بالعبقرية والذكاء والشجاعة والتأثير على الناس, مع إمكانية الإقامة في إسرائيل, والسفر في رحلات قصيرة لبعض دول العالم, والتدريب لمدة عام. كذلك أن الموساد يحتاج إلى الأشخاص الذين عملوا في وحدات استخبارات عسكرية, ويجيدون اللغتين الفارسية والعربية, ومعلمي اللغات الأجنبية, والعاملين في مجالات التكنولوجيا الحديثة, والكيمائيين, ومساعدي المختبرات, ومصممي الجرافيك, والمحامين, وعلماء النفس, غيرها من المجالات المختلفة.

مما لاشك فيه أن العديد من الجهات الإسرائيلية تهتم اهتماماً كبيراً برصد ومتابعة ما يحدث في العالم العربي, من خلال وسائل متعددة, والتي أصبح من أخطرها مواقع التواصل الاجتماعي, خصوصاً "الفايسبوك", نظراً لإقبال الملايين من الشباب العربي إقبالاً شديداً على استخدامه, وبالتالي فإن إسرائيل رصدت وأدركت أهمية ذلك في تطوير أساليب التجسس وتجنيد عملاء من شباب الوطن العربي.  

كذلك نجد أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قد دشَّنت عدداً من الصفحات الناطقة باللغة العربية على موقع الفايسبوك, من أهمها صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية", و(هي الصفحة الرسمية بالعربية لإسرائيل على الفايسبوك) وتعتبر تلك الصفحة هي الأكثر احترافية في نشر الأخبار التي تُجمل صورة إسرائيل بشكل كبير. وتشير إحصائيات الصفحة إلي أن عدد أعضائها يبلغ حوالي 113350عضواً, ومن اللافت للانتباه هنا, أن مدينة القاهرة هي من أكثر المدن المُتابعة للصفحة, والفئة العمرية الأكثر إقبالاً عليها تتراوح ما بين 18 إلى 24 عاماً. وغيرها من الصفحات مثل"إسرائيل بالعربية", "إسرائيل بدون رقابة", كما دشن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" صفحة على الفايسبوك باللغة العربية منذ عدة سنوات, بهدف التواصل والتراسل من خلالها مع شباب الوطن العربي.

كما نشرت مجلة "إسرائيل اليهودية" التي تصدر في فرنسا تقريراً هاماً عن موقع الفايسبوك, مؤكدة أنه موقع "استخبارات صهيوني" مهمته تجنيد العملاء والجواسيس لصالح إسرائيل, حيث طرح التقرير المزيد من الشكوك حول مدى استفادة إسرائيل من الكم الهائل من المعلومات المتاحة عن المشتركين من العالم العربي والإسلامي, وتحليلها, وتكوين صورة استخباراتية عن شباب الوطن العربي. وللأسف الشديد أصبح العديد من الشباب العربي والإسلامي "فريسة" للموساد الإسرائيلي, حيث أنهم يقدمون معلومات هامة للمخابرات الإسرائيلية دون أن يعلموا ذلك, خصوصاً وأن الأمر أصبح سهلا ومُتاح للجميع, فلا يتطلب سوى الدخول على الانترنت, خصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي والتحدث في أي موضوع مع أي شخص لا يعرفه, اعتقاداً منه أنه يتخلص من الكبت الذي يشعر به, ويضيع أوقات فراغه. ولكن في حقيقة الأمر هناك طرف أخر ينتظر رصد وتحليل كل كلمة يكتبها أو يتحدث بها, ليستخرج المعلومات اللازمة, دون أن يشعر هذا الشخص أنه أصبح جاسوساً أو عميلاً للمخابرات الإسرائيلية.

لذا, أوصى الدكتور "هشام المهدي" الفائز بلقب أفضل أستاذ تكنولوجيا المعلومات في أفريقيا, أنه يجب توخي الحذر في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي, حيث أن الموساد الإسرائيلي يتحكم بشكل كبير في شبكات التواصل الاجتماعي, خصوصاً "الفايسبوك", مضيفاً إلى أن هناك علماً جديداً يسمى "علوم الهندسة المجتمعية" تجيده إسرائيل, والهدف منه استخدام وسائل الاتصال الحديثة في تغيير المجتمعات والتعرف على أسرارها. مشيراً إلى أن المصريين يبالغون في استخدام الفايسبوك, حيث أن هناك حوالي 33 مليون مصري يستخدم الانترنت, منهم حوالي 13 مليون يستخدمون الفايسبوك, وأن الموساد يستطيع التعرف على الأشخاص من خلال الفايسبوك, خصوصاً الذين يتولون مناصب في الدولة. كما يجب على كل شاب توخي الحذر وتجنب بعض الأشياء عند استخدام موقع الفايسبوك منها:

- عدم إرسال إيميلات لأشخاص لا نعرفهم.

- عدم الموافقة على أي طلب صداقة دون معرفة المرسل.

- عدم كتابة Comment أو عمل Like على صفحات مشبوهة وغير معلومة المصدر.

- عدم وضع أو كتابة أي معلومات هامة وسرية تتعلق بك صفحتك على الفايسبوك.

كنز كبير"لإسرائيل"

أصبحت مخاطر أمن الانترنت ترقى إلى مستوى تهديد الأمن القومي لدول العالم, وبالطبع تختلف القوانين من دولة إلى أخرى علي حسب منظوماتها التشريعية والقانونية, ولم يُحدد بعد قانون عام لجميع الدول خاص، لكن هناك تعاملات وتعاهدات إلكترونية دولية بين بعض الدول, حيث أن الدول تختلف من حيث المصادر في جميع شئونها لغوياً ومادياً وجغرافياً, والمعترف به دولياً هو برتوكولات الاتصالات. 

وفي تطور مفاجئ وسريع لتداعيات الهجمات الالكترونية العنيفة التي تعرضت لها إسرائيل مؤخراً, لوحت إسرائيل منذ مدةٍ أنها تراقب مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي, حيث كشف الموقع الرسمي لإذاعة الجيش الإسرائيلي "جالي تساهال" عن الوحدة "حتسف" التابعة لجهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك", وهي الوحدة المسئولة عن متابعة ومراقبة الإعلام العربي, أنشئت منذ 10 سنوات, وتمد جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية بالمعلومات الهامة التي يمكن الاستفادة منها من خلال رصد ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" و"تويتر" الخاصة بالعدو (على حد وصفهم) الذي يتمثل في الدول العربية ومنها مصر. حيث ترصد تلك الوحدة كل كلمة أو تغريده أو صورة يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي العربي, كما أنها تقوم بالرد على الصور "المزيفة" من وجهه نظرها, فعلى سبيل المثال (نشرت بعض الصفحات العربية على موقع "فايسبوك" خلال العملية "عمود السحاب" صوراً نسبت للجيش الإسرائيلي لمجازر ارتكبت بحق مدنيين, ولكنها في الحقيقة هي صور لمجازر بشار الأسد في سوريا), وتمت معالجة الأمر من خلال الوحدة "حتسف" وتوضيح حقيقة تلك الصور.

وصرح رئيس وحدة "حتسف" بأن هناك فوائد عديدة تعود على إسرائيل من تلك الوحدة, فعلى سبيل المثال – على حد قوله – استطاعت أجهزة المخابرات الإسرائيلية من خلال الكتابات والشعارات والصور التي ينشرها المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي, التعرف على مدى خيبة أمل المصريين تجاه حكم الإخوان, وشعور التيار الليبرالي أو الإصلاحي في مصر باليأس من حدوث تغيير جذري.

في البداية كانت تحصل إسرائيل على المعلومات والتصريحات المُعادية لها عن طريق منظمتين هما, منظمة الشرق الأوسط للبحوث الإعلامية ومقرها واشنطن, ومركز الإعلام الإسرائيلي الفلسطيني بنيويورك التابع لعدد من المتطرفين اليمينيين الإسرائيليين.    

أما الآن نجد أن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية تعتمد على مصدرين أساسين لجمع المعلومات الاستخبارية أولهما "المصادر البشرية" القائمة على تجنيد العملاء سواء كانوا عملاء مرتبطين بتنظيمات محددة أو عملاء تستطيع زرعهم داخل تلك التنظيمات. وثانيهما "المصادر الالكترونية" القائمة على الاستعانة بأحدث ما توصلت إليه التقنيات الحديثة. ويوجد أقسام داخل المؤسسات الاستخبارية الإسرائيلية تعنى بالتجسس الالكتروني, وهي جهاز المخابرات الداخلية "شاباك", وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان", وجهاز "الموساد". ويعتبر جهاز "أمان" من أهم أجهزة التجسس الالكتروني في إسرائيل, فمنذ ثلاثة عقود دشن هذا الجهاز قسماً متخصصاً في مجال التجسس الالكتروني, أطلق عليه "الوحدة 8200" التي تهدف إلى المساهمة في تقديم رؤية استخبارية متكاملة بجانب المعلومات التي توفرها المصادر البشرية القائمة علي العملاء.

وهذه ليست المرة الأولى التي تصرح فيها إسرائيل عن مراقبة وسائل الإعلام العربي, ففي فبراير عام 2012, كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن سلاح المخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان" التابع للجيش الإسرائيلي قد أنشأ وحدة لمراقبة وسائل الإعلام المصرية والعربية المختلفة, لرصد توجهات العالم العربي تجاه إسرائيل, خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي. وأطلق علي تلك الوحدة اسم "MI" التي تعمل علي جمع المواد الإخبارية والتصريحات السياسية على مدار 24 ساعة يومياً, كما أنها تتابع الصفحات الشخصية للمسئولين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي. أيضاً أشارت الصحيفة إلى أن جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية استعان "بالوحدة 8200" التي تعمل في مجال التجسس الالكتروني لرصد توجهات العالم العربي تجاه الكيان الصهيوني, حيث أنها تقوم بمراقبة الرسائل العربية المُعادية لإسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي, وتسعى لمواجهتها بالتعاون مع مصادر خارجية غير رسمية.

لقد تعددت وحدات التجسس الإلكتروني داخل الجيش الإسرائيلي, والتي من أبرزها وحدة "الملك داوود" التي تتمثل مهمتها في اختراق البث الإذاعي والتليفزيوني, أجهزة الاتصالات والمراقبة, تعطيل نظم الاتصالات, وإرسال رسائل خاصة خلال العمليات الميدانية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. وتستطيع تلك الوحدة السيطرة على الأجهزة التي تستخدم ترددات الكترونية, سواء كانت ملحقة بالطائرات أو السفن الحربية. ونفذت العديد من عمليات التشويش منذ عام 2006 , كان من أبرزها اختراق محطة "قناة المنار" التلفزيونية التابعة "لحزب الله" بلبنان, وفي عام 2012 قامت بعمليات تشويش على المحطات التلفزيونية الفلسطينية أثناء عملية "عامود السحاب".  

أما وحدة "كومتس" فمهمتها مراقبة الحدود مع لبنان, وتستخدم أحدث التقنيات التكنولوجية لمراقبة الحدود الشمالية الإسرائيلية, وتعمل على تقوية السياج الحدودي بطول المنطقة الحدودية مع لبنان, ووضع كاميرات مراقبة ومعدات وأجهزة استخبارية متطورة.

كذلك وحدة الحاسبات "MAMRAM" الخاصة بالجيش الإسرائيلي, وهي مركز البيانات ونظم المعلومات العسكرية الإسرائيلية, وتلك الوحدة قامت بإدخال الحاسب الآلي لأول مرة في الحروب الإسرائيلية, تأسست في عام 1959, ودورها الأساسي هو تشغيل مراكز البيانات ورصد وتطوير النظم الإلكترونية الملحقة بالجيش الإسرائيلي, وتضم الوحدة مجموعة من خبراء أنظمة الجيش الإسرائيلي لديهم القدرة علي التطوير التكنولوجي والاتصال بين أسلحة الجيش الإسرائيلي المختلفة. ومن أهم مهام تلك الوحدة, برمجة القاذفات الصاروخية بالطائرات التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي, والتعامل مع هجمات الهاكرز, واستحداث برامج خاصة بالجيش الإسرائيلي, ومسئولية نقل البيانات بطريقة آمنة من الوحدات إلى قيادة الجيش.

وتعد وحدة "أورانيم" من أقوى وأكبر قواعد التصنت في المخابرات الإسرائيلية وفي العالم, وتتبع وحدة التجسس"8200", أنشئت في عام 1996 بتعاون أمريكي, بريطاني, كندي, استرالي, نيوزلندي, وتتمثل مهمتها في القيام باعتراض المكالمات الهاتفية والتجسس عليها في جميع أنحاء العالم, والرسائل, والبيانات الإلكترونية المرسلة عبر الأقمار الصناعية, وكابلات الاتصالات البحرية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط, ومنطقة الشرق الأوسط, وقارات أسيا, أوروبا, أفريقيا.  

كذلك يرصد جنود الجيش الإسرائيلي من خلال الوحدة "قصاصي الأثر", وهي وحدة من الكتيبة الصحراوية بالجيش الإسرائيلي بها مقتفي الأثر من البدو, الأشرطة المصورة التي يبثها الناشطون السوريون على موقع "يوتيوب" بهدف التعرف على تطورات المشهد السوري, واكتشاف خطط عمل الجيش السوري الحر.

وفي إبريل عام 2011 سمحت المخابرات الإسرائيلية للقناة التلفزيونية الثانية في إسرائيل بنشر تقرير تم تصويره في قاعدة جوية بصحراء النقب لعملية جمع فيها ما يقرب من 300 خبير أداروا حرباً الكترونية, وتم الكشف فيها ولأول مرة عن بعض التكتيكات التكنولوجية الحربية ضد العالم الإسلامي, وأظهر التقرير إنجازات خبراء تكنولوجيا المعلومات التابعة للمخابرات الإسرائيلية.

إن تشغيل تلك الوحدات يتم بطريقة إلكترونية تعتمد على الأقمار الصناعية التجسسية, وهي "آفاق 5,6,7 ", وسيتم إطلاق "آفاق 8" في عام 2014, حيث تتبع تلك الأقمار الكابلات الإلكترونية في مصر, ونقلها في شكل حزم معلوماتية, يتم تفريغها بواسطة الوحدات التابعة للمخابرات الإسرائيلية.

أصبحت إسرائيل تهتم بمجال الحرب الإلكترونية مثلما تهتم بالحروب العسكرية مع الدول الأخرى, فقد اقترحت دراسة أعدها مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب, بما وصفته "بالإستراتيجية المتكاملة لخوض الحروب الإلكترونية في العصر الحالي", مشيرة إلى أن تكنولوجيا المعلومات أمر هام بالنسبة للكيان الإسرائيلي, خصوصاً في المجال الاقتصادي. كما تقدمت تلك الدراسة بتوصية خاصة بضرورة إدماج مجال الحرب الإلكترونية, كأحد المجالات القتالية الجديدة, بالمجالات القتالية التقليدية (البرية, الجوية, البحرية), وأن يتم إدماجه أيضاً في الإستراتيجية الأمنية العامة لإسرائيل. وخلصت الدراسة إلى التأكيد على أن إسرائيل لديها فرصة كبيرة, لتصبح من الدول الرائدة في مجال الحرب الإلكترونية, لما تمتلكه من قوى بشرية, ومعرفة تكنولوجية واسعة في هذا المجال.

محاولة اختراق غزة

حذرت مصادر فلسطينية في الآونة الأخيرة من محاولات جهاز الاستخبارات والعمليات الخاصة الإسرائيلي (الموساد) جمع معلومات أمنية عن قطاع غزة، مستغلاً في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، ومعتمداً على حسابات وهمية بأسماء فتيات يزعمن أنهن من دول المغرب العربي.

وتقول المصادر إن "حسابات على فايسبوك تخص فتيات ينتحلن الجنسية المغربية على وجه التحديد، تقوم في الآونة الأخيرة بالتواصل مع شباب في قطاع غزة، وتطلب منهم المساعدة في حل أي مشكلة مفتعلة".

وأشارت إلى "واقعة حدثت مؤخراً، حين نشأت علاقة تعارف بين شاب فلسطيني وفتاة تدّعي أنها مغربية، وأنها أرسلت إليه رابطاً على الدردشة، وبعد أن ضغط عليه قاده إلى صفحة مثيرة للشكوك، وعادت الفتاة لتؤكد له أنها من عرب إسرائيل، وطلبت منه التعاون معها والإدلاء بمعلومات أمنية".

وأضافت أن "الموساد يستعين بعلم (الهندسة الاجتماعية) أو ما يعرف بفن اختراق العقول، وأن غالبية الحسابات المشبوهة تكون لفتاة فاتنة تضع صورتها الشخصية (الوهمية)، وغالباً ما تكون في أوائل العشرينات من عمرها، وأن تاريخ إنشاء الصفحة يكون حديثاً، لا يتجاوز عدة أيام أو أسابيع على الأكثر".

وتولي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية اهتماماً كبيراً بوسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2011، بعد أن لاحظت أن ما بها من تفاعلات يقود أحياناً إلى معلومات حقيقية مهمة للغاية، كان الحصول عليها في الماضي يتطلب جهودا كبيرة وعملاء على الأرض.

وتقول مصادر إسرائيلية إن "وسائل التواصل الاجتماعي نجحت في حشد الجماهير العربية إبان الثورة التي بدأت في تونس أواخر 2010، قبل أن تنتقل إلى دول عربية أخرى. ومنذ ذلك الحين باتت التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي حاضرة في غالبية تقارير الاستخبارات الإسرائيلية". 

من جانبه، يقول قائد كلية القيادة والإدارة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، العميد نوغامتيفون، إن "أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية زادت من عمليات جمع المعلومات عبر الشبكات الاجتماعية، وخصصت طاقات بشرية هائلة لرصد ما يحدث في تلك الشبكات، خاصة فايسبوك وتويتر"، طبقاً لما نقلته مجلة الدفاع الإسرائيلية في وقت سابق.

وتقول وسائل إعلام عبرية إن "أول ثمار المتابعة على شبكات التواصل الاجتماعي، كان معرفة موعد وتفاصيل ما سيحدث خلال إحياء يوم النكبة في 15 أيار/مايو2011، حين انطلقت مسيرة فلسطينية اخترقت السياج الحدودي ودخلت من ناحية القسم السوري من الجولان المحتلة إلى "إسرائيل" قرب بلدة مجدل شمس، وأنه لولا رصد مواقع التواصل لكان هذا الحدث سيشكل مفاجأة كارثية".  

ويعتبر خبراء إسرائيليون - ومنهم جادي افيران، الرائد السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، ومؤسس شركة (Terrogence)، المتخصصة في جمع المعلومات الاستخباراتية من مصادرها العلنية على شبكة الإنترنت، ومن ثم تسليمها لأجهزة الإستخبارات الإسرائيلية أو الشركات التجارية- أنه في الغالب "يصعب جمع معلومات حول الجيوش النظامية على الشبكات الاجتماعية، لكن المعلومات حول العناصر الإرهابية أو مصادر عدم الاستقرار للسلطة، توجد هناك بكثرة". وكان رئيس الشاباك الأسبق، يوفال ديسكين، أكد في وقت سابق على "وجود اهتمام كبير برصد الشبكات الاجتماعية اليوم في عالم الاستخبارات، وأن مئات الآلاف من الأشخاص يؤشرون (لايك) على فايسبوك فيما يتعلق بدعوات لمسيرة احتجاجية على سبيل المثال، ويمكن هنا معرفة مدى الزخم المتوقع، لكن من الصعب معرفة من منهم سيشارك عمليا في هذه المسيرة".

ودشنت الوحدة (8200) -التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والمكلفة بالأنشطة السيبرانية، وتعادل وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA)- شعبة خاصة لجمع المعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وكشفت مصادر إسرائيلية أن من مهام تلك الشعبة "التفاعل مع الشباب العربي على فايسبوك وتويتر، ومحاولة التأثير على سير النقاشات حول قضايا جدلية محددة". 

ويقول المقدم احتياط مردخاي كيدار، الخبير في مركز "بيجين– السادات" للأبحاث الإستراتيجية، والذي خدم طيلة 25 عاماً في سلاح الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، إن "خلق حالة من البلبلة وبث الشائعات على مواقع التواصل العربية من بين مهام تلك الشعبة، لكن هناك بعض العيوب تتعلق بأن إنشاء غروبات أو صفحات على فايسبوك لهذا الغرض تتطلب تنفيذ مهمة واحدة والانسحاب قبل أن يتم اكتشاف الحقيقة". 

وهكذا تضع قوات الاحتلال وسائل الاتصال والانترنت في فلسطين تحت مجهر رقابة أجهزتها الاستخبارية لتنتهك بذلك خصوصية المواطنين ليضاف ذلك إلى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*)

اعلى الصفحة