قيم العدل والأمن والسلام
في المشروع الإسلامي وموقع فلسطين فيه
(*)

السنة الرابعة عشر ـ العدد 163 ـ (رمضان ـ شوال 1436 هـ) تموز ـ 2015 م)

بقلم:الدكتور الشيخ حسان عبد الله

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

انطلاقاً من العنوان أحببت أن أعالج موضوعاً أراه في غاية الأهمية وهناك كثيرٌ من اللبس حوله في الأوساط الفكرية الإسلامية ماضياً وحاضراً وهو ينطلق من مفاهيم العدل  والأمن والسلام.

نحن نعرف أنه في الكثير من الأدبيات الإسلامية تشاع مقوله:أن الإسلام بُني بسيف علي ومال خديجة عليهما السلام، وأعتقد أن هذا التعبير خاطئ لأنه يُلغي أي دور للعقل والفكر في عملية تبني الإسلام، في حين أننا نرى أن كل ما ورد في القرآن الكريم وهو النص المجمع عليه بين المسلمين يدعو للتفكر والتعقل مع أنه لا يغفل دور القوة باعتبارها سبباً لحماية جماعة المسلمين لا باعتبارها أداة للاعتداء على الآخرين وفرض الدين عليهم.

فمثلاً يقول الباري عز وجل: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾(آل عمران 191).

من خلال ذلك نجد أن الدين الإسلامي لا يهمش العقل ويبعده عن ساحة الحياة، بل هو دين يؤكد على دور العقل كونه الأساس في تبني هذا الدين، فقد ورد عن رسول الله(ص) أنه قال: "لما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر، فقال وعزتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً هو أحب إلي منك، بك آخذ وبك أعطي، لك الثوابُ وعليك العقاب". فالعقل أساس في اختيار الدين والمعتقد، وبه يحاسب الله فيثيب أو يعاقب.

لذلك لا بد من التأكيد أن الله ترك للخلق حرية اختيار الدين، قال عز وجل: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(البقرة 256).

فعملية الإيمان هي عملية اختيار بحرية كاملة، فإذا كان الإنسان كافراً فهذا لا يعني أن تفرض عليه طريقتك في التفكير بل أن ترشده إلى ذلك وبأسلوب علمي موضوعي وصفه الله بالحكمة ومن دون ضغط، وهي الجدال بالتي هي أحسن، فقال عز من قائل: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾(النحل 125).

ويجب أن يكون واضحاً أن الله عز وجل طلب من المؤمنين في عملية الحوار للوصول إلى الصواب والدين الحق أن لا تذهب إلى من تحاوره بالمسلمات، بل أن تفترض منذ البداية أنه لا يمكن أن يكون على صواب وأنت على خطأ فقال عز وجل: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾(سـبأ: 24).

وهنا أريد أن آخذ من التاريخ دليلاً على ما ذهبت إليه فكلنا يعرف أن الإسلام دخل إلى دول كاندونيسيا وماليزيا من خلال الدعوة والحوار وأسلوب التعامل بالأمانة والإحسان في حين أنهم دخلوا إلى الأندلس بالقوة والعسكر والقهر، فهلا سألنا لماذا انتشر الإسلام في ماليزيا واندونيسيا وطُرد المسلمون من الأندلس؟! أليس لأن امتلاك العقل بالمنطق أرسخ وأقوى من الاستئثار عليه بالإكراه والقوة؟.

إننا مكلفون بهداية البشر إلى الإسلام ودعوتهم إليه وهو خير من كل أعمال البشر، فقد ورد عن رسول الله(ص) أنه قال لعلي عليه السلام: "يا علي لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس" .

لقد أعطى الإسلام العاملين له مرونة يستطيعون معها مواكبة الظروف والأوضاع والأحكام الشرعية ليست حدية بل يمكن تغييرها بما يحفظ الخط العام ويتناسب مع التطور الموضوعي. فعندما أرسل الرسول(ص) الإمام علي عليه السلام إلى اليمن سأله الإمام(ع) "يا رسول الله إنك تبعثني في الأمر أفأكون فيه كالسكة المحماة أم أن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فقال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب". ووردت أيضاً في نفس المعنى في مجالات كثيرة أخرى.

لم يسمح الإسلام لنا أن نتعامل مع الآخرين بفوقية بأن هدانا الله للإسلام وحرموا منه بل طلب منا أن نحمل هم دعوتهم إلى ما هدانا إليه ولم يسمح لنا الإسلام أن نستعبد الناس، فقال الإمام علي عليه السلام: "كيف استعبدتم الناس وقد ولدتكم أمهاتكم أحراراً".

والعبودية مرفوضة في الإسلام في الفكر والتعامل والقهر ودعوة الناس إلى الخير على أساس حرية الفكر والمعتقد والرأي.

بالعودة إلى موضوع القدس، لقد قام المستعمر الإنكليزي والفرنسي بتقسيم العالم الإسلامي فيما اصطلح على تسميته بسايكس بيكو والهدف هو إعطاء فلسطين لليهود على أساس أن يكون هذا الكيان آمناً من خلال تفرق العرب والمسلمين، ولكن هل عاش الصهاينة الآمان في فلسطين؟. لقد بدأ التحول بعد الثورة الإسلامية في إيران وقيام المقاومة الإسلامية في لبنان وتبعتها المقاومة الإسلامية في فلسطين حتى وصل الكيان الصهيوني إلى قناعة بأن الخطر على الكيان وصل إلى حد فقد الكيان للمناعة.

فماذا فعلوا ؟ قاموا بتفعيل مشروع أقره الكونغرس في 1983 قدمه برنارد لويس البريطاني الأصل، الأمريكي الجنسية، اليهودي الدين، الصهيوني الانتماء، والداعي إلى تقسيم العالم الإسلامي أكثر مما هو مقسم، وكان لا بد من تشويه صورة الإسلام الذي اثبت أنه طريق لتحرير فلسطين إلى تقديم إسلام جديد يكون هدفه ذبح الناس وقتال المسلمين لبعضهم البعض فإذا ما جرحوا يذهبون للعدو الصهيوني كي يطببهم. ما هو المطلوب؟:

1- الدعوة إلى قيام العلماء بدورهم وواجبهم في فضح أصحاب الفكر المنحرف.

2- دعوة إلى تصعيد العمل المقاوم ضد العدو الصهيوني.

3- العمل على إصلاح ذات البين بين المسلمين والدول الإسلامية إلى المساعي الحميدة.

4- الأولوية للدعوة والسلطة مسألة أخرى. قال الإمام علي(ع): "والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه". وعندما جاؤوا إليه يدعونه للسلطة أجابهم: "دعوني والتمسوا غيري... إلى أن قال: وأنا لكم وزير خير لكم مني أمير". ما يعني أن الأولوية عند الإمام هي الدعوة والحفاظ على الإسلام لا السلطة.

كلمة الشيخ الدكتور حسان عبد الله في مؤتمر لندن(*)

اعلى الصفحة