|
|||||||
|
ترجمات بقلم: أفرايم كام - مركز أبحاث الأمن القومي – مجلة التقرير الاستراتيجي توقيع الاتفاق النهائي في قضية النووي على أساس المبادئ التي تم نشرها مطلع نيسان، في حال تحققت فعليا، سوف تضع إيران في وضع جديد، العقوبات تم رفعها إلى حد النصف سوف تحظى إيران باعتراف دولي بمكانتها كدولة على عتبة النووي تمتلك خيار الاختراق باتجاه سلاح النووي، في حال ستقرر ذلك. حالياً تعترف الولايات المتحدة بتأثير إيران النووي في سوريا والعراق وضد داعش. ينبغي افتراض أنه وحتى بعد توقيع الاتفاق لن تتنازل إيران عن طموحها بتطوير سلاح نووي، لكن من المنطقي افتراض أنها لن تسارع إلى الاختراق باتجاه سلاح نووي، بل ستفضل الانتظار على الأقل ريثما يتم رفع القيود على برنامجها النووي، بعد مرور ما بين 10 إلى 15 سنة. هذه الوضع سوف يضر كثيراً بقدرة إسرائيل على ممارسة ضغط اقتصادي وعسكري على إيران. ولذلك، سيكون من الضروري أن تمر طرق عمل إسرائيل بشكل خاص عبر الولايات المتحدة الأمريكية - من خلال إنتاج تفاهم مع الإدارة والكونغرس لاتخاذ خطوات صعبة ضد إيران في حال ستخرق الأخيرة الاتفاق، وبالتأكيد في حال ستخترق باتجاه سلاح نووي. مقدمة صيغة المعايير التي تم الاتفاق عليها بين إيران والدول الست في 2 نيسان 2015 حتى الآن ليست الاتفاق الدائم، لاسيما وأن الطرفين يعرضان نماذج مختلفة حيال الصيغة المتبلورة. تفاصيل الاتفاق الملزم والنهائي سوف تتم مناقشتها بين الطرفين بهدف تلخيصه حتى النهاية، ولا شك بأن خلافات وصعوبات كبيرة سوف تظهر بينهم، من بين عدة أمور، بسبب معارضة جهات مهمة لدى الطرفين للاتفاق المتبلور. ولكن في ظل حماسة الطرفين المتفاوضين للتوصل إلى اتفاق، وعلى ضوء التفصيل البارز الذي يميز مبادئ التفاهمات التي تم إنجازها، ثمة أمل لا بأس به بأن يتوصل الطرفان إلى الاتفاق النهائي. إذ أن جزءاً بارزاً من العمل قد أُنجز، ومعظم العوائق أُزيلت خلال المحادثات التي جرت حتى الآن. ويمكن أيضاً افتراض أن الاتفاق النهائي، في حال إنجازه، لن ينحرف بنسبة نوعية عن إطار الاتفاقات التي تمت صياغتها. ومن المناسب التشديد على عدد من المبادئ التي تم الاتفاق عليها، بغية بحث دلالتها حيال أداء إيران في المستقبل: 1. من نواحٍ متعددة، البرنامج النووي الإيراني سوف يتوقف من عشرة إلى خمس عشرة سنة وفي جزء منه سوف يتراجع إلى الخلف، وستُفرض عليه قيود مهمة في تلك الفترة الزمنية. ومن بين عدة أمور، سوف يُسمح لإيران بتفعيل ما يقارب 5000 جهاز طرد مركزي من الجيل الأول، حوالي نصف الكمية التي تعمل اليوم ، على أن لا يتم تدمير الأجهزة الفائضة، بل ستبقى تحت المراقبة لعشر سنوات. خزان اليورانيوم بنسبة تخصيب منخفضة سوف يقلص إلى حد كبير، من 10000 كيلوغرام، تكفي لسبع أو ثماني قنابل نووية، في حال تخصيبها لمستوى عالٍ، إلى 300 كيلوغرام فقط، لكن لم يتم التوافق على ما سيتم فعله بفائض اليورانيوم المخصب. هذه الكمية، في حال حفظها، سوف تصعب عل إيران الاختراق باتجاه سلاح نووي خلال جدول زمني قصير. نعم سوف تُمنع في هذه الفترة من بناء منشآت تخصيب إضافية، تخصيب فوق 3% تقريباً وتخصيب عبر أجهزة طرد مركزي متقدمة. 2. سوف يخضع البرنامج النووي إلى مراقبة لا سابقة لها، وجزء منه لسنين عديدة، من ضمنها توقيع إيران على البروتوكول الإضافي الذي سوف يفرض عليها مراقبة ثاقبة وشاملة أكثر من السابق، على الرغم من أن فيه أيضاً صدوعاً. مع ذلك، لا اتفاق كاملاً حتى الآن على مكونات المراقبة. 3. منشأة التخصيب في فوردو ومفاعل المياه الثقيلة في آراك سوف يغيران هدفهما، ففي منشأة فوردو لن يتم تخصيب اليورانيوم لمدة خمس عشرة سنة، والمفاعل في آراك سوف ينتج بلوتونيوم بكمية قليلة فقط. 4. من جهة أخرى، بعد مرور عشر إلى خمس عشرة سنة سوف يُرفع القسم الأكبر من القيود على إيران، وستتمكن من تطوير برنامج تخصيب كبير بما فيه استخدام أجهزة طرد من أجيال متقدمة، حيث لن تكون هناك محدودية على تطويرها منذ البداية. أضف إلى ذلك، سوف تبقى بيد إيران إمكانية استخدامها في المستقبل أيضا، في حال ستقرر الاختراق باتجاه سلاح نووي. 5. حتى في نظام المراقبة قد تظهر صدوع. حتى الآن تهرب الإيرانيون من نقل المعلومات المطلوبة عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيال نواحي عسكرية محتملة للبرنامج النووي، ورفضوا إدخال مراقبي الوكالة إلى المنشأة السرية في برتشين، بحجة أن هذه منشأة عسكرية غير مرتبطة بالنووي. وإثر ذلك أعلن أمين عام الوكالة، مراراً وتكراراً، أن ليس بإمكانه التأكيد بأن إيران لا تسعى إلى إنتاج سلاح نووي. وليس واضحاً ما إذا كانت المراقبة التي ستُفرض على الإيرانيين سوف تجبرهم على الامتناع عن تصرف كهذا. 6. وفقاً لطلب الإيرانيين، فإن برنامج الصواريخ الباليستية لدى إيران غير مشمول في الاتفاق، وهم ليسوا مقيدين لاحقا بشأن تطويره. 7. في حال ستلتزم إيران بتعهداتها، سوف تُرفع عنها كل العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي - لكن حتى الآن لا توافق حيال وتيرة رفعها. على أساس هذه المبادئ يريد هذا المقال تقدير التطورات المحتملة بعد توقيع الاتفاق النهائي - على افتراض أنه سيتم توقيعه - في كل ما يتعلق بتصرف إيران، الولايات المتحدة ودول المنطقة، وتداعياتها على إسرائيل. سياسة إيران مفتاح التطورات التي ستلي توقيع الاتفاق سيكون تصرف إيران. فهي سوف تحدد بنسبة كبيرة الوجهات المستقبلية في قضية النووي، خطورة التهديد الذي سوف يتشكل حيال دول في المنطقة ومن ضمنها إسرائيل، طبيعة علاقات إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أيضاً سوف تؤثر على مكانة إيران في الشرق الأوسط. مسألة الانطلاق حيال سياسة إيران إثر توقيع الاتفاق ستكون، هل ستواصل إيران سعيها لحيازة سلاح نووي، أم ستكتفي بمكانة معترف بها كدولة على عتبة النووي، وفقاً لما سيضمنه لها الاتفاق؟ في هذه المرحلة ليست لدينا معلومات قوية من شأنها توضيح سياسة إيران المستقبلية في القضية النووية، لأنها تنفي باستمرار أي نية من جانبها لتطوير سلاح نووي. وربما أيضاً الإيرانيون أنفسهم لم يحسموا أمرهم بعد في هذه المسألة، هم سوف يقررون بشأنها في المستقبل على ضوء التطورات، المخاطر والفرص التي ستكون مرتبطة بقرارهم. وبناء على ذلك، يمكن محاولة تقدير السياسة التي سوف تتبناها إيران في هذه القضية دون أساس معلومات، ولذلك ستكون ثمة حاجة لبحث التقدير مراراً وتكراراً، على ضوء المعلومات والإشارات التي سيتم تلقيها في المستقبل. لا شك بأن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي. فمفهوم إيران الإستراتيجي، الجهد الضخم الذي بذلته في بناء برنامجها منذ العام 1987 والثمن الاقتصادي والسياسي الكبير الذي دفعته من أجل دفعه قدماً - كل هذه الأمور لها تفسير واحد فقط وهو رغبتها بالتوصل إلى سلاح نووي. ووفقاً لما يبدو، فإن إيران ترغب بحيازة هذا السلاح، من أجل ردع أعدائها ذوي القدرات العسكرية الإستراتيجية - في الماضي العراق، وحالياً الولايات المتحدة وإسرائيل. امتلاك مكانة تعزز الموقف الداخلي للنظام الإسلامي في إيران. الاتفاق الذي سيتم إنجازه بين إيران والدول الست سوف يمنحها مكانة معترفاً بها كدولة على عتبة النووي، أي دولة تسيطر على معظم مكونات الوقود النووي، ذات بنية تحتية علمية تكنولوجية متقدمة، خزان مادة انشطارية، أو على الأقل كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب الذي يمكن تحويله إلى مادة انشطارية خلال وقت قصير، وقدرة على تحويل المادة الانشطارية إلى قنبلة وملاءمتها مع وسائل إطلاق. وما سيكون مطلوبا من أجل اجتياز العتبة هو قرار استراتيجي للاختراق باتجاه سلاح نووي. الحصول على مكانة معترف بها كدولة على عتبة النووي لن يمنح إيران التفوق الذي ستمنحها إياه قدرة نووية كاملة، لكنه سوف يمنحها شيئاً ليس بقليل. هذه المكانة لن تمنح إيران قدرة ردع فوري ضد العدو، لكن عندما لا يكون التهديد ضدها فورياً فلا حاجة للإسراع، مع العلم بأنه ستتمكن من الاختراق باتجاه سلاح نووي خلال سنة أو أقل من ذلك. أضف إلى ذلك، وفي الظروف الحالية، فإن خطر إجراء عسكري، أمريكي أو إسرائيلي، ضد إيران لا يبدو عالياً، ولذلك فإن الحاجة لردع العدو عبر سلاح نووي ليست قريبة. وفي الوقت نفسه، مكانة دولة على عتبة النووي ستكون لها مساهمة كبيرة نسبياً سواء في سعي إيران لسيطرة إقليمية أو لتعزيز موقف النظام الداخلي، لأن في ذلك ختم دولي لقدرة إيران التكنولوجية على التوصل بسرعة إلى سلاح نووي. من هنا ينتج أن الاحتمال الأكثر منطقيةً هو أن إيران لن تخرق الاتفاق بشكل بارز، ولن تسارع إلى الاختراق باتجاه سلاح نووي. وبالإضافة إلى فرضية أن حتى في مكانة معترف بها كدولة على عتبة النووي ثمة أرباح كبيرة لإيران، فإن لهذا الأمر سببين مهمين إضافيين. الأول، محاولة من جانب إيران للاختراق باتجاه سلاح نووي قد تعرضها لعقوبة خطيرة - فرض عقوبات أكثر إيلاماً، ربما أيضاً إجراء عسكري، وخسارة كل إنجازاتها من الاتفاق. وينبغي افتراض أن الإدارة الأمريكية سوف توضح ذلك علناً للإيرانيين. والسبب الثاني، بعد مرور عشر إلى خمس عشرة عاماً سوف تزال القيود عن البرنامج النووي الإيراني، وحرية العمل لديها في المجال النووي سوف تزداد بنسبة مهمة. وبناء على ذلك، من الأفضل لإيران الانتظار ريثما تُزال قيود الاتفاق التي سوف تُفرض عليها، وعندئذ تعمل على دراسة مسألة الاختراق باتجاه سلاح نووي. هذا التوقيت قد يكون أفضل، على الرغم من أنه يجب افتراض أن الإدارة الأمريكية سوف توضح لإيران أنها ستتلقى عقوبة شديدة في حال ستحاول الاختراق باتجاه سلاح نووي حتى بعد نهاية فترة القيود. والدلالة هي أن إيران لن تتنازل عن حيازة سلاح نووي، لكنها سوف تختار على ما يبدو تأجيل ذلك لتوقيت مناسب، من الأفضل أن يكون بعد إزالة القيود، عندما ستصبح قدراتها النووية أكثر أهميةً، وربما أيضاً أكثر صعوبة للمراقبة. مع ذلك، فإن إيران قد تسرع الاختراق بشكل خاص في حال يبدو لها تهديد إستراتيجي فوري حيالها، أو في حال ستقدر أن الظروف سوف تخلق بالنسبة لها فرصة للاختراق باتجاه سلاح نووي دون أن تدفع ثمناً باهظاً. وفي حال ستقرر إيران في مرحلة ما بعد الاختراق باتجاه سلاح نووي، فإن الأقل منطقية هو أنها سوف تفعل ذلك عبر المنشآت المعروفة، لأن محاولة اختراقها قد تنكشف مسبقاً. ومن المنطقي جداً أن تفعل ذلك عبر منشأة تخصيب صغيرة وسرية، بحيث أن كشف الاختراق عبرها سوف يستغرق وقتاً طويلاً. وفي الوقت نفسه، حتى في حال ستنتظر إيران على عتبة النووي ولن تجتازها، فهي سوف تستغل الوقت من أجل تحسين قدراتها النووية وتأهيل قوتها البشرية، حيث في المقابل سوف تتمكن من تحسين نوعية أجهزة الطرد المركزي التي تطور وتقدم برنامجها الصاروخي، الذي لا قيود عليه، بحيث أنها في حال ستقرر الاختراق باتجاه سلاح نووي، فإن ذلك سوف يكون إجراءً أكثر شمولاً والجدول الزمني للاختراق سيكون أقصر. وحتى في حال ستنجز إيران الاتفاق، فهي قد تستغل ثغرات وحالات غامضة فيه لدفع قدراتها النووية قدماً. حقيقة أن الاتفاق سوف يبقي إيران كدولة على عتبة النووي سوف تلزم على ما يبدو الولايات المتحدة بتوضيح مسبق بشأن ماهية الخطوات التي سوف تتخذها في حال ستخرق إيران الاتفاق، وبالتأكيد في حال سيتضح أنها تخترق باتجاه سلاح نووي. هذا التوضيح سوف يكون مطلوباً سواء من أجل ردع إيران أو من أجل إرضاء حلفاء الولايات المتحدة وعلى رأسهم إسرائيل. إلا أن فترة زمنية لمدة سنة واحدة لإيقاف الإجراء الإيراني قد تكون غير كافية، إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار الوقت الذي سيكون مطلوباً من أجل تحديد الخطوات الإيرانية، إثبات حصولها، فهم دلالتها والموافقة عليها وسط أجهزة الاستخبارات، وكذلك اتخاذ قرار أيضا مع حكومات أخرى بشأن الخطوات التي يجب اتخاذها ضدها. والحقيقة هي أن منشأتَي التخصيب، في نتانز وفوردو، قد بناهما الإيرانيون في العقد السابق سراً، وتم كشفهما بعد بدء بنائها بوقت ليس بقليل. إدارة أوباما ملزمة علناً بمنع إيران من حيازة سلاح نووي ولا تكتفي بسياسة الاحتواء في هذه القضية، أي منعها من استخدام سلاح نووي في حال امتلاكها له. ومن المنطقي افتراض أن الإدارة الحالية سوف تبقى ملتزمة بتعهدها هذا، من أجل منع زعزعة ثقة إسرائيل ودول الخليج بسياستها، انطلاقاً من اهتمامها بإثبات صوابية خيارها بالسير في الاتفاق مع إيران وإثر ضغط من الكونغرس. لكن في الولايات المتحدة وأوروبا ثمة من يعتقدون بأن الإدارة يجب أن تعتمد سياسة احتواء، وليس سياسة منع. فبعد ما يقارب السنتين سوف تتغير الإدارة، وليس معروفاً ما ستكون عليه سياسة الإدارة المقبلة حيال إيران. الدمج بين تبني محتمل لسياسة احتواء مع التنازلات لإيران والاعتراف بها كدولة على عتبة النووي قد يكون إشكالياً، ومن شأنه أن يسهّل عليها في المستقبل اتخاذ قرار الاختراق باتجاه سلاح نووي. العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران منذ النصف الثاني من العام 2013 نتج حوار متواصل بين الولايات المتحدة وإيران حول القضية النووية. في الواقع في الماضي كانت هناك اتصالات وحالات تعاون محدودة بين الطرفين، كما حصل في قضية "إيران غايت"، تزويد الولايات المتحدة المحدود لإيران بالسلاح في منتصف الثمانينيات، وقبيل الإجراء العسكري الأمريكي في أفغانستان نهاية العام 2001. لكن هذه كانت قضايا ذات دلالة مقلصة وقصيرة الوقت، لم تترك بصمة فعلية على العلاقات بين الدولتين. هذه المرة الحوار مكثف وعلني ويدار عل مستوى وزراء الخارجية، حيث يحاول رئيسا الدولتين رفع مستواه - الرئيس روحاني أثناء المكالمة الهاتفية التي أجراها مع الرئيس أوباما أواخر العام 2013، وأوباما عبر سلسلة رسائل أرسلها إلى الزعيم الأعلى خامنئي، على الأقل واحدة منها حصلت على رد. أضف إلى ذلك، أن الاضطرابات في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة أنتجت مصالح مشتركة بين الدولتين. فكلتاهما ترغبان باستقرار الوضع في العراق وفي سوريا، وعلى الاستقرار في المنطقة. وصعوبة مواجهة اللا- استقرار هذا حركت الإدارة الأمريكية للاعتراف بدور إيران المهم في العراق وفي سوريا، وبإمكانية أن يكون لها دور في استقرار المنطقة. ولهذا السبب تلمح الإدارة للقيادة الإيرانية منذ منتصف العام 2014 إلى أن في حال ظهور وجهة استدلالية، ولاسيما في حال انجاز اتفاق في القضية النووية، سيكون من الممكن بناء منظومة تعاون معها في قضايا إقليمية، وعلى رأسها تثبيت الوضع في الدول المتنازع فيها وضد المنظمات المتطرفة. مع ذلك، إن إمكانية التعاون بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني تبدو محدودة، حتى في حال إنجاز الاتفاق. الزعيم الأعلى السيد الخامنئي أيّد حتى الآن إجراء المفاوضات ودعم روحاني، وذلك على ما يبدو، انطلاقاً من فهم أن تحسين الوضع الاقتصادي ضروري لإيران ولمنع غليان داخلي، ولا يمكن رفع العقوبات دون تنازلات محددة. إلا أن السيد خامنئي يكشف عن شكوك عميقة حيال الولايات المتحدة ويحذر من نواياها، ولذلك فهو يضع من حين إلى آخر خطوطاً حمراء للمواقف الإيرانية في المحادثات، لا يمكن اجتيازها. هناك صعوبة فتح اتصال واسع بين إيران والولايات المتحدة بسبب مصالحهما المتضاربة. في الواقع لديهما اليوم مصالح مشتركة متعلقة باستقرار الوضع في العراق، سوريا وفي أفغانستان، لكن من خلفها هناك مصالح متضاربة أكبر. فالإدارة الأمريكية ترغب بإسقاط نظام الأسد في سوريا، الذي تصفه كنظام غير شرعي، والمساعدة في بناء نظام يكون على علاقة بالولايات المتحدة والغرب. أما أهداف النظام الإيراني فمختلفة بل مناقضة: فهو يعمل على تثبيت نظام الأسد واستقراره، ويسعى إلى بناء النظام في العراق منفصلاً عن الولايات المتحدة. وأكثر من كل ذلك، في إطار سعي النظام الإيراني إلى تحقيق سيطرة إقليمية، هدفه الأكثر أهمية هو التوصل إلى إنهاء التدخل والتواجد العسكري الأمريكي في منطقة الخليج وفي محيط إيران. هذه التناقضات سوف تحدد بشكل شبه ضروري مجال التقارب بين الولايات المتحدة وإيران. دلالة الأمور هي أن الاتفاق حول القضية النووية يمكنه أن يساهم في مواصلة الحوار بين الولايات المتحدة وإيران بجو أكثر انفتاحاً، وأقل توتراً. إلا أن هذه العلاقة قد تكون محدودة. التداعيات الإقليمية الآن، قبل توقيع الاتفاق النووي، ثمة شهادات كثيرة على أن دولاً عربية، لاسيما دول الخليج، قلقة من الاتفاق المتبلور ومن دلالته الرئيسية: إيران سوف تحظى بمكانة معترف بها كدولة على عتبة النووي، دون أن تتنازل عن طموحاتها النووية. وقلقها هذا له على الأقل سببان: بعد توقيع الاتفاق سوف يكون التصرف الإيراني حيال هذه الدول أكثر عنفاً وتهديداً. الاتفاق سوف يمنح إيران تفوقاً عليها في تحقيق سيطرة على المنطقة، حيث ستكون محررة من ضغوط العقوبات ومن التهديد بهجوم عسكري. في الواقع التهديد الإيراني سيكون مهماً أكثر بكثير في حال ستصبح إيران دولة نووية، لكن حتى صفة دولة على عتبة النووي هي سبب للقلق، لأن الطريق منها قد تقود إلى حيازة سلاح نووي. أضف إلى ذلك، أن إيران كدولة على عتبة النووي معترف بها وشرعية قد تعزز تأثيرها وموقعها كمحور المعسكر الراديكالي في المنطقة، لاسيما على ضوء اعتراف الإدارة الأمريكية بأهميتها وبتأثيرها في العراق، في سوريا وفي الصراع ضد داعش. هذا الاعتراف يمنح إيران حصانة معينة، وفقاً لما ظهر عندما امتنعت الإدارة الأمريكية عن وقوف واضح ضد إيران إثر تدخلها في القتال في اليمن، من أجل عدم تخريب المحادثات النووية. وفي هذا الوضع، تجد الإدارة الأمريكية صعوبة كبيرة في إعاقة مساعي إيران في سوريا، في العراق وفي اليمن، الأمر الذي حتى خلال المحادثات حول الموضوع النووي واصلت إيران مساعدة نظام الأسد والحوثيين، وحاولت بناء جبهة إرهابية إضافية مقابل إسرائيل في سوريا بمشاركة حزب الله، تربط لبنان بهضبة الجولان. وهكذا، فإن تنازلات الولايات المتحدة في إطار المحادثات النووية قد تعتبر كضعف، سواء بنظر إيران أو بنظر دول عربية. وهناك دول في المنطقة تخشى على ما يبدو من أن ترغب الولايات المتحدة بالتقرب من إيران على حساب العلاقات معها ومع إسرائيل. والأمر الذي لا يقل أهمية هو أن رفع العقوبات عن إيران سوف يمنحها قوة اقتصادية مجددة، سوف تساعدها في تعزيز مكانتها الإقليمية. هذه المخاوف قد تدفع بدول في المنطقة إلى طريقتَيْ رد محتملتَيْن. الأولى، بعض دول الخليج قد تقلل من اعتمادها على الولايات المتحدة وتبحث عن طرق للتحاور مع إيران، لاسيما في حال ستشجع إيران من جانبها الحوار معها من أجل تعزيز التعاون الإقليمي. ومن المنطقي افتراض أن روحاني سوف يظهر اهتماماً بحوار كهذا، لكن الشكوك العميقة من جانب إيران حيال السعودية حدّت من تقدمه. إمكانية هذا الرد على البرنامج النووي الإيراني طرحت منذ سنوات عديدة، لكن في حال سيتم توقيع الاتفاق مع إيران فسيكون لدى هذه الدول مبرر من الصعب مواجهته، لأن هذه الدول قد ترغب بتطوير برامج تخصيب والحصول هي أيضاً على صفة دول على عتبة النووي، مثل إيران، حتى في حال ستضطر إلى الموافقة على فرض قيود على برامجها النووية. التداعيات على إسرائيل توقيع الاتفاق النهائي في قضية النووي الإيراني سوف تضع إسرائيل في وضع صعب. فإسرائيل لم تكن طرفاً في المفاوضات مع إيران، والإدارة الأمريكية أيضاً ادّعت أنها لم تكن على علم ببعض تفاصيل الاتفاق قيد البحث خلال المحادثات. قدرة إسرائيل على التأثير على نتائج المحادثات نتجت عن إمكانية اعتمادها إجراءً عسكرياً ضد إيران، الذي أقلق الدول الست المشاركة في المحادثات مع إيران، وكذلك عن العقوبات الشديدة التي فُرضت على إيران، بنسبة كبيرة إثر الخشية من عملية عسكرية إسرائيلية. قدرات الضغط هذه سوف تتضرر إثر الاتفاق، أولاً، العقوبات سوف تُرفع عن إيران، وإن تدريجياً، وحتى في حال لن تلتزم بشروط الاتفاق سيكون من الصعب إعادتها، إلا في حال سيتضح أن إيران تخترق باتجاه سلاح نووي أو تخرق الاتفاق بشكل بارز. ثانياً، الخيار العسكري ضد إيران سوف يسقط من جدول الأعمال. فالإدارة الأمريكية بالتأكيد لن تلجأ إلى إجراء عسكري على الأقل طالما الاتفاق قائم، وإسرائيل سوف تجد صعوبة كبيرة في مهاجمة إيران، حتى إن كان الأمر مستحيلاً، لأنها في هذه الحالة سوف تُتهم بتخريب الاتفاق الذي تسعى إليه الدول الكبرى، وستدخل في مواجهة قاسية مع الولايات المتحدة الأمريكية. لكن الخيار العسكري سوف يعاد إلى الطاولة، سواء حيال إسرائيل، وعلى ما يبدو أيضاً حيال الولايات المتحدة، خصوصاً في حال ستخرق إيران بشكل خطير الاتفاق، ناهيك عن إمكانية ظهور إشارات إلى اختراق إيراني باتجاه سلاح نووي. في هذا الوضع، طرق العمل الرئيسية لدى إسرائيل سوف تمر عبر الولايات المتحدة، وبنسبة أقل عبر الحكومات الأوروبية. ومن المنطقي افتراض أنه وفي إثر ملخص صيغة المبادئ سوف تبذل الإدارة الأمريكية جهدا لتهدئة إسرائيل، وكذلك دول الخليج، إزاء دلالة الاتفاق، ضمن تخفيف التوتر الناتج في العلاقات معها. هذه التهدئة ستكون مرتبطة إلى حد كبير بتحديد مسبق للخطوات التي ستلتزم باعتمادها الإدارة الأمريكية في حال خرق الاتفاق من قبل إيران، بالتأكيد في حال الاختراق باتجاه سلاح نووي. وفي هذا الشأن ستتمكن إسرائيل من الاستعانة بعلاقاتها في الكونغرس، بهدف التوصل إلى تشريع يلزم الإدارة بالعمل ضد إيران سواء عبر فرض عقوبات شديدة عليها أو عبر إجراء عسكري ضد المواقع النووية، في حال تطلب الأمر، بالمدى البعيد. وفي حال سيتطور الحوار بين الولايات المتحدة وإيران، فستتمكن إسرائيل من الطلب من الإدارة بأن تضغط على إيران لتغيير نهجها حيال إسرائيل بشكل دلالي، ومن خلال ذلك إيقاف تصريحاتها بشأن تدمير إسرائيل والاعتراف بها. توقيع الاتفاق سوف ينتج مصلحة مشتركة لإسرائيل، السعودية ولدول الخليج، منع إيران من تجاوز عتبة النووي وإقناع الإدارة الأمريكية باتخاذ كل الخطوات الممكنة لتحقيق هذا الهدف. مع ذلك، ثمة شك حول ما إذا كان اتفاق المصلحة المشتركة سوف يتطور ليصل إلى تعاون عملي حقيقي، سواء بسبب ارتداع السعودية التقليدي عن التعاون مع إسرائيل، أو بسبب خشية من رد إيراني. في الخلاصة توقيع الاتفاق النهائي في القضية النووية، في حال حصل، سوف يضع إيران في وضع جديد، للمرة الأولى منذ أحداث الثورة الإسلامية. من جهة، سوف تُرفع عنها ضغوط ثقيلة. إيران تقبع تحت عقوبات أمريكية ودولية منذ الثورة، على الرغم من أن أولها لم يكن مرتبطاً ببرنامجها النووي، بل بتورطها في الإرهاب. رفع العقوبات سوف يُخرجها من العزلة الجزئية التي تعيشها، سوف يعيدها إلى عائلة الدول المعدّلة - وهذا الأمر أيضا مهم لإيران - وسيتيح لاقتصادها الازدهار مجدداً. في هذا الشأن ينبغي افتراض أن مع بداية رفع العقوبات، سوف تطير لتحط في إيران حكومات وشركات اقتصادية كثيرة من أجل الاندماج في السوق الإيراني الكبير. أضف إلى ذلك، أن إمكانية تنفيذ إجراء عسكري ضدها سوف تتقلص بشكل كبير، هذا إن لم تختف. ومن جهة أخرى، إيران سوف تحظى باعتراف دولي بها كدولة على عتبة النووية، وستحافظ على خيار الاختراق باتجاه سلاح نووي في حال ستقرر فعل ذلك. أضف إلى ذلك، أن الاتفاق من المفترض أن يتم توقيعه خلال الفترة التي تعترف فيها الإدارة الأمريكية بتأثير إيران الإقليمي - خصوصاً في سوريا، العراق ومقابل داعش. إن دمج الاعتراف بمكانة إيران النووية والإقليمية، إزالة الضغوط عنها والتحسين المتوقع بوضعها الاقتصادي سوف يساعدها على تسريع سيطرتها على المنطقة. ينبغي افتراض أن حتى بعد توقيع الاتفاق لن تتنازل إيران عن طموحها بحيازة سلاح نووي، بل إن تحقيقه قد يتأجل لعشر أو خمس عشرة سنة. وبذلك سوف تساعدها حقيقة أن إيقاف أجزاء من برنامجها النووي أو انسحابها إلى الخلف سيكونان قابلين للتغيير، إذ أن القيود التي ستفرض عليها سوف تزال كما أنها ستتمكن من استعادة القدرات التي ستوافق على تحديدها. لكن الاحتمال الأكثر منطقية هو أن إيران لن تسارع إلى خرق الاتفاق وتجاوز العتبة النووية. فمن وجهة نظرها سيكون من الأفضل لها الانتظار على الأقل حتى نهاية الفترة الزمنية المحددة - بين عشر وخمس عشرة سنة - لإنهاء القيود الملقاة على برنامجها النووي وإزالتها، لأن عندئذ سيكون من السهل عليها أكثر الاختراق باتجاه سلاح نووي. لكن إيران قد لا تنتظر ريثما ترفع عنها القيود في حال سيتشكل تهديد استراتيجي مهم حيالها وهي ستحتاج إلى ردع نووي فوري، أو في حال ستتيح لها الظروف الإقليمية والدولية فرصة لاتخاذ قرار اختراق بثمن منخفض نسبيا. لكن حتى في حال ستقرر إيران تعليق قرار الاختراق لمدة سنوات، فهي سوف تستغل مكانتها كدولة على عتبة النووي معترف بها لتحسن وتطور قدراتها النووية ومن خلال ذلك برنامج صواريخها، وبذلك سوف تعد الأرضية للاختراق عند الضرورة. من جهتها، إدارة أوباما ملزمة بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. والمشكلة هي مدى قدرتها على الالتزام بتعهدها هذا، فيحال ستحاول إيران الاختراق باتجاه السلاح النووي بعد رفع العقوبات عنها ويصبح من الصعب إعادتها بسرعة، وعلى ضوء حقيقة أنها حتى الآن أظهرت ارتداعاً عن اللجوء إلى إجراء عسكري ضد إيران. لذلك يُضم إلى ذلك السؤال التالي - هل على ضوء هذه الصعوبات لن تنتقل إدارة أوباما، أو الإدارة التي ستليها، من سياسة منع إيران من امتلاك سلاح نووي إلى سياسة احتواء، هدفها ردعها عن استخدام سلاح نووي؟ |
||||||