|
|||||||
|
يوم الأربعاء 3 حزيران، عقدت الكنيست الإسرائيلية, بمبادرة من ثلاثة أعضاء لدى البرلمان الإسرائيلي هم: مايكل أورن، ميخائيل روزين، ونحمان شاي، جلسة طارئة تحت عنوان "المقاطعة ونزع شرعية إسرائيل في المنظمات الدولية"، لمعالجة دوافع وذيول وحيثيات الحملة الدولية التدريجية لمقاطعة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وكيفية مواجهتها.. لأنهم اعتبروا أن حملة المقاطعة المتصاعدة أخذت أشكالاً متعددة أكاديمية وسياسية واقتصادية، وأنها تشكل تهديداً إستراتيجياً للمشروع الإسرائيلي الصهيوني، واعتبروا أن "حركة المقاطعة" خطر وجودي على "إسرائيل" وليست مجرد نشاط احتجاجي يهدف إلى إلزام تل أبيب بـ"وقف الاحتلال" أو "الانسحاب من الأراضي الفلسطينية" والقبول في نهاية المطاف بـ"حل الدولتين". ماذا يعني ذلك؟؟ وماذا يعني أن يقوم ثلاثة من نواب الكنيست ينتمون لاتجاهات سياسية مختلفة بحملة موحدة في مواجهة المقاطعة الدولية؟؟ وهل المقاطعة مؤثرة إلى هذا الحد الذي يدفع الرئيس الإسرائيلي روفلين كي يعتبرها "تهديداً استراتيجيا للدولة"، وأن يعتبر نتنياهو أن حكومته في "أوج حملة سياسية تستهدف تشويه حقيقة دولة إسرائيل، وتشويه ممارساتها عبر الاتهامات الكاذبة"، داعياً إلى "توحيد القوى المحلية والدولية للتصدي لهذه الأكاذيب وتغييرها". استشعار الخطر النواب الثلاثة الذين بادروا لعقد اجتماع استثنائي للبرلمان الإسرائيلي يمثلون طرفي المعادلة الإسرائيلية: الحكومة والمعارضة باستثناء نواب القائمة العربية اليهودية المشتركة، فالنائب أورون من حزب كولانو كلنا المتحالف مع الليكود في الائتلاف الحكومي، بينما روزين من حركة ميرتس اليسارية، ونحمان شاي من ائتلاف المعسكر الصهيوني (حزب العمل)، فهما من أحزاب المعارضة، ومع ذلك توحد ثلاثتهم في مبادرة لوضع أرضية سياسية مشتركة لمواجهة ذيول المقاطعة التي تقودها منظمة "B.D.S" لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وقد بدت متواضعة وتم التعامل معها ومع نشاط المنظمات الأكاديمية المماثلة باستهتار وباستخفاف، ولكن أمام إصرار القائمين على "B.D.S" وعنادهم وقوة إيمانهم بمسألتين هما: 1- عدم شرعية إجراءات وسياسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ومظاهره العنصرية في مناطق 48، والاحتلال الاستيطاني في مناطق 67. 2- عدالة المطالب الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني باستعادة حقوقه وشرعية نضاله لتحقيق مطالبه، شكل لطمة قوية متعاظمة في مواجهة النفوذ الإسرائيلي الصهيوني في العالم والعمل على تطويقه وعزل رموزه وتعريتهم. وهذا ما أفقد قادة المشروع الاستعماري الإسرائيلي صوابهم واتزانهم، فعبروا عن امتعاضهم خلال الجلسة الاستثنائية للبرلمان الإسرائيلي، وتشكيل لجان متابعة برلمانية وحكومية وحزبية لمواجهة المقاطعة وتحريض المنظمات الصهيونية المنتشرة في العالم وخصوصاً في أمريكا وأوروبا للتصدي لنشاطاتها، بعد أن زادت عن الحد المقبول، سواء عدم تجديد العقد بين شركة أورانج الفرنسية للاتصالات مع شركة بارتنر الإسرائيلية المماثلة، أو إعلان اتحاد الطلاب الجامعيين في بريطانيا الانضمام لحملة المقاطعة الأكاديمية وغيرهما من أنشطة المقاطعة. حركة المقاطعة الدولية للإسرائيليين تتسع ليس فقط بفعل نشاط القائمين عليها وصواب خياراتهم وانعكاس تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، بل يعود ذلك لسببين جوهريين: أولهما فقدان المشروع الإسرائيلي لدوافع التعاطف الدولي الأوروبي الأمريكي الذي سببته المجازر التي ارتكبت بحق اليهود في أوروبا من قبل النازية والفاشية قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، وثانيهما أن المشروع الإسرائيلي ومؤسساته العسكرية والأمنية والتوسعية الاستيطانية يمارسون كافة أنواع المس والإجحاف والبطش والتطاول على الشعب العربي الفلسطيني سواء في منطقة 48 أو منطقة 67، ما يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية وقيم حقوق الإنسان، ومثلما تعرض اليهود للاضطهاد في أوروبا، يمارسون اليوم بأشكال مختلفة هذا الاضطهاد ضد الشعب العربي الفلسطيني، ولذلك ينحسر التأييد والتعاطف مع الإسرائيليين ويتراجع، بينما يزداد التعاطف والتأييد الدولي نحو الشعب الفلسطيني ويتقدم، وهذه المعادلة المستجدة هي المقلقة لبعض القيادات الإسرائيلية العاقلة، بينما تتسع شراسة القيادات المتطرفة المعبرة عن فحوى المشروع الاستعماري الإسرائيلي، ومضمونه الاحتلالي العنصري. الدرس الذي يجب تعلمه من مبادرة النواب الإسرائيليين الثلاثة والتي تعكس حالة القلق لديهم، وتعكس رغبتهم في التماسك لمواجهة المقاطعة قبل أن تتحول إلى سياسة دولية شبيهة بالسياسة التي أسقطت الشرعية عن دولة جنوب إفريقيا العنصرية، الدرس هو ماذا بشأن وحدة الفلسطينيين في مواجهة عدوهم المتفوق؟ ماذا بشأن سلسلة الاتفاقات الموقعة بين حركتي فتح وحماس وفشلهما في التوصل حقاً إلى صيغة ملائمة واقعية تضمن وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة مؤسسته التمثيلية منظمة التحرير وسلطتها الوطنية على الأرض؟؟ وماذا بشأن عدم التمكن من صياغة برنامج وطني سياسي مشترك، يضمن استمرار النضال من قبل جميع مكونات الشعب الفلسطيني، وبمشاركة الفصائل اليسارية والقومية ومع المستقلين، وأن يختاروا أدواتهم الكفاحية المتفق عليها مسبقاً وسلفاً، خاصة وأن الطرفين (فتح وحماس) متمسك وملتزم بالتهدئة مع الجانب الآخر ويمنع أي عمل يُخل باتفاقات التهدئة على جانبي الحدود، بدون مزايدة من طرف على طرف فالالتزام الفتحاوي يتفوق عليه الالتزام الحمساوي بالتهدئة الصارمة مع الإسرائيليين. التعلم من العدو ضرورة لتحقيق الانتصار، فإذا كان المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على باطل، فالمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني على حق ونضاله مشروع، ولكنه يحتاج لتوحيد صفوفه كي يهزم عدوه المتفوق وينتصر عليه، فهل يفعلون؟؟ خطورة وجدية المقاطعة لم تشهد إسرائيل في تاريخها القصير خوفاً حقيقياً من التعرض لمقاطعة دولية قد تتطور في وقت لاحق إلى عقوبات حقيقية كما تشهده هذه الأيام، لدرجة أن الحكومة وبعض الجهات المعارضة تحاول العمل لوقف الموجة التي يشبهها البعض بكرة الثلج المتدحرجة، ولإنقاذ إسرائيل من مصير سيئ يشبه مصير نظام "الأبارتهايد" العنصري في جنوب أفريقيا، أو صربيا كنموذجين للمقاطعة الدولية، وما حصل مع اتحاد الطلاب في بريطانيا الذي اتخذ قراراً بمقاطعة إسرائيل أكاديمياً ينذر بالكثير على مختلف الجبهات. كما أن الاتحاد الأوروبي بصدد اتخاذ خطوات عملية بشأن وضع ملصقات خاصة على بضائع المستوطنات لتمييزها عن غيرها، ما يعرضها لمقاطعة أوروبية جارفة، ويعرض إسرائيل ككل لنفس المصير. القلق الإسرائيلي تبدى في الكثير من البحث والتعليقات التي وردت في وسائل الإعلام والتي تبرز مدى جدية الموضوع وخطورته لدرجة أن ثلاث كتل برلمانية دعت لنقاش معمق بالكنيست لبحث هذا الموضوع، وفي إطاره طلبت الحكومة من المعارضة التعاون في صد هذه الحملة الدولية التي يقودها الفلسطينيون وأصدقاؤهم في العالم بمن فيهم بعض اليهود. ويعتبر الإسرائيليون الموقف الأمريكي الجديد الذي عبر عنه الرئيس باراك أوباما بمثابة ضربة سياسية كبيرة، حيث قال إن الولايات المتحدة ستجد صعوبة في الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية بسبب موقف الحكومة الإسرائيلية وموقف بنيامين نتنياهو من مسألة الدولة الفلسطينية. وتتلاحق الضربات مع تصريح وزير الخارجية التشيكي لوبو ميرزاوراليك الذي تعتبر بلاده إحدى الدول القليلة في القارة الأوروبية المؤيدة لإسرائيل بحماسة والذي قال فيه إنه إذا لم يتم التوصل إلى "حل الدولتين" فإن إسرائيل ستعاني من العزلة الدولية وستتهم بالعنصرية، وأن بلاده لن تستطيع الدفاع عنها. فإذا كان هذا موقف الحلفاء والأصدقاء فكيف يكون مواقف الدول الأخرى التي تؤيد بصورة شبه تلقائية الموقف الفلسطيني؟!. خوف إسرائيل ورعبها من القادم لم يدفعها إلى تغيير مواقفها بشأن الاستيطان الذي يعتبر أهم ركائز الحكومة والنقطة الأبرز على أجندتها، ولا بشأن العملية السياسية على الرغم من تصريحات نتنياهو أنه يريد حل دولتين، ورسائله التي يريد من خلالها لقاء الرئيس أبو مازن والعودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات، فهذه لا تتعدى المناورات السياسية التي تهدف لتشويش الموقف الدولي، ففي حال قبل الفلسطينيون الجلوس مع الإسرائيليين في اجتماع قمة أو جلسات مفاوضات تحت أي عنوان ستستخدمها الحكومة الإسرائيلية لوقف الحملة الدولية المناهضة للسياسة الإسرائيلية، باعتبار أن الملفات المختلف عليها تخضع للتفاوض ولا داعي لاتخاذ مواقف دولية متسرعة ضد إسرائيل، تماماً كفكرة نتنياهو التفاوض حول الكتل الاستيطانية، لإخراج موضوع الاستيطان من التركيز الدولي كونه يمثل مخالفة إسرائيلية واضحة للقانون والقرارات الدولية. ولو وافق الفلسطينيون على هذا المقترح لما اتخذت المحكمة العليا الأمريكية قراراً يلغي قانوناً أعده الكونغرس يسجل الإسرائيليين مواليد القدس كمواليد إسرائيل، وهذه ضربة إضافية لإسرائيل من شأنها أن تثبت الخط الأخضر كحدود لدولة فلسطين وكل ما يتجاوزها من الناحية الإسرائيلية غير شرعي. والمشكلة الأكبر التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية في هذا السياق هي أن العالم لم يعد يريد السماع لمبررات وذرائع إسرائيل التي ربما اعتقدت أن الفوضى التي تعاني منها المنطقة قد تكون غطاءً على استمرار سياستها بحجة أن الوضع الأمني لا يسمح بتسوية للصراع، وأن إسرائيل ليس بمقدورها أن تقدم أراضي للفلسطينيين، وهي لا تضمن مصير هذه الأراضي ولا تعلم إن كانت ستبقى تحت سيطرة السلطة ومنظمة التحرير أم ستؤول إلى حكم "حماس" أو ربما "القاعدة"، وغيرها من الادعاءات. واتضح لإسرائيل أن التأييد الدولي للقضية الفلسطينية وللموقف الفلسطيني عموماً يزداد باطراد، بل إن مشكلات المنطقة تحتم التوصل إلى تسوية للصراع مع الفلسطينيين لتخفيف من غلواء التطرف والعنف في المنطقة. ولا شك أن الاعترافات الدولية المتلاحقة بدولة فلسطين وخاصة من برلمانات الدول الأوروبية وأخيراً من حكومة السويد ومن دولة الفاتيكان تفاقم من المأزق الإسرائيلي لأنها عاجلاً أم آجلاً ستصل إلى موقف رسمي جماعي مؤثر وضاغط. والقيادة الفلسطينية على الرغم من ضعف الأداء الفلسطيني ماضية في سياستها القاضية بالتوجه للمؤسسات الدولية كبديل واقعي ومقبول للمفاوضات الثنائية التي لم تفضِ إلى أي نتيجة جدية تقرب الحل المنشود، بل استخدمت لتحسين صورة إسرائيل دولياً ومنحها المزيد من الوقت كي تواصل فرض وقائع على الأرض تعيق أو تمنع حل الدولتين. وإسرائيل الآن تواجه معضلة حقيقية بدأت تبرز في أوساط نخب إسرائيلية وازنة وهي إمكانية التحول نحو حل الدولة الواحدة الذي لا يلقى شعبية في إسرائيل على اعتبار أن مواصلة الاستيطان لن يجعل إمكانية قيام دولة فلسطينية أمراً قابلاً للتطبيق بعد فترة ليست طويلة من الزمن. وهذا ربما استدعى تدخلاً إسرائيلياً من مجموعة لا بأس بها من الشخصيات الإسرائيلية تستدعي ضغطاً دولياً على إسرائيل للمرة الأولى، من قبيل الألف شخصية الذين وقعوا على رسالة موجهة للبرلمانات الأوروبية تطالبها بالاعتراف بدولة فلسطين في حدود عام 1967 بدون قيد أو شرط، العريضة التي يجري إعدادها لتوجيهها إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار بالاعتراف بدولة فلسطين بنفس الصياغة، لأنها تدرك أن سياسة الحكومة التي يقودها نتنياهو ستأخذ إسرائيل إلى الدمار وستقضي على فرص التسوية وتديم الصراع وهو خطر حقيقي على مستقبل الدولة وعلى الأجيال القادمة. وعلينا أن نقرأ ما يجري هناك ليس فقط لعدم الوقوع في فخ الدعوات الإسرائيلية للمفاوضات ولقاءات القمة وإنما كذلك لنعزز الاتجاهات الإسرائيلية التي تعارض الحكومة وتعمل ضد سياستها دولياً وهذا يتطلب جهداً مكثفاً على الساحة الإسرائيلية لتوسيع نطاق الضغط داخلياً وخارجياً، وهذا ليس تطبيعاً كما يحلو للبعض أن يطلق عليه، كما أنه لا يتعارض مع حملات مقاطعة إسرائيل وفرض العزلة والضغط الدوليين عليها، بل بالعكس كلما كانت هناك أصوات إسرائيلية تطالب بفرض الحل كانت العزلة والمقاطعة على إسرائيل أقوى وأوسع. فاعلية المقاطعة خلال الأيام الأخيرة، عاشت إسرائيل حالة قلق شديدة جرّاء تزايد المقاطعة، لدرجة أن شركة "أورانج" الفرنسية أوقفت عقدها مع شركة "بارتنر" الإسرائيلية؛ ما أثار حملة إسرائيلية كبرى شاركت فيها الحكومة وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، مستندين إلى الضغط على الحكومة الفرنسية التي تملك 25% من أسهم "أورانج"، ما أدى في النهاية إلى تراجع الشركة عن قرارها بوقف عملها في إسرائيل، لكن القضية لم تنته والمعركة ستستمر حتى تتراجع "أورانج" عن قرارها الأخير. وخلال الفترة الماضي، قابل رؤساء الجامعات الإسرائيلية الرئيس الإسرائيلي، وقالوا له، إن المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية وصلت مرحلة خطيرة وبمقدور إسرائيل إجهاضها إذا تحركت فوراً، وحذروا الحكومة إذا لم تتحرك بحملة مضادة قبل فوات الأوان فلن تستطيع الجامعات والأكاديميون الإسرائيليون العمل أو التعاون مع الجامعات والأكاديميين على امتداد العالم. كما خصصت الحكومة الإسرائيلية اجتماعا لبحث المقاطعة وكيفية مواجهتها، وقررت مضاعفة الأموال المرصودة لمكافحتها، إضافة إلى قرارها بتنظيم حملة تبرعات للحصول على تمويل من أصدقاء إسرائيل يصل على الأقل إلى ما يساوي ما رصدته الموازنة الإسرائيلية. كما يستعد الكنيست لمناقشة الموضوع مرة أخرى. وتضع الحكومة الإسرائيلية المقاطعة على نفس مستوى أهمية وخطورة "الإرهاب"، وتركز في تصديها لها على أنها أولا شكل من أشكال معاداة السامية التي تستهدف "دولة اليهود"، وهي امتداد لحملة معاداة السامية التي استهدفت اليهود، ووصلت ذروتها في المذبحة التي نفذتها ألمانيا الهتلرية ضد الملايين منهم، وهذا ادعاء باطل وضعيف لأن هناك من قادة المقاطعة وأعضائها ساميّين، ومن ضمنهم يهود. وثانيا، تركز الحملة المضادة الإسرائيلية على أن المقاطعة تستهدف نزع الشرعية عن إسرائيل وتدميرها ومحوها من الوجود. تنبع أهمية المقاطعة من أنها تركز على نقطة ضعف إسرائيل، التي تتصور أو تصوّر أنها نقطة قوتها، وهي أن إسرائيل واحة الحضارة والديمقراطية، وأنها تتمتع بالقيم الأخلاقية العالية، وتحترم حقوق الإنسان وحرياته، وتلتزم بالقانون الدولي والشرعية الدولية، مع كل ما تقوم به من إجرام ومذابح وحصار وتقطيع للأوصال وقتل للأطفال وتدمير للمنازل والمؤسسات والكنائس والمساجد والمؤسسات الدولية ومن تمييز عنصري اعتداءات على البشر والحجر ومخالفات للقانون والقيم، وليس كما تدعي بأنها تدافع عن نفسها. نقطة قوة الكفاح الفلسطيني أنه يستند إلى قضية عادلة متفوقة أخلاقيا، وإلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، على الرغم من أنها لا تتضمن سوى الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، لذلك المقاطعة شكل من أشكال المقاومة التي تضغط بشدة على نقطة الضعف الإسرائيلية، ويمكن أن تحقق نجاحات نوعية تغيّر الموقف كله إذا تم التعامل معها كأداة من أدوات الإستراتيجية الفلسطينية الجديدة طويلة الأمد، وليست مجرد وسيلة تكتيكية ترمي إلى الضغط من أجل تحسين شروط حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، أو تحسين شروط المفاوضات التي عجزت وستعجز عن إنهاء الاحتلال إذا لم تستند إلى أوراق قوة يحملها المفاوض الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات. ووصل بإسرائيل المطاف إلى سَنّ عشرات القوانين العنصرية في مسلسل لا ينتهي، ما يجعل إسرائيل أكثر وأكثر نظاماً معادياً للإنسانية وأسوأ من نظام التمييز العنصري البائد في جنوب أفريقيا. ما يجعل قادة إسرائيل يشعرون بالقلق أنهم يخشون من تزايد مطرد في حملة المقاطعة، وكونها مرشحة لتحقيق المزيد من النجاحات في ظل التحول الكبير في اتجاهات الرأي العام الدولي، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة. فإسرائيل ترى أنها خسرت أوروبا وخسرت الجامعات الأمريكية، وتخشى أن هذا التحول في الرأي العام سيصل عاجلا أو آجلا إلى حدوث تحول مماثل لدى الحكومات، وعندها لن يطول الوقت قبل أن تواجه إسرائيل العزلة والعقوبات والمحاكمات. وعلى سبيل المثال لا الحصر على نجاح حركة المقاطعة في الفترة الأخيرة، فقد قرر الاتحاد الوطني للطلبة في بريطانيا الذي يمثل 7 ملايين طالب مقاطعة إسرائيل. كما أُجبرت شركة "فيوليا" الفرنسية العملاقة على بيع معظم أعمالها في دولة الاحتلال بعد خسارتها لعقود بمليارات الدولارات جراء حملة المقاطعة ضدها حول العالم. على الرغم من النجاحات التي حققتها المقاطعة، إلا أنه لا يجب الاطمئنان إلى مستقبلها كون إسرائيل تضع كل قوتها وتسعى لتجنيد أصدقائها وحلفائها لإحباطها، وحققت في ذلك نجاحات مهمة تمثلت بإقناع الكونغرس الأمريكي ومجلس النواب الكندي وغيرهما من برلمانات العالم بسنّ قوانين تحرم مقاطعة إسرائيل، وتعتبره عملاً من أعمال معاداة السامية. كما تضمنت هذه القوانين إجراءات لمعاقبة دعاة المقاطعة والمشاركين فيها. على الفلسطينيين وأصدقائهم بذل المزيد من الجهود واستثمار موارد وطاقات أكبر لإنجاح حملة المقاطعة، ومنها زج القيادة الفلسطينية في السلطة والمنظمة بكل طاقاتها في هذه المعركة، وليس التعامل معها على استحياء وعدم التدخل عندما يجب التدخل، مثلما حدث بعد تراجع شركة "أورانج" عن قرارها بعد ضغط من الحكومة الإسرائيلية على الحكومة الفرنسية، فكان يجب أن يواجه بضغط مماثل من قبل الحكومة الفلسطينية. كما يجب على القيادة الفلسطينية العمل على إقناع القيادات والحكومات العربية بدخول معركة المقاطعة، لأنها إحدى الأدوات البارزة للدخول إلى الطريق المضمون لإجراء التغيير الضروري في موازين القوى، الذي سيوقف الزحف الاستيطاني العنصري والمخططات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة وداخل أراضي 48، وسيفتح نافذة لتوفر فرصة لفرض تسوية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، التي لن تتحقق، ولو بأي درجة، في ظل استمرار الأوهام والرهان على المجتمع الدولي وحده، أو على المفاوضات، وعلى الضغط الأمريكي على إسرائيل الذي أدى سابقًا إلى وصولنا إلى الكارثة التي نحن فيها، وسيؤدي الاستمرار بهذه الأوهام والرهانات إلى كارثة أكبر. تبقى نقطة أخيرة هي: هل تقتصر المقاطعة على مقاطعة الاحتلال والاستيطان ولا تمس بشرعية إسرائيل المزعومة، أم أنها لا بد أن تكون مقاطعة شاملة ترتكز إلى أن إسرائيل دولة قامت على أنقاض شعب آخر وتستمر في عملية إبادته، وترفض كل ما هو وارد في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي من شأن تطبيقها أن يفتح الطريق لحل مرضٍ للقضية الفلسطينية. كما أنها أجهضت كل الحلول والمبادرات التي قدمت وترمي إلى التوصل إلى تسوية تتضمن حتى أقل من الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، على الرغم من أن القيادة الفلسطينية اعترفت بحق إسرائيل في الوجود، وأوقفت المقاومة ضدها، والتزمت بالتزامات أمنية واقتصادية تضمن أمن واستقرار إسرائيل. وهذا يقتضي مراجعة طريق "أوسلو" والتحرر من التزاماته، ولو بالتدريج، من وقف التنسيق الأمني، وصولا إلى سحب الاعتراف بإسرائيل. إن من يريد أن يكتفي بمقاطعة الاستيطان فعليه أن يفعل، ولكن المقاطعة لن تعطي أكلها إذا لم تصل إلى الكل الإسرائيلي، حينها ستشعر إسرائيل بأنها ملاحقة ومعرضة للعزلة والعقوبات والمحاكم على جرائمها السابقة والمستمرة. فالكيان الذي يمارس الاحتلال والاستيطان والعنصرية هو تجسيد لمشروع استعماري صهيوني لا يزال مفتوحاً ولم يغلق، لا يمكن أن يكون شرعياً. ازدياد القلق الإسرائيلي انعكس القلق الإسرائيلي الرسمي، من المقاطعة الدولية المتصاعدة لإسرائيل، ولاقتصاد مستوطناتها، بالتصريحات السياسية الرسمية، وانشغال حكومة بنيامين نتنياهو بتداعياتها. وكانت حكومة اليمين المتشدد قد أقرت ميزانية أولية من 27 مليون دولار لشن حملة مضادة لحملة المقاطعة الدولية، فيما دعا نتنياهو الكتل البرلمانية إلى تشكيل حكومة إجماع صهيوني لمواجهة المقاطعة، وانضم إليه نواب من أشد اليمين تطرفا في حزبه. ولم تعد إسرائيل تخفي أو تستخف بحملة المقاطعة الدولية، التي بدأت كما يبدو تلمس نتائجها، وخصوصاً مع تزايد نشاط الحركة العالمية BDS التي قادت قبل ثلاثة عقود وأكثر حملة المقاطعة لجنوب أفريقيا. وبحثت الحكومة الإسرائيلية في جلستها الأحد، الحملة المتصاعدة، وتزايد توجهات الاتحاد الأوروبي، بوضع شارة على بضائع المستوطنات لتحذير جمهور المستهلكين الأوروبيين، قبل شرائها. وتبين أن الحكومة تصر على عدم نشر بحث أجري في وزارة المالية الإسرائيلية وأنجز قبل عام ونصف العام، يكشف مدى الأضرار الإسرائيلية من المقاطعة. وقال نتنياهو مع افتتاح جلسة حكومته، نحن الآن في أوج هجوم منظم، لتصعيد حملة "مقاطعة دولة إسرائيل وللمس بحق جيش الدفاع الإسرائيلي بالدفاع عن مواطني الدولة. ومن وجهة نظر الأطراف التي تقف وراء الحملة لفرض المقاطعة، المستوطنات في يهودا والسامرة (الضفة المحتلة) ليست لب الصراع، وإنما لبه هو استيطاننا في كل من تل أبيب وبئر السبع وحيفا وبالطبع القدس المحتلة. وتابع نتنياهو قائلاً، إنه "إزاء المحاولات للمس بإسرائيل من خلال الأكاذيب والتهم الكاذبة والمقاطعات، علينا أن نقف، أحزاب يمينية ويسارية على حد سواء، صفا واحدا، من أجل التصدي للضغوطات وكشف الأكاذيب وصد المهاجمين". وانضم إلى دعوة نتنياهو بتشكيل حكومة وحدة واسعة، عدد من وزراء الليكود المتطرفين. أما زعيم حزب "العمل" أكبر أحزاب المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هيرتسوغ، فكان رده لوسائل الإعلام مقتضبا، بقوله "إن حكومة كهذه لا تلوح في الأفق". وقالت "هآرتس"، إن الحكومة الإسرائيلية بدأت تكثف حراكها في أوروبا، وبين أروقة الاتحاد الأوروبي، في أعقاب الجلسة الأخيرة لمجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 18 أيار(مايو). وبعد الجلسة أن وصلت معلومات لوزارة الخارجية تقول إن وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فريدريكا موغريني أبلغت نظرائها من الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد، بأن في نيتها الدفع إلى الأمام بالدراسة التفصيلية عن وضع علامة على منتجات المستوطنات والنشر قريبا للتعليمات في هذا الموضوع. إلى ذلك قالت مصادر إسرائيلية، إن بضائع المستوطنات التي تصل إلى الأسواق الأوروبية نسبتها قليلة من إجمالي البضائع الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل تتخوف من أن تنشأ مبادرة لوضع علامة على كافة البضائع الإسرائيلية، تحسباً لكي من بينها بضائع مستوطنات. وهذا القلق يتزايد، خاصة مع تزايد أعداد شبكات التسوق الأوروبية التي باتت تحظر التعامل مع كافة البضائع الإسرائيلية. ودعت وزارة الخارجية الإسرائيلية سفراءها وممثليها في كافة الدول الأوروبية، للشروع بحملة توضيح لدى الحكومات، ومطالبتها بعدم القبول بحملات مقاطعة إسرائيل اقتصاديا، بزعم أن الأمر سيضر بمستقبل العملية التفاوضية المجمدة أصلا. وكما ذكر، فقد خصصت الحكومة الإسرائيلية الأحد ميزانية 27 مليون دولار لشن حملة مضادة في العالم ضد حملة المقاطعة، وستلقى الحملة الإسرائيلية حملة مساندة من عدد من الأثرياء اليهود في العالم. الذي استنفروا في أعقاب قرار شركة الاتصالات الفرنسية العالمية "اورانج" منع الشركة الإسرائيلية "بارتنير" من استخدام علامة "أورانج"التجارية. |
||||||