على طريق المواطنة والحكم الصالح.. كيف ومن أين نبدأ؟

السنة الرابعة عشر ـ العدد 162 ـ (شعبان - رمضان 1436 هـ) حزيران ـ 2015 م)

بقلم: نبيل علي صالح(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

كان لغياب ثقافة وقيمة الحرية ومبادئ التعددية السياسية وفكر المواطنة والحكم الصالح، وآليات الفكرة الديمقراطية، مع ضعف المشاركة السياسية وسيطرة الأنظمة السياسية المغلقة والمستبدة في اجتماعنا الديني العربي والإسلامي، كان لكل ما تقدم أبلغ الآثار والنتائج السلبية الكارثية على الصعيد الحضاري لأمتنا..

وقد تمظهرت هذه السلبيات من خلال تضخم حجم الدمار الاقتصادي والاجتماعي، وإعاقة النمو البشري، بعد عقود طويلة من هيمنة ثقافة وفكر وعقلية وسلوك الفساد والإفساد، وخلق نزعات سلطوية غرائزية مدمرة لدى النخب التسلطية الحاكمة التي لم تراع قيمة ولا مبدأ إنسانياً في سلوكها واستراتيجيات فعلها السياسي والاقتصادي لمجتمعاتها وناسها، وهي لا تزال قائمة ومستمرة، خصوصاً عندما يطول وقت احتلال من يحكمون لمقاعدهم الثابتة، فتبدو رؤيتهم للأمور وردية ومغلوطة لأنها تقوم على أساس مفتعل لا يدرك الواقع الحقيقي، ولا يعايش نبض الجماهير المستضعفة والمظلومة، ولا يستشعر معاناتها وآلامها وشقائها الاجتماعي المستديم، وأمراضها الخطيرة المزمنة.

هذا ما أدى لخلق بون شاسع وفجوة كبيرة فصلت بين الشعوب والمجتمعات من جهة وبين الحكام والنظم والحكومات الرسمية القائمة من جهة أخرى، وهذه الأزمة والفجوة القائمة ليست جديدة بطبيعة الحال، بل هي تاريخية بامتياز ولا تزال تغلف العلاقة بين الطرفين إلى حد أدى إلى عزلة من يحوزون السلطة عن الجماهير العريضة بآمالها وآلامها وأحلامها وتطلعاتها واحتياجاتها ومقاصدها، وهو أمر يؤكد أن جزءاً كبيراً من الصراع المحتدم نجم عن حال الفراغ السياسي الذي يحتل المساحة بين القمة والقاعدة لدى معظم الشعوب العربية.

إن الشرعية السياسية في معظم النظم العربية تعود إلى أفكار ومرجعيات يصعب الأخذ بها أو التسليم باستمرارها وصلاحيتها، فالتغير هو الثابت الوحيد في هذا العالم، والدنيا لا تبقى على حال، والأحوال تتبدل،فتظهر مع كل فترة زمنية ومرحلة تاريخية تمثلات وتجليات لم تكن مطروحة في السابق، أو كانت مطروحة على استحياء من خلال مقولات صامتة تتحدث همساً وتحت الكواليس عن قضايا التغيير والإصلاح والتغيير والديمقراطية ومبادئ الحق والعدل والحرية.. فقد أضحت الديمقراطية مطلباً إنسانياً –على الرغم من مصدرها الغربي- ونزعة تحررية من شأنها إذا توافرت شروطها الذاتية والموضوعية أن تمكّن الشعوب من تحقيق استقلالها التاريخي، والتعبير عن قدراتها الحية، ومكنوناتها الهائلة..

إنّ إعادة بناء مفهوم الدولة داخل الفكر السياسي المعاصر، منظوراً إليها من زاوية كونها حقلاً يعكس تناقضات البنية الاجتماعية وتوازنات القوى فيها، سمحت بإعادة تمثّل مسألة الديمقراطية والنضال الديمقراطي، كما أخرجت حركات التقدم من عزلتها الاضطرارية أو الاختيارية عن الساحة الجماهيرية، ودفعتها إلى الخروج بالعمل السياسي من دائرته السرية المطلقة إلى الدائرة الجماهيرية الأوسع، وأنقذت التفكير السياسي من مصطلحات القاموس العسكري، كما قلصّت من مظاهر ممارسة السياسة بمنطق الحرب.

إذاً هذه المعايير الأربعة للحداثة لا تزال قائمة، وهي تتبدل باستمرار، لم ينته العمل بها بعد.. حيث نشهد بين الفينة والأخرى صراعات ونزاعات حول العديد من الخيارات التي توجه نشاطها.. فهل يمتلك الإسلام – كدين حاكم على القلوب ومهيمن على العقول والأفئدة عندنا - القدرة الفكرية والعملية للتكيف مع ما ذكر أعلاه من معايير ومقتضيات الحداثة وضرورة الانخراط الجدي العملي في عملية الإصلاح الديني والثقافي والسياسي في عالمنا العربي والإسلامي؟!...

في الواقع الإسلام كدين إنساني يعطينا المعنى والغاية، ويقدم لنا معطيات غنية ووافرة من الحضور القيمي ذاتاً وموضوعاً على الرغم من أننا لا نزال نعيش حالياً في مجتمعاتنا حياة حديثة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى من حيث التعامل الشكلي والمظهري مع مقتضيات تلك الحداثة، فنحن نتعامل مع الانترنت، ونسافر بالطائرات، ونعمل وفق قوانين حديثة، ونتواصل تفاعلياً وتبادلياً مع مختلف بقاع الأرض، وتخضع كثير من حكوماتنا ونظمنا السياسية لمؤسسات وهيئات ومنظمات دولية اقتصادية وسياسية وثقافية متعددة.. الخ..

إذاً نحن لسنا متخلفين في أساليب الحداثة ووسائلها وطرقها.. ومجتمعاتنا العربية لا تعيش حياة القرون الوسطى بل هي مجتمعات خاضعة بشكل أو بآخر لقوانين ونظم الحداثة العالمية ذاتها.. ولكن الخطر والخطأ في الموضوع هو أننا فهمنا الحداثة كمجرد نقل لمنجزات الآخر وتقنياته واختراعاته وتقنياته الكبيرة (في كل مجالات وتطبيقات الحياة)، لا صنعاً واستنباتاً لها في تربتنا المحلية، وإنما استهلاكاً وشراءً ونقلاً بلا معرفة علمية ذاتية لها.. وهذا لاشك أمر مهم وجيد ولكنه غير كاف لصنع الحضارة وبناء الحداثة العلمية المطلوبة..

وهذا ما ندعوه بالحداثة الناقصة أو الحداثة القشرية أو الحداثة الكسيحة.. إنه منطق التناقضات والتشوهات المرتبطة بهذه الحداثة من جهتنا نحن لا من جهة الغرب مبدع ومؤسس حداثة العلم وتقنيات العلوم الحديثة.. فنحن لا نزال نعيش على استهلاك متزايد لثمرات الحداثة الناشئة والمتطورة خارجها دائرتنا الحضارية الإسلامية على الرغم من أننا ساهمنا في الماضي في التأسيس لها بصورة وبأخرى.. كما أننا عجزنا حتى الآن عن زرع واستنبات شجرة الحداثة عندنا وبما يناسب مجالنا وسياقنا الحضاري الإسلامي. فلم نفتح ورشات لها خاصة بنا وبشروط وجودنا القيمي، لا ورشات المعرفة الزمنية، المدنية، الإنسانية، البحث العلمي، التطور الفكري الحر.. ولا ورشة الدولة الحديثة، دولة الحق والقانون. نحن لا زلنا إلى حد كبير نقبع ضمن مجتمعات منمطة انضباطية وفقاً لسلطة الأعيان والأتباع وكل مظاهر العشائرية والقبلية البغيضة التي حاربها الإسلام ذاته.. ولم نطور أيضاً بما فيه الكفاية ربما مسألة الفرد كذات، أو الفردية الحرة والمسؤولة. وقد يسأل أحدهم عن تحديد مسؤولية ذلك التأخر والتقهقر؟!.

في الحقيقة وعلى الرغم من التسليم بدور ومسؤولية العامل الخارجي في ما وصل إليه حال العالم العربي والإسلامي، إلا أن هناك وعياً متزايداً بأن الكوارث التي يعيشها عالمنا ليست كلها قادمة من الخارج، أو ناجمة عن الأطماع والتدخلات الأجنبية وحدها، وأن الكثير منها يعود إلى عجز النخب السياسية الحاكمة عن إيجاد الحلول الملائمة لتناقضات كامنة في بنية وثقافة المجتمعات ونظم الحكم العربية.. وترتب على إهمالها (وتراكم هذا الإهمال) نجاح القوى المعادية في تعميقها، واستغلالها إلى أن وصلت إلى نقطة الانفجار أو انفجرت بالفعل كما هو الحال في دول عربية كثيرة.. فالعراق -مثلاً- لا يعاني من التدخلات والتشابكات الأجنبية فقط، وإنما تجتاحه في الوقت نفسه صراعات أهلية محلية تاريخية متنوعة الأبعاد والمستويات ترشحه للدخول في نفق حرب داخلية أهلية واسعة النطاق، وتهدده بالتفتت والانقسام إلى دويلات طائفية عدة.. والأراضي الفلسطينية لا تعاني من احتلال إسرائيلي مقترن بحصار دولي فحسب، وإنما تعاني أيضاً من صراع تناحري مقيت، وصل إلى حد الاقتتال بين الأخوة، وأفراد البيت الواحد، وما تزال جذوره حية، وتشكل خطراً يهدد بتصفية قضية كانت وما تزال من أنبل وأعدل قضايا العالم قاطبة.. الصومال لا يعاني فقط من تدخل أجنبي شجع إثيوبيا على احتلاله وإنما أيضاً من صراع قبلي ظل حياً لسنوات طويلة وأدى الفشل في احتوائه إلى إغراء الآخرين على التدخل تحت دعوى ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار.

وهكذا هي أحوال وقائع الحياة اليومية في كل من اليمن وسوريا والسودان، كلهم يعاني من اشتعال وتفجر بؤر الصراعات التقليدية القديمة التي لم تحسم فكرياً وتاريخياً، وكلهم يعاني من صراعات عرقية ومذهبية تهدده ليس فقط بتجدد الحروب الأهلية، وإنما بالتفتت والتقسيم أو الاقتسام أيضاً. أما حال بقية الدول العربية فلا تبدو أفضل كثيراً. فالبطالة وتراجع معدلات التنمية، وتعثر الإصلاح السياسي والخلل الرهيب في توزيع الثروة والمداخيل، كلها تحولت أمراضاً مزمنةً راحت تنخر في عظام هذه الدول لتشكل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في جسدها في أية لحظة.

من هنا نؤكد على الحقائق التالية في سياق ضرورة قبولنا وتبنينا لأفكار الحداثة التي تنسجم مع ذاتنا الحضارية:

1- إن الإصلاح الداخلي المنطلق من ترتيب أوضاع بيوتنا الداخلية أفضل وأقوى وأمتن من أي إصلاح خارجي مفروض لن يأتي إلينا إلا نتيجة الغياب المتعمد لانطلاق مناخ الإصلاح الطبيعي الحقيقي على أيد شعوب الداخل في المجتمعات العربية بما ينبع منها، ويتفق مع تقاليدها، ويرتبط بهويتها الحضارية.

2- الإصلاح الحقيقي المطلوب الذي يستمر ويبقى هو فقط الإصلاح الذي يتم بالطرق السلمية الديمقراطية مع رفض كامل لمنطق الثورة في العملية السياسية الإصلاحية، لأن مفاجآتها كثيرة وردود فعلها معقدة ونتائجها غير مضمونة.. بينما الإصلاح التدريجي المدروس وفقاً لخطة زمنية معلنة هو السبيل الأفضل للانتقال نحو غايات الأمم وأهداف الشعوب. وتستطيع نظم عربية كثيرة أن تتواءم مع التطورات المقبلة بشرط أن تستوعب حقائق العصر وأن تمضي نحو المستقبل بخطى ثابتة، بدلاً من ترديد شعارات خادعة للاستهلاك المحلي وتسويف التغيير وإجهاض الإصلاح.

3- إن المؤسسة الدينية الحاكمة – ظاهراً أم باطناً- في العالمين العربي والإسلامي مطالبة أكثر من أي وقت مضى باعتماد العقل والحوار والانفتاح على الآخر، وإطلاق خطاب ديني عصري واضح يعتمد على عنصر النقد الفاعل البناء وليس التلقي والقبول والتسليم الكامل.

ولكن هنا نتساءل: كيف يمكن الاتفاق في هذه الحال على مسألة النقد وإشكاليات النصوص والتأويلات الدينية لها والهادفة إلى تجديد الفكر والهوية لتصبح منفتحة مستوعبة تواصلية مع الذات ومع الآخر، من دون الاتفاق حول الغايات والقيم الأساسية التي سوف تحكم إعادة بناء المجتمعات الإسلامية المفككة أو اجتماعاتها السياسية؟!.

لقد انطلقت الثورة التقنية والصناعية (وما رافقها من إنجازات علمية هائلة) نتيجة انبثاق تراكم معرفي وثقافي تنويري كبير – كما ذكرنا– قادته مجموعة كبيرة من النخب الفكرية المعرفية من أمثال مونتسكيو وديديرو وفولتير، ولئن حدث هذا التحول الذي عرفته مجتمعات الغرب الأوروبي بفضل ذلك المناخ الثقافي التنويري فإننا نسأل: هل يمكن لثقافتنا العربية الإسلامية أن تتمثل (وتستفيد وتستثمر) بما أنجزته الثقافة الأوروبية حتى تتمكن من إحداث النقلة النوعية المتوخاة داخل المجتمعات العربية والإسلامية؟!! وإذا كان لكل أمة ثقافتها الخاصة فلا يعني هذا أن مستوى الثقافة واحد لكل الشعوب، لكن هذا المستوى يختلف من شعب إلى آخر، لتعدد درجات الثقافة في مراتب الرقي.

فعلى مستوى عالمنا العربي شاع سابقاً – في بعض المفاصل الزمنية القليلة – تأويل منفتح عقلاني للدين، منسجم مع ذاته، ومتفاعل مع الحضارات الأخرى. ولكن بدءاً من عصر الانحطاط أخذ يسود التأويل الآخر: أي الفهم الجامد، المنغلق، المتعصب. وغني عن القول هنا إن الثقافة العربية هي بطبيعتها ثقافة تأصيلية، فيها إمكانات هائلة للنظر والوعي والنقد والبناء المعرفي الحضاري، إلا أن حاجتها للتجدد في عالم التحول والتغير يفرض عليها مزيداً من المساهمة الفاعلة لتتمكن من أداء دورها الريادي بغية تنوير المجتمعات وترشيدها بما يكفل لها الارتقاء في سلم الرقي والتقدم كباقي الشعوب والأمم.. أي أنه لا يكفي أن نؤمن نظرياً بقدرة ثقافتنا على البناء والنمو والتصاعد بل لا بد من الاعتقاد أن شرط النمو هنا هو في مدى قدرة ثقافتنا على الدخول في حوار ونقد مع مسببات أزمة وجودنا الراهنة مع أنفسنا أولاً قبل الآخر..

إذ لم يعد مقبولاً أبداً اليوم أن تراوح هذه الثقافة الإسلامية في مكانها ليجتر أصحابها مقولات ومفاهيم خارج نطاق الحياة والعصر.. أو أن تكتفي بترداد أغاني الماضي التليد وانجازات العصور القديمة، بل عليها أن تواكب حركات التقدم الذي وصلت إليه الثقافات الأخرى وأن تتفاعل بشكل خلاق ومبدع مع كل الانجازات العلمية والفكرية التي ساهم بها مثقفو الأمم الأخرى.

وهنا نؤكد دائماً على أن تجاوز هذه الإشكالية قائم على مسألة نظرية بسيطة لكن معقدة وهي: أن نعمل على الاستفادة من ثقافتنا وحضارتنا العربية بما يتلاءم ويتناسب مع حاجات مجتمعاتنا الراهنة المتغيرة ومن دون أن نكون أسرى لقيم الماضي، ومستغرقين في مناخاته القديمة، وأن نأخذ بمعطيات الحاضر ونساهم في تطويره بما يمكننا من استشراف المستقبل، وأهم ما نحتاج إليه هو الثقافة العقلانية التنويرية.. حيث لم يعد مقبولاً الاكتفاء بالنشاطات الثقافية الشكلية التي لا تمت إلى الجوهر بل علينا أن نساهم في عملية البناء الفكري الذي يصوب سهامه إلى مكامن الجهل في زوايا مجتمعاتنا المتعطشة إلى نور العلم والمعرفة وهذا ما يتطلب توفير كل المقومات والإمكانات عن طريق إيجاد مناخ يكفل حرية البحث العلمي والإنتاج الأدبي والنقد السياسي، بما يؤهل مجتمعاتنا لأن تكون رائدة في ثقافتها منسجمة مع ماضيها مترقبة لمستقبلها الواعد..

وتلك هي مسيرة الثقافات عبر التاريخ وخلال العصور فالتواصل الثقافي بين الأمم أشبه بسلسلة ذات قنوات متداخلة كل قناة تأخذ مما قبلها وتعطي ما بعدها، هكذا كان حال ثقافات الأمم الغابرة من مصرية ورومانية وفارسية ويونانية وعربية إسلامية مروراً بثقافة أوروبا في عصر النهضة والتنوير وانتهاء بالثقافة المعاصرة التي نعيش في رحاب نتاجها الذي يرفد الإنسانية بعوامل الرقي والإبداع لما فيه خير البشرية جمعاء.

وفي الختام نؤكد على أن لا بديل لنا كعرب عن الانخراط في الواقع المعاصر، والاهتمام بكل أحداثه ووقائعه وأحداثه وشؤونه المختلفة.. وهذا يتطلب البحث الجدي منا عن مضامين معرفية جديدة، بما يؤهلنا لـ "التكيّف الإيجابي" مع معطيات ومواقع هذا العالم، وبالتالي الانخراط في مقتضياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بما يقلل من الخسائر التي علينا دفع أثمانها نتيجة فواتنا التاريخي، ريثما تتوفر شروط عامة للتحرر والانعتاق في المستقبل.

فنحن لسنا وحدنا في هذا العالم، كما أننا لسنا مركزه، أو غايته، أو منتهاه.. بل نحن أمة مثل باقي الأمم والحضارات.. لها ما لها وعليها ما عليها.. إننا أمة من جملة أمم وثقافات، لا يمكن أن نتكور على أنفسنا ونتقوقع ونعيش من دون جيران وأصدقاء ومصالح وتوترات ومناخات باردة أو ساخنة وغيره.. ولا نستطيع أن ننعزل عن أية تأثيرات وتطورات قد تحدث في العالم الذي نعيش فيه.

ومن أجل ذلك، تبدو الديمقراطية الاجتماعية والفكرية – إذا صح التعبير- في رأس أولويات التجديد، فمسألة التقدم تستدعي مقولات جديدة: المجتمع المدني، الديمقراطية، الدولة الحديثة، المواطنة، وهذا كله يمكن اختصاره بمقولة واحدة هي: الحكم الصالح. وتبدو أهمية ذلك إذا أدركنا أننا، بشكل عام، لا نملك لغة سياسية حديثة، منظمة ومؤسسة، في بنانا السياسية والثقافية، إذا بقينا خارج تسلسل وتاريخ الأحداث والتغيرات التي تعصف بالعالم المعاصر.

باحث وكاتب سوري(*) 

اعلى الصفحة