|
|||||||
|
لقد مورست شتى أساليب الإرهاب النفسي بحق أهل البيت(ع) وشيعتهم، وكان الهدف دوماً الرضوخ للسلطان وسطوته، والاعتراف به ومشروعيته، وتراجعهم عن معتقداتهم وقناعاتهم، وما أخذوه عن رسول الله(ص) وجاء به الأئمة من ذريته وأهل بيته(ع)، من علوم نهلوها منه، وأحكام حوتها رسالته. إن من يعود إلى التاريخ البعيد وغيره، يجد أن ما نتحدث فيه ليس نسجاً من خيال، وليس بدعاً من قيل وقال، بل إن شواهد التاريخ عليه كثيرة، وأدلته على ما نقول وفيرة، يكفي أن نعود إلى سياسات الأمويين والعباسيين بحق أتباع الإمام علي(ع) وأصحابه، من قتلٍ على التهمة، وتعقبٍ لهم خلف كل حجرٍ ومدر. يكفي أن نعود إلى ما حصل مع حفيد رسول الله(ص) الإمام الحسين(ع) وأهل بيته(ع) من مظالم ومآسي، يندى لها جبين التاريخ، ويتفطر لها القلب شجى، حتى يدرك العاتب عما نتحدث، وإلى أي بلاء ابتليت به الأمة نشير؟!. وإذا ما طرح السؤال عن السبب الذي يستدعي من السلطة الأموية - أو غير الأموية - أن تبادر إلى استهداف أهل البيت(ع) وشيعتهم إلى هذا المستوى، وهل أن الأمر يرتبط بأفعال محددة، أم أنه يرتبط بمشروع أبعد مدى؟ وإذا كان هناك من مشروع فما هي عناوينه، وما هي خلفية السعي إليه؟.. المشروع الأموي إن صناعة المصطلح وسوء توظيفه يرتبط بمشروع أوسع مدى كانت تتبناه السلطة الأموية وتعمل على تنفيذه، والسر في ذلك أن الانتصار الذي حققه المسلمون على قريش وقيادتها المتمثلة بأبي سفيان، والذي توّج بدخول المسلمين إلى مكة وفتحها، قد أدى إلى كسر شوكتها، وإلى افتقاد ذلك التحالف القرشي - والذي كان على رأسه البيت الأموي - كل تلك الصدارة والمكانة التي كان يمتلكها في الجاهلية، قبل انتصار المسلمين ودخولهم مكة. وخصوصاً أن ثمن الهزيمة التي تجرعها ذلك التحالف القرشي كان كبيراً جداً، عندما قُتل الكثير من ساداتهم ورجالهم في المعارك التي خاضوها مع المسلمين، والعديد من هؤلاء كان من كبار البيت الأموي، وهذا ما خلّف في أنفسهم الكثير من مشاعر الحقد والضغينة، مشفوعة بقيم جاهلية من الميل إلى الثأر وحب الانتقام من المشروع الإسلامي وعلى رأسه رسول الله(ص) وأهل بيته وذريته(ع)، ممزوجة بالحنين إلى أمجاد الماضي، التي كانوا عليها أيام الجاهلية وتقاليدها وقيمها. لكن لم يكن من السهولة بمكان الإعلان عن ذلك الميل إلى الثأر من رسول الله(ص) والتشفي (الانتقام) منه بشخصه، فكان الثأر من أهل بيته(ع) وذريته وشيعتهم وسيلة لهم للانتقام منه (ص)، لما فعله بهم في بدر وأُحد وغيرهما. فهم لم يبلعوا هزيمتهم في بدر ولا غيرها، ولم يناموا عن الثأر لمقتل كبارهم في المعارك التي خاضوها مع المسلمين، بل هم لم يظهروا إسلامهم إلا بعد أن أسقط ما في يدهم، ولم تبق لهم من قدرة على مواجهة رسول الله(ص) وجيشه، ولذلك سايروا الأمور متربصين الفرصة التي تعينهم على العودة إلى أمجادهم، والثأر لإسلافهم. فكان أن تسللوا إلى مفاصل الدولة الإسلامية والعديد من مناصبها العليا، حتى إذا تهيأت لهم الظروف، وأمسكوا برأس السلطة (الخلافة)، وسيطروا على جميع مفاصلها؛ بدأوا تنفيذ مشروعهم مستخدمين جميع إمكانياتها في إسقاط أهل بيت رسول الله (ص) والانتقام منهم، ليس فقط على المستوى السياسي، وإنما أيضاً على المستوى الديني والاجتماعي وغيره. فأعلنوا حرباً شعواء على أكثر من مستوى، وفي أكثر من ميدان، من قتل سبط رسول الله(ص) الإمام الحسين(ع) وأهل بيته في كربلاء، وقبلها مواجهة الإمام علي(ع) أيام خلافته، إلى لعنه وسبه لعقود من الزمن من على منابر المساجد، والسعي إلى تحويلها سنة، إلى اختلاق الأحاديث الدينية في الطعن في أهل البيت(ع) وذم شيعتهم والنيل منهم، وتسويغ قتلهم وقتل الموالين لهم(1)، بل وإسقاط مشروعيتهم الدينية والسياسية، وتشويه صورتهم، وضرب مكانتهم في قلوب أبناء الأمة، فاشتروا ذمم العديد من الفقهاء - فقهاء السلطان - بثمنٍ بخسٍ من جاه أو مال، فرووا لهم أحاديث، بررت ظلمهم وطغيانهم. فكان أن نال شيعة أهل البيت(ع) والموالون لهم نصيبهم من غريزة الثأر تلك، والميل إلى الانتقام ذاك، وخصوصاً عندما تحولت فتاوى أولئك الفقهاء المأجورين للسلطة الأموية، إلى جزء من ذلك التراث الفقهي والديني، لا يناقش فيه، ولا يبدل، بل يُعظّم ويقدس ويُبجّل. فأتى مَن بعدهم ليبني على ذلك التراث، ويتخذه ديناً له، ويتقرب إلى الله به، وهو لا يعلم أن مبعثه الانتقام من رسول الله(ص)، وأن مصدره الثأر من أهل بيته(ع). وذلك لما نال قريشاً، وفي صلبها البيت الأموي في بدر وأُحد وغيرهما. ليجيء من خلفهم من تأثر بأولئك الرواة والفقهاء، وحسن ظنه بورعهم، مستنبشاً تُهماً لفقوها، ودعاوى أحدثوها، لا تبدأ عند الرفض وتُهمتهِ، ولا تنتهي عند الشرك وفريته، ليصرفها فتنة وإجراماً، قتلاً وإفساداً، وخدمة لأعداء الدين، وفتنة بين طوائف المسلمين. فهذا الذي يُعمل على إحيائه من جديد، إنها دعوى جاهلية بلباس الدين، وفتاوى فقهاء مأجورين، للنيل من أولئك المسلمين، الذين اتبعوا أهل بيت رسول الله(ص)، لا لذنبٍ أذنبوه، ولا جرمٍ اقترفوه، إلا حبهم لأهل البيت(ع)، واعتقادهم بهم، واستعدادهم لتقديم الغالي والنفيس في دربهم ومودتهم. السلطة العباسية وإرث المصطلح صحيح أنّ السلطة العباسية قامت على أنقاض السلطة الأموية، لكن سياساتها تجاه أهل بيت رسول الله وشيعتهم لم تكن أفضل حالاً، بل كانت أشدّ عليهم وأكثر سوءاً، عندما نظرت إليهم كمنافس لها، وخصوصاً على مستوى المشروعية الدينية والسياسية، تلك المشروعية التي كانت ترى فيها السلطة العباسية نقطة ضعف تعاني منها. لم يرث العباسيون عن الأمويين سلطتهم فقط، وإنّما أيضاً تلك التركة من سياسات الاضطهاد والاستضعاف، التي كانت تمارس بحق أئمة أهل البيت(ع) وشيعتهم، بما في ذلك سلاح الترفيض والتكفير، بل كانت أشدّ فتكاً في استعماله وتوظيفه، والمدى الذي ذهبت فيه. لقد تركت السلطة الأموية لتاليتها العباسية إرثاً جاهزاً للاستعمال، بحق المعارضين لها من المسلمين الشيعة؛ إرثاً ينطوي على ثقافة عنصرية تحمل عنوان الرافضة، وتراثاً علمياً مبثوثاً في مطاوي الفقه والتراجم والكلام وغيره. فلماذا تزهد السلطة بأدوات دينية - اجتماعية – سياسية. توفر لها القدرة على منازلة خصومها، في أكثر من ميدان، وعلى أكثر من مستوى؟ في هذا، لم تقطع السلطة العباسية مع سابقتها الأموية، وإنما أكملت ما زرع أصوله المشروع الأموي، وبطريقة أشدّ ضراوة وأكثر قسوة. ونحن هنا لن نتوسع في إشكالية الرافضة والسلطة العباسية، لأن بحثنا ليس بحثاً تاريخياً صرفاً، وتركيزنا على السلطة الأموية، إنما هو من باب كونها السلطة التي أسست لذلك المشروع، وأحكمت بنيانه، وجعلت منه جزءاً من التراث الإسلامي والثقافة المجتمعية، ولو لدى فئات بعينها، تشوهت به، وشرقت بعلقمه. وسوف نقتصر - في هذا المورد - على بعض الشواهد، التي تظهر إلى أي مدى ذهبت السلطة العباسية في استخدام مصطلح الرافضة وتوظيفه، في سياسات الاضطهاد والظلم، التي مارستها بحق من يوصم به من شيعة أهل البيت(ع)، إلى درجة أن من يتوضأ للصلاة على طريقة الرافضة، كان يعرض نفسه للقتل، لأنه في قانون السلطة وقاموسها آنذاك، لم يكن مسموحاً أن يمارس المسلم قناعاته الدينية، حتى فيما يراه صحيحاً في طهارته للصلاة ووضوئه. ينقل الحر العاملي في كتابه "وسائل الشيعة" هذه القصة، عن داود الرقي، حيث يقول: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام [الإمام الصادق (ع)]، فقلت له: جعلت فداك، كم عدد الطهارة؟ فقال: ما أوجبه الله فواحدة، وأضاف إليها رسول الله(ص) واحدة...[و] أنا معه في ذا، حتى جاءه داود الزربي، فسأله عن عدة الطهارة؛ فقال له: ثلاثاً ثلاثا.. فأبصر أبو عبد الله عليه السلام إلي، وقد تغير لوني، فقال: اسكن يا داود، هذا هو الكفر، أو ضرب الأعناق. قال: فخرجنا من عنده، وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر المنصور، وكان قد ألقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربي، وأنّه رافضي، يختلف إلى جعفر بن محمد، فقال أبو جعفر المنصور: إني مطلع إلى طهارته، فإن هو توضأ وضوء جعفر بن محمد - فإني لأعرف طهارته - حققت عليه القول وقتلته، فاطلع وداود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه، فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، كما أمر أبو عبد الله عليه السلام، فما تم وضوءه، حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور، فدعاه، قال : فقال داود: فلما إن دخلت عليه رحّب بي، وقال: يا داود، قيل فيك شيء باطل، وما أنت كذلك، قد اطلعت على طهارتك، وليس طهارتك طهارة الرافضة..."(2) وقد حصل الأمر نفسه مع علي بن يقطين، عندما سُعي به إلى هارون الرشيد، فاتهموه بأنّه رافضي بهدف النيل منه وإيقاع الرشيد به(3)، لكن سوف نكتفي بما أوردنا، للإشارة إلى مدى الاضطهاد الذي كانت تمارسه السلطة العباسية بحق من كانوا يسمون الرافضة (شيعة أهل البيت(ع))، عندما تصل الأمور إلى حدّ القتل حتى لمجرد أن يتوضأ المرء وضوء الرافضة؛ فكيف إن كانت أموراً أهم تخالف ما عليه السلطة أو ترى فيها تهديداً أشدّ لها ولمشروعيتها؟ موقف أئمة أهل البيت(ع) من المصطلح واستخدامه بناءً على جميع ما قدمناه، من كون هذا المصطلح واستخداماته وما يترتب عليه، وسيلة من ضمن مشروعٍ أشمل، يستهدف النيل من أهل البيت(ع) وشيعتهم وإسقاطهم، سيصبح من الطبيعي أن يكون الموقف من هذا المصطلح منسجماً مع الموقف من مجمل ذلك المشروع الأموي، أي رفضه ومواجهة سوء الاستخدام الذي قامت به السلطة الأموية وأدواتها، من فقهاء البلاط الأموي وتابعيه. لكن يبدو من بعض النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت(ع) مدح لهذا المصطلح، فعندما شكى إليه أحد أصحابه، ذلك المصطلح وسوء استخدامه "اسم سمينا به (الرافضة) استحلت به الولاة دماءنا، وأموالنا، وعذابنا" يجيبه الإمام الباقر (ع): "إن سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون، فأتوا موسى عليه السلام، فلم يكن في قوم موسى عليه السلام أحد أشدّ اجتهاداً، ولا أشدّ حباً لهارون منهم، فسماهم قوم موسى الرافضة، فأوحى الله إلى موسى أن ثبت لهم هذا الاسم في التوراة، فإني قد نحلتهم؛ وذلك اسم قد نحلكموه الله"(4). كما ورد عن الإمام الباقر(ع) قوله: "أنا من الرافضة وهي مني. قالها ثلاثاً"(5). حيث يبدو أنّ الإمام قد بيّن موقفه هذا في مقام الردّ على تعيير الشيعة بهذا الاسم، وجواباً على الشكاوى التي كانت تعرض لهم من التنابز به. وما التأكيد على مضمون الحديث (قالها ثلاثاً) إلا من باب الحاجة إلى الدفاع بقوة أمام حجم الحملة، التي كانوا يتعرضون لها وشيعتهم في هذا المجال وغيره. وفي حديث آخر يحمل المضمون نفسه عن الإمام الصادق (ع)، عندما يسأله سليمان الأعمش قائلاً له: "جعلت فداك إن الناس يسموننا الروافض، فما الروافض؟ فقال [أي الإمام (ع)]: والله ما هم سموكموه، ولكن الله سماكم به في التوراة والإنجيل، على لسان موسى ولسان عيسى، وذلك أن سبعين رجلاً من قوم فرعون رفضوا فرعون، ودخلوا في دين موسى، فسماهم الله تعالى الرافضة، وأوحى إلى موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة، حتى يملكوه على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ففرقهم الله فرقاً كثيرةً وتشعبوا شعباً كثيرة، فرفضوا الخير ورفضتم الشر، واستقمتم مع أهل بيت نبيكم عليهم السلام، فذهبتم حيث ذهب نبيكم، واخترتم من اختار الله ورسوله..."(6). وفي نص آخر، يحمل المضمون نفسه للإمام الصادق(ع): ".. لا والله ما هم سموكم، ولكن الله سماكم به. أما علمت يا أبا محمد، أن سبعين رجلاً من بني إسرائيل، رفضوا فرعون وقومه، لما استبان لهم ضلالهم، فلحقوا بموسى عليه السلام لما استبان لهم هداه، فسموا في عسكر موسى الرافضة، لأنهم رفضوا فرعون، وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة، وأشدهم حباً لموسى وهارون وذريتهما عليهما السلام، فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة، فإني قد سميتهم به ونحلتهم إياه، فأثبت موسى عليه السلام الاسم لهم، ثمّ ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه. يا أبا محمد: رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة، وتشعبوا كل شعبة، فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم (صلى الله عليه وآله) وذهبتم حيث ذهبوا، واخترتم من اختار الله لكم، وأردتم من أراد الله ..."(7). وبناءً عليه، يمكن أن يصار إلى أحد رأيين: الأول: أن أئمة أهل البيت (ع) عندما مدحوا هذا المصطلح، فمن باب عدم الممانعة في عموم استخدامه، وشيوع إطلاقه على شيعتهم، وأنه يستفاد من مدحهم له أنهم أقروا استعماله بحق شيعتهم، بما يعنيه ذلك من عدم المنع من أن يُستعمل بشكل عام للتعبير عن أتباعهم وشيعتهم، بل الدعوة إلى ذلك، لما تضمنته تلك الروايات الواردة عنهم، من مدح كبير لهذا الاسم، وأنه من الله تعالى نحلة لهم. لكن قد يناقش هذا الفهم، بأنه لم يُؤثَر عن أئمة أهل البيت(ع) الدعوة ابتداءً إلى إطلاق ذلك الاسم على شيعتهم، ولم يُعرف تاريخياً في عصر الأئمة وما تلاه تبني ذلك الاسم منهم ومن أصحابهم، بحيث لم يُعرف استعماله منهم، ولم ينتشر إطلاقه على جماعتهم، ولم يعرفوا به من تلقاء أنفسهم، وإنما كان يطلق عليهم من غيرهم ممن عاداهم، أو خاصمهم، أو جرى على سنة من فعل ذلك منهم، ولو من دون دراية منه بمنشأ هذا الاسم، والهدف من إلصاقه بهم. الثاني: إن مدح أئمة أهل البيت(ع) لهذا المصطلح، لم يكن بهدف إقرار استعماله، والدعوة إلى عموم إطلاقه، وإنما بهدف تعطيل مفعول هذا المصطلح، وقدرته على سوء الاستخدام الذي كان يمارس من قبل السلطة الأموية وغيرها، لإرهاب شيعة أهل البيت(ع)، والنيل منهم، وتبرير قتلهم ممارسة الاضطهاد بحقهم.. إن أئمة أهل البيت(ع)، في مواجهتهم للهجمة عليهم، واستهداف السلطة لهم ولشيعتهم؛ كانوا بين أمرين: إما التبرؤ من هذا المصطلح ونفي انطباقه عليهم وعلى شيعتهم، وهذا قد لا ينجح، لأن إطلاق هذا المصطلح واستخدامه لم يكن منهم، وشيوعه لم يكن بيدهم؛ والثاني هو تعطيل قدرة هذا المصطلح على سوء الاستخدام، وعنصرية التوظيف، وذلك من خلال إعطاء أبعاد دلالية مختلفة عن تلك التي أعطتها السلطة الأموية وفقهاء البلاط لديها. فقصدوا إلى إبطال تشويهه، وعملوا على حُسن تجميله، وإعادته إلى أصوله الدينية(8)، قبل أن تعمل السلطة الأموية على تقبيحه، وإعادة إنتاجه، بما ينسجم مع سياساتها في استهداف أهل البيت(ع) وشيعتهم. وهذا الذي اعتمده أئمة أهل البيت(ع)، على ما يبدو من البيئة العامة للنصوص، وظروفها التاريخية، وفهم آليات الدفاع التي اعتمدت لحماية شيعتهم، من طبيعة الاستهداف الذي كانوا يتعرضون له ونتائجه. فهم بموقفهم هذا كانوا يعبرون عن رفض هذا الهجوم عليهم، وعدم الرضوخ له، وعدم الاستكانة أمام شتى ألوان الإرهاب التي كانت تمارس بحقهم. فهم لم يجبنوا أمام هذا المصطلح وهجمته، ولم ينهزموا أمام سوء استخدامه وحملته، ولم يضعفوا أمام عنصرية توظيفه، بل واجهوا سياسة السلطة في تشويه هذا المصطلح، بسياسة مماثلة في تجميله، وإعادته إلى أصوله الدينية الصحيحة، على مستوى التاريخ الديني عامةً، والدور الرافض الذي مارسه الأنبياء وأتباعهم في وجه الفراعنة وأعوانهم بشكل خاص. لقد كانت سياسة السلطة تتألف من خطوتين: الأولى: تشويه المصطلح، والعمل على تقبيحه. الثانية: تشويه من يطلق عليه، والعمل على استهدافه. فكان الرد - بحسب ما يظهر من روايات أهل البيت (ع) - متجهاً بشكل أساس إلى الخطوة الأولى، وقاصداً إلى إفشال المشروع من أساسه، ومعبراً في طياته عن روح العزة والمواجهة، بما يحمل من تأكيد على الارتباط بكل تاريخ الأنبياء والأولياء عبر التاريخ، ومعارضتهم للظلم والتكبر، والفساد والإفساد، ورفضهم لكل سياساته وطرقه. لقد كان الرد على الشكل التالي: إن أردتم القول إننا رافضة؟ فنعم نحن رافضة، لكن أنتم تجهلون معنى الرافضة وقيمة الرفض، نحن رافضة لأننا رفضنا ظلم الأمويين وفسادهم، كما رفض بعض من قوم فرعون ظلم فرعون وفساده. نحن رافضة، لأننا رفضنا كل ألوان الانحراف والشر والطغيان التي مارستها السلطة وأزلامها، كما فعل الأنبياء وأتباعهم من قبل. نحن رافضة لأننا واجهنا كل سياسات السلطة واستبدادها وفسادها وإفسادها، كما فعل الرسل وأتباعهم من قبل. انه لا يُعاب على من تسمى أو سُمي بالرافضة، وإنما يُعاب على من انخرط في فساد السلطة وانحرافها، ومن لم يُمارس دوره في الإصلاح ومعارضتها، ومن رضي أن يكون جزءاً من خطابها وإعلامها، ومُساهماً في إنتاج ثقافتها وتراثها، في ترفيض أو تكفير من يرفضها ويعارضها، واتهامه بشتى أنواع التهم، بهدف إسقاطه وإضعافه والنيل منه. نعم نحن رافضة؛ لأننا انحزنا إلى أهل بيت رسول الله(ص)، ورفضنا الانحياز إلى من سواهم، من سلطة أموية أو تاليتها عباسية، نحن رافضة لأننا اتبعنا هَدْيَ رسول الله(ص) في أهل بيته(ع)، ورفضنا إتباع من لم نجد دليلاً على إتباعه وهديه، نحن رافضة لأننا رفضنا معصية الله ورسوله(ص) في ذريته، عندما أمرنا رسول الله(ص) بإتباعهم، ورفضنا من دعانا إلى ترك سبيلهم وهداهم، عندما أمرنا الله ورسوله(ص) بحبهم، ورفضنا من دعانا إلى بُغضهم والبراءة منهم. فإن كان الترفيض مهر الطاعة لله تعالى في رسوله وأهل بيته، وعربون ولاء لهم، وعلامة على حبهم، فلنِعْمَ الشعار، ولنِعْمَ الدثار، ولِنِعم الاسم والرسم، أن تكون رافضياً في طاعة الله تعالى، وحب الرسول (ص) وأهل بيته. إنّ المضمون الذي حملته روايات أهل البيت(ع)، جاء معبراً عن الرفض لإرهاب السلطة وظلمها من جهة، وساعياً إلى إبطال مجمل الآثار التي تترتب على سوء توظيف المصطلح من جهة أخرى. والهدف هو تحصين شيعتهم من ذلك الاستهداف، وحمايتهم من مجمل النتائج التي تترتب عليه، سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي أو الديني أو سوى ذلك. إن استعارة قضية موسى وهارون وذريتهما، وما جرى عليهما، والوصل بينه وبين ما جرى مع رسول الله(ص) وأهل بيته(ع) وذريتهم؛ إنما يريد القول بأن ما حصل يحصل من جديد، فالوقائع متشابهة، والأحداث متطابقة، والرفض الذي كان، ما زال مستمراً، وما برح متواتراً، تغيرت الأسماء وحقائق التاريخ لم تتغير. بناءً على جميع ما تقدم يمكن القول إن موقف أئمة أهل البيت(ع)، لم يكن موقف إقرار لعموم إطلاقه، أو دعوة لشيوع استعماله، بمقدار ما كان موقف رفض لإرهاب السلطة وسياستها، وسعي إلى إفشال مشروعها، وتحصين لشيعتهم، وحماية لهم، وتأكيد على شحنهم بروح العزة والإباء، من خلال ربطهم بالمضمون الحقيقي للمصطلح وتاريخه الحق، فيما يختزنه من رفض لأي فعل ظالم أو فاسد، تبادر إليه السلطة ذات العقل الفرعوني. فهم لم يدعوا بشكل عام وبدوي إلى إطلاقه على المسلمين الشيعة، ولم يؤثر عنهم ذلك، وإنما المأثور عنهم أسماء وتعابير أخرى من قبيل (شيعتنا...) وهي التي اشتهرت واعتُمدت، ولذلك كانت إجاباتهم وما تضمنته من مدح للاسم، في موقع الرد على أسئلة محددة، ولغايات معينة، من تعطيل لتوظيف المصطلح، وحماية لمن استهدف به وإرجاع له إلى معناه الحق، وربطه بتاريخ الأنبياء والرسل في الرفض للظلم والفراعنة. بل إن تلك الإجابات تشي بشيء من تصنيف الخصم، وأنه في موقع المندرج في مشروع السلطة وظلمها، والمنخرط في سياساتها واستبدادها. إنه ليرجح القول إن أئمة أهل البيت(ع) لم يكونوا في وارد إقرار مصطلح، هو بدلالاته الحالية جزء من مشروع سلطة تريد أن تستهدفهم وشيعتهم، وإنما جاءت ردودهم في سياق إفشال مشروع السلطة، من خلال العمل على غسيل ذلك المصطلح وتطهيره، وتعطيل أية قدرة لديه على سوء الاستخدام، وإرهاب التوظيف. كيف يجب التعامل معه حالياً؟ للأسف، إن ما يعمل عليه البعض حالياً هو نبش لكل ما انطوى عليه التاريخ من مراحل مظلمة، تستبطن الفتن والقتل والإجرام، وإحياء للتراث بصحيحه وفاسده، وما يشتمل عليه من أحاديث موضوعة، وفتاوى تخالف صريح كتاب الله تعالى وسنة رسوله(ص)، وأفكار بالية، واجترار من غير بصيرة، لكثير مما أحدثه فقهاء البلاط الأموي، وعلماء السلطان، ومن انتهج مشربهم، وطعم من مأكلهم. إن من جملة ما يُعمل على بعثه من جديد هو قضية الرافضة، كأداة في مشروع فتنة يُراد إحداثها بين المسلمين. والملفت في الأمر أن العديد ممن يجدر به في زماننا المعاصر أن يكون ذا دراية أو تعقل في استخدام هذا المصطلح وإدراك مخاطره، يعمد وبشكل ببغائي إلى ممارسة أكثر من اجترار اصطلاحي، دون تبصر أو تفقه في المصطلح وتاريخه وخطورة استخدامه، حتى أن قناة عربية خليجية ذات شأن، تستضيف في بعض برامجها من يستخدم هذا المصطلح، داعياً إلى قطع رؤوس من يسميهم بالروافض، دون أن يلقى أي اعتراض من مقدم البرنامج – وهو إعلامي معروف - ودون أن تبادر القناة إلى تقديم اعتذار إلى من يعنيهم، ذلك المحامي عن التيار السلفي في إحدى الدول العربية، بتعبيره الروافض. فهل تريد تلك القناة وإدارتها الموقرة - فضلاً عن المسؤولين في الدولة الراعية – أن يُسارع السيافون إلى قطع رؤوس عدد كبير من العاملين في تلك القناة أو مواطني تلك الدولة التي تقع تلك القناة في أراضيها؟ فهل يُعقل أن تسمح دولة ما لقناة تعمل في أراضيها، أن تتحول برامجها إلى منبر يدعو إلى قطع رؤوس مواطنيها والإفتاء بذبحهم! أم هل يصح أن نستنبش تلك الفتاوى البالية، التي تدعو إلى قتل مئات الملايين من المسلمين وغيرهم، لا لشيء إلا للاختلاف في الرأي والمعتقد؟ وبمقدار ما يحمل هذا المصطلح في أحشائه من معاني العنصرية والعدوانية والعصبية والكراهية والتحريض والجاهلية، فإنه يجب العمل في المقابل على إفشال جميع مقاصد هذا المشروع وأهدافه، وذلك من خلال الالتفات إلى ما يلي: 1. إن هذا المصطلح هو مفردة في قاموس اصطلاحي، بل تراث فتنوي، وتاريخ عنصري، ومشروع جاهلي...تكوّن على مدى قرون بمساعي السلطة وأزلامها وانخراط جملة من فقهاء السلطان في أعمالها. 2. التنبيه إلى أن هذا المصطلح، هو بمثابة إعادة بعث لكل ذلك التاريخ المظلم الذي عاشه المسلمون، وعانت منه مجتمعاتنا الإسلامية. 3. التأكيد على أنه مشروع فتنة بين المسلمين، يهدف لإشعال نار الحروب والتنازع والفرقة بينهم. 4. عدم الانجرار إلى ردود فعل مماثلة، بمعنى عدم إطلاق تعابير ومصطلحات ذات بُعد مذهبي، عنصري، عدواني، استفزازي، على أي من المسلمين وفئاتهم. 5. ضرورة امتلاك الوعي بفقه المصطلح، والعوامل التي أدت إلى مذهبته واتخاذه بُعداً عنصرياً وعدوانياً... حتى يرعوي من ينطق به جهلاً، ويستبين قاصد الفتنة عمداً. 6. إرجاعه إلى معناه الاصطلاحي الأولي، وخصوصاً سياقه التاريخي والديني، وما يختزنه من رفض لكل أنواع الظلم والفساد وسوى ذلك. 7. التعامل معه من خلال مجمل الأبعاد الدلالية التي أُقحمت فيه، ومنظومة الوظائف التي يُراد له أن يؤديها . 8. تعطيل قدرة المصطلح ووظيفته، من خلال تجميله وتطهيره من دنس السلطة وما حشته فيه ورتبته عليه، وإعادته إلى أصله الدلالي وتاريخه الديني الذي نشأ منه وبُني عليه. 9. امتلاك الحصانة الفكرية والنفسية والتربوية أمام استهدافات المصطلح ولغته، بل والمشروع الذي ينضوي فيه ويعبّر عنه. 10. تجريم استخدام المصطلح قانونياً تبعاً للنتائج التي يراد لها أن تترتب عليه، لأن مجمل من يستخدمه، إنما يفعل ذلك ليكون مستنداً له للدعوة إلى القتل والإجرام وسوى ذلك. الخاتمة سوف نعمل في هذه الخاتمة على إجمال أهم ما توصلنا إليه، وبيان أهم التوصيات التي ينبغي الإشارة إليها، مع الإلفات إلى جملة من النتائج، سواءً من ناحية ما ترتب ويترتب على توظيف هذا المصطلح في التاريخ والحاضر، أو من ناحية من عمد إلى تبنيه واستعماله، وذلك من خلال العناوين التالية: أ- تلخيص: يمكن تلخيص مجمل ما ورد في النقاط التالية: 1. إن مصدر هذا المصطلح (المفهوم) هو المشروع الأموي، ولذلك هو منتج أموي يحمل جيناته وبصماته. 2. لقد كان هدف ذلك المشروع الثأر من رسول الله وأهل بيته ورسالته. 3. سيطرة البيت الأموي على السلطة، شكلت فرصة لهم لتنفيذ مشروعهم. 4. تنفيذ ذلك المشروع كان له أبعاد ثقافية دينية، كما كان له أبعاد سياسية اجتماعية. 5. كان من الضروري لهم توظيف الدين ومفرداته لتحقيق ذلك المشروع، لعدم الفصل بين الديني السياسي في ذلك الوقت. 6. لتحقيق ذلك استخدموا جيشاً من فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين، فوضعوا لهم روايات مكذوبة تخدم مشروعهم. 7. نتيجة ذلك المشروع تراث من الترفيض (الرافضة)، والتكفير، والتبديع، والاتهام بالشرك وغيره، عندما تم توظيف العامل الديني لخدمة أهداف السلطة وسياساتها. 8. من سياسات السلطة الأموية إعادة تعليب وإنتاج بعض المفاهيم والمصطلحات بما يخدم أهدافها، في إرهاب الخصم وضربه، ومنها مصطلح الرافضة. 9. لم تقطع السلطة العباسية مع سابقتها الأموية، وإنما أكملت سياساتها في اضطهاد شيعة أهل البيت(ع)، وبطريقة أكثر قسوة، مستغلة قضية الرافضة، واللوازم التي تترتب عليها. 10. لقد جرى شيطنة هذا المصطلح (المفهوم)، وترتيب قائمة من الأحكام والنتائج العنصرية والعدوانية بحق من يطلق عليه. 11. إن من أهم الآثار التي رتبت على توظيف هذا المصطلح، ممارسة مختلف أشكال الاضطهاد والعنف الإرهاب، فمن يتهم بالرفض يباح قتله وماله، ولا تقبل شهادته، وترد روايته، ويحكم بإخراجه من الملة إلى الشرك والكفر، ولا يصلى خلفه ولا يصلى عليه... 12. إن هذا المصطلح هو جزء من مشروع أوسع، زرعت بذوره السلطة الأموية، وأحكمت أصوله العباسية، وللأسف ما زالت نتائجه تضرس إلى عصرنا الحالي، أما لجهل به أو عصبية أعمت عنه. 13. إن المسلمين الشيعة – اليوم كما الأمس – يدفعون ضريبة انتمائهم إلى رسول الله(ص) وأهل بيته(ع) وولائهم لهم. 14. لن يكون من الصحيح الرد على هذه اللغة العنصرية والعدوانية بمثيل لها، وإنما محاصرة من يستخدمها من قبل جميع المسلمين والإعراض عنه، والإصرار في المقابل على التمسك بقيم الوحدة والحوار والأخوة بين جميع المسلمين وطوائفهم. ب- استنتاج وتوصية: 1. إن استخدام هذا المصطلح لدى الكثيرين نابع من الجهل بمن أنتجه والهدف منه، ولو عقل البعض منشأه ومقصده لما اهتدى إلى لسانه سبيلا. 2. يتطلب الأمر الكثير من التدقيق العلمي، والورع من اجترار بعض ما احتواه التراث الإسلامي، مما دسته فيه السلطة الأموية وغيرها. 3. نحتاج بقوة إلى تطهير التراث الإسلامي من كثير مما أحدثته السلطة فيه، ووضعته في مطاويه، خدمة لأهدافها، وسعياً إلى مقاصدها. 4. إن المعيار في ذلك هو العرض على كتاب الله تعالى، فما وافقه يؤخذ به، وما خالفه يضرب به عرض الجدار. 5. إن الإصرار على استخدام هذه اللغة العنصرية بحق شيعة أهل بيت رسول الله (ص)، هو بمثابة إحياء لذلك المشروع الأموي ومؤدياته، من الفتنة بين المسلمين، وزرع الفرقة بينهم، والتنازع بين طوائفهم. ج- النتائج: لقد أدى هذا المصطلح، والمنظومة التي يحملها من الآثار والأحكام والدلالات، إلى جملة من النتائج على أكثر من مستوى اجتماعي، وسياسي، وديني، وغيره؛ وسوف نعرض هنا- وبشكل مختصر – لأهم تلك النتائج: 1- إعطاء بعض من الشرعية الدينية لممارسة العنف المذهبي والديني. 2- الدفع نحو ممارسات أقرب ما تكون إلى الإجرام الديني والمذهبي. 3- إشاعة أجواء التحريض بين المذاهب وخصوصاً بين السنة والشيعة. 4- تعزيز العصبيات المذهبية والدينية في المجتمعات الإسلامية. 5- تعميق الحواجز النفسية والاجتماعية والدينية بين المجتمعات الإسلامية، مما أدى لإنتاج حالات من الشيعة – فوبيا، أو السنة – فوبيا، وغيرها. 6- التشجيع على الكراهية وممارساتها في أكثر من مجال. 7- إثارة الأحقاد والدفائن التاريخية وغير التاريخية بين المسلمين. 8- التأسيس لممارسات عنصرية، بل ثقافة عنصرية مذهبية. 9- ضخ العقل الديني المذهبي بشحنات كبيرة من اللاعقلانية، زيادة على النقص الهائل بنيوياً من تلك العقلانية. 10- الإسهام في تصديع المجتمعات الإسلامية وجرها إلى التفرقة، والتنازع، والتدمير الذاتي، وجعلها أقرب إلى الفتن المذهبية وغيرها. 11-. تشويه الإسلام والإضرار بسمعته ومكانته وتقديمه على أنه دين التخلف والعنف والرجعية. 12- إنتاج بيئة مساعدة على تخلف المسلمين، وابتعادهم عن التقدم الحضاري، وتشريع أبوابهم على الاستعمار والاستغلال والتبعية. لقد قلنا ما قلنا، لنصل إلى تلكم النتيجة، تلك هي الفتنة التي يُراد إحياؤها من جديد، وذاك الظلام الذي يُراد له أن يبعث من دارس القبور، إنها فتنة ظلامية، وعصبية جاهلية، وإن تغطت بالإسلام، ونطقت بلغة القرآن، لكنها أشد من القتل، وأفتك بالمسلمين من سيف الحجاج وبطشه، وأضل لهم من دعوة إبليس وجنده. إنّا لم نكتب ما كتبنا، إلا ليكون ذلك بمثابة إلفات لجميع المسلمين وعلمائهم، إلى خطورة ما يحضر لهم، ويراد أن يصلوا إليه، ليتحمل كل مسؤوليته، بعيداً عن العصبية والمذهبية، في الجهر بالموقف الحق، وبيان الرأي الصدق، ولن يحصل هذا، إلا إن كان الناطق، ممن إذا ظهرت الفتن أظهر علمه، ولم تأخذه في الله لومة لائم. هوامش 1- يذكر ابن الحديد المعتزلي بعضاً من تلك المظالم أيام الأمويين فيقول: "استعمل معاوية زياد بن سمية على العراق، فكان يتتبع الشيعة، فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق، فلم يبقَ بها معروف منهم..." (شرح نهج البلاغة، م س). وفي هذا المورد يقول الإمام الباقر(ع): ".. لم نزل أهل البيت (ع) نستذل ونقتل ونخاف، ولا نأمن على دمائنا ودماء موالينا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم، موضعاً يتقربون إلى ولاتهم السوء، وقضاة السوء، وعمال السوء.. يحدثونهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة... ورووا عنا ما لم نقله ولم نفعله، ليبغضونا إلى الناس. فقتل موالونا ومحبونا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكان من يذكر محبتنا والانقطاع إلينا سجن [أو نُهِب ماله] أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمن عبيد الله بن زياد، قاتل الحسين(ع) وأصحابه، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنة، حتى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو كافر، أحب إليه من أن يقال له محب علي .." (القندوزي، ينابيع المودة، م س، ج3، ص 278). 2- مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1414 هـ، ط2، ج1، ص 444. 3 - البحراني، الحدائق الناضرة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ج 2، ص 327. 4- البرقي، المحاسن، م س، ج1، ص 157. 5- الشيخ علي النمازي، مستدرك سفينة البحار، م س، ج4، ص 171. 6- الكليني، الكافي، علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1362 هـ ش، ط4، ص 34. 7- المازندراني، شرح أصول الكافي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 200م، ط1، ص 308. 8- إن تاريخ الأنبياء والرسل هو تاريخ الرفض للظلم وكل أشكاله، وما ربط هذا المصطلح بتاريخ نبي الله موسى(ع) إلا من هذا الباب، وللإشارة بأنّ حركة الأنبياء لا تنفصل عن حقيقة الرفض للفرعونية وظلمها، وكذلك الأمر فيما يرتبط بنبي الله عيسى(ع) أو نبي الله إدريس(ع)، حيث تعرض بعض الروايات الواردة عن الإمام الباقر(ع) إلى بعض نماذج الرفض التي كانت موجودة في زمن نبي الله إدريس ووجود الرافضة في ذلك الحين. (أنظر: الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1405هـ ق، ص 127). |
||||||