اللوحة الرابعة: ملامح وأقلام

السنة الرابعة عشر ـ العدد 162 ـ (شعبان - رمضان 1436 هـ) حزيران ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

التوتاليتارية.. هيمنة لتركيز السلطة

الكتاب: التوتاليتارية
الكاتب: فالح عبد الجبارـ ترجمة: حسني زينة
الناشر: معهد الدراسات العراقية

التوتاليتارية، شكل من أشكال الحكم، نقيض الديمقراطية، أحد الأنظمة التسلطية، ظهر هذا الشكل من الحكم في عشرينيات القرن الماضي. ويقصد بها تحديداً (ألمانيا النازية، الفاشية، والاتحاد السوفيتي زمن ستالين) في حين يوسع بعض المنظرين المصطلح ليشمل دولاً أخرى كمنظومة الدول الاشتراكية وصين ماو تسي تونغ، وكوريا الشمالية وغيرها من البلدان التي ينطبق الوصف عليها، وبحسب المقياس المستخدم.

الكتاب الذي بين أيدينا هو دراسة أو بحث مقارن لمفاهيم متعددة تنظر لهذا المصطلح السياسي، فجنتلي وموسليني يريان أن الدولة تقوم على ثلاث عناصر: معاداة الليبرالية، معاداة الماركسية (الجماعية النقابية) ومعاداة الأمم الأخرى. وتبنت النازية هذه العناصر إلى ابعد الحدود، لكن النازية الألمانية لم تعترف بأسبقية ايطاليا الفاشية في اختراع (النظرية التوتاليتارية). "كان نظام الحزب الألماني الواحد، ونزعته القومية العنصرية والتوسعية، والإبادة الجماعية المستندة إلى اللاسامية، وعداوة للجماعة (الاشتراكية) والليبرالية، وتركيزه على الدولة باعتباره التجسيد الأسمى لروح الشعب (volksgeist) نقول كان ذلك كله مدينا لموسوليني، لكن القادة الألمان كانوا غير مستعدين للاعتراف بذلك".

وحدد كارل فريدريش خمس سمات للأنظمة التوتاليتارية في كتابه (طبيعة التوتاليتارية) واعتبرها جوهر تلك الأنظمة وأضاف لها سمة سادسة بالاشتراك مع زيغينو بريجنسكي سنة 1956 وسميت نظرية النقاط الست وهذه السمات هي:

1- أيديولوجيا رسمية مركبة من مجموع رسمي من المذاهب التي تغطي ملامح وجود الإنسان كافة، يفترض في كل من يعيش في هذا المجتمع الالتزام بها بصورة سلبية على الأقل، وتتركز هذه الأيديولوجيا بصورة واضحة مزاعم قيام مجتمع إنساني مثالي كامل.

2- حزب جماهيري واحد مؤلف من نسبة ضئيلة نسبيا من مجموع السكان (قد تصل إلى 10%) من الرجال والنساء الجامحين والمتفائلين من دون تردد في سبيل الايديولوجيا والمستعدين للمساعدة على كل وجه في سبيل ترويجها والقبول العام بها، مع كون هذا الحزب منظما على نحو أوليغاركي، تراتبي صارم، وخاضع عادة لزعيم وحيد، وإما متعال أو مختلط تماماً بالتنظيم البيروقراطي الحكومي.

3- احتكار تكنولوجي شبه كامل للسيطرة على وسائل العنف المسلح كافة (في أيدي الحزب وكوادره كالبيروقراطية والقوات المسلحة).

4- احتكار شبه كامل مشروط تكنولوجيا للسيطرة على وسائل الإعلام الجماعية الفعالة كالصحافة، والإذاعة، والسينما، وما إلى ذلك، (في الأيدي نفسها).

5- نظام بوليس إرهابي يعتمد في فعاليته على النقاط (3، 4) ويتوجه بصورة مميزة لا نحو (أعداء) النظام الواضحين، بل ضد طبقات يتم اختيارها بصورة عشوائية من بين الشعب، مع تمحور الاختيار حول متطلبات بقاء النظام، والتخمينات الأيديولوجية التي تستغل علم النفس بصورة منظمة.

6- سيطرة وإدارة مركزية للاقتصاد بأكمله عبر التنسيق البيروقراطي لكيانات اتحادية مستقلة سابقاً تشتمل بصورة مميزة على كافة الروابط والأنشطة الجماعية الأخرى.

في حين يقدم فرانتز نويمان تنظيراً آخر يعتبره الكاتب أوسع نطاقاً، وتتمحور سمات نويمان على التحول في لحظة تأزم "ففي رأيه أن جميع الدكتاتوريات الحديثة انبثقت من ديمقراطية حديثة في نقطة تأزم". وسمات نويمان هي:

1- التحول من دولة تستند إلى القانون (دولة القانون) إلى دولة بوليسية.

2- التحول من توزيع السلطة إلى تركيزها.

3- وجود نظام حزب الدولة المحتكر للسلطة والمنبثق من مجتمع جماهيري، فيما تنشأ التوتاليتارية داخل الديمقراطيات وحدها، صورة تنشر الجماهير كصورة جديدة من (الديمقراطية العليا).

4- التحول من الرقابات الاجتماعية المتعددة إلى الرقابة التوتاليتارية حيث يكف المجتمع عن التميز عن الدولة.

5- التوتاليتارية تعتمد على الإرهاب، لكنها لا تستطيع الاستمرار من دون تماهي الجماهير تماهياً كبيراً مع حكامها.

تنوعت التوصيفات لهذا الشكل من الأنظمة واستبعد استخدام مصطلح التوتاليتارية بعد سجال خمسينات وستينيات القرن الماضي حيث يقول الكاتب "فقد اللفظ طبيعته الجامعة، هابطاً من كونه مقولة أساسية في علم السياسة إلى كونه مفهوماً فرعياً من الأنماط السياسية المثالية حاذر معظم علماء السياسة استعماله".

وتحول تصنيف الأنظمة بعدها، خصوصاً بعد إضافات الماركسيين، إلى ثلاثة أنظمة (فاشية، اشتراكية، رأسمالية) بعدها قادت السجالات إلى شكلين من الأنظمة التسلطية والأنظمة الديمقراطية، حيث التسلطية نقيض الديمقراطية، وأسقطت التوتاليتارية من التصنيف السياسي. ويرى الكاتب "نشوء ثلاث مدارس، مدرسة الحد الأقصى، مدرسة الحد الأدنى، ومدرسة اللاتوتاليتارية، مدرسة الحد الأقصى طبقت التوتاليتارية على ألمانيا، وايطاليا، وروسيا، وحلفائها ومقلديها، اسبانيا والبرتغال، ورومانيا ما قبل الشيوعية التي قلدت النموذج الايطالي أو الألماني، وأمم أوروبا الشرقية (الاشتراكية) بالإضافة إلى الصين، كوبا وسواها أما اللاتوتاليتارية فقد طرحوا المفهوم باعتباره غير علمي، واستعاضوا عنه بمصطلح التسلطية، وفي ما بين الاثنين قصرت مدرسة الحد الأدنى تطبيق المصطلح على ألمانيا النازية، وايطاليا الفاشية وروسيا الستالينية".

ويصل الكاتب إلى إدراك (فهم) التوتاليتارية باعتبارها محاولة هيمنة لتركيز السلطة عبر دمج الحزب الجماهيري والدولة في كيان واحد، واستعمال هاتين الآليتين الجديدتين القسريتين لإلغاء الحدود الفاصلة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني وإخضاعه للسياسي". ويرى أن نجاح هذا الاجتياح أو فشله يتوقف على:

1- صلابة الفصل بين المجتمعين السياسي والمدني.

2- نضج المؤسسات الاجتماعية والسياسية وصول عمرها وقدراتها على كبح التعديات على الحريات.

ويصل الكاتب إلى مصدر التوتاليتارية ويعتبر أن لها مصدرين مختلفين، (الأول اجتماعي والثاني سياسي) ويشرحهما في فقرتين بتفصيل مع الأمثلة التاريخية.

وفي نهاية الكتاب يطرح الكاتب سؤالاً (ما التوتاليتارية إذاً؟) ويجيب عن هذا التساؤل حيث يعتبرها ظاهرة اجتماعية وخطابا نخبويا وعبادة (cult) ثقافية وهي أخيراً شكل معين من أشكال نظام الحكم مع تقنيات للسيطرة..

وعلى الرغم من أن الكتاب بحث مقارن لمفهوم الأنظمة التوتاليتارية إلا أن الكاتب ينهي كتابه بعبارة متشائمة يستخلصها من واقع هذه الأنظمة التي تسحق المواطن وإنسانيته، حيث يقول "تفككت الستالينية تدريجياً بعد وفاة ستالين، وبلغ التفكك خاتمته بإصلاحات غورباتشوف أواسط الثمانينات، وهذا يعني أن التوتاليتارية الستالينية عاشت نحو عقدين، وتطلب تفكيك بقاياها نحو ثلاثة عقود، الواقع أن تفكيك بقايا النازية الألمانية تطلب عقدين بعد احتلال ألمانيا. هذه الآماد تبدو مروعة منظور إليها من زاوية فرص الحياة لأجيال ضحايا هذه الأنظمة".

 

اعلى الصفحة