|
|||||
|
لفاطمة شيءٌ من الوجد وكثيرٌ من الدمع الشمسُ من ذهبٍ على سفح الغروبْ.. وفؤادها المحمرُّ فوق الجمرِ يسبحُ في مياه الليلِ قديساً على قمرِ السهوبْ.. الشمسُ من ذهبٍ.. وفاطمةُ لا تزالُ ترشُّ سنابلَ القمحِ الصغيرةَ بالندى الورديّ.. فيما حزنُها النائي يُذيبُ سنابلَ الحقولِ في أفقٍ من الخرّوبِ.. أو يشتقُّ كُحلَ الليلِ من أهدابِ طفلةْ.. فاطمةُ شمسٌ مذهَّبةُ الضفائرِ في حقولِ المغربِ الشفافِ أوجاعُها قصّةٌ رواها اليراعُ إبداعاً وصورْ.. أنينُها المكبوتُ غمامٌ صعبُ المراسِ لا يشفي غليل الأرض بالمطر فاطمةُ شمسٌ غروبُها يعدُ اللحن الضائع بشروقٍ جديد ترفعُها أكفُّ النايِ فوق أنينها المبحوحِ ثم يردُّها ألقُ الهلالِ العذبُ عن مدى السماواتِ المخضَّبِ.. والشمسُ من ذهبٍ على سَفْحِ الغروبْ.. هل هذه الشمسُ المصابةُ بالفراقِ محجّةُ الغرباءِ؟.. أم إيماءةُ الماضي التي يمشي الغريبُ وراءَها ليرى رهابَ الموتِ تحملهُ على الأكتافِ أجسادُ الندامةِ منذ آلاف السنينْ؟!.. ليرى سوادَ الليلِ تحملهُ جموعُ المريميَّاتِِ من المسيحِ إلى الحسينْ.. أم أنها مُتعبّدٌ للصبرِ عند نهايةِ الأمواجِ يقصدهُ الغريبُ بقلبه الأبيض ليجلسَ رائياً بين السكينة والسكينْ؟ متوحّداً بالناي أسمعُ في المغيبِ تنهّدَ النائينَ.. ألمحُ في المدى وجهاً جنوبياً يميلُ بحزنهِ المحروقِ فوقَ مضاربِ البدو القدامى، ألمحُ طفلةً تسرّحُ شعرها الأمواجُ أمشاطاً لليلِ البائسينْ.. مخدوشةَ الخدَّينِ كالتفّاحِ من جهةِ الشروقِ.. كأنها ثمرٌ لأوجاعِ الطبيعةِ قطّرتها من لُبابِ النايِ نحلةٌ مجيدةٌ مرَّت، وشمَّ أريجَها الناسكُ مذهولاً بطعمِ الاحتضارْ! هيَ من رأتْ في الليلِ يوسفَ طالعاً كالبدرِ (أجملَ من غروبِ الشمسِ) نادتهُ فلم تسمعْ سوى نغمٍ يذيبُ نضارةَ الأزهارِ في ماءِ الشموعْ، ويستديرُ على محيّاهُ الهلالْ! هيَ من رآها الصبحُ أصفى من شروقِ الشمسِ.. طافيةً طفولتُها على التفاحِ ناداها فلم يسمعْ سوى رجعِ التأوّهِ في الصدى وتراكضَ الصبَّارُ في سهلِ الخيامِ لينحتَ من دموعِ الحزنِ أنصابَ الظلالْ! لكنما قمرُ المواويلِ اجتباها وهي تغسلُ في مياهِ النهر صلصالَ الطفولة إذ تراءتْ عضّةُ الشمسِ الصغيرةُ على خدَّيها لهُ.. حمراءَ كالتفاحةِ التي ما مسَّها ضوءٌ ولا قطفتْها يدانْ! مِنْ ذلكَ الماء الذي ينحلُّ من فِطْرِ الصلاةِ الغضّ تنبتُ زهرةُ الإبداعِ "فاطمةُ" كصحنِ الأقحوانْ! ورأى الورودَ بأمِّ عينيهِ تطيّرُ من غبارِ الطلعِ أصدافاً لحزنِ الروحِ.. شاهدَ لونَها المخبوءَ في ألقِ الضراعةِ طاهراً كالماء، مرّاً كالبكاءْ.. ورأى قصاصاتٍ مدلاةٍ على الأزهارِ تقطُرُ من سلافِ الزهرةِ البيضاء.. كم حدّثَتْ فاطمةُ قلبها عن ياسمينها المخبوءِ فاردةً جناحيها على زيتونةِ الوجعِ الجليلْ.. هي ابنةُ الصبرِ ورفيقةُ الوجعِ.. فكأنَّ من قهرتهُ أسبابُ الحياةِ يظلُّ طولَ العمرِ كالفزّاعةِ الجوفاءِ منفرداً كئيبْ! وكأنّ من دخلَ البلادَ عاشقاًَ لا بدّ أن يمضي وحيداً حين يكبرُ حزنهُ، ويُدَقُّ ناقوسُ المغيبْ! وطفلةٌ محنيّةٌَ مثل الهلالِ على غديرِ الليلِ.. راخيةً ضفائرها على أمواجهِ السكرى كشلالِ الشموعْ.. والماءُ ينضحُ بين يديها جراراًَ من دموعْ.. في غفلةٍ من قلبها اهتزّتْ شجيرةُ فجرها المحمرِّ فاسّاقطتْ من وجهها المبيضِّ آهاتُ الدعاءاتِ الحزينةِ بينما سالتْ دموعُ العينِ في حزنٍ وموسيقى ليشربها الطلوعْ! شاهدتها بثيابها البيضاءِ واقفةً تيمّمُ وجهها جهةَ الشروقِ كزهرةِ العبَّادِ، يسقيها الحمامُ هديلَ عينيه الحزينَ.. وتضيءُ في دمها النجومُ الزهرُ أصيافاًَ مصفّاةَ الليالي ثمّ تُشعلُ قلبَها مثلَ الشموعِ لتملأ البلادَ قصاصاتٍ مذهبّةً وتشعُّ مثلَما القمرْ. هل هذه فاطمةُ.. شاعرةٌ.. مبدعةٌ طفلةٌ.. ملاكٌ؟.. يجري وراء دعائها العشاقُ كي يتجرّدوا من يأسهم؟.. فاطمةُ شمسٌ مذهَّبةُ الضفائرِ في حقولِ المغربِ الشفافِ أوجاعُها قصّةٌ رواها اليراعُ إبداعاً وصورْ.
|
||||