|
|||||||
|
ما الّذي أنجزته المملكة العربيّة السّعوديّة أو بالأحرى نظام آل سعود، طيلة حوالي سبعة عقود من الزّمن؟ فهذا النّظام لم يقدّم نموذجاً في الدّيمقراطيّة والحريّة، ولا نموذجاً في العدالة الاجتماعيّة والماليّة والسّياسيّة. ولا نموذجاً في التّنمية والحداثة، ولا نموذجاً في مواجهة الاحتلال والاستعمار، ولا نموذجاً في الإسلام المعتدل والمعاصر. بل إنّ التّحالف القائم بين هذا النّظام والسّلفيّة الوهّابيّة، أدّى إلى مدّ المدرسة التّكفيريّة بكلّ لوازم الانتشار والتّوسّع في العالم العربي والإسلامي، بل في العديد من دول العالم، حتّى يصحّ القول إنّ ذاك النّظام يصدّر بشكلٍ أساسي سلعتين: النّفط والفكر التّكفيري. قد يكون لهذا النّظام العديد من العورات، لكن من أسوأ ما في هذا النّظام هو طبيعة العقل الكامن فيه. قد يكون من الصّعوبة بمكان تحليل محركات هذا العقل، باعتبار أنّ عوامل متعدّدة سيكولوجيّة اجتماعيّة ثقافيّة... تدخل في ذلك، لكن يمكن القول إنّ ذاك العقل هو ذو طبيعة استبداديّة (لا ديمقراطيّة) استئثاريّة (لا تعدّديّة) إلغائيّة (لا معارضة) تسلّطيّة (لا فصل بين السّلطات) سلطويّة (لا شعب) تغلّبيّة (لا حوار) و لعل بعض ما ذكر ناتج عن البدوية و الرجعية الرّاسخة فيه، بما يعني ذلك من ضعف أو قحط في البعد العلمي أو العقلاني لذاك العقل، ومن جنوح إلى الاستفراد وعدم القبول بالآخر أو بأيّ رأي مخالف، وما يؤدّي إليه ذلك من قمع وخنق للفكر والرّأي والثقافة والمجتمع وانعدام للحريّة وتعطيل للعلم والعقل، ومن إعاقة للتطوّر والحداثة، وأيّ معاصرة إلا في الإطار الشّكلي والعمراني، وبلون النّظام والتّبعيّة له والتّمجيد بحمده. قد تبقى مفاسد هذا العقل في حدود المملكة، لو لم نضف بعداً آخر إليه، وهو أنه توسّعي، وهو ما يظهر بالميل إلى تصدّر زعامة العالم الخليجي والعربي، بل والإسلامي. والإشكاليّة هنا أنّ تلك السّياسات الّتي يمارسها هذا العقل في الدّاخل، يريد أن يمارسها في العالم العربي والإسلامي، وهنا الطامة الكبرى. لأنّ في ذلك مشروع صدام مع أي آخر، سواءً على المستوى العربي أو الإسلامي، ومشروع يهدف إلى الهيمنة الخارجية، بعد أن استطاع إخضاع جميع القبائل داخل المملكة بالسّيف و المجازر. ومن هنا فإنّ هذا النّظام قد اختار الهجوم على مستوى المنطقة ككلّ، من العراق إلى سوريا والبحرين واليمن... في العراق مارس النّظام السّعودي منطقاً ثأريّاً، على الرغم من أنّ الأكثريّة الشّعبيّة هي في موقفٍ مغاير، وفي البحرين مارس تدخّلاً إحتلاليّاً، لمواجهة ثورة شعبيّة سلميّة، أقصى ما تطالب به هو إصلاح النّظام إصلاحاً ديمقراطياً وجذريّاً. وفي سوريا يريد إسقاط شرعيّة قائمة بمنطق التغلّب وشنّ الحروب بالوكالة، في الوقت الّذي يتدخّل فيه بشكلٍ مباشر، ويعلن حرباً على اليمن تحت ذريعة إعادة الشّرعيّة، وهو إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على أنّ الانفصام السّياسي هو سمة بارزة في عقل ذاك النّظام وأدائه ومقارباته. إنّ هذا النّظام مدفوعاً بالميل إلى تأكيد الزّعامة، وحماسة القيادة الجديدة، الّتي عادة ما تميل إلى المزيد من إثبات الذات، فضلاً عن محرّكات ذاك العقل الّتي أشرنا؛ قد اختار بتحريض إسرائيلي، وتدبير أمريكي، الهجوم العسكري المباشر على اليمن، ويبدو أنّه قد ارتكب هنا حماقة إستراتيجية، لا تقتصر على الإيغال في ركوب المشروع الأمريكي الكامن في تفجير صراعات مذهبية و قومية، إنّما تصل إلى دفع المنطقة - كلّ المنطقة - إلى احتمالات أكثر خطورة. إنّ هذا الهجوم يعني الذّهاب إلى مستوى متقدّم من التّصعيد، ومن تأجيج الصّراع في المنطقة. إنّ منحى هذا الهجوم قد اتّخذ بعداً مباشراً وخطيراً، بحيث لم يترك النّظام السّعودي من خيار لمحور المقاومة والممانعة، إلا الدّفاع بطريقة تردع هذا النّظام عن الاستمرار في هجومه على مستوى كلّ المنطقة، إذ إنّ من نتائج ذاك الهجوم، إلغاء أي فرصة لحوار يمكن أن يحصل بين الرياض وطهران (لاحظ إلغاء رئيس مجمع تشخيص مصلحة النّظام في إيران الشّيخ رفسنجاني لزيارته للسّعوديّة). إنّ معنى هذا الهجوم هو وضع المحور الآخر أمام خيارين، إمّا الدّفاع أو الاستسلام، ولا أعتقد أنّ ذاك المحور سوف يختار الاستسلام للنّظام السّعودي، وحاشيته العربيّة، بعد أن استطاع مواجهة أمريكا وإسرائيل وحلفائهما الغربيّين في أكثر من معركة وأكثر من محور، وهذا يعني أنّ محور المقاومة معني بالرد الوازن والرّادع على هذا العدوان السّعودي، وهو ما قد يدخل المنطقة في مرحلة شديدة الخطورة. في المقابل إنّ تصعيد الهجوم بهذه الطّريقة، سوف يؤدّي إلى توفير فرصة جديّة للقوى المناهضة لسياسات النّظام السّعودي في اليمن، لامتلاك قوّة ردع حقيقيّة، تستطيع أن تمارس ردعاً فعّالاً لذاك النّظام، يحول دون متابعة عدوانه أو استئنافه، وإنّ جميع العوامل متوفّرة لدى القوى الثّوريّة في اليمن لتحويل هذا التّهديد إلى فرصةٍ إستراتيجية، وإنّ تجربة المقاومة قي لبنان في مواجهة إسرائيل، خير دليل على ما نقول، حيث إنّ كل عدوان كانت تشنه إسرائيل على المقاومة كان يؤدي إلى إضافة مزيد من القوة والردع إلى منظومة المقاومة. وليس النظام السعودي أقوى من الكيان الإسرائيلي، ولا القوى الثورية في اليمن هي أقلّ عزماً وإمكانيات من المقاومة في لبنان. إنّ النّظام بعمله هذا يقامر بنفسه إلى حدٍّ بعيد، لأنّ هذه الحرب قد يكون لها أكثر من انعكاس على مستوى المنطقة ككلّ، كما على الدّاخل السّعودي، والّتي منها تسعير الخلاف داخل أجنحة العائلة الحاكمة، في حال فشل العدوان عن تحقيق أهدافه. والّتي منها حصول تداعيات اجتماعيّة وقبليّة، في حال دخل النّظام في حرب بريّة مع اليمن، أدّت إلى كثير من الخسائر البشريّة لديه، فضلاً عمّا يوفّره هذا العدوان من فرصة للقوى التّكفيريّة من القاعدة وأخواتها، للتّمدّد واكتساب المزيد من القوّة في المنطقة. ثم إنّ طبيعة النظام السعودي من سنخ الأنظمة الاستبدادية القمعية، التي تمسك بالسلطة بشكل حديدي، وهذا النوع من الأنظمة قوته تنحصر فقط في سلطته، ولذا هو لا يتحمل أي صدمة تضعف تلك السلطة، حيث قد يتحول أي فشل ذي بعد داخلي كبير إلى سبب يسهم في تصديع ذلك النظام وانفراط عقده، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار، أن مبدأ الأمن مقابل النفط بين النظام السعودي والولايات المتحدة الأمريكية قد بدأ يفقد قيمته، هذا إذا لم يتوفر للولايات المتحدة بدائل نفطية أخرى. يضاف إلى ذلك أزمة الشرعية التي يعاني منها النظام، حيث أنه لا يمتلك مشروعية شعبية (لا ديمقراطية، لا انتخابات) ولا مشروعية دينية (لا شورى، لا بيعة عامة حقيقية) كل ما في الأمر أنه توجد عائلة تتنازع السلطة وتحتلب المال، لتستخدمه في شراء الذمم وإسكات أي صوت، واصطناع الولاءات، عائلة لا يصل الطامح منها إلى رأس السلطة أو أنفها، إلا بعد أن يُنكس في الخلق، ويرد إلى أرذل العمر، ويقعده الهرم، أو يضعفه الخرف، ولا يفصله عن قبره إلا عدد من شبر أو فتر. سيكتشف آل سعود أنّ دخولهم إلى اليمن ليس كخروجهم منها، وأنّ سكرة القوة ونشوة السلطة تختلف عن حسابات الحرب، وأنّ عدوانهم هذا سوف يؤدي إلى نتيجة مفادها، أنّ محور المقاومة الذي كان يتجنب الدخول في مواجهة علنية ومباشرة، إفساحاً في المجال أمام فرصة ولو يتيمة للحوار، وللتفاهم مع النظام السعودي على مستوى المنطقة ككل؛ قد فرضت عليه المعركة، ولم يعد من خيار لديه إلا المواجهة. وهنا لا بدّ من الإلفات إلى ما يلي، وهو أنّ من استطاع أن يهزم أمريكا وإسرائيل في أكثر من معركة، لن يكون صعباً عليه أن يفعل الأمر نفسه مع أداة وضيعة في ذاك المشروع، عندما يجد أنّ الضّرورة قد تفرض عليه تعديل بعض الأولويّات، ولو مؤقّتاً.
|
||||||