اليمن السعيد وعاصفة الحزم

السنة الرابعة عشر ـ العدد 161 ـ (رجب 1436 هـ) أيار ـ 2015 م)

بقلم: الشيخ خضر نور الدين

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

اليمن السعيد، كلمة طالما لفتت نظري، أراها كلمة لا تنطبق على الواقع الحالي، ولا الماضي القريب لأهل اليمن بالعموم. حيث يعمّ الفقر، وتنتشر البطالة. فكثيرٌ من شباب اليمن، هاجروا للعمل في أقاصي الأرض.

وجاءت أحداث اليمن بعد ما كان من صحوة في بلادٍ عربية، فامتلأت الشوارع في المدن المختلفة بالشعب الثائر رجالاً ونساءً، كباراً وصغارا، وسقط الشهداء بالمئات، فضلاً عن الجرحى. وفُرضت الاستقالة على الرئيس السابق علي عبد الله صالح . وأُنتخب عبد ربه منصور هادي رئيساً، ولم تهدأ الشوارع ولا النفوس. وتبين لي أن هناك بؤراً قد عُمل على إيجادها، لتعقيد الوضع في اليمن، كي لا تعرف اليمن الهدوء. وبالتالي لا تعرف الاستقرار وهذا يؤدي إلى منع عمليتي النهوض والتنمية.

وبدأت أحداث دمّاج، التي ساهم الرئيس صالح بجعلها مسرحاً لنمو الوهابية ومتفرعاتها. وامتدت إلى محافظات أخرى لتسقط صنعاء بيد الثوار بعد سقوط معقل علي محسن الأحمر، الذي كان المسؤول عن الحروب على صعدة، ومناطق أخرى في الشطر الجنوبي، وانتهت بفراره منها.

ومن خلال عملية ربط بين أحداث اليمن وباقي الدول العربية. استوقفتني أمورٌ يمكن أن تكون قواسم مشتركة، بحيث رأيت وبالتحديد مصر، وسوريا، والعراق، وتونس إذا ما جُمعت مع اليمن لرأينا أن هذه الدول بالتحديد هي الدول العربية صاحبة الحضارات القديمة. وعديد جيوشها الأكبر، وخلال الحرب العربية لمواجهة الصهاينة عام 1948 كانت الأساس بمعزل عن النتائج. حتى بعد ذلك كان شباب اليمن من المشاركين في الحركات الفدائية للقيام بعمليات ضد الصهاينة، بعد أن انخرطوا في المنظمات الفلسطينية. ولا زال هذا الشعب الطيب مؤيداً وبقوة للمقاومة، تفاعل مع الشعب الفلسطيني في كل محنه نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي الفلسطينية المحتلة على غزة وباقي المناطق الفلسطينية. وسبق أن شارك في الفصائل الفلسطينية المقاتلة أيام العمل الفدائي. وسقط من اليمنيين الكثير من الشهداء على طريق فلسطين.

واستوقفني أمر وهو أنه البلد الوحيد الذي يمارس العملية الديمقراطية في شبه الجزيرة العربية. بمعزل عن الفساد الموجود، لان هذا يكشف عن سرعة تفاعل أهل اليمن مع المتغيرات في العالم، وعن جهوزية هذا المجتمع للنهوض وبناء دولة متطورة، لولا الموانع الموجودة، الداخلية منها والخارجية. ومع قليل تدقيق سيتبيّن لنا أن الموانع الداخلية هي أيضاً بدفع خارجي إقليمي، مغطى دولياً من الغرب، الذي يرى أن ذلك يخدم مصالحه، نظراً لأهمية الموقع الإستراتيجي لليمن.

هذا ما دفعني لقراءة اليمن وأحداثها القديمة والجديدة، والكتابة عن الشعب الذي لا يعرف الانهزام. وجاءت عاصفة الحزم العربية، فرأيت انه من الجيد تعميم الفائدة. من خلال جمع ما يفيد لمتابعة أحداث اليمن. فاليمن صاحب الفضل الكبير في نشر الرسالة، وقد ظهر ذلك من خلال اهتمام النبي الأكرم محمد(ص)، من خلال قوله" اليمن يمانِ، والحكمة يمنية". فعملت على هذا الجهد المتواضع علّي أُساهم في تبيان وكشف الحقيقة، لشعوبنا المغلوبة والمقهورة. وأسال الله التوفيق في ذلك لما في ذلك من مصلحة عربية وإسلامية عامة، لحفظ امتنا الكريمة. خصوصاً أن اليمن كان يلعب دوراً مهماً في صدر الإسلام، حيث كان الجيش الإسلامي الذي سجل الفتوحات الإسلامية الأولى بمعظم أفراده من اليمن. ما نحتاجه لقراءة الوضع اليمني بشكل عام ما له علاقة بالتاريخ والجغرافيا

بعد الإطلاع على جغرافية اليمن وتاريخه، يتضح لنا ما يلي:

- إن الوضع الجغرافي لليمن الواقع جنوب السعودية وغرب سلطنة عُمان، وعلى البحر الحمر وبحر العرب الواقع في المحيط الهندي، بحيث يصل طول ساحله 2500 كلم. أعطاه موقعاً جيوسياسياً مهماً، خصوصاً لوجود مضيق باب المندب المهم خصوصاً بعد فتح قناة السويس.

- وإذا ما أضفنا التعداد السكاني الذي يصل من خلاله اليمن لوحده مساوٍ أو أكثر من تعداد كل دول الخليج مجتمعة. وهذا ما يخيف الآخرين إن أصبح اليمن قوياً، فيما لو ارتاح من خلال السماح له ببناء نظام بعيد عن الفساد السياسي والمالي.

- وضع الفقر الذي بلغ مبلغاً كبيراً بحيث كما مرّ معنا أن الدخل اليومي بحسب دراسة غربية دولار واحد يومياً. وبحسب دراسة يمنية دولارين يومياً. يدفع باليمنيين إلى المحاولات للخلاص من الأوضاع الصعبة التي يعانون منها مهما كلفت، خصوصاً عند التفاتهم إلى الأسباب التي أدت إلى ذلك. ويعتبرون أن عدم القبول باليمن عضواً في مجلس التعاون الخليجي، عدم احترام لهم، ويُظهر الإصرار عند دول المجلس على بقائهم في أوضاع صعبة.

- إن الوضع القبلي غالب، بحيث يصل إلى حدود 85% من سكان اليمن، وبنفس الوقت الشعب اليمني حضري، ولم يكونوا أعراباً منذ آلاف السنين، بحيث القبيلة تخضع أبنائها للقانون حتى ولو لم يكن هناك دولة.

- إن هناك أراضي يمنية استولى عليها السعودي بعنوان الإجارة لفترة تُمدّد وفقاً لمصالحه. وهي عسير ونجران وجيزان.

- إن اليمن كانت لديه حضارة قديمة منذ 2000 عام قبل الميلاد. حيث لم تكن هناك بجواره حضارة مماثلة.

- اللافت ما قاله الرسول(ص) "إن الإيمان يمان، وأهل اليمن ينطقون بالحكمة" وسجّل التاريخ لأهل اليمن أنهم خير من حمل الرسالة وحملها إلى أقاصي الأرض.

- قبل وبعد الميلاد تعرض اليمن لغزو من قبل كثيرين ولم يستطع احد تطويع اليمنيين، حيث انه معروف عنهم أنهم لا يقبلون الضيم ولا يطيقون الذل. وكانوا يخرجون من الاحتلال كباراً وأعزاء.

- استطاعوا أن يهزموا السلطنة العثمانية وأخرجوها من اليمن، وإن عادوا وتسلطوا عليه، بعد الاستعانة بجيش جرّار من الترك والمجندين من دول عربية أخرى، في وقت كان العثمانيون لا يزالون أقوياء.

- ثم لم يهنأ البريطانيون على الرغم من اهتمامهم باليمن لحاجتهم للتواصل البحري مع مستعمراتهم في شرق آسيا. خصوصاً بعد فتح قناة السويس.

قراءة تحليلية للمسائل السياسية

- إذا نجح اليمن في تجربته الديمقراطية سيكون له الأثر الكبير في سريان ذلك على كل دول الخليج التي لا تعرف الديمقراطية، وان كانت شعوبها تتوق لها.

- عُمل على منع الوحدة من الأساس، وعندما حصلت الوحدة بقيت المحاولات وإن باءت بالفشل. لذلك رأينا من سارع للعمل لإعادة تقسيم اليمن عندما فرّ الرئيس المستقيل عبد ربه المنصور هادي.

- من خلال قراءة الوضع السياسي لليمن الحديث، نرى أن اليمن لم يعرف الاستقرار مع انه كان من الدول العربية الأولى التي عملت على نظام ديمقراطي جمهوري وأجرت الانتخابات. والسبب الأساسي لعدم الاستقرار هو الفساد سواء أثناء وجود الدولتين، أو بعد الاتفاق على الوحدة. وهذا الفساد ظهر وبوضوح انه كان بتغذية من الخارج.

- وجود يمن مستقر وقوي من جنوب المملكة السعودية، وعراق قوي ومستقر من الشمال، يشكلان للبعض فيها مصدر قلق على الأمن القومي السعودي. لذلك رأينا مواقف علي عبد الله صالح بدعم العراق، أيام صدّام حسين، للضغط على نظام المملكة، لأخذ ما يريده من دعم. وبنفس الوقت نرى السياسات التي عملت بها المملكة اتجاه العراق، منذ خروج الأمريكي بالخصوص من العراق، ودعمهم للمعارضة المسلحة، باستغلال الوضع المذهبي، بعد إخافة السنة من الشيعة. مع ان ذلك لم يكن موجوداً في العراق قبل ذلك. حيث التعايش بينهم كان جيدا. رغم سياسات صدام حسين الذي فعل ما فعل في العراق، من جرّ الشيعة للحروب التي لم يقتنعوا بها، إلى محاصرة الأماكن المقدّسة للشيعة، وقتل العلماء الشيعة وعلى رأسهم المرجع السيد الشهيد محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى، فلم نجد تحميل المسؤولية للسنّة بل كان ذلك لحزب البعث العراقي وزمرة صدام حسين.

- إن مواقف اليمن القومية تجاه فلسطين وكل الدول العربية التي كانت تتعرض للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، كانت تُخيف دول الخليج خوفاً من سريان هذه الروحية إلى شعوبهم.

- يبدو أن المخاوف الإسرائيلية التي عبرت عنها قيادات الكيان الإسرائيلي من سقوط النظام اليمني الممسك به خليجياً. دفعت بالأمريكي ليضغط حلفاءه في الخليج للتخلص من الذين امسكوا بزمام الأمور في اليمن. بحيث يمكن أن يتكوّن نظام قومي ينسجم مع تطلعات الشعب اليمني. وإذا ما أضفنا الاتهامات للحوثيين بأنهم مرتبطون بطهران، وبذلك يمتد محور المقاومة إلى اليمن الواقعة على باب المندب المعبر المائي الذي يمكن أن يكون ممراً للأسلحة إلى الأراضي الفلسطينية

- لو نظرنا إلى الخارطة في المنطقة لوجدنا أن اليمن تُشكل الزاوية الجنوبية لمحور المقاومة، حيث أنه بذلك يُصبح الكيان الإسرائيلي داخل مثلث الكمّاشة للمقاومة.

قراءة تحليلية للأحداث الأخيرة في اليمن

نتيجة الخوف الذي تولّد من مجيء نظام حر يمكن ان يُؤثّر على جريانات المنطقة سياسياً. تحرك مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع المبعوث الدولي جمال بنعمر ليبقى الوضع اليمني تحت السيطرة. وكانت المبادرة الخليجية التي سبق وعرضناها سابقاً. وسنورد هنا ما يمكن أن يُقرأ سياسياً منها:

- فيما لو تُرك الشعب اليمني بالذهاب في ثورته، يُمكن أن تتحقق أهدافها، وهي تغيير النظام السياسي الضعيف، والذهاب باليمن لتكون دولة قوية، وكذلك ادّعى  زعماء الخليج انه يمكن أن تُصبح اليمن منطقة نفوذ لإيران. فيما لو قامت علاقات قوية معها.

- في البداية حاولوا المحافظة على علي عبد الله صالح، وبعد يأسهم من ذلك، جاءوا بنائبه عبد ربه هادي منصور، وعملوا على تشكيل حكومة برئاسة باسندورة، ليبقى الوضع تحت السيطرة. من خلال بقاء النظام نفسه، بحيث يكون التغيير بالشكل لا في الجوهر.

- إن إشراك الأمم المتحدة من خلال إشراك جمال بنعمر، إنما كان لإعطاء المبادرة تأييداً دولياً.

تحليل وقراءة لاتفاقية السلم والشراكة

- يمكن القول إن الاتفاقية تُعتبر التفافاً على الحراك الجنوبي، والحوثيين. لأن المشكلة الأكبر هي في مناطق الجنوب وصعدة، وكان لها الدور الأساس في التحركات الشعبية. بسبب الحرمان والفقر الموجود فيهما.

- يُلاحظ أن ما جاء في بنودها جمل إنشائية مطّاطة، يمكن أن تصلح شعارات، ولم تكن برامج عملية.

- يتضح فيها اعتراف صريح بالفساد الموجود في أجهزة الدولة، وذلك من خلال التأكيد على ضمان جباية الضرائب، والجمارك، بعد الإصلاح الضريبي.

- يُظهر استئثار الطبقة الحاكمة بثروات البلاد، وذلك من خلال التأكيد على فتح باب التجارة أمام القطاع الخاص.

- يظهر بوضوح السرقات عند كبار الضباط والمسؤولين من خلال التأكيد على وضع حدٍ للازدواج الوظيفي، والوهمي.

- الالتفاف على حركة الثوار، وذلك في البنود المتعلقة بالملحق الامني، وهذا سبب رفض الحوثيين للبنود الأمنية.

تحليل وقراءة لمخرجات الحوار الوطني

انعقد مؤتمر الحوار الوطني بعد جدل حوله خصوصاً من قبل الحراك الجنوبي. والشباب الذين كانوا قد اشترطوا محاكمة الضباط المسؤولين عن قتل المتظاهرين. ومع ذلك تم الاتفاق بين اغلب مكونات المجتمع اليمني عليه، لان البديل كان أصعب. ويمكن القول بشكل مختصر حوله الأمور التالية:

- كانت هناك جهات تعمل للتشويش على الحوثيين، حيث تحدثت بعض الوسائل العلامية عن عدم رغبتهم بالحوار، في محاولة لإظهارهم المعرقلين للاستقرار في اليمن. وهذا ما كان خلاف قرارهم بالمشاركة الفاعلة كمكوّن فاعل في الثورة التي انطلقت في اليمن.

- عدم مشاركة بعض فصائل الحراك الجنوبي في الحوار، يكشف عن وجود خلاف حول إمكان الوصول إلى مطالب الجنوبيين، الذين عاشوا على هامش الحياة السياسية منذ قيام الوحدة اليمنية.

- إن رفض القيادات المستقلة للشباب اليمني الحضور، يكشف عن عدم الثقة بما سينتهي إليه الحوار، ما دام الأشخاص الذين سيولون تنفيذ مُخرجاته، هم أنفسهم المسؤولون بالعموم عن الفساد في اليمن، وإن خرج علي عبد الله صالح من المشهد السياسي في اليمن. فالنظام السابق يبقى، وبالتالي تبقى العلاقات الخارجية على حالها، خصوصاً مع دول الخليج المتابعة للأوضاع عن كثب.

- تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، اوجد مخاوف عند الحريصين على وحدة اليمن. لان هذا بنظرهم، سيؤدي إلى تأمين مصالح الرافضين للوحدة اليمنية، على حساب اليمن ووحدتها.

المصالح العربية والدولية في اليمن

يُعتبر باب المندب السبب الأساس لاهتمام العالم باليمن وما يجري فيها بشكل عام، بالإضافة إلى ساحله على بحر العرب، والبحر الأحمر. وذلك لم له من تأثير على حركة بواخر النقل البحري والأساطيل العسكرية. وسأورد المصالح السعودية المتولية عربياً ودولياً بالإمساك باليمن، بحيث يبقى تحت السيطرة . فتضمن المصالح للآخرين. وهذا في البداية يتطلب ولو باختصار إلى مطالعة العلاقات اليمنية السعودية:

العلاقات اليمنية السعودية

- بدأت العلاقات السعودية اليمنية عام 1934 عقب الحرب السعودية اليمنية وتوقيع معاهدة بين عبد العزيز آل سعود والإمام يحيى حميد الدين المتوكل. وفقاً لغريغوري غوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة فرمونت الأمريكية، فإن السعودية لها هدفان رئيسيان في اليمن.

- منع أي شكل من أشكال الوحدة اليمنية لإنها قد تكون دافعاً لنقض معاهدة التي تمت عام 1934. وقد أثرت السعودية على قرارات الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) بشأن الوحدة من سبعينيات القرن العشرين.

- تحاول السعودية منع أي قوة أجنبية من بناء قواعد تأثير لها في اليمن لإن من شأن ذلك أن يؤثر على الأحداث في اليمن وشبه الجزيرة العربية ككل وتفضل لو كانت كل الأنظمة في شبه الجزيرة ملكية وأن تكون علاقتها باليمن كعلاقتها بالإمارات الصغيرة على الخليج .

ووفقا لسارة فيليبس ، (محاضرة في مركز دراسات الأمن الدولي في جامعة سيدني ومؤلفة كتاب التجربة الديمقراطية اليمنية في المنظور الإقليمي في المنظور الإقليمي: "المحسوبية والتسلط التعددي، فإن العلاقات بين اليمن والسعودية ليست علاقة بين دولتين بالضرورة، فالسعودية لم تكن يوماً حليفاً للحكومة اليمنية، بل مع مراكز قوى معينة على حساب السيادة وشرعية المؤسسات، بدفع الأموال لمساعدة القبائل على إبقاء أكبر قدر ممكن من الاستقلالية". تستطيع السعودية أن تؤمن المصالح التي تريد في اليمن وتؤثر على القرار السياسي في الجمهورية الضعيفة ومساعدة المشايخ على إنشاء شبكات محسوبية واسعة خاصة بهم بعيداً عن تأثير الحكومة لعرقلة أي جهد منها لكسب ولاء قبائل أخرى قبل الوحدة اليمنية عام 1990.

لقد عملت السعودية على زرع عملاء لها في شمال وجنوب اليمن لعرقلة الجمهوريات والأنظمة الجديدة التي ظهرت في ستينيات القرن العشرين، وقد فشلت السعودية في جنوب اليمن ونجحت في شماله. حيث فشلت في منع قواعد التأثير مثل الإتحاد السوفييتي من التواجد بجنوب اليمن، ولكنها نجحت في الشمال. وخرج الجيش المصري المساند للجمهوريين خلال ثورة 26 سبتمبر، وتمكنت السعودية من منع علاقات مباشرة بين اليمن الشمالي والولايات المتحدة ولعبت دور الوسيط بينهما في أهم الاتفاقيات بين واشنطن وصنعاء أيام الملك عبد العزيز ملك السعودية. ويشاع أنه أوصى أبنائه بإضعاف اليمن بأي وسيلة وبغض النظر عن صحة الإشاعة فإنها ركيزة العلاقة السعودية اليمنية.

في عام 1937 طلب الملك عبد العزيز من الإمام يحيى أن يعيد النظر في اعتبار أحمد بن يحيى ولياً للعهد، لأن ابن سعود لم يكن يثق في الإمام أحمد. فاستغل الإمام عبد الله الوزير الذي قاد الجانب اليمني خلال المفاوضات عام 1934 الوضع، وطلب دعماً من ابن سعود ضد الإمام أحمد، فعبد الله الوزير مثله مثل كثير من الزيدية، لا يؤمن بتوريث الإمامة وكان معارضاً لتوريث الإمام يحيى ابنه أحمد، فقامت ثورة الدستور عام 1948 ولكن لطبيعة الانقلاب الدستورية، تجاهل ابن سعود مشاعره اتجاه الإمام أحمد ودعمه لوجيستياً لاستعادة صنعاء، وقمع ثورة الإمام الوزير وعمد عبد العزيز إلى تأخير وصول بعثة جامعة الدول العربية لـ"تقصي الحقائق" حتى يتمكن الإمام أحمد من قمع الثورة قبل وصولهم. مع ذلك كان الشك وعدم الثقة عاملاً ملازماً للعلاقات بينهما، رغم دعم ابن سعود للإمام، فقام الأخير بعقد علاقات مع جمال عبد الناصر والإتحاد السوفييتي والصين، وتلقى شحنات من الأسلحة عام 1956 من السوفييت. عبّر السعوديون عن تحفظاتهم من تحركات الإمام أحمد  الذي كان في مواجهة المعارض حينها، فدعموا عبد الرحمن الإرياني. وتعهدوا له بالإطاحة بأحمد حميد الدين المتوكل، شريطة أن يبقى النظام الملكي قائماً كما هو. ولكن آل سعود لم يقدموا على عمل ضد الإمام أحمد لأنهم كانوا يخشون البديل.

بعد تفكك الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية، أراد جمال عبد الناصر ضرب ما كان يصفه بالقوى الرجعية والمتخلفة المعارضة للوحدة العربية. وكان الإمام أحمد حميد الدين قد سخر من الوحدة العربية والاشتراكية، في قصيدة هاجم فيها جمال عبد الناصر. فعمل الأخير على دعم الضباط الأحرار اليمنيين في انقلاب 26 سبتمبر 1962. وأرسل ألف جندي مصري في أكتوبر 1962، فكانت لفتة رمزية تظهر دعم القيادة المصرية للنظام الجمهوري الجديد. ولكن عدد الجنود المصريين تزايد في 1963 بقيادة عبد الحكيم عامر. الوجود المصري أزعج آل سعود كثيراً، لأنه قوّى مناعة نظام جمهوري ناشئ وضعيف في الجزيرة العربية، وأصبح بإمكان المصريين دعم الثورات في جنوب اليمن وربما داخل مملكة آل سعود نفسها.

شكل اعتراف الإدارة الأمريكية برئاسة جون كينيدي بالجمهورية الناشئة في 17 نوفمبر 1962 صفعة قوية في وجه آل سعود، كان الأمريكيون يريدون الحد من النفوذ السوفييتي في المنطقة، وطلبوا إيقاف الدعم السعودي للقوات الملكية، وأن ينسحب الجيش المصري من اليمن. وقد بدا واضحاً من لهجة الإدارة الأمريكية أنها تعتبر النظام الجمهوري الممثل الشرعي للشعب اليمني مطالبةً بتحسينات داخلية في السعودية، عوضاً عن التدخل في اليمن.

كان لتلك اللهجة من حليف السعودية الإستراتيجية والضامن الأقوى لأمن المملكة، أثراً بالغاً على الأسرة السعودية المالكة. وحاولت الولايات المتحدة طمأنة آل سعود بإرسال طائرات للتحليق فوق المدن السعودية الكبرى، ولكنها لم تقترب من الحدود اليمنية.

الأحداث في اليمن أوجدت انقساماً بين الأسرة السعودية الحاكمة فانشق مجموعة من الأمراء عُرفوا بـ"الأمراء الأحرار" مطالبين بتغييرات في بنية النظام السياسي الحاكم أبرزهم طلال بن عبد العزيز، وبدر بن عبد العزيز. بينما كان خالد بن عبد العزيز وفيصل بن عبد العزيز قد حسموا موقفهم بدعم الملكيين. كانت الحرب في اليمن من أبرز الأسباب التي دفعت الأسرة لعزل الملك سعود بن عبد العزيز.

رأى الملك فيصل بن عبد العزيز في بريطانيا حليفاً بديلاً عن الولايات المتحدة، لإن البريطانيين كانوا معارضين للتواجد المصري بشمال اليمن لأن المصريين كانوا يدعمون الفصائل المناهضة لوجود الإنجليز في عدن أرسل جون كينيدي مبعوثه الخاص إلى عدن في 1963، وهو ما شكل فرصة للبريطانيين لمحاولة تقديم إتحاد الجنوب العربي، ككيان شرعي مستقل وليس مجرد صنيعة بريطانية. ولكن محاولات البريطانيين وقعت على أذن أمريكية صماء. ودعم البريطانيون السعودية بالأسلحة والصواريخ الباليستية لمواجهة أي خطر محتمل من الجيش المصري والنظام الجمهوري الجديد في شمال اليمن. كان الموقف الأمريكي مؤثراً. وأدرك آل سعود أن النظام الملكي لن يعود إلى اليمن فاستغل فيصل الانقسام بين الفصائل المؤيدة للجمهوريين، وعمل على استمالة القبائل و"القوى التقليدية" التي انضمت لثورة الجمهوريين، أبرز هؤلاء كان عبد الله بن حسين الأحمر شيخ مشايخ حاشد، الذي لم ينضم للجمهوريين إلا انتقاماً لإعدام الإمام أحمد للشيخ حسين وحميد الأحمر. وقوى كانت تعرف عن نفسها بأنها "إسلامية لا ملكية ولا جمهورية" على حد تعبيرها. كانت تلك فرصة فيصل الذهبية لاختراق المربعات الجمهورية، فعُزل عبد الله السلال وعُقدت مؤتمرات للقبائل كانت قد اختفت بداية الثورة، وتولى عبد الرحمن الإرياني رئاسة البلاد، ولم يعد من مبرر للسعودية لدعم بيت المتوكل.

استمر أتباع السعودية بتلقّي الأموال عن طريق "اللجنة الخاصة". وكان عبد الرحمن الإرياني متساهلاً. وعمل هؤلاء على منع أي تقدم نحو الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي نالت استقلالها عقب خروج الإنجليز عام 1967. وبلغ مقدار الأموال والرشاوي التي تُصرف على مسؤولين ومشايخ قبائل في شبكة كبيرة مرتبطة ارتباطا مباشراً بالسعودية، قرابة ثلاث بليون ونصف دولار سنوياً. وعدد هؤلاء يقدر بالآلاف داخل اليمن. أطاح المقدم إبراهيم الحمدي بالقاضي الإرياني، وأستخدم القبائل طعما مرحلياً لإدراكه أنهم أصحاب القوة على أرض الواقع، فعزل سنان أبو لحوم شيخ مشايخ بكيل، وأقال أقاربه من الجيش اليمني فقد دأب مشايخ القبائل على الضغط على رؤساء اليمن بتعيين أقاربهم في مناصب عليا في الجيش، سبب تحرك الحمدي ضد أبو لحوم، كان لإيهام السعودية أنه حليف لها لإن سنان أبو لحوم، على رأس فصيل قبلي لا تثق فيه السعودية، حتى لا تدعم السعودية الفصائل القبلية الأخرى. إلا أن عبد الله بن حسين الأحمر أدرك نوايا الحمدي، وحاول حشد أنصاره بأرياف صنعاء للإطاحة بالرئيس الجديد ولكن السعودية لم تدعم الأحمر هذه المرة، لأنها اعتقدت أن الحمدي يعمل لصالحها.

شرع الحمدي بقصقصة أظافر اللاعبين القبليين ببطء، وبدأ يُخرج الجمهورية الجديدة من العباءة السعودية فعزم على التقارب مع اليمن الجنوبي، وبحث الوحدة اليمنية وعقد أول قمة للدول المطلة على البحر الأحمر. وصفقات سلاح مع فرنسا كلها كانت مظاهر "استقلال خطيرة" على حد تعبير غريغوري غوس كشفت وثيقة ويكيليكس أن أمير نجران السعودي كان يدفع القبائل في مأرب لعرقلة الحكومة اليمنية من بسط نفوذها على المنطقة وذلك عام 1974 خلال رئاسة إبراهيم الحمدي. اغتيل الحمدي عام 1977 قبل يوم واحد من زيارته المرتقبة لعدن وسُجّلت القضية ضد "مجهول" عقب تولي علي عبد الله صالح السلطة عام 1978.

وفق غريغوري غوس، مدرس العلاقات الدولية بجامعة فرمونت، وفرد هاليداي، وبرنارد هيكل برفسور دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون: فإن السياسة السعودية تعمل على إضعاف الحكومة المركزية في اليمن بأي شكل كان، وغالباً بالأموال إذ تعتمد المملكة على مشايخ قبائل متنفذين لعرقلة مركزية الدولة. فيقول غريغوري غوس: "إن حكومة مركزية قوية تعني إنهاء استقلالية القبائل، وتمكين الحكومة من تحسين أنظمة الدخل، وبالتالي قطع الاعتماد الاقتصادي على السعودية، وهو ما لا تريده الرياض رغم أن تصريحاتها توحي بعكس ذلك. فبقاء أمر اليمن اقتصادياً معلّق بالرياض أضمن وسيلة للأسرة السعودية بعدم نجاح مشروع الجمهورية في الجزيرة العربية المتمثلة في اليمن، لإبقائها ضعيفة ومفككة. في ثمانينيات القرن العشرين تزايد إنتاج النفط في اليمن بشكل بطئ، وهو ما ساعد على توفير الاحتياط الأجنبي اللازم من النقد. وهذا ما قلّل من اعتماد صنعاء على الرياض اقتصادياً، وهو تطور لم يغب عن ناظر السعودية. بعد حرب الخليج الثانية بدأت السعودية بتحذير الشركات النفطية من التنقيب في محافظة الجوف بشمال اليمن بحجة أن المنطقة متنازع عليها.

عقب الوحدة اليمنية عام 1990، كانت العلاقات متوترة بين اليمن والسعودية لأن معاهدة الطائف التي وقعت عام 1934 نصت على ضم عسير وجيزان ونجران للسعودية لمدة عشرين سنة على أن يتم بحثها بعد انقضاء المدة. وكانت "الهدنة" قد أوشكت على الانتهاء عام 1992، وبالفعل فقد طالبت الحكومة اليمنية باسترجاع الأراضي فور تشكّل الوحدة اليمنية عام 1990، فاقم التوتر موقف اليمن "المحايد" من الغزو العراقي للكويت عام 1990 . اتّهمت حكومة علي عبد الله صالح "جهات أجنبية" عام 1992 و1993 بتدبير اغتيالات لمئات من السياسيين اليمنيين، رداً على ذلك قامت السعودية ببناء قاعدة عسكرية في عسير، وبدأت مشروعاً بثلاثة بلايين دولار لبناء سور على الحدود، وضخ الاستثمارات في جيزان ثم حاولوا عزل الحكومة اليمنية. كان اليمن قد وقع اتفاقاً حدودياً مع سلطنة عمان فقامت السعودية بإثارة خلافها القديم مع السلطنة، ضغطا على مسقط لإلغاء الاتفاقية مع صنعاء. قدمت السعودية الدعم للانفصاليين خلال حرب صيف 1994 . وقع علي عبد الله صالح على اتفاقية جدة عام 2000 ورسمت الحدود "رسميا" بموجبها.

الخلاصة

بعد استعراض الوضع الجيو/سياسي المهم لليمن، ووقوع باب المندب على حدوده. واستعراض تاريخ اليمن المهم، والكاشف عن طبيعة الشعب اليمني، في الحروب الداخلية بين القبائل للوصول للسلطة، وبنفس الوقت اجتماعهم بالعموم لمواجهة اي غازي، بمعزل عن جنسه ودينه، نخلُص إلى القول، إن هكذا شعب لا يقبل الهزيمة، وإن كان يعيش ظروفاً صعبة. بحيث يُقاتل بشراسة للحفاظ على كرامته.

وبعد تبيان أهمية اليمن بالنسبة للمملكة السعودية، التي تعتبر اليمن جزءاً من أمنها القومي. وبالخصوص أيام الملك عبد العزيز، وبعدها. يمكن القول إن قيام السعودي بالعملية العسكرية، تحت عنوان تحالف، لإعادة الشرعية المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، إنما كانت نتيجة الخشية من خروج اليمن من تحت السيطرة. وهذا يعني استقلال حقيقي. قد يؤدّي أيضاً إلى المطالبة بالمحافظات الثلاثة جيزان وعسير ونجران، بالإضافة إلى مخاوف من سريان العملية الديمقراطية في شبه الجزيرة العربية. لان توضّح بقوة مدى التأثير السعودي على الأوضاع السياسية الداخلية لليمن، ممّا منع من الاستقرار السياسي فيه.

وعند مطالعة خريطة التحالفات التي رُسمت، ومطالعة الدول المؤيدة، لوجدنا أنها  إِمّا تلك التي تدور في الفلك الأمريكي من الغربيين أو غيرهم، وإِمّا التي تخضع للهيمنة السعودية، بمعزل عن الأسباب. وبالمقابل المخالفين هم من لا يُقبلون بالغرب عموماً، وخصوصاً الأمريكي.

أمّا عن نهاية العملية العسكرية، يُمكن القول، إن حساب الحقل لن يتساوى مع حساب البيدر، أي ليس كما يتوقع وخطّط الغازي. وذلك كما اشرنا إلى طبيعة الشعب اليمني الذي ليس عنده ما يخسره، ويتوق للخلاص من الوضع المأساوي الذي يعيشه، كما انّه حاضرٌ لتقديم التضحيات، خصوصاً بعد بداية الغارات وقتل الأطفال وتدمير البنى التحتية للناس، فان معظم الشعب اتّحد لمواجهة العدوان، ومن لم يكن مؤيداً للثورة أصبح جزءاً منها.

كان الأولى العمل على إعادة إحياء الحوار برعاية عربية، دولية، إسلامية، أو مشتركة من الجميع، أولاً لحقن الدم، وثانياً لعدم إيجاد شرخاً بين اليمن والسعودية. خصوصاً بعد رؤية ما آلت إليه الأمور في بلاد عربية أخرى، ذهبت للخراب والدمار، ونشأت كراهية بين شعوبها، وهذا يضرب روح الوحدة الإسلامية والعربية. وأصبحت مرتعاً لمن يعتبرهم الجميع خطراً مشتركاً عليهم من التكفيريين الذين شوهوا الدين الإسلامي الذي جاء نبيه(ص)، دين السلام والرحمة والرأفة، الدين الحريص على حفظ إنسانية الإنسان. من خلال تعميم الأخلاق الحميدة، وفقاً للحديث النبوي المشهور "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

ومع مطالعة المواقف لقادة الكيان الإسرائيلي المستفيد الأكبر من كل ما يجري في العالم العربي من نزف للدم، وإهدار للطاقات، وتدمير للبنى التحتية للدول وخصوصاً العسكرية. فضلاً عن الابتعاد عن التطوير والتكامل باتجاه وحدة طالما كانت حُلماً للشعوب العربية، وخصوصاً للشعب الفلسطيني، الذي ذهب نتيجة السياسات العربية التي لم تجتمع لمواجهة العدوان الإسرائيلي على فلسطين والدول العربية الأخرى.

وبخصوص اليمن فإن الإسرائيلي يعتبر باب المندب معبراً حيوياً لقطعه العسكرية، من جهة. ومن جهة أخرى يخشى من أن يكون مساعداً لتمرير السلاح إلى المقاومة في الضفة والقطاع. كما أن اليمن يكون الزاوية الثالثة لمثلث المقاومة، بعد غزة ولبنان. وبسقوط اليمن في أيدي من ينادي بالموت لإسرائيل يُصاب بالذعر. وعملية عاصفة الحزم تُغنيه عن الدخول في الحرب مباشرة. وهذا يعني أن الحرب لصالحه، دون أن يتحمل أي كلفة لذلك.

وفي الخاتمة يمكن القول إن اليمن الذي بدأ سعيداً، سيعود ليكون سعيداً، بأهله الغيارى، والأشاوس، الذين لا يخافون في الله لومة لائم. شعب متعودٌ على الحروب، ولا يعرف الاستكانة والذل والهوان، قهر أعتى الجيوش باللحم العاري، وبإمكانات بسيطة، يتحمل الصعاب ويصبر ويتكل المعظم منهم على الله.

وكما كان لهم دور أساسي في نشر الإسلام وحفظه، أيام الإسلام الأولى. سيكون لهم ذلك في زماننا. لأنهم صادقون إذا ما اقتنعوا بشيء بذلوا المهج في سبيله بحب دون إبطاء. 

اعلى الصفحة