حزب الله يبقى التهديد الأهم على الساحة الشمالية لإسرائيل

السنة الرابعة عشر ـ العدد 161 ـ (رجب 1436 هـ) أيار ـ 2015 م)

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

مركز أبحاث الأمن القومي – شلومو بروم وأودي ديكل

 

أشارت نهاية العام 2014 إلى تغيير في وضع إسرائيل الإقليمي وإلى عدم صلاحية الفرضية الأساسية في سياستها، التي نصت على إمكانية الوقوف جانباً وبناء سور دفاعي يقيها انزلاق الأحداث الإقليمية إلى داخل حدودها.

عملية "الجرف الصلب" في غزة، ارتفاع النشاط الإرهابي "ذئاب معزولة" في منطقة الضفة الغربية، صدامات بين فلسطينيين وقوات الأمن ومواطنين إسرائيليين في جبل الهيكل، نشوء "الدولة الإسلامية" في نطاق المناطق التي سيطرت عليها داعش في العراق وسوريا والتأثير المشجع لعملية التقدم هذه على مجموعات وأفراد جهاديين في أرجاء الشرق الأوسط، اكتشاف خلايا ومنظمات جهادية داخل إسرائيل وبالقرب من حدودها ممن بايعت منظمة داعش - كل هذه الأمور تشجع على ضرورة بلورة سياسة محدثة إزاء الاتجاهات والتطورات المحلية والإقليمية.

وعلى عكس التقديرات التي ذكرت خلال العام الماضي، والتي قالت انه سيطرأ خلالها تطورات هامة  في المسألتين الرئيسيتين في الأمن القومي لإسرائيل: المفاوضات التي تديرها القوى العظمى مقابل إيران في قضية النووي والمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، هذه السنة انتهت دون الإشارة إلى تغيير على هاتين الساحتين، الوضع الراهن في المفاوضات مقابل إيران بقي على حاله، وفي المسار السياسي الإسرائيلي الفلسطيني سجلت حالة جمود مطلق. في الواقع، خلال العام 2014 حصلت تطورات مفاجئة: تصعيد بين إسرائيل وحماس تطور إلى حرب، وكذلك احتلالات منظمة "الدولة الإسلامية" - داعش وتوسُّع تأثيرها. إلا أن غياب "اللعبة النهائية"، أي تطور يحسم الكفة، مستمر بتحديد مواصفات التحولات الإقليمية، مع التشديد على الحرب الأهلية في سوريا، ما يحدث في العراق واستمرار حالة اللا-استقرار إلى حد تفككك الإطار السياسي في ليبيا واليمن.

على خلفية هذه الاضطرابات المحيطة تُطرح تساؤلات حيال صلاحية وفعالية السياسة الإسرائيلية، التي قدست خلال السنوات الأخيرة الوضع القائم وتعمل على تقليص المخاطر مقابل بيئة عاصفة، غير مستقرة ومهددة. يمكن القول بنسبة ما من الرضا إن سنة إضافية من الاستمرارية وتقليص المخاطر قد مضت، مع ذلك، فإن نهجاً بديلا تبلور خلال السنوات الأخيرة على أساس تفكير وبحوث تم تنفيذها في معهد بحوث الأمن القومي تدعو إلى فعالية سياسية، مع التشديد على إيجاد واستغلال فرص ستساعد في تحسين وضع دولة إسرائيل السياسي خصوصاً والإستراتيجي عموماً. وذلك، ضمن تقديم فرصة التوصل إلى سلاح دون تسوية في قضايا أمنية حيوية.

في الجزء الأول من هذا المقال سوف يتم استعراض أهم التطورات في المحيط الإستراتيجي لإسرائيل التي حصلت خلال العام الماضي،، وفي  الجزء الثاني سيتم تخصيصه لعرض توصيات سياسة مبتكرة وشاملة.

2014 هل سجل "تعادل استراتيجي" في كل الساحات؟..

"المعركة السياسية لمنع امتلاك إيران قدرة نووية"

التهديد القائم المحتمل المستقبلي على إسرائيل هو دمج النظام في إيران، الذي يدعو إلى محو إسرائيل عن الخريطة، مع تواجد قدرة نووية عسكرية بيده. البرنامج النووي الإيراني موجود في حالة جمود نتيجة تفاهمات بين إيران والقوى العظمى، تمت صياغتها في الاتفاق المرحلي الذي تم إنجازه بينهما مطلع العام 2014. والمخاوف التي ذكرت في إسرائيل عن أن الإيرانيين سوف يخرقون الاتفاق المرحلي وأن نظام العقوبات الذي فُرض على إيران سوف ينهار إثر التسهيلات التي تضمنها الاتفاق المرحلي، قد انتفت. وفي شهر تشرين الثاني 2014، حتى حكومة إسرائيل فضلت تمديد الاتفاق المرحلي ومواصلة المحادثات مع إيران على احتمال تقويض المحادثات، وبالتأكيد على صيغ "اتفاق سيء". وحتى الآن، الضغط الاقتصادي على إيران متواصل، اقتصادها، حتى إن لم ينهر ويبدو أن انهياره ليس قريباً، سوف يواجه صعوبات كبيرة ويعاني من أزمة متواصلة. وإلى ذلك تضاف الصعوبة التي تولدت للاقتصاد الإيراني، التدهور الكبير في أسعار النفط.  لكن، من المهم ذكر أن عدم التوصل إلى اتفاق نهائي يعني أن الإيرانيين موجودون على مسافة أشهر معدودة من الاختراق باتجاه امتلاك قنبلة نووية.

إيران مهتمة بالاحتفاظ بإنجازاتها في المجال النووي،  البنى التحتية والمواد التي بحوزتها، التي تمنحها صفة دولة على عتبة النووي. في الوقت ذاته، تسعى إيران إلى إزالة تامة وفورية للعقوبات الاقتصادية. وهدفها هو إنجاز اتفاق قصير المدى، بحيث تكون وسائل وعمليات المراقبة التي سوف يتضمنها من المستوى الأدنى. القوى العظمى، في المقابل، على الرغم من طموحها بإزالة قضية البرنامج النووي الإيراني عن جدول الأعمال الدولي وربما أيضاً مشاركة إيران في الحرب ضد داعش ومساعي خلق الاستقرار في الشرق الأوسط، لم تكن مستعدة للتسوية على اتفاق لن يضع حدوداً مهمة أمام تقدم إيران باتجاه استكمال برنامجها النووي، ولن يبعدها عن هذا الهدف بمدى زمني يقلّ عن سنة. لذلك، فإن القوى العظمى أصرت على ضرورة تمديد المدة الزمنية التي تحتاجها إيران من أجل الاختراق باتجاه القنبلة، تقليص حجم قدرات تخصيب اليورانيوم وإنتاج بلوتونيوم في إيران، إخراج المادة المخصبة من إيران، إغلاق مواقع ذات طاقة عسكرية وبالمجمل - سلب إيران القدرة على مواصلة نشاطاتها لتطوير سلاح نووي. كذلك أصرت القوى العظمى على اتفاق ملزم للمدى البعيد، مع مراقبة نافذة وشفافة قصوى. ومن وجهة نظر هذه القوى، فحتى رفع العقوبات لا يمكن أن يكون فورياً، قبل أن يتضح أن الإيرانيين يسحبون إلى الخلف فعلياً برنامجهم النووي.

مرتين خلال العام 2014 تقرر تمديد الاتفاق المرحلي ومواصلة المحادثات، وحتى بعد ذلك وأثناء كتابة هذه السطور لا إشارة إلى حل يقدم استجابة لأدنى مطالب الطرفين. إذن، ظاهرياً ثمة "تعادل استراتيجي" - إيران أوقفت تقدمها باتجاه القنبلة وهي تحرص على الالتزام بتعهداتها وفقاً للاتفاق المرحلي. لكن إذا كان العالم سوف يمنح شرعية لهذا الوضع لفترة طويلة، فسيتولد وضع أكثر إشكالية إثر بقاء إيران في وضع دولة على عتبة النووي، تستفيد من قدرتها التهديدية للاختراق باتجاه القنبلة خلال وقت قصير نسبياً.

الساحة الفلسطينية

لم تنجح الحكومة الإسرائيلية في الحفاظ على الوضع الراهن على الساحة الفلسطينية، وفعلياً برز تراجع في مساعي دفع السلام قدماً وجمود في العملية السياسية، وتصعيد في الأحداث في المناطق، وإن بدون اندلاع انتفاضة ثالثة، "تعادل استراتيجي" في المواجهة بين إسرائيل وحماس إثر معركة "الجرف الصلب" في قطاع غزة، عدم وجود منطلق لحل مشاكل غزة والخشية من انفجار في القطاع مجدداً نتيجة الضغط، وكذلك التفاقم إلى "انتفاضة سياسية" تديرها السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل. في نيسان 2014 انتهى بإخفاق مسعى طموحي لوزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، الذي بادر إلى إجراء جولة محادثات إضافية بين إسرائيل والفلسطينيين بهدف التقدم شوطاً باتجاه تسوية دائمة. الاتصالات السياسية بين الأطراف قُطعت والعملية السياسية علقت بجمود عميق. الإشكالية في هذا الوضع تجسدت عبر المحاولات المتكررة، التي في الواقع لم تتكلل بالنجاح، من جانب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لدفع مصالحة مع حماس قدما، وكذلك عبر تعزيز مساعي السلطة لممارسة ضغط على إسرائيل بواسطة إجراءات سياسية أحادية الجانب وغير مباشرة وتجاوز المفاوضات على الساحة الدولية. وفي ظل هذه التطورات وجدت إسرائيل نفسها مزودة بسلة وسائل سياسية شبه فارغة تماماً، حيث لا يمكنها التأثير على إجراءات قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. والخطوات التي اختارتها إسرائيل كرد على الخطوات الفلسطينية - توسيع البناء في مستوطنات الضفة الغربية وعدم نقل أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية - كانت بمثابة "غول في مرماها"، لأنها خطوات غير مقبولة من جانب المجتمع الدولي وأثارته ضد إسرائيل، وكذلك بسبب التهديد الذي تخلقه الأزمة الاقتصادية على بقاء السلطة الفلسطينية، التي وجودها هو مصلحة إسرائيلية. ورد الفعل الانتقادي على هذه الخطوات التي اتخذتها إسرائيل أشار إلى سوء موقعها السياسي.

حتى المعركة التي اندلعت في صيف 2014 مع حماس انتهت دون إنجازات إستراتيجية حاسمة، وعملياً ضمن عودة إلى نقطة الانطلاق، سلطة حماس في قطاع غزة بقيت على حالها وغزة تعاني من ضائقة سياسية واقتصادية، تعزز معقولية أن تتحول حالة الإحباط التي تولدت في صفوف حماس ووسط سكان المنطقة إلى خلفية لاندلاع جولة مواجهة جديدة مع إسرائيل. ورغم الـ 50 يوما من القتال التي شهدتها إسرائيل مقابل حماس، فقد انتهت دون تغيير حقيقي بتوازن القوى السياسي. اضطرت السلطة الفلسطينية إلى الاعتراف بعجزها، في الظروف الحالية، عن إعادة السيطرة على قطاع غزة، حماس بقيت القوة الأقوى والمسيطرة في قطاع غزة حتى أنها استقوت مجدداً من الناحية العسكرية. أضف إلى ذلك، أن سلطة حماس في القطاع حازت أيضا على شرعية سياسية معينة حتى من إسرائيل، التي أدارت معها محادثات غير مباشرة (بوساطة مصرية)، وأشارت إليها كالعنوان المسؤول في غزة، بصفتها "الأقل سوءاً".

حتى مطلع العام 2015، لم تتحقق التهديدات بتصعيد خطيرة على الساحة الفلسطينية، المحاولات التي قادتها حماس لاندلاع انتفاضة في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وفي القدس لم تنجح، على الرغم من ارتفاع حالة التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين خلال القتال على ساحة غزة، وعلى الرغم من الانطباع لدى الطرفين عن أنهما على عتبة اندلاع "حرب دامية". وفي المقابل، فإن مساعي السلطة الفلسطينية للمبادرة إلى "انتفاضة سياسية" تتسارع عبر تشجيع حكومات وبرلمانات في دول أوروبية للاعتراف بشكل رمزي بدولة فلسطينية وإجراءات بهذه الروحية في مؤسسات الإتحاد الأوروبي، وكذلك عبر انضمام فلسطين، التي تم الاعتراف بها في العام 2012 من قبل جمعية الأمم المتحدة كدولة مراقب غير عضو، لميثاق روما، وهو إجراء يمنحها حق الإدعاء على الإسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية.

الساحة الشمالية

الحرب الأهلية الدامية في سوريا تنضم هي أيضاً إلى ما يشبه "تعادل استراتيجي" بين النظام السوري المدعوم من قبل إيران ويستعين بحزب الله، وبين مختلف منظمات المعارضة، بمختلف أنواعها.

وفي حين أن قوات النظام حافظت على سيطرتها على دمشق والمناطق التي يسكنها أبناء الطائفة العلوية، ونجحت بطرد المتمردين من الأماكن التي تربط بين هذه المناطق، تعززت قوة المنظمات المسلحة المختلفة في مناطق واسعة داخل الدولة. فالحدود بين مناطق السيطرة هذه هي ديناميكية ويدور صراع عليها، رغم وجود وضع راهن ثابت تماما بين القوى المتصارعة. فخلال العام 2014 ظهر تغيير في الوضع القائم في هضبة الجولان. فإلى جانب حزب الله الذي يستفيد من دعم إيراني مباشر، فقد دخل إلى الفراغ في الحكم في المنطقة أيضا منظمة "جبهة النصرة"، التي تُعتبر من شركاء القاعدة. هذه المنظمات تساعد النظام في قتاله في هذه المنطقة، وتهددان بتوسيع ساحة المواجهة مع إسرائيل والتخريب على مساعي إسرائيل لإجراء تعاون مع جهات معارضة سورية، تعارض نظام الأسد لكنها ليست من محبي وشركاء منظمة "الدولة الإسلامية" ومنظمات جهادية أخرى.

المفاجأة الكبرى: نشوء "الدولة الإسلامية" - داعش

ظهور المنظمة الجهادية المتطرفة والعنيفة "الدولة الإسلامية" - داعش شكل المفاجأة الأكبر التي حصلت خلال العام 2014. قلةٌ فقط من توقعوا مسبقاً حجم الظاهرة، أبعادها الجغرافية والإعلامية. خطة شاملة ومحكمة بلورتها المنظمة تضمنت تأسيس نقاط سيطرة في مناطق داخل سوريا والعراق.

زخم سيطرة داعش على مناطق واسعة توقّف أواخر العام 2014، لكن المنظمة اتجهت حينها إلى تأسيس "الدولة الإسلامية" وتعميق السيطرة الإدارية في نطاقها، في موازاة توسيع تواجدها في كل أرجاء العالم العربي وإقناع مجموعات ومنظمات جهاد سلفية لمبايعتها والالتحاق بصفوفها.

إسرائيل من جانبها تتعاون بتوقيع محدود مع الائتلاف الدولي عبر مساعدة استخبارية، إلا أن فرصة المشاركة بدور أكبر في الجهد المشترك ضد داعش قد ضاعت حتى الآن، التغييرات التي طرأت على الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة أنتجت نافذة فرص معينة، كان من المفترض أن يؤدي استغلالها إلى كسر التقليد الإشكالي الذي تتواجد في إطاره إسرائيل خارج تحالف إقليمي، والسماح لها بالمشاركة بشكل أكثر فعالية وانفتاحاً بالصراع. كان يمكن لإسرائيل تعميق العلاقات مع قوات براغماتية، معتدلة في محيطها الإقليمي، لكن هذه الفرصة لم تُستغل لأن إسرائيل لم تشتر "بطاقة الدخول" إلى الجبهة الإقليمية، تقدم في المسار السياسي مع الفلسطينيين واعتراف بـ"المبادرة العربية" كإطار للحوار بين إسرائيل والعالم العربي البراغماتي.

على ضوء الضعف الدراماتيكي للجيش السوري إثر تركيزه بالحرب الأهلية، بقي حزب الله التهديد الأهم على الساحة الشمالية لإسرائيل. مع ذلك، فإن حزب الله نفسه غارق منذ سنوات بتورط مباشر وفعال في الحرب الأهلية في سوريا. وعلى هذه الخلفية، أصبح هدفاً للانتقاد في العالم العربي، وخصوصاً في لبنان، وخسر الدعم الواسع الذي كان مستفيداً منه في "الشارع" العربي. من جهة ثانية، عندما قاتل حزب الله على الحدود الشرقية للبنان بهدف صد تقدم داعش وجبهة النصرة من سوريا إلى داخل لبنان نفسه، حصل الحزب على تعاون وثيق من جانب الحكومة اللبنانية واعتُبر الجهة الوحيدة التي يمكنها إيقاف انزلاق الإسلام المتطرف إلى الدولة اللبنانية.

في الواقع، بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني شهد حزب الله تقليصاً محدداً للموازنات، لكن على الرغم من ذلك واصل عملية التسلح والتجهز التي قد تُترجم إلى تهديد مباشر على إسرائيل. وهكذا، بعد سبع سنوات هادئة تلت حرب لبنان الثانية، ظهرت في العام 2014 إشارة أولية لضعف الردع الإسرائيلي حيال حزب الله، تماماً إثر تقدير الحزب أن إسرائيل تعمل على توسيع حرية عملها، وبذلك يغير قواعد اللعبة التي تبلورت خلال السنوات الأخيرة. ولذلك، يتعزز احتمال حصول مواجهة بين حزب الله وإسرائيل خلال العام 2015.

علاقات إسرائيل - مصر

برز أن العلاقات بين إسرائيل ومصر بدأت تتغير خلال العام 2014، ولاسيما على خلفية معركة "الجرف الصلب". فانتخاب عبد الفتاح السيسي رسمياً لرئاسة مصر وقراره تعميق المعركة السياسية ضد "الإخوان المسلمين" وضد مظاهر العنف من جانب متطرفين إسلاميين والإرهاب الذي يمارسونه جعل حماس في موقع عزلة لا سابقة له. القرار المصري بإنتاج قطاع أمني بعرض كيلومتر أو اثنين على حدود رفح أغلق أنفاق التهريب في هذه المنطقة، وقطع أحد مصادر التمويل الرئيسية ومسار استقواء المنظمة. دعم قطر لـ"الإخوان المسلمين" وخصوصا حماس، بعد طرد مسؤولي المنظمة من مصر ومن مقر قيادتها في سوريا، خلق توتراً كبيرا بين إمارة النفط الثرية وبين جيرانها في مجلس التعاون الخليجي ومصر. قرار قطر بتقليص دعمها لـ "الإخوان المسلمين" وحماس نتيجة ضغط عربي مكثف أضاف مدماكاً إضافيا لأزمة المنظمة.

المصالح المشتركة لمصر وإسرائيل في مواجهة الإرهاب الجهادي وحماس تخلق فرصة لتعاون استخباري، عسكري وفي مكافحة الإرهاب. مع ذلك، فإن التعاون لا يتسع إلى مجالات اقتصادية ومدنية، ويبقى حديثا سريا بين زعماء ونشاطاً مشتركاً بظهور منخفض المستوى.

في قضية غزة بالذات ثمة احتمال تباعد [تناقض] المصالح بين مصر تحت سلطة الرئيس السيسي، التي تطمح إلى إسقاط سلطة حماس وإعادة القطاع إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، وبين سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي ترى بحماس العنوان المسؤول - الأقل سوءاً - في القطاع، وتتجنب منح جائزة لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.

طاقة النفط وأسعار ه

ثمة تطور إضافي فاجأ الشرق الأوسط وجهات دولية ذات صلة كان الانخفاض الدراماتيكي بأسعار النفط. الدمج بين ارتفاع متواصل بوتيرة إنتاج النفط الأمريكي من الحجر الزيتي، انخفاض النمو في الصين، الانتقال لاستخدام الغاز الطبيعي ولاسيما نتائج قرار المملكة العربية السعودية الذي فُرض على منظمة أوبك، بعدم زيادة وتيرة إنتاج النفط، أدت إلى هبوط الأسعار خلال العام 2014 بأكثر من 50% واستقراره بمدى يتراوح ما بين 50 و70 دولار للبرميل. القرار السعودي بالامتناع عن تقليص الإنتاج نابع أولا عن رغبة بالحفاظ على حصة سوق المملكة في "سوق البائعين"، وفي الوقت ذاته عن طموح التصعيب على إيران بمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تضربها وإجبارها على التسوية في الموضوع النووي.

في مقابل ذلك، بشأن إسرائيل، يدور الحديث مبدئياً عن مباركة اقتصادية وسياسية. لكن، بتطرف التغيير يكمن أيضا احتمال عدم استقرار، وخصوصاً خطر أن ترفع روسيا أو إيران أسعار النفط بهدف زعزعة الأسواق.

مخطط العام 2015: هجمات أمنية واعتدال سياسي

تحديات العام 2014 سوف تستمر بتحديد مواصفات الواقع الإستراتيجي لدولة إسرائيل خلال العام 2015: أهمها هي قضية النووي الإيراني، المواجهة مع الفلسطينيين، على الساحة السياسية والساحة الإرهابية، لاسيما إثر تعزيز نشاط "ذئاب منعزلة"، وكذلك إثر احتمال حصول معركة إضافية في قطاع غزة، خطر التصعيد على الجبهة الشمالية مقابل حزب الله، توسع تأثير داعش في المنطقة، ولذلك، يجب على إسرائيل أن تبقى مستعدة، لمحاولة تشخيص تطورات ستشكل بالنسبة لها تحدياً وبلورة حل مناسب.

بسبب قوة الضرر الهائلة للسلاح النووي، إضافة إلى التفوق الإستراتيجي الذي يمنحه هذا السلاح للدولة التي تمتلكه، فإن الخطر الكامن في امتلاك إيران لسلاح نووي هو التحدي الإستراتيجي الرئيسي الذي يجب على إسرائيل أن تركز عليه.

ففي بداية العام 2015 لا زالت القوى العظمى وإيران تدير محادثات هدفها إيجاد حل دبلوماسي للخلافات فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. هذه المحادثات من المتوقع أن تستمر حتى الموعد النهائي الذي تم تحديده لنهاية المفاوضات،  نهاية حزيران 2015. وفي هذا المجال، يجب على إسرائيل مواصلة العمل بتعاون وثيق مع حلفائها من أجل ضمان عدم التوقيع على "اتفاق سيء" مع إيران. وفي حال انهيار المحادثات، فيجب على إسرائيل مواصلة بناء الخيار الإستراتيجي لمنع محاولة اختراق إيران باتجاه الحصول على قدرة نووية. وفي الوقت ذاته، يجب على إسرائيل أن تحسن قدرتها وجهوزيتها لتصعيد مقابل حلفاء إيران في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله.

بالنسبة للجبهة الفلسطينية، فإن جولة تصعيد رابعة مع إسرائيل لا مصلحة فيها لحماس لأن في المعركة التي دارت صيف العام 2014 تلقت قدراتها ووسائلها القتالية،التي كان من الممكن أن تسبب من خلالها لإسرائيل ضربة إستراتيجية، ضربةً قاسية. ويجب على إسرائيل أن تستعد لحالة حصول جولة إضافية، ستبدأ في حال ستخسر حماس قدرتها على السيطرة على القطاع وكبح الجهات الجهادية، التي لا تحمل شعورا بالمسؤولية والالتزام حيال سلامة سكان قطاع غزة.

وفي حال بدء جولة مواجهة إضافية، فسيكون على الجيش الانتصار بالمعركة بشكل واضح جداً وبوقت قصير جداً، ضمن توجيه ضربة قاسية جدا للذراع العسكري لحماس وخلق ظروف لتسوية أفضل. يجب على الجيش أن يستخلص عبر "الجرف الصلب" وتحسين قدراته الإستخبارية، تفعيل النيران، المناورة البرية، المبادرة وقدرة استهداف مكونات القوة الرئيسية لدى حماس العسكرية. ومن المهم إجراء دراسة تامة أساسية لمفهوم العمل المحدث لدى الجيش مقابل عدو شبه دولة والتأكد من ملاءمة المفهوم لبيئة القتال المتقلبة، إلى جانب السعي لخلق ظروف لتسوية فعالة تتمحور حول منع إعادة استقواء حماس.

إلى ذلك، ثمة خطر أكبر بكثير على إسرائيل على الساحة الفلسطينية ناتج عن الإجراءات السياسية التي تعتمدها السلطة الفلسطينية في أوروبا ومؤسسات دولية، لاسيما الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية. وبشكل شبه مؤكد سوف تشهد هذه الساحات خلال العام 2015 صراعاً سياسياً كثير الدلالات. فالحكومة الإسرائيلية التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات التي ستجري في آذار 2015 سوف يكون عليها وضع خطة سياسية طموحة لدفع المسار السياسي مع الفلسطينيين قدما ولرسم واقع دولتين لشعبين. بالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك حاجة لإقامة إدارة معركة متعددة المجالات ستكون مسؤولة عن بناء خطة متعددة السنوات لإدارة معركة سياسية، عسكرية، دبلوماسية، قضائية، إعلامية واقتصادية، ضمن تعاون واستنفاذ كافة الوسائل المدمجة. كذلك يجب على وزارة الخارجية تحسين الرد على حملات سحب الشرعية والحظر، تسريع إجراءات سياسية ودبلوماسية بهذا الشأن والاستعداد لمواجهة المعركة القضائية التي تدار ضد إسرائيل ليس فقط انطلاقاً من طاولة الدفاع، بل أيضاً من طاولة الإدعاء القانوني.

وكما في الرد على التهديد الأمني، كذلك في المعركة السياسية المبادرة هي الوسيلة الأفضل للدفاع. في هذه اللحظة، يجب على إسرائيل أن تسترد المبادرة وأن تقود إجراءاً سياسيا واسعاً لتسوية الصراع مع الفلسطينيين. يجب عليها أن تضع على جدول الأعمال وبشكل واضح وصريح الهدف الإستراتيجي: دولة يهودية، ديمقراطية وآمنة. يجب عليها أن تبحث عن كل الطرق التي توصل إلى هذا الهدف.

الطريق الذي سوف يقرب إسرائيل باتجاه تحقيق هذا الهدف يعتمد على مفهوم "إعادة التفكير بمسار". على أساس هذا المفهوم، سوف تبادر إسرائيل إلى السير بعدة مسارات بشكل متواز، جميعها تقود إلى هدف دولتين لشعبين، مسار ثنائي مع الفلسطينيين لمفاوضات حول تسوية دائمة، مسار ثنائي مع الفلسطينيين لبلورة تسويات مرحلية، مسار إقليمي بمشاركة دول عربية معتدلة بالاعتماد على "مبادرة السلام العربية"، مسار مستقل سوف ترسم إسرائيل بموجبه حدوداً وتسويات أمنية بنفسها، ضمن أقصى تنسيق مع المجتمع الدولي. التحرك بشكل متواصل باتجاه الهدف هو أمر ضروري، وبناء على ذلك يجب بلورة قدرة للانتقال بين المسارات أو التقدم بهم جميعاً بشكل مواز. المبدأ الموجه يجب أن يكون هجوم أمني واعتدال سياسي. ففي حين سترفض إسرائيل التسوية على أمنها وأمن مواطنيها، فهي سوف تقدم نهجاً معتدلاً من الناحية السياسية سوف يتجسد باستعدادها للموافقة على تسويات في الطريق إلى الهدف القومي المحدد.

على الساحة الشمالية، يجب على إسرائيل أن تكون مستعدة لمواجهة مع حزب الله، الذي سوف يستعين بمساعدة إيرانية. هنا أيضا، يجب على المستوى السياسي مناقشة وتحديد أهداف المواجهة بشكل جيد، احتمال حصولها، والطريقة العسكرية والسياسية من أجل تحقيق الغاية الإستراتيجية في هذه المواجهة. ومن المهم التخطيط والتدرب على معركة يتم فيها إلحاق ضربة قاسية جداً بحزب الله وبقدراته العسكرية.

بالنسبة لتركيا، الجمود في الحرب الأهلية في سوريا وكذلك في الصراع الذي يدور مقابل داعش يضعها كلاعبة أساسية بإمكانها كسر التعادل بين الطرفين الإشكاليين في سوريا. في الواقع، يبدو أن تركيا هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكنها تفعيل قوات عسكرية برية مهمة، تسرع سقوط نظام الأسد وتؤدي إلى توجيه ضربة قاسية لقوات داعش. وتركيا من جهتها اشترطت تدخلها البري في سوريا بعدم منح الأكراد دولة مستقلة، وبأن تعمل الولايات المتحدة على تبديل نظام الأسد. وبالنسبة للعلاقات بين إسرائيل وتركيا،  فإن فرصة تحسينها سوف تبقى قليلة جدا، طالما يمسك أردوغان بالسلطة. مع ذلك، فإن المكانة السياسية لتركيا وموقعها الجغرافي الخاصين يمنحانها دوراً رئيسياً في الصراع مقابل التحديين، داعش والهلال الشيعي بقيادة إيران. ولذلك، فإن مشاركة تركيا في هذا الصراع ضرورية من أجل دفع مصالح إسرائيل الإستراتيجية قدما في هذه المجالات. أضف إلى ذلك، ينبغي ذكر أن بين إسرائيل وتركيا ثمة علاقات اقتصادية وثيقة، وأن في تركيا حالياً، بما في ذلك الحزب الحاكم، جهات يختلف مفهومها حيال العلاقات مع إسرائيل عن مفهوم أردوغان.

الولايات المتحدة هي الحليفة الأكثر أهمية لإسرائيل. وخلال العام 2014 اتضحت بشكل كبير جدا الإشكالية في الدعوة التي أطلقت في إسرائيل، بأن عليها الاعتماد على قوى عظمى أخرى. هؤلاء الذين بحثوا عن بديل للولايات المتحدة لم يقرأوا بشكل جيد الصورة السياسية والأمنية، الصين وروسيا لم يستخدموا أبداً حق الفيتو في مجلس الأمن المنبثق عن الأمم المتحدة ضد اقتراح قرار معادٍ لإسرائيل، خلافا للولايات المتحدة، هما لم تساعدا المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بمليارات الدولارات سنويا، لم ترسلا قوات لتقاتل ضد منظمات جهادية في الشرق الأوسط ولم تتقاسما مع إسرائيل قيماً أساسيةً ومصالح نوعية، وليست هناك أية إشارة تدل على أن في نيتهما فعل ذلك. ولذلك، فمن الصواب بل المطلوب تسوية الجمود في العلاقات بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية في كل المجالات إضافة إلى التعاون الأمني، كيلا نتضرر. تجديد الثقة بين الزعامات ضروري. الرئيس باراك أوباما أثبت استعداده لتنفيذ خطوات شديدة الأهمية ضمن إيلاء اعتبار قليل فقط لموقف الكونغرس، خصوصاً وأن ليس لديه ما يخسره من ناحية انتخابية في الفترة المتبقية حتى نهاية ولايته. نعم لقد أظهر أنه قادر على تغيير سياسة تقليدية. وهذا ما حصل عندما قام في أواخر العام 2014 بتجديد العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا، وعندما تبنى إصلاحاً نوعياً في مجال الهجرة. على خلفية صعود كونغرس جديد فيه أغلبية حاسمة للجمهوريين، إسرائيل قد تجد نفسها متضررة من التوتر بين الرئيس وبين الكونغرس المعارض له. ويصعب توقع طبيعة ومضمون المبادرات التي قد تتخذها الإدارة الأمريكية في العام 2015 في مواضيع الشرق الأوسط، لكن لا شك بأنها سوف تتطرق إلى القضيتين الأساسيتين للأمن القومي الإسرائيلي، البرنامج النووي الإيراني والمسار السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين.

إلى ذلك ثمة تصميم جديد ومحدث لسياسة الولايات الأمريكية مرتبط بنهج الحكومة التي سيتم تشكيلها في إسرائيل بعد الانتخابات الإسرائيلية التي جرت. في جميع الأحوال، سيكون من الصواب السعي إلى اتفاقيات وتفاهمات مع الإدارة على المصالح الإيجابية التي لن تتنازل عنها إسرائيل. من جهة أخرى، يجب اعتماد سياسة مرنة من شأنها أن تسهل على الإدارة الأمريكية أخذ مصالح إسرائيل الحيوية بعين الاعتبار عندما ستضطر لمقاربة القضية الفلسطينية وقضية البرنامج النووي الإيراني، وكذلك عندما ستضطر إلى تعزيز وحماية الأردن إزاء تهديدات الجهاد وخصوصا داعش.

وثمة موضوع إضافي مهم في صميم الأمن القومي الإسرائيلي وهو بناء ميزانية أمنية صحيحة. خلال السنوات الأخيرة تفاقمت المواجهة بين الخط الذي تعرضه وزارة المالية، التي تهتم بتقليص الميزانية لصالح احتياجات أخرى للمجتمع الإسرائيلي، وبين الخط الذي يعرضه الجيش ووزارة الدفاع، المسؤولان عن بناء وتفعيل القوة مقابل مختلف التهديدات على سكان الدولة. هذا النقاش يصل إلى طاولة الحكومة دون أن يكون معتمداً على تحديد أهداف أمنية وعلى تحديد واضح للمستويات الأمنية ونسبة المخاطرة المنبثقتين عن أي حجم في الموازنة. لذلك، يجب تأسيس النقاش على عمل منظم ومنهجي لهيئة أمن قومي مع وزارتي الدفاع والمال، وعلى اختيار الحكومة بين احتمالات تعرض مستويات أمن بديلة. ومن المهم فهم أن جزءا كبيرا من الميزانية الأمنية مخصص لترميم أضرار ورواتب تقاعد ولا ينتج أمناً مقابل التهديدات. وبناء على ذلك، سيكون من الصواب نقل رواتب التقاعد إلى ميزانية وزارة المال، كإجراء حيال تقاعد كل موظفي الدولة، وفي المقابل نقل ميزانية الترميم إلى مجال معالجة ومسؤولية الأمن القومي. هكذا سيكون من الممكن التركيز على الميزانية المطلوبة للأمن نفسه. وفي نهاية الأمر، يمكن التطرق إلى جزء من الميزانية كاستثمار في دفيئة، تنتج بالإضافة إلى الأمن أيضا قيادة إدارية وتكنولوجية، ثقافة تنظيمية ومعرفة. كل هذه الأمور تساهم في اقتصاد إسرائيل، الذي قطبا نموه - الصناعة الأمنية (والتصدير الأمني) والصناعة الهاي- تك، جذورهما في الجيش وفي المؤسسة الأمنية بكاملها.

في الخلاصة كان العام 2014 عام "التعادل الإستراتيجي" في معظم ساحات المواجهة. وبناء على ذلك ففي العام 2015، من أجل الحفاظ على الهدوء والاستقرار الأمني وتعزيز المكانة الدولية لدولة إسرائيل ومناعتها الاجتماعية والاقتصادية، المطلوب اعتماد سياسة فعالة تركز على القضاء على تهديدات إلى جانب مبادرة سياسية، واستغلال الفرص لحالات تعاون إقليمية ودولية، ويتم فيها التشديد بشكل كبير على علاقات السلام مع مصر والأردن. كل ذلك، بتنسيق استراتيجي وثيق مع الولايات المتحدة. هذه هي خلاصة سياسة مختلفة، شاملة، تبتكر وتصوغ حلولاً جديدة للتحديات المستقبلية.

اعلى الصفحة