|
|||||||
|
يُجمع المتابعون على أن القضية الفلسطينية تتأثر سلباً وتتراجع بسبب ما يعصف بالمنطقة من متغيرات. وأن شكل الدولة العربية ما بعد الاستعمار، لم يخدم القضية الفلسطينية، على الرغم من دعم الشعوب للقضية الفلسطينية ووقوف الأنظمة إلى جانب دعم الموقف الفلسطيني في معظم الأحيان، وتقديم المساعدات للفلسطينيين. وأن هناك عدة أسباب وراء ذلك، من أبرزها المؤامرات التي تحاك من أطراف متعددة، على رأسها إسرائيل وقوى الاستعمار القديم والجديد؛ والتي سعت إلى تدمير الدولة وتقسيم البلدان وحرف الصراع وكأنه صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين ومذهبي بين السنة والشيعة والأقليات. وهنا يمكن تناول الموضوع من خلال استعراض موقف السلطة والفصائل مما يجري في المنطقة، بما في ذلك السياسة المطلوبة إزاء انكشاف التجمعات الفلسطينية في بلدان تشهد نزاعات داخلية على مخاطر تهدد أمنها ووجودها. وتتنوع الآراء حول ذلك، فهل تساند القيادة والقوى والوطنية والإسلامية طرفاً في مواجهة طرف، أم تتبع سياسة النأي بالنفس، أم تدخل في تحالفات من شأنها إعادة إحياء القضية الفلسطينية وجعلها على سلم أولويات هذا الحلف أو ذاك، أم تحمل طرفي النزاع في أي دولة عربية مسؤولية ما يجري وعدم الوقوف إلى جانب أحد الطرفين ضد الآخر، كون القضية الفلسطينية تتطلب الدعم والتضامن من القوى والأطراف العربية والإقليمية والدولية، أم تجمع بين سياسة النأي بالنفس عن أي صراع داخلي وسياسة الدفاع عن المبادئ والقيم الأساسية، المتمثلة بالحرية والعدالة والتنمية والديمقراطية والاستقلال واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية؟ مؤشرات وآفاق يؤكد بنيامين نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي سيعيش أربع سنوات صعبة, أما الرئيس أوباما فيحتاج هو والتحالف الدولي بدورة إلى أربع سنوات على الأقل للقضاء على داعش, 4 سنوات صعبة قادمة في زمن يتم فيه تفكيك الدول القائمة وضرب نسيجها الاجتماعي, وتشتعل فيها الساحات المحيطة بفلسطين بحروب أهلية وإقليمية وطائفية, وتتغير فيها الخرائط والتحالفات وموازين القوى, في ظل أوضاع دولية تعاني فيها الإدارة الأمريكية بعد انتهاء نظرية القطب الواحد من إرباك كبير في إدارة سياستها الخارجية, مما أدي إلى تعاظم في دور القوى والمحاور الإقليمية في إدارة ملفاتها. وفي ظل هذه الظروف الصعبة فإن الأمل ما زال يداعب أهل فلسطين في دحر الاحتلال, وإقامة دولتهم المستقلة, وانجاز ثوابتهم الوطنية في العودة والتحرير. ودائماً كانت التطورات في الوضع العربي تؤثر بشدة على مسار القضية الفلسطينية, وتتفوق في أغلب المراحل على العامل الذاتي الداخلي, وتنعكس آثار قوته وضعفه على مسار القضية الفلسطينية. وهنا يجدر بنا الانتباه إلى الدور الذي يحاول العدو الصهيوني القيام به في هذه المرحلة. فهو يحاول الآن استعادة دور الشرطي الذي فقده خلال حروب الخليج الأولى والثانية, لكنه تمكن من استعادة بعض بريقه السياسي من خلال كونه بوابة العبور للبيت ألبيض وعبر نفوذه في الكونغرس الأمريكي, وهو الدور الذي قام به بشكل مؤقت بعد اتفاق أوسلو ومعاهدة وادي عربه, كما هو بعد حرب الخليج في استمرار الضغط على العراق, وهو ما يحاول القيام به مجدداً هذه الأيام سواء باستخدام نفوذه أو قوته العسكرية أو التلويح بها. خلال الحرب على غزة صرح نتنياهو بأن أهم إنجاز قد حققه خلال هذه الحرب هو تمكنه من بناء علاقات وصفها بالإستراتيجية مع بعض الدول العربية, ولعل هذا ما يطمح إليه وهو أن يكون لاعباً أساسياً في الصراع الدائر بالمنطقة, ولعل تدخلاً عسكرياً إسرائيلياً مباشراً في هذه الصراع, وإقامة حزام أمني جديد يمتد من الجولان حتى قرى العرقوب, ووضع قوته العسكرية, أو التلويح بها في حماية بعض الأنظمة من أي متغيرات داخلية قد تلوح في الأفق, واستخدام نفوذه السياسي في داخل الولايات المتحدة الأمريكية, كلها نقاط قد نشهدها في الفترة القريبة القادمة في ظل الارتباك السائد في السياسة الأمريكية. وهو ما من شأنه أن يزيد في تعقيدات القضية الفلسطينية ويحرمها من دعم عربي مفترض أو أجزاء منه. ويعيد لإسرائيل دور الشرطي في المنطقة وينذر باتساع رقعة الحروب والتوترات فيها. وقد يفرض اصطفافات جديدة ومختلفة. ومن التفاصيل التي يمكن ذكرها في المشهد الفلسطيني لربطه مع الواقع الراهن يمكن التطرق للعناوين التالية: 1- اتفاق أوسلو للحكم الذاتي الفلسطيني لم يعد قائماً من الناحية العملية, فمناطق(أ) من المفترض أن تمارس بها السلطة الفلسطينية صلاحيات أمنية وإدارية كاملة قد انتهت, والعدو يستبيح كل مكان وفي أي وقت يشاء. ولعل من أسوأ نتائج أوسلو أنها قسمت الشعب الفلسطيني إلى ضفة وقطاع, وعرب 48, وفلسطينيي الشتات، ولم تستطع سلطة أوسلو أن تشكل لا على المستوى النظري ولا العملي كياناً جامعاً يهتم بهذه الأطراف ويوحد جهودها في إطار برنامج نضالي. 2- التنسيق الأمني هو الأساس الحالي لعلاقة السلطة الفلسطينية بإسرائيل, وهو يتجاوز تنسيق الأمور الإدارية والمعيشية إلى تنسيق أمني شامل يضمن بالأساس أمن إسرائيل, على أساس المعادلة التي فرضت وهي الأمن مقابل السلام, بدلاً من الأرض أو الحقوق الفلسطينية مقابل السلام. ما يلفت النظر هو أن تصريحات المسؤولين الفلسطينيين والتي تهدد بوقف التنسيق الأمني لا تربط ذلك بأي متغير في الموقف السياسي, أو بعدم إحراز تقدم في مفاوضات السلام المجمدة, أو بالاستيطان أو الانتهاكات الإسرائيلية اليومية. وليست مؤشرا على التفكير بمحاولة تغيير المسار السياسي, أو الانقلاب عليه وإنما تربطه بوقف تحويل أموال الضرائب الفلسطينية المحتجزة لدى الكيان الصهيوني. ومن سخرية القدر أن كيري وزير الخارجية الأمريكي يحذر من انهيار السلطة لذات السبب, اي وقف تحويل أموال الضرائب, و ليس لأن عملية التسوية قد وصلت إلى حائط مسدود تماما, وجعلت من الاحتلال احتلالا بلا أي كلفة أو تبعات أو مسؤوليات على المحتل, انه تنسيق أمني يضمن أمن الاحتلال واستمرار سيطرته وعدوانه وقد تحول إلى تنسيق مدفوع الأجر ولكن من الأموال الفلسطينية. 3- أما فيما يتعلق بالاستيطان فقد قررت حكومة نتنياهو تمديد العمل بقرار مصادرة 430.844 ألف دونم تمتد من مستوطنة معالي أدوميم شرق القدس وحتى محافظة الخليل, وتمتد إلى البحر الميت فيما يعرف باسم منطقة العزل الشرقية, وتشكل هذه المنطقة 27% من مساحة الضفة. إن قرارات مصادرة الأراضي سواء للاستيطان أو كمناطق عسكرية (وهي مقدمة ضرورية لتحويلها إلى مستوطنات لاحقا) قد أتت على نحو 75% من مساحة الضفة, ليصل عدد المستوطنين إلى نحو نصف مليون مستوطن يقيمون في 144 مستوطنة رسمية و 100 مستوطنة غير رسمية. كذلك فإن حجم الاستيطان ومصادرة الأراضي التي ترتفع حصيلتها مع كل شمس جديدة تشرق تجهض إمكانية إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 وفق موازين القوى الراهنة. وتجعل من الحديث عن تبادل أراضي بنسب تتراوح ما بين 1% و 6% ضربا من الخيال يصلح فقط لأن يكون موجودا في كتب التاريخ للتدليل على سذاجة المفاوضين الذين لا يرون كل هذه المتغيرات اليومية على ارض الواقع. 4- المصالحة المفقودة وإدارة الانقسام: من نافل القول الحديث عن فشل المصالحات الفلسطينية المتكررة, إذ أن عجلة المصالحة الفلسطينية توقفت, مع أن عجلاتها منذ أن بدأ الحوار حولها, ظلت تدور في الهواء, ولم تلامس الأرض يوماً, ولم تتقدم على مدى المصالحات المتعاقبة متراً واحداً, أو تحقق طموحاً, أو تبني أملاً. ولم تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به بنودها, ناهيك عن دماء ومعاناة أهل فلسطين من آثار الانقسام المستمر. هذه المرة، لم يعد ممكناً الاختباء خلف أي مبررات، لتمرير أي اتفاق جديد لإدارة الانقسام، إذ يتحتم على كل الفرقاء مواجهة الأمور كما هي، والاعتراف بالأساس السياسي والمنهجي للانقسام، والاتفاق، إذا أمكن، على رؤية جدية مختلفة لآليات الصراع والمقاومة. 5- الشتات: لقد ساهم الفلسطينيون في الشتات مساهمة كبري في الحفاظ على الروح الوطنية الفلسطينية, وعلى حس الانتماء لوطنهم فلسطين والحفاظ على حقوقهم الثابتة فيه, والسعي بكل الوسائل إلى تحريره بما في ذلك الانخراط في الأحزاب العربية, أو تشكيل الفصائل والمجموعات المسلحة, وبرز منهم قامات فكرية وثقافية وسياسية وعسكرية, واستمر هذا الدور حتى تشكيل السلطة الفلسطينية حيث تراجع تماماً مع تراجع دور منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية. إذا كانت الضفة الغربية تعاني من الاحتلال الإسرائيلي المباشر مهما حولنا تزيينه, وأهلنا في فلسطين 48 يعانون من سياسات التمييز ضدهم ومحاولات اقتلاعهم من أرضهم والمقايضة بهم وبمستقبلهم في وطنهم, وغزة هاشم تعاني من الحصار والتجويع والتهديد الدائم, فان وضع الشتات الفلسطيني ليس أحسن حالاً منذ تأسيس السلطة الفلسطينية حيث حلت السلطة ومؤسساتها مكان المنظمة وتضاءل الاهتمام بالشتات الفلسطيني. ففي مختلف مناطق الشتات فقد أدى تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية وهي الكيان الوطني الجامع لهم فيما مضي إلى شعورهم مرة أخرى بفقدان هويتهم الوطنية الموحدة. تراجع مكانة القضية أدت الأحداث والمتغيرات المتلاحقة بالمنطقة، منذ زهاء الأربعة أعوام تقريباً، إلى تراجع القضية الفلسطينية عن صدارة الاهتمام في المشهد الإقليمي العربي، بينما منحت الكيان الإسرائيلي فرصة كافية لتعميق الخلل القائم في الأراضي المحتلة لمصلحته. وإذا ما استمرت سياسة الاحتلال في استلاب الأرض والعدوان، وسط الانشغالات العربية عن القضية، واستمرار الانقسام الفلسطيني، والانحياز الأمريكي المفتوح للكيان الصهيوني، فلن يبقى من المساحة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة شيء. ولا شك بأن الأحداث الجارية بالمنطقة تحتل أولوية الاهتمام في الأجندة الإقليمية والدولية, فالأحداث والمتغيرات الجارية في المنطقة تلقي بظلالها السلبية على القضية الفلسطينية، مثلما تقود انشغالات دولها الداخلية إلى صرف الاهتمام عنها، أسوّة بما يحدث حالياً مع الأزمة اليمنية. فالأنظمة العربية المهمّومة اليوم بقضاياها وإشكالاتها الداخلية، تريد التخلص من "ثقل" القضية الفلسطينية على كاهلها، تحت عنوان ما يريده الفلسطينيون فنحن موافقون عليه. فالانقسام الفلسطيني القائم حتى اليوم، يؤثر سلباً، أيضاً، فيما ما زالت الأوهام تشغل ذهن القيادة الفلسطينية بإمكانية الذهاب مجدداً إلى المفاوضات، بوصفها خياراً وحيداً، أن كل تلك العناصر المتداخلة لن تقرّب الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة. فكلما تم الاقتراب من تحقيق المصالحة وإعادة الحوار الوطني إلى المشهد الفلسطيني، تطلّ أطراف معرقلة، من حركتي "فتح" و"حماس"، في ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقية عند طرفي الانقسام. إن الاحتلال الإسرائيلي هو المستفيد الأبرز من متغيرات المنطقة، عبر المضي في نمط عدوانه الثابت ضد الشعب الفلسطيني، متحرراً من ضغط المساءلة العربية والدولية، بمواصلة الاستيطان والتهويد والقتل والاعتقال، وحصار غزة، وسط عملية إعادة الإعمار المشلولة. وهنا لا بد من التأكيد بأن لا صحة لشعار "على الرغم من تعثر المصالحة سنواصل الإعمار"!!. وحتى لا يتكرر النموذج البائس لنتائج مؤتمر شرم الشيخ عام 2009 وبعد حرب غزة، حيث تبخرت 4.7 مليار دولار خصصت لإعمار غزة تحت ذريعة الانقسام. كما أن نموذج المقاومة المتألق وتضحيات شعبنا الهائلة في حرب 2014 لم يتحول إلى انجازات وطنية هو مثال آخر على الخسائر الفادحة لشعبنا جراء الانقسام المدمر. فلا إعمار بدون إنهاء الانقسام، بل لا أفق وطنياً دون استعادة الوحدة الوطنية. إن معالجة المسائل المباشرة لقطاع غزة، تتطلب حضوراً مباشراً لحكومة التوافق الوطني واضطلاعها بكامل مسؤولياتها ومهما كانت الملاحظات على دورها أو التعطيل المتعمد لأعمالها. وهنا ندعو الأخوة في حركة حماس لاستكمال الابتعاد عن الحكومة بالابتعاد عن الحكم والتعاطي الايجابي مع حكومة الوفاق والمقترحات لإزالة العقبات من أمامها. ولمجابهة العدوان الإسرائيلي المتواصل والتهديد بتصعيده على قطاع غزة، علينا الشروع ببناء جبهة مقاومة وطنية موحدة بمرجعية سياسية واحدة بيدها قرار الحرب والسلم. وفي ظل كل هذا التراجع في الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية فقد استمرت إسرائيل في بناء المستعمرات ومصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء وحدات سكنية عليها للمستعمرين، واستمرت في بناء جدار الضم والتوسع، وتهويد القدس، وهدم المنازل، الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، حسب تقارير مؤسسات الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. ويبرهن الاحتلال اليوم للعالم بأسره أنه مستمر في سلوكه العسكري ذاته، ضاربا عرض الحائط بكافة القواعد والأحكام الملزمة لها في القانون الدولي الإنساني. وهو يؤكد أن آلته العسكرية لن ترحم أحداً، وبالفعل لم تسلم أي من الفئات والممتلكات المحمية في الحروب (أطفال، نساء، شيوخ، أطقم طبية، أطقم صحفية، رجال شرطة مدنية، منازل ومقار حكومية مدنية،...الخ) من قبضة هذه الآلة المتغطرسة. وهكذا فإن أسباباً عديدة محلية وإقليمية ودولية أدّت إلى تراجع صدارة القضية الفلسطينية عن دائرة الاهتمام الأولى، بالمقابل هناك شبه غياب دولي عن كافة التعديات الإسرائيلية، حيث يتحرر الاحتلال شيئاً فشيئاً من ضغط المساءلة: في ما يتعلق بخطواته الاستيطانية المتسارعة، وتهويد القدس، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية التي يجري قضمها في كافة المناطق المحتلة: منطقة عام 1948 فقد جرت مصادرة أراضٍ في النقب، وفي منطقة عام 1967 إذ يجري حالياً إلقاء القبض على مناطق شاسعة في غور الأردن. على صعيد آخر، “إسرائيل” تفرض وقائع على الأرض ستصبح بعد فترة(حقائق) لا يجوز النقاش حولها، والحصيلة تآكل متدرج للحقوق الوطنية الفلسطينية. وعلى الرغم من تعنت الكيان الصهيوني فلم تقطع السلطة المفاوضات معه، واستمرت فيها. هذه القضية تؤدي خدمات كثيرة وكبيرة للعدو وفرض المزيد من شروطه على الفلسطينيين، فالتنازل بالضرورة يقود إلى تنازلات أخرى، والتشدد الصهيوني أدى دوره، وعاد المفاوض الفلسطيني مغلوباً على أمره. من ناحية ثانية فإن عودة المفاوضات توحي دولياً بأن الحركة السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين قائمة، بمعنى أن هناك تفاؤلاً فلسطينياً في هذه المفاوضات، وإمكانية أن تسفر عن حل، ولذلك فما الداعي للتدخل الخارجي؟ أيضاً فإن بعض الخطوات الأوروبية التي كانت في طريقها إلى التطبيق، مثل المقاطعة الاقتصادية لمنتوجات المستوطنات، ومقاطعة العديد من المؤسسات التعليمية البريطانية (وغيرها من الدول) للجامعات الإسرائيلية، قد توقفت في منتصف الطريق، بعد العودة الفلسطينية الرسمية إلى التفاوض. لذلك يمكن القول إن الأسباب الفلسطينية هي العامل الأول الحاسم في تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية على المستويات المتعددة، فلو كانت الأوضاع الفلسطينية عكس ما هي عليه الآن، لما كان أوسلو، ولكانت الوحدة الوطنية الفلسطينية قائمة، وتم تجاوز الانقسام، والتمسك المطلق بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، والعمل يجري على قدم وساق لبدء انتفاضة شعبية فلسطينية جديدة، ولما كان هناك أي تنسيق أمني مع إسرائيل. وفي الأسباب الإقليمية يمكن القول, إن الإرهاصات التي تعج بها أكثر من دولة عربية، والأحداث الداخلية التي تعصف في هذه الأقطار، استحوذت على معظم انتباه أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، هذه الأحداث ساهمت في تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي ظلّت لعقود طويلة تحتل المركز الأول في سلّم اهتمامات المواطن العربي. المستقبل في ظل المتغيرات إن مصير القضية الفلسطينية رهين طي صفحة العنصرية الصهيونية الاستئصالية، وعودة الشعب الفلسطيني إلى ممارسة وجوده المجتمعي على أرضه بكل أبعاد هذا الوجود المعنوية والمادية.. إنه المصير الصحيح لمشكلة تقتضي حلاً ناجزاً تتوفر عناصر تحققه في الواقع المعاش. والقضية الفلسطينية في جوهرها حركة تحرر وطني (للأرض من الاحتلال الاستيطاني، وللبشر والتراث من الطغيان الإحلالي؛ إحلالاً للصهاينة مكان العرب في فلسطين، وإحلالاً لمعالم ثقافية غريبة ومصطنعة محل ثقافة فلسطين العربية الإسلامية فيها). لكل هذا علينا أن ننظر ونكشف مكمن الوهن في ما يتوهم بشأن استعصاء قضية فلسطين على الحل حلا منصفاً يرسي أساساً للسلم الإنساني قائماً على الحق وشرعيته التاريخية، وليس الحل حل تسوية تكرس الاستقرار المصطنع القائم على الطغيان الإقصائي. إن ما يبدو من استعصاء على الحل هو في حقيقته عجز واضطراب في التدبير وليس في توفر عناصر تحقيق الحل في الواقع الموضوعي. إن الركيزة الأساس لتحقيق الغايات الوطنية التحررية إنما تكمن في إدارة التحرر التي لا تقبل أبداً بالمساومة على الحقوق الجماعية والوطنية. ولقد بذل الفلسطينيون من أرواحهم ودمائهم وعرقهم ووجدانهم وما زالوا يبذلون، ما لا يدع مجالاً للشك في تجذر إرادتهم التحررية في نفوسهم، ناهيك بمجاهدتهم النضالية التي تسم تقاليدهم وسلوكهم منذ أن نُكبوا بالمشروع الصهيوني: سواء تعلّق الأمر بثورات عرب فلسطين المتوالية خلال حقبة "الانتداب" البريطاني قبل العام 1948، أم تعلق بصمودهم قبضاً على جمر الابتلاء الصهيوني في "فلسطين الصمود" التي خيم عليها ظلام إسرائيل منذ العام 1948؛ أم في "فلسطين الثورة" التي فجرت عام 1965 ثورة شعبها المسلحة من مخيمات تشردها ومواطن لجوئها وإقامتها؛ أم في "فلسطين الانتفاضة" التي (عام 1987) كرّست حجارة فتيانها تقاليد الاشتباك الشعبي المباشر والمستمر في مواجهة سياسات الاحتلال العنصرية الإقصائية. لذلك يتوجب تجديد أساليب النضال الوطني التحرري الفلسطيني لأن أسلوبنا في النضال ما زال قاصراً عن تمثّل وإعلاء إنسانية وشرعية الكفاح التحرري الفلسطيني اللتين تجعلان من الهوية الفلسطينية هويةً نضالية تحررية لكل مناصر لهوية القدس العربية وانتمائها الحضاري العربي الإسلامي، وليس فقط هويةً نضالية لمسلمي ومسيحيي فلسطين وسائر مناضلي الشعب العربي والأمة الإسلامية.. إن البعد الأخلاقي لقضية فلسطين يوجب على نصرة القدس وفلسطين أن تستهدف فضح الممارسات الصهيونية بأبعادها العنصرية والإقصائية، وتجريم هذه الممارسات على الصعيد الدولي سياسياً وقانونياً، ليتحقق في خاتمة المطاف نزع المشروعية الدولية عن إسرائيل نزعاً تاماً ونهائياً.. وبغير هذا لا يستقيم تحرير فلسطين بقدسها من التهويد والصهينة، وتمكينها ثانيةً من التعبير عن هويتها المجتمعية العربية وعن ذاتها الحضارية الإسلامية. من كل ما سبق ذكره نخلص إلى القول: 1- إن مسار التسوية قد وصل إلى حائط مسدود وما يحدث لا يتعدى المراوحة بالمكان, وهذا سيؤدي عاجلا أم آجلا إلى انفجار الوضع سواء كان ذلك على شكل هبات أم انتفاضة شعبيه كاملة. 2- إن مشروع المصالحة بدورة قد وصل إلى نهاياته, لا يمكن تحقيق مصالحة إلا ضمن اتفاق على البرنامج السياسي, وكل ما يحدث لا يتعدى محاولة فاشلة لإدارة الانقسام. بل أن هذا المشروع قد دخل في تعقيدات عربية وإقليمية تنذر بالخطر الشديد على قطاع غزة. 3- إن ما يحدث بالإقليم سيترك أثره بلا شك على مسار القضية الفلسطينية وسيتيح المجال لاصطفافات وتحالفات جديدة وموازين قوى مختلفة. 4- إن واجب الفلسطينيين يحتم عليهم إبقاء جذوة قضيتهم مشتعلة, وعدم انتظار حدوث متغيرات في الوضع الإقليمي لكي يتبينوا موقع خطوتهم القادمة, وهذا يستدعي منهم استمرار المقاومة بكل أشكالها المتاحة, وعدم السماح للعدو بالتقاط الأنفاس أو الاستفادة من الظروف الإقليمية لتصفية القضية الفلسطينية. 5- أن نحقق قيام دولة فلسطينية على أراضي 1967 في ظل سياق المفاوضات وسقف التسوية الحالي قد أصبح مستحيلا, لكن يمكن دحر الاحتلال عبر الاستفادة من حالة الضعف التي يعاني منها العدو, وعبر تصعيد المقاومة الشعبية في الضفة والحفاظ على السلاح والاستعداد للمواجه وتشكيل إدارة وطنية موحدة في غزة. أي عبر اللجوء إلى برنامج نضالي مختلف كلياً عن ما هو سائد حالياً. 6- أغلب الظن أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة عابرة للفصائل, و أن ثمة مخاضا فلسطينيا جديدا لابد وأن يتشكل بعد أن وصلت كل المحاولات لتحقيق تسوية إلى نهاياتها, وبدأت تجربة السلطة الوطنية تعاني من فشل ذريع لا اعتقد أنها ستكون قابله للاستمرار في مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس أن لم يكن قبل ذلك, مما يطرح تحديات أخرى جديدة لا حل لها إلا عبر بناء جبهة وطنية متحدة تكون ساحتها كل فلسطين. 7- ويبدو أن على الشتات الفلسطيني أن يتحمل مسؤوليات شبيهة بتلك التي اضطلع بها في العقود الماضية, أن يساهم بعمق في إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني وفي المحافظة على روح وحيوية القضية الفلسطينية. |
||||||