ماذا لو لم نردع حزب الله؟

السنة الرابعة عشر ـ العدد 160 ـ (حمادى الثانية 1436 هـ) نيسان ـ 2015 م)

 ترجمة وإعداد: حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

مركز أبحاث الأمن القومي

بقلم: يغال هنكين

هناك إجماع في إسرائيل هو انه تم ردع حزب الله في أعقاب الحرب اللبنانية الثانية، وان الضرر الذي وقع له ولمناصريه أدى به إلى الامتناع عن القتال ضد إسرائيل وان الحرب هي المسؤولة عن الهدوء السائد منذ ذلك الحين على الحدود الشمالية.  ولحقيقة الأمر، أن معظم الادعاءات، التي تثبت أن حزب الله ارتدع هي أقل من أن ترى بالعين.

من الممكن تفسير معظم أعمال حزب الله، سواء قبل الحرب أو بعدها، لدواعٍ إضافية، لبنانية داخلية، أو دولية، وانه لإسرائيل حجم ضئيل من السيطرة أو التأثير عليها، الأمر الذي يستوجب الفحص بحذر فرضية الردع، وبشكل خاص الامتناع عن الاعتماد عليها.

هل تم ردع حزب الله

في الأول من آب 2006، وبينما كانت الحرب اللبنانية الثانية في أوجها، قال رئيس الحكومة آنذاك أيهود أولمرت "من أطلقوا الصواريخ لن يتعجلوا مرة أخرى بخلق احتكاك مثل هذا، والذي قد يؤدي إلى مواجهة كهذه، تتسبب بإطلاق كهذا، لأنهم يعرفون أي ثمن سيدفعون، والدولة التي هم جزء منها ستدفعه، والسكان الذين أقاموا قوتهم وردعهم فيهم سيدفعون، وجميع من يحيط بهم".

هذا البيان جعل لاحقا من داعمي ومعارضي أولمرت السياسيين شيئا واحدا، وكذلك بالنسبة لأفراد الجيش. مساهمة إضافية من خلال "عقيدة الضاحية"، والتي بموجبها، حسب أقوال قائد المنطقة الشمالية في العام 2008، اللواء غادي ايزنغوت، "احتمال إلحاق الأذى بالسكان هو ما يكبح (السيد) نصر الله  والسبب بالهدوء". ونتيجة للهدوء السائد على الحدود الشمالية منذ العام 2006، اعتبر أولمرت أن الحرب اللبنانية الثانية، وبعد سبع سنوات على مرورها، أنها "الأنجح في حروب" إسرائيل.

عملياً، من الممكن تفسير تصرفات حزب الله أيضاً بدون الربط بفرضية أن الحرب ردعته. من الممكن الادعاء أيضاً أن نتيجة تلك الحرب قد خدمت المنظمة وأنها تمتنع عن المواجهة لأنها ليست بحاجة لها في هذا الوقت أو لأسباب لبنانية داخلية، وليس لأنه ارتدع من إسرائيل. تحليلات كهذه تشير إلى إمكانية أن إدعاءات الردع ليست صحيحة، أو أنها ليست العنصر الوحيد، هذا إذا لم تثبت أنها العكس. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تلزم إسرائيل أن تفحص بحذر شديد الافتراضات الأساسية لها تجاه حزب الله وتصرفاته.

من يردع من؟

في بداية الحرب اللبنانية الثانية، صرح رئيس الحكومة أولمرت، أن "إسرائيل لن توافق على أن تعيش في ظل تهديد الصواريخ أو القذائف ضد سكانها، ولن تكون إسرائيل رهينة". إلا أن تهديد الصواريخ والقذائف تزايد فقط منذ الحرب. في الرد على رشقات الصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل، في حزيران من العام 2007، صرحت مصادر في حاشية أولمرت أن المسؤول عنها معني بجر إسرائيل إلى حرب للرد".

ورداً على رشقات الصواريخ التي أطلقت باتجاه كريات شمونا في العام 2013، قال ضابط كبير في قيادة المنطقة الشمالية أن الهدف منها كان جر إسرائيل للرد على حزب الله. لهذه التفوهات من الممكن أن نضيف التفوهات الإسرائيلية العديدة على المئات من الصواريخ التي يمكن لحزب الله أن يطلقها في كل يوم من أيام المواجهة.

تفوهات حزب الله بعد الحرب اللبنانية الثانية، ظهرت أحياناً وكأنها إثبات على الردع، إلا أنه عملياً، فقد تفوهت المنظمة بصورة شبيهة حتى قبل الحرب.

إذا كانت تهديدات (السيد) نصر الله، وتصريحات حزب الله تعبر عن ضعف والمقصود عملياَ منها ردع إسرائيل، كما يميل الكثير من الإسرائيليين للاعتقاد به، عندها من الممكن تفسير تهديدات إسرائيل تجاه حزب الله بأنها ضعف إسرائيلي وعن ردع إسرائيل من قبل حزب الله.

جملة واحدة من (السيد) نصر الله

الافتراض أن حزب الله ارتدع منذ الحرب اللبنانية الثانية اعتمدت إلى حد ما على اقتباس واحد من أمين عام الحزب، (السيد) حسن نصر الله، في مقابلة منذ آب 2006، فور انتهاء الحرب. حيث قال (السيد) نصر الله في تلك المقابلة إن "شخصاً ما لم يتوقع، ولو بواحد بالمائة"، أن خطف الجنود الإسرائيليين من قبل منظمة حزب الله سيؤدي إلى حرب: "لو كنت أعرف أن عملية الخطف ستؤدي إلى مثل هذه النتيجة، لما قمنا بها إطلاقاً".

إنها لإشكالية كبيرة أن نستند في نظرية الردع على مثل هذه الأقوال لـ(السيد) نصر الله. صحيح أن أمين عام حزب الله (السيد) حسن نصر الله  ادعى أن حزب الله لم يكن ليقوم بعملية الخطف لو أنه قدر أنها ستؤدى إلى الحرب، التي كانت ستنشب على أية حال، لكن في وقت لاحق، قال إن عملية الخطف تمت، لأنها اضطرت إسرائيل للهجوم قبل أن تكون جاهزة.

خلال الحرب اللبنانية الثانية، أوضح (السيد) نصر الله أن من وجهة نظره فإن الحزب هزم إسرائيل خلال عملية "عناقيد الغضب" في العام 1996 حيث منعها من تحقيق أهدافها، هكذا سيكون عليه الأمر هذه المرة أيضاً: "المقاومة مستمرة(...) وأن لبنان يقف بإصرار في وجه القوة العسكرية، الأكثر وحشية ولن توافق على شروط مذلة(...) فعندما لا نهزم عسكرياً فهذا انتصار". يجب الأخذ بالحسبان إمكانية أن(السيد) نصر الله مقتنع حقيقة بهذه الادعاءات، والتي كررها عدة مرات بعد الحرب.

بين حماس وحزب الله

حزب الله ليس فقط هو(السيد) نصر الله ، ومن الممكن الافتراض أن المنظمة لا تشكل واحداً بالمائة تهديداً لإسرائيل كما أملت ذلك. حتى إذا ارتدع حزب الله في الحرب اللبنانية الثانية، من الممكن الافتراض أن ما يدور في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة، يشكل نوعاً من هذا الردع. بعد عملية "الرصاص المسكوب" و "عمود السحاب"، بعد "رشقات" الصواريخ من غزة على التجمعات السكانية الإسرائيلية والرد المحدود للجيش الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ من لبنان (التي لم يتبنها حزب الله)، وحتى بعد الدمار الواسع ولكن المحدود في عملية "الجرف الصلب"، من الصعب التصديق أن حزب الله ما زال يعتقد أن إسرائيل سترد بدون قيود على كل عمل من قبله، لأنها لم تقم بذلك مع غزة. إضافة إلى ذلك، في تشرين أول من العام 2012 قدر ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي أن عملية لحزب الله في الخارج ستكون تصعيداً في الحرب، ولكنه نسي على ما يبدو أن العملية المنظمة ضد السياح الإسرائيليين في بورغوس في بلغاريا، لم تؤدِّ إلى رد كهذا. من هنا بإمكان حزب الله أن يقدر، على الأقل في الوقت الحاضر، أن إطلاق صواريخ بشكل متقطع باتجاه إسرائيل لن يؤدي إلى "حرب لبنانية ثالثة"، وحتى إذا حصل ذلك، فإنها ستكون محصورة ومشابهة للأعمال التي مارستها في منطقة قطاع غزة.

إذا كان الردع هو الذي لم يؤدِّ إلى الهدوء على الحدود الإسرائيلية، اللبنانية، فلماذا لم يقم حزب الله بإطلاق الصواريخ؟ الإجابة على ذلك نجدها بمقارنة أعمال التنظيم منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي في العام 2000 ولغاية الحرب اللبنانية الثانية، ومنذ انتهاء الحرب ولغاية الآن.

2006 وصاعداً: سياسة داخلية أم ردع؟

من الممكن الادعاء أن حزب الله تراجع (تقريباً) عن العمل ضد إسرائيل بعد الحرب اللبنانية الثانية سواء لأنه لم يعد هناك حاجة لذلك، وسواء أنه انشغل بمواضيع أخرى، ليس لإسرائيل تأثير كبير عليها. في أعين الكثيرين في لبنان، وفي الغرب أيضاً، إن حقيقة حدوث الحرب هو إثبات على أنه كانت هناك مبادرة، وبعبارة أخرى، حقيقة أن إسرائيل اجتاحت لبنان اثبت أنها خططت لذلك سلفاً. الحديث لا يدور عن فكرة جديدة: فمنذ العام 1972 قال فضل الله إن إسرائيل مهتمة بغزو لبنان بدون ربط ذلك بأعمال المنظمات الفلسطينية. وبقاء قواتها في بعض المناطق في أعقاب عملية "سلامة الجليل" جاء إثباتاً لادعاءاته. وفي تشرين أول من العام 2006 اعتقد 84% من اللبنانيين أنه تم التخطيط للحرب بشكل مسبق من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل من اجل إعادة تشكيل المنطقة من جديد، واعتقد 78% أنها كانت ستجتاح بدون ربط ذلك بحزب الله. التشابه بين هذه المعطيات وبين إدعاءات (السيد) نصر الله  يعزز الافتراض إلى أنه لم يخطط للاعتذار عن خطف الجنود الإسرائيليين، بل للادعاء أنه كان هناك مجرد ذريعة لإسرائيل من الغزو المخطط له للبنان. وبعد الحرب، تم الطلب إلى حزب الله ليعزز من "الحفاظ" أكثر من الماضي على صراع فاعل مع إسرائيل. الحرب والدمار الذي خلفته وراءها أعطت نموذجاً بصورة واضحة له عن الخطر الكامن من وراء إسرائيل، وكذلك الضرورة لتعاظم قوة حزب الله من أجل منع حرب شبيهة في المستقبل. في آب من العام 2013 صرح (السيد) نصر الله أيضاً أن "عصر السياحة الإسرائيلية على الحدود مع لبنان انتهى للأبد" بسبب تعاظم قوة حزب الله.

تعاظم القوة والردع

بعد الحرب اللبنانية الثانية بدأ حزب الله في تحسين قواه ورفع الأضرار المدنية التي وقعت له. وخلال سنتين ضاعف الحزب بثلاث مرات المخزون من الأسلحة أي إلى حوالي 40 ألف صاروخ وقذيفة، جزء منها أثقل وأبعد مدى من تلك التي كانت بحوزته من قبل. وفي شهر تموز من العام 2010 نشرت إسرائيل خريطة لمخازن الذخيرة، والتحصينات والقيادات التي أقامها حزب الله في بلدة الخيام في جنوب لبنان، وفي أيلول من العام 2010 انفجر مخزن للذخيرة  تابع للحزب في بلدة الشهابية في جنوب لبنان. وأفاد الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، أن الانفجار هو نتيجة عملية محرجة لحزب الله، إلا أن الحرج، كما تبين، كان محصوراً للغاية. وعندما كان الانفجار بعد ذلك بسنتين، أغلق أفراد الحزب المنطقة كلياً، ووفقاً للتقارير منعوا كذلك أفراد القوة الدولية من الاقتراب منها. وإسرائيل من جانبها لم تهاجم حزب الله بصورة علنية، على تعاظم قوته المتجددة، بل توجهت للأمم المتحدة.

عدم الرغبة لدى حزب الله بالمواجهة مع إسرائيل في خلال عملية إعادة الإعمار من الممكن تفسيره ليس خوفاً أو نتيجة للردع، بل كخطوة تكتيكية الهدف منها عدم التشويش على جهوده في تعزيز قوته. على الرغم من أن حزب الله امتنع عن العمل بشكل مباشر وعلني ضد إسرائيل لغاية العام 2013، إلا أن التقديرات هي أنه كان مسؤولاً عن عدة أحداث على الحدود الإسرائيلية اللبنانية في تلك السنوات. وفي كانون الثاني من العام 2009، وخلال عملية "الرصاص المسكوب"، أطلقت أربعة قذائف كاتيوشا باتجاه الجليل (سقطت اثنتان منهما في مناطق إسرائيلية). وألقت إسرائيل بالمسؤولية على حزب الله، إلا ن الحزب نفى مسؤوليته عن ذلك. وفي تموز من نفس العام تسللت مجموعة من المدنيين غير المسلحين إلى موقع فارغ للجيش الإسرائيلي في جبل دوف وعلقت عليه علم حزب الله وأعلاماً لبنانية. ورد الجيش الإسرائيلي بإطلاق التهديدات، كما أنه قرر عدم العمل ضد المدنيين لأنهم لم يكونوا مسلحين. وفي تشرين أول من العام 2012 أرسل الحزب طائرة بدون طيار، فوق المناطق الإسرائيلية، وتم إسقاطها في منطقة غابة يتير. وفي نيسان من العام 2013 أسقطت إسرائيل طائرة بدون طيار إضافية نسبت إلى حزب الله، إلا أن الحزب نفى ذلك. وفي مقابل ذلك، عندما جرح أربعة من جنود الجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود اللبنانية في آب من العام 2013، اخذ حزب الله (للمرة الأولى منذ الحرب اللبنانية الثانية) على عاتقه المسؤولية عن العمل وادعى أن الحديث كان عبارة عن كمين مخطط له، بناء على معلومات استخبارية، حول نشاطات الجيش الإسرائيلي في المناطق اللبنانية. وفي نيسان من العام 2014 اخذ حزب الله على عاتقه المسؤولية عن تفجير العبوة بمجموعة من الجنود الإسرائيليين في جبل دوف.

في أعقاب الحرب اللبنانية الثانية عاد حزب الله أكثر وأكثر إلى الانشغال على الساحة الدولية.

من الممكن الادعاء أن محاولات حزب الله للعمل ضد إسرائيل من غير الحدود اللبنانية هي نتيجة للردع الناجح، ولكن من الممكن لاعتبارات مريحة أكثر وليس نتيجة الردع. وحتى إذا كان الأمر نابعاً من الردع الإسرائيلي، فإنه يشير إلى محدودية. فعلى سبيل المثال، في سنوات التسعينيات من القرن الماضي عمل حزب الله تقريبا فقط في حدود الحزام الأمني في جنوب لبنان، وبشكل عام لم يحاول التسلل إلى إسرائيل (على عكس التنظيمات الفلسطينية). فالأمر آنذاك لم يكن تعبيراً عن الردع الإسرائيلي، بل عن فهم بأن كلفة سفك دماء الإسرائيليين في الحزام الأمني هي اقل من التسلل إلى إسرائيل، وأنها مريحة أكثر. واختيار الجيش بأن يهاجم موقعاً واحداً يدلل أيضاً انه مرتدع في المناطق التي لم يهاجم فيها. بل هو يبحث على النقطة المريحة له ، الأمر الأسلم بالنسبة لمنظمة إرهابية.

صعّد (السيد) نصر الله بنفسه مؤخراً من اللهجة. ففي أعقاب السنوات الخمس الأولى بعد الحرب اللبنانية الثانية فقد ظهر على الجمهور مرتين فقط (كانون ثاني 2008 وكانون أول 2011) وفي السنتين الأخيرتين ظهر ما لا يقل عن أربعة مرات على الجمهور (أيلول 2011، آب 2013، تشرين ثاني 2013، وآب 2014). كما أن تهديداته لم تلن. في العام 2011 أعلن عن خطة عملية لاحتلال الجليل، وفي آب من العام 2012 أعلن حزب الله عن القيام بتمرين ضخم، وكـأي تنظيم مسلح حديث نشر ملصقا جذابا بلغة انجليزية، والذي يظهر المعركة القادمة، بما في ذلك احتلال شمال إسرائيل حتى خط حيفا، العفولة، بيسان.

التحليلات المقبولة في إسرائيل تميل إلى التوضيح إلى أن قلة أعمال حزب الله ضدها نتيجة للردع. إذا كان الوضع حقا هكذا، فهناك العديد من الأسئلة تطرح نفسها: لماذا أرسل حزب الله طائرة بدون طيار إلى داخل المناطق الإسرائيلية؟ لماذا اخذ (السيد) نصر الله على عاتقه المسؤولية وذلك بعد عدة سنوات عن إيذاء الجنود الإسرائيليين، تحديداً في الوقت الذي يتورط فيه حزبه بقوة في الحرب الأهلية السورية؟ ولماذا ظهر علناً أكثر من الماضي وتحمس كثيراً في خطاباته؟.

تستخدم الحرب اللبنانية كتذكير في نظر الكثير من اللبنانيين أن لبنان بحاجة إلى حزب الله من أجل حمايته من إسرائيل. فالحزب سوف يظل كارهاً لإسرائيل في المستقبل المنظور، ولكن ترتيب الأولويات بالنسبة له تغير منذ العام 2006 وليس فقط في أعقاب الضرر الذي ألحقته به إسرائيل. فإذا استغل حزب الله المناوشات مع إسرائيل خلال فترة الحرب لكسب التأييد ، فهو اليوم يستخدم التهديد من قبلها لتحقيق نفس الغرض، ولكن بدون أن يرى ضرورة للعمل على نطاق أوسع ضدها. إضافة إلى ذلك، فبعد الحرب تحول حزب الله إلى شريك وصاحب تأثير في الحكومات اللبنانية أكثر من أي وقت مضى.

يجب الأخذ بالحسبان أن الاستعداد العالي لحزب الله للقيام علناً بأعمال (صغيرة) ضد إسرائيل من شأنه أن يشير إلى عودة الأمور إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الحرب اللبنانية الثانية.

الخلاصة

السؤال حول ما إذا كان حزب الله قد ارتدع من قبل في الحرب اللبنانية الثانية أو لم يرتدع هو ليس نظرياً. الخطط العملية (ضده أو ضد غيره) التي تعتمد على الافتراض أن الدمار الذي وقع للبنان خلال الحرب الثانية هو الذي أدى إلى الهدوء وردع حزب الله، من شأنها أن تفشل إذا تبين أن لا أساس لها من الصحة. وفي المقابل، فإنه إذا كان امتناع حزب الله عن العمل ضد إسرائيل متأثراً بشكل أساسي من عناصر ليس لها سيطرة عليها، فإنه يبدو أن حربه القادمة أقرب مما يعتقد. يكفي أن نذكر أنه في بداية العام 1967 قدر جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أنه من غير المتوقع حصول حرب، حيث أن الجيش المصري متورط في حرب اليمن، وبعد ذلك بعدة أشهر، وبسبب تتابع الأحداث بالصورة التي لا يمكن لإسرائيل السيطرة عليها وقعت حرب الأيام الستة.

وأخيراً، إن الإيمان المبالغ فيه بقوة الردع من شأنه أن يؤدي إلى الرضا بالنفس، فقبل ثلاثة أشهر من نشوب حرب الغفران قدر وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان أنه من غير المتوقع نشوب حرب كبيرة حتى بعد عقد من الزمن. فقد كان له ما يعتمد عليه، فقد بدا له أن المصريين ردعوا. وأنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم من خلال حرب الاستنزاف، إلى حين ظهر يوم السادس من تشرين أول من العام 1973. 

اعلى الصفحة