|
|||||||
|
الذكرى السادسة والثلاثون لانتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران، هي بحد ذاتها شهادة الجودة في ظل استمرار الجمهورية التي أرساها الإمام الخميني (قدس سره)، حيث خضعت هذه الثورة لاختبارات لم تخضع لها أو تعرفها أية ثورة أو دولة أخرى، فمنذ انتصار الثورة والاختبارات تتوالى، وتتطور كَمَّاً ونوعاً على قاعدة البرنامج التلفزيوني الشهير "من سيربح المليون؟". وذلك أيضاً في ظل استعداء المحيط وتحريضه ودفعه إلى الصدام وذروة العداء عبر حرب السنوات الثماني التي شنها صدام حسين بمؤازرة دول الجوار العربية والولايات المتحدة وأوروبا ثم المواجهة على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والاتهام بالعمل لتصدير الثورة ودعم الإرهابِ وتمويل وتخطيط العمليات الإرهابية في العالم ليكون ذلك سبيلاً إلى فرض المقاطعة والحصار الاقتصادي وتجميد الودائع المصرفية والأموال الإيرانية في الخارج. إن أية دولة أو قوة ما كانت لتصمد هذا الصمود كما فعلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة قوى الطغيان والاستكبار، وما كانت لتثبت هذا الثبات على القيم والمثل والمبادئ والشعارات التي تبنتها الجمهورية الإسلامية والتي طرحها مفجر الثورة سماحة الإمام روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) حيث حافظت على كل تلك العناوين الإسلامية والإنسانية وفي مقدمها مسألة وقضية فلسطين والشعب الفلسطيني والعمل لتحرير فلسطين عبر دعم قوى المقاومة الفلسطينية. لقد حصنت الثورة الإسلامية جمهوريتها ضد الأوبئة السارية والمعدية التي تصيب الثورات وتفتك بها بُعيد انتصارها بالمرجعية القيميّة للإسلام، واعتبارها الفيصل في كل الأمور مبتعدة بذلك عن المنهج الميكيافلي الذي يقوم على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. وحصنت نفسها بالمسار الديمقراطي أو الثوري (لمن يهتم بلفظ المصطلح) إذ جعلت مشاركة الشعب في القرار وفي انتخاب هيئات مؤسسات الدولة منهج العمل السياسي في الجمهورية الإسلامية. وحصنت نظامها بالعديد من المؤسسات الرقابية التي تتابع عمل المؤسسات وتنظر في السياسات مثل مجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام والبرلمان أو مجلس الشورى. ويأتي على رأس مؤسسات الدولة منصب مرشد الثورة الولي الفقيه، الذي يحق لمجلس خبراء القيادة صلاحية تقييم أدائه، ما يعني أن هناك رقابة مؤسساتية على هذا المنصب. وحصنت الجمهورية الإسلامية قرارها وسياستها ضد تأثير التدخل الأجنبي، وذلك بوضع حد لأي تدخل خارجي، مؤكدة على استقلال قرارها الوطني وممارسة السيادة والاستقلال بشكل تام وعدم الخضوع للضغوط مهما كانت قوية ومن أي جهة أتت. ويمكن القول أن الاستقلال الذي تتمتع به الجمهورية الإسلامية لناحية وطنية قرارها لا تتمتع به أية دولة أخرى في العالم. وحصنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها بمرونة دبلوماسية عالية جداً، وبمقدرة هائلة على تحمل الضغوط وإفشالها حتى أصبح الأداء الدبلوماسي الإيراني مضرب مثل، وأعني به مثل حائك السجاد الذي يمضي عشر سنوات في حياكة السجادة، ويمضي عشر سنوات أخرى وهو يفاوضك على ثمنها ولا يبيعها في النهاية إلا بالثمن الذي يريده. ولعل التفاوض حول الملف النووي خير مثال على مرونة وبراعة الدبلوماسية الإيرانية في هذا المجال. ومما يسجل للجمهورية الإسلامية عدم تفريطها مطلقاً بأي ورقة من أوراق القوة التي تمتلكها، بل ويُشهد لها بحسن الاستفادة من أوراق القوة لتعزيز الدور والمكانة والمكاسب السياسية ولعل المثل يبدو واضحاً في أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن. وقد كان من المفترض أن يتقلص النفوذ الإيراني في أفغانستان والعراق بسبب وقوعهما تحت الاحتلال الأمريكي، ولكن الذي حصل هو العكس، فقد خرج الأمريكي مهزوماً من البلدين وثبت موقع الجمهورية الإسلامية وحقق التقدم. وما زاد في حصانة الجمهورية في وجه عاديات الزمن أنه ليس للأجنبي نفوذ على أرض إيران يستطيع استغلاله لمصلحته كما هو حاصل في دول الجوار لاسيما العربية منها حيث يلعب النفوذ الأجنبي دور المتحكم في الصغيرة والكبيرة، والجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا يوجد على أرضها قواعد عسكرية أجنبية. إن هذه الحصانات التي تحدثنا عنها هي التي جعلت من الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدولة الإقليمية الأولى والوحيدة التي تواجه وتنافس الدول العظمى وتقف في وجه مشاريع السيطرة والبلطجة الدولية، وتتمسك بالحقوق الكاملة في كل المجالات لاسيما ما هو متعلق بالسيادة والاستقلال. المكانة العلمية للجمهورية الإسلامية نحن نعلم أن إيران تعيش منذ ثلاثة عقود تحت الحصار، وتفرض عليها عقوبات سياسية واقتصادية وعلمية من أجل دفعها للخضوع والتسليم لقوى الاستكبار العالمي. ولأن إرادة الحياة والعزة والكرامة متأصلة في شعبها فقد حولت النقمة إلى نعمة والحصار إلى حافز للاستغناء عن الخارج والوصول إلى الاكتفاء الذاتي في شتى الأصعدة، وفي جميع المجالات، ولم تقف موقف المتسول ولا موقف الخانع وأبت إلا أن تقدم نموذجاً فريداً على صعيد الأمم. وقد حققت على مدى عمر الثورة إنجازات هائلة على صعيد الصناعات بمختلف تنوعاتها، من الصناعات الثقيلة إلى تكنولوجيا النانو بالإضافة إلى الصناعات العسكرية والطائرات والصواريخ والسفن ويُقال أن إيران تحتل أو احتلت في العام 2013 المرتبة العاشرة عالمياً في مجالات الطب والهندسة والتقنيات إضافة إلى نجاح مهمة إطلاق كائن حي إلى الفضاء الخارجي تمثلت بإرسال قرد من فصيلة (ريزوس) إلى ارتفاع 120كلم فوق سطح الأرض وعودته سالماً. وبلغت نسبة النمو العلمي في إيران 11% وهي من أعلى النسب في العالم. وفرضت وجودها في أعالي المحيطات بواسطة مجموعة سفن بحرية جابت أعالي البحار وقامت بمهمات حراسة وإنقاذ. لقد أصبحت إيران بعد الثورة من أقوى دول العالم على صعيد التعليم الجامعي وانتشرت الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات على عموم الخارطة الإيرانية، وأصبح لدى إيران جيل جديد من العلماء الذين ولدوا وترعرعوا في ظل الجمهورية الإسلامية وعلى عاتق هؤلاء تقوم النهضة الإيرانية الحديثة والتي من أهم انجازاتها الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي على صعيد إنتاج القمح، فالدولة التي تحقق الاكتفاء على صعيد إنتاج الغذاء تستطيع أن تقفل أبوابها إذا أرادت. إن عوامل القوة لدى الجمهورية الإسلامية، هذا الالتفاف الشعبي حول الدولة والقناعة الراسخة لدى المواطنين بأن الدولة دولتهم وأن الحكام منهم وليسوا تابعين لجهات خارجية، ويتجلى ذلك في المساهمة في الحياة السياسية حيث تسجل نسبة الإقبال على الانتخابات النيابية والرئاسية ارتفاعاً عالياً يجعلها من أعلى النسب في العالم. وربما كانت إيران الدولة الوحيدة التي يتم تداول السلطة فيها بالعملية الديمقراطية وفي ظل استقرار سياسي نادر في دول المنطقة. ويلعب الموقع الجغرافي دوراً مهماً في تحصين الواقع الإيراني، فإيران دولة مترامية الأطراف، مساحتها 1648195كم2 وترتيبها 19 من حيث المساحة بين الدول ولها حدود مع سبع دول وتطل على خليج فارس وخليج عمان وبحر قزوين. وتوازي مساحة إيران مساحة كل من المملكة المتحدة وفرنسا واسبانيا وألمانيا مجتمعة، وفيها من الثروات الطبيعية والمعدنية والسياحية ما لا يجتمع لبلد آخر. إن كل عوامل القوة هذه كانت لتذهب هدراً لولا وجود قيادة واعية ورشيدة متزامنة مع وعي شعبي وشعور وطني وإدراك لأهمية القيم التي قامت عليها ومن أجلها الجمهورية الإسلامية في إيران، والمثل على ضياع الثروات والطاقات وتبديد الثروات واضح وجلي في سلوك حكام وشعوب قريبة من إيران، لا تملك من أمرها شيئاً ولا تستطيع التصرف إلا بحدود التعويض الذي تسمح به الدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. إذا كانت إيران قد نجحت على مختلف الأصعدة في تحقيق انجازات هائلة جعلت منها قوة عظمى، فهل هذا يعني أن إيران تغلبت على كل مشاكلها. أم أن هناك مشاكل ما زالت تمثل ندوباً في بدن الثورة والدولة في إيران؟!. لا شك أن الحرب المعلنة من قبل الاستكبار العالمي وإن فشلت في تحقيق غايتها في إخضاع إيران إلا أنها سببت وتسبب لها مشاكل أثرت وتؤثر على استقرار ورفاهية المواطن في إيران، فهناك العديد من القطاعات الحيوية ما زالت تعاني مثل قطاع النفط والطيران المدني. وإذا كان هناك من فشل في أداء الجمهورية الإسلامية فهو في عدم نجاحها للوصول إلى حالة من الوحدة والوئام مع دول الجوار في العالم العربي، رغم كل ما قدمته التقنية الفلسطينية، ورغم إدراكهم أن ما يُفرض على إيران من عقوبات وحصار إنما هو لدفعها للتخلي عن قضية فلسطين. لقد قدمت إيران على مدى ثلاثين عاماً ونيف كل المغريات للدول العربية لاسيما الدول الواقعة على الخليج من أجل الوصول إلى نوع من التعاون والتكامل، حتى أنها عرضت على هذه الدول المشاركة في نجاحات إيران العلمية والتكنولوجية وحتى النووية، وعرضت عليهم قيام منظومة أمن إقليمية تمكنهم من التخلص من سيطرة الأمريكي والأوروبي ومن مواجهة الإرهاب المحلي والعالمي، ولكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل. ومرد هذا الفشل ليس بسبب تقصير إيران بل يعود إلى أن معظم دول العالم العربي يقع تحت السيطرة الأمريكية وقرار هذه الدول ليس بيدها وإنما بيد السيد الأمريكي الذي يرفض كل تقارب أو تعاون بين دول المنطقة ما لم يكن بإشرافه وتوجيهه وخادماً لمصالحه. وأخيراً إذا لم تستطع إيران بانفتاحها إغراء العالم العربي بالتعاون فلعلها بسياستها المرنة والمتسامحة إقليمياً فوتت على المنطقة حروباً كثيرة، الله أعلم بها. |
||||||