الذكرى الـ ٣٦ للثورة الإسلامية ... إنجازات وابتكارات

السنة الرابعة عشر ـ العدد 159 ـ (جمادى الأولى 1436 هـ) آذار ـ 2015 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

سيل بشري اجتاح الشوارع والساحات على امتداد الجمهورية الإسلامية، فالأمطار والثلوج والرياح لم تمنع جموع المواطنين من النزول لإحياء ما يعرف في إيران بـ"يوم الله"، يوم انتصرت فيه إرادة الشعب على طاغوت الشاهنشاهية.

الاحتفال المركزي كان في طهران، وفي ساحة "آزادي" بالتحديد، حيث رفعت شعارات تختصر مبادئ الثورة: العداء لأمريكا وإسرائيل، ودعم المقاومة بكافة فصائلها ورايات تجدد العهد والميثاق للمرشد الأعلى للثورة الإمام السيد علي خامنئي، وتعبر عن الصمود في وجه التحديات.

مسيرات انتصار الثورة عجت بالشباب ممن هم دون سن العشرين. إنه جيل ثالث للثورة لم يشهد قيامها ولكنه يثبت ولاءه لها، لأنها قامت على مبادئ الحرية والاستقلال، وأمنت للشعب الإيراني كافة مقومات الكرامة، فبادلها الوفاء بالصمود والممانعة.

رافعين اللافتات التي تؤكد على الحرية واستقلال إيران وتمسكهم بأهداف الثورة والوحدة بين المسلمين، سارت الجماهير في مسيرات حاشدة مرددين هتافات تدين الإساءة للرسول الأكرم (ص)، إضافة إلى شعارهم الدائم : الموت لأمريكا.

ميدان "آزادي"، الذي يعتبر رمز الثورة في العاصمة طهران، غص بالمتظاهرين الذين رفعوا الأعلام الإيرانية وصور الإمام الخميني (قده) وصور المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإمام السيد علي خامنئي، في حين شهدت مراسم الاحتفالات فعاليات مختلفة بينها القفز بالمظلات.

الرئيس الإيراني، الشيخ حسن روحاني، وفي خطاب ألقاه بالمناسبة بحضور ٤٠٠ ضيف أجنبي من ٣٠ دولة، أكد أن المفاوضات النووية مع الدول الست الكبرى هي لمصلحة العالم، وللغرب الاستفادة من هذه الفرصة، لافتاً إلى أن الشعب الإيراني لا يخشى الحظر الاقتصادي، مشيراً إلى بقاء أجهزة الطرد المركزي. وكانت احتفالات هذا العام قد حظيت باهتمام دولي، حيث قام أكثر من ٢٦٥ مراسلا وصحافيا أجنبيا بتغطية هذا الحدث، الذي وعلى الرغم من مرور عقود، لا يزال يحتفظ بتألقه.

انتصار الثورة الإسلامية وعودة الإمام الخميني إلى أرض الوطن

كان استقبال الشعب الإيراني للإمام الخميني منقطع النظير، إذ قدرت وكالات الأنباء الغربية أعداد الجماهير التي اصطفت على طريق مطار "مهرباد" ما بين ٤ ملايين إلى ٦ ملايين إنسان. وفور وصوله إلى "جنة الزهراء"، وهي روضة شهداء الثورة، أعلن الإمام الخميني تشكيل الحكومة المؤقتة، برغم وجود حكومة الشاه التي كانت لا تزال تمارس مهامها.

في ٥ شباط عام ١٩٧٩، كلفت الحكومة المؤقتة بالتحضير لإجراء الانتخابات والاستفتاء العام عن طبيعة النظام الذي تختاره جماهير الثورة.

وفي ٨ شباط، بايع منتسبو القوة الجوية في جيش الشاه الهارب الإمام الخميني (قده)، ما دفع قوات الحرس الملكي إلى التوجه في اليوم التالي لقمع انتفاضة القاعدة الجوية في طهران، فنزل أبناء الشعب إلى الشوارع لحماية القوات المؤيدة للثورة.

وفي ١٠ شباط من ذلك العام، راحت مراكز الشرطة والمؤسسات الحكومية تسقط الواحدة تلو الأخرى بأيدي الثوار. ولكي يتسنى لحكومة الشاه تنفيذ الانقلاب العسكري الذي جرى التخطيط له، بمساعدة المستشارين الأمريكيين لديها، أصدر الحاكم العسكري لطهران بياناً أعلن فيه تمديد فترة منع التجوال إلى الساعة الرابعة عصرا. في غضون ذلك، دعا الإمام الخميني أبناء مدينة طهران، في بيان أصدره، للنزول إلى الشوارع وإحباط المؤامرة الوشيكة وإلغاء الأحكام العرفية عملياً.

نزلت الجموع من كافة أبناء الشعب إلى الشوارع وراحت تقيم الخنادق. وما إن تحركت دبابات الشاه وحاملات الجنود من مراكزها حتى بادر أبناء الشعب إلى إيقافها بواسطة الخنادق والحواجز. وفي فجر ١١ شباط عام ١٩٧٩، أشرقت شمس انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

لم يكن انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (قده) مجرد حادثة داخلية قادت إلى تغيير النظام السياسي في إيران، بل كان زلزالاً أصابت ارتداداته العالم الغربي ومصالحه في المنطقة. فمنذ صبيحة ١١ شباط عام ١٩٧٩، بدأ العداء السافر والشامل للثورة وقائدها من قبل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تتبعها الأنظمة العميلة لها.

في أثناء ذلك، أعلن الإمام الخميني التعبئة العامة للشعب الإيراني لإعمار البلاد، حيث أنشأت مؤسسة " جهاد البناء " التي انضم إليها كل ذوي الاختصاصات الإنمائية، لتبدأ خلال فترة وجيزة عمليات شق الطرق وإنشاء المراكز الصحية والعلاجية وتأسيس شبكات المياه في المناطق المحرومة والقرى والأرياف على نطاق واسع.

لم يمض سوى شهرين على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حتى أعلن الشعب الإيراني، في واحدة من أكثر الانتخابات حرية في تاريخ البلاد، تأييده بنسبة ٢.٩٨ % لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية. في هذا الظرف تحديداً، اشتدت وتيرة الضغوط الخارجية على النظام الفتي. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى عن طريق طابورها الخامس في إيران، لافتعال الاضطرابات الداخلية تمهيدا لإسقاط نظام الثورة. ومن أولى الوسائل التي لجأ إليها أعداء الثورة في هذا الخصوص، اغتيال وجوه الثورة وشخصياتها الأساسية، فخلال فترة قصيرة، تمكن العملاء من اغتيال آية الله الشيخ مرتضى مطهري الذي كان عضوا في مجلس قيادة الثورة، والدكتور محمد مفتح، والفريق قرني رئيس هيئة الأركان، وآخرين.

وكر التجسس في إيران

كانت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تمارس مهامها في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية. ونتيجة العداء الأمريكي السافر للشعب الإيراني، ودعم دولته للإرهاب المتمثل باغتيال القيادات الثورية، ومنعها تسليم الشاه لمحاكمته، وحجزها للأموال المودعة لديها، اقتحمت مجموعة من الطلبة الإيرانيين السفارة الأمريكية في طهران واعتقلت الدبلوماسيين الذين كانوا يتجسسون ويحيكون المؤامرات.

أيد الإمام الخميني الخطوة الثورية للطلبة واصفاً إياها بأنها ثورة أعظم من الثورة الأولى. لقد نشر الطلبة السائرون على نهج الإمام الوثائق التي عثروا عليها في السفارة بالتدريج في أكثر من ٧٠ كتاباً حملت عنوان "وثائق وكر التجسس الأمريكي في إيران".

مثّل احتلال السفارة الأمريكية في طهران فضيحة كبرى لحكومة الولايات المتحدة، وسجل للشعب الإيراني تحطيمه الغرور الأمريكي وبثه الأمل في نفوس شعوب العالم المستضعف، بإمكانية مواجهة القوى الكبرى وإلحاق الهزيمة بها.

على أثر فشل الولايات المتحدة الأمريكية في الإطاحة بالثورة الإسلامية في إيران، عبر إثارة الاضطرابات الداخلية والاغتيالات، لجأت إلى تحريك عميلها صدام حسين لشن حرب على إيران، حيث بدأ الجيش العراقي في ٢٢ أيلول عام ١٩٨٠ عدوانه العسكري الواسع على امتداد حوالي ١٣٠٠ كلم من الحدود المشتركة مع إيران.

لقد أصدر الإمام الخميني أمر الدفاع والمقاومة على الفور. وفي أول خطاب له بعد العدوان، اعتبر أن أمريكا هي المسبب الأساس لهذه الحرب، والمحرك لصدام حسين والداعم له، مطمئناً الشعب الإيراني بوضوح بأنه إذا ما هب لرد العدوان من أجل رضا الله تعالى، بوصفه واجبا شرعيا، فستكون هزيمة العدو حتمية.

الثورة الإسلامية حدث تاريخي هام

١١ شباط ١٩٧٩، حدث تاريخي قلب الموازين الإستراتيجية إقليميا ودوليا فارضا واقعا سياسيا مغايرا، بعيدا عن تلك الاصطفافات التي كانت موجودة في تلك الفترة .

ثورة حدثت في توقيت حساس حيث كانت المنطقة تعيش جملة من التعقيدات في الصراع (العربي - الإسرائيلي)، تمخضت عبر خروج مصر من حلبة الصراع مكبلة باتفاقية كامب دايفد معلنة الانقلاب على شعار "حرب التحرير واستبداله بحرب التحريك".

أما على الصعيد الدولي، فقد جاءت ثورة الشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني(قده) في زمن كان شاهداً على حمأة الصراع (الأمريكي - السوفيتي) الذي شطر دول العالم بشماله وجنوبه  في انقسام عامودي، متخندقاً خلف عقليات متصارعة شيوعية - اشتراكية و رأسمالية - ليبرالية، عندها انبلج تيار ثالث من بين ثنايا الدجى رافعاً شعار "لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية"، تقوده الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام روح الله الخميني الموسوي.

٣٦عاماً من الصبر والحصار والعمل الدؤوب، انتقلت إيران من درك الدول المتخلفة إلى مصاف الدول المتقدمة من خلال إنجازاتها النووية والفضائية فارضة نفسها وبقوة أمام العدو والصديق، دولة إقليمية عظمى .عزز هذا الحضور انخراطها في الحرب على الإرهاب وخصوصاً في كل من سوريا والعراق ومدها يد العون والدعم للمقاومات العربية ولاسيما اللبنانية والفلسطينية قافزة فوق جدار الطائفية والمذهبية العفنة. وفي إطار رؤية تقييمية لمنجزات الثورة على مدى ٣٦عاماً، لابد من الأخذ بعين الاعتبار عدة أمور هي:

- أهداف الثورة الإسلامية.

- الأوضاع قبل انتصارها.

- إمكانات البلاد الذاتية.

- الضغوط ومؤامرات أعداء الثورة على الصعيدين الداخلي والخارجي .

وفي الإمكان  دراسة منجزات الثورة الإسلامية في مرحلتين زمنيتين مختلفين، وفي ذات الوقت بشكلين متفاوتين.

وعلى سبيل المثال، فإن إسقاط النظام الملكي الشاهنشاهي وإحلال نظام الجمهورية الإسلامية محله والحصول على الاستقلال السياسي هو من أبرز منجزات الثورة الإسلامية في إطارها العام والذي على أساسه تحققت باقي المنجزات، كان بمثابة الأرضية الصلبة والمتينة للتأسيس لرحلة إيران الطويلة وانتقالها من طور إلى طور .

إنجازات الثورة الإسلامية السياسية والاقتصادية والعسكرية

ويمكننا أن نشير هنا إلى منجزات الثورة الإسلامية في إيران من الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية على النحو الآتي:

المنجزات السياسية: لعل من أهم المنجزات السياسية للثورة الإسلامية في إيران، هي القضاء على الحكم الشاهنشاهي ورفع الظلم عن الشعب الإيراني، من خلال الإتكاء على عائدات البترول، والجيش والأجهزة الأمنية، حيث كان الشاه يسعى وبدعم الأجانب له، إلى إظهار نظامه بشكل مقتدر، مزيلاً من الأذهان حتى مجرد التصور بزعزعته فكيف بسقوطه، لكن إرادة الله سبحانه وتعالى قد شاءت غير ما أراد الشاه، إذ تمكن الشعب الأعزل من السلاح من إسقاط الحكم البهلوي المستبد.

لقد تمكنت الحكومة في إيران من بلورة تشكيلات سياسية مختلفة مع شفافية في المواقف، من أجل تحقيق وتعزيز الاستقلال السياسي للبلاد، وقطع أيدي التسلط الأجنبي عنها، عن طريق المساهمة في نمو الوعي السياسي والوعي العام للشعب وتواجده في مختلف المجالات، والحركة نحو التقنين والمجتمع المدني الديني.

عملت الحكومة على إرساء دعائم نظام الجمهورية الإسلامية في إيران . فبعد انتصار الثورة، تحققت إرادة الشعب في إيجاد النظام الإسلامي، فإن لفظ الجمهورية يحدد نوع الحكومة. أما لفظ الإسلامية، فيحدد مضمون نظام الحكم الجديد في إيران، حتى إن تسمية الجمهورية الإسلامية لم تفرض على الشعب الإيراني، بل جاءت عبر استفتاء نزولاً عند رغبة الشعب الثائر وهذا يسجل لأول مرة في تاريخ الثورات بأن تسمية النظام لا تفرض أو تسقط على الشعب، بل أتت عبر إرادة حرة وخالصة نابعة عن قناعات الجماهير الثائرة.

ومن وجهة نظر الإمام الخميني(قده)، فإن نظام الجمهورية الإسلامية ينسجم مع نظام الحكم الإسلامي ونظرية ولاية الفقيه العادل. وفي نظام الجمهورية الإسلامية، يؤدي أبناء الشعب دورهم في تعيين مصيرهم من خلال إبقاء باب الحريات السياسية مفتوحاً على مصراعيه، ومن خلال إجراء الانتخابات العامة الحرة والنزيهة.

عمّق النظام الجديد أواصر الارتباط بين الدين والسياسة وعرض النموذج الزاهي للحكومة الدينية، بحيث كان النظام الشيوعي في العالم يروج لفكرة "الدين أفيون الشعوب"، أما النظام الرأسمالي فكان يشيع فكرة "عزل الدين عن السياسة"، وجاءت الثورة الإسلامية لتثبت أن الدين ليس أفيوناً للشعوب، بل هو "المحرك لها الذي يهبها القدرة على الإدارة السياسية للمجتمع".

على صعيد الانتخابات، فقد حصلت في إيران بعد الثورة حوالي ٨ انتخابات نيابية (مجلس شورى)، بالإضافة إلى الاستحقاقات الرئاسية وتناوب شخصيات متعددة على سدة الرئاسة، في حين لم تشهد دول الجوار أي انتخابات فضلاً عن تعيين موظفي الفئة الأولى. نجح النظام الجديد بـ"كسر شوكة الغرب والشرق"، وإن انتصار ثورة الشعب المسلم في إيران قد حقق هذا الأمر، على أن عدة عوامل قد ساهمت في انتصار الثورة الإسلامية مثل روح التضحية والإيثار وعدم الخنوع والخضوع للظلم والاستبداد، وعززت الثورة تجديد الحياة السياسية للإسلام في العالم ومنح العزّة للشعوب المستضعفة والعالم الثالث. ولا ننسى  قيام السياسة الخارجية لإيران على مبدأ "لا شرقية لا غربية"، بحيث إنها قطعت العلاقة مع الكيان الصهيوني وقامت بطرد السفير الإسرائيلي ورفع العلم الفلسطيني بدل علم العدو.

إن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في إيران تقوم على أساس رفض كل أنواع التسلط والهيمنة وحفظ استقلال البلاد في جميع المجالات ومد جسور العلاقة مع الدول غير المعادية في العالم، عبر تصدير رسالة الثورة ودعم حركات التحرر في العالم. ويرى أغلب الباحثين في الشؤون الإسلامية والشرق أوسطية، أن "الثورة الإسلامية في إيران هي أكبر محرك للحركات الإسلامية السياسية".

المنجزات الاقتصادية: لقد حققت الثورة الإسلامية في إيران العديد من المنجزات على الصعيد الاقتصادي. ومن هذه المنجزات الحفاظ على موارد الثروة مثل النفط والحؤول دون نهبها من قبل الأجانب الطامعين، والحؤول دون الإسراف والتبذير واستغلال بيت المال، والإنكباب على العمل، والاهتمام بالقرى وتوفير الإمكانات المعيشية فيها، وتدعيم البنى التحتية للتنمية، وإعداد الكوادر المتخصصة في المجالات المختلفة، وتطوير طرق إنتاج الطاقة وبناء السدود، وتطوير شبكة الطرق والمواصلات والموانئ، وإشاعة مراكز التعليم في مستويات متعددة، من أجل تحقيق هدف الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في التصنيع العسكري والطبي والمدني كصناعة السيارات والصلب والتكنولوجيا كتقنية "النانو"، وصولاً إلى الفضاء وفي مجالات اقتصادية أخرى.

لكن التطور الاقتصادي في إيران سار في طريقه إلى الأمام رغم وجود بعض الموانع والعقبات مثل المقاطعة الاقتصادية وحرب الثمانية أعوام التي كان نظام العراقي السابق قد فرضها ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث كانت تلك الحرب الظالمة قد تسببت في خسارة قدرت بـ ١٠٠٠ مليار دولار أو ما يعادل نفقات البلاد على مدى ٧٠ عاماً.

المنجزات العسكرية: لم تقتصر منجزات الثورة في إيران على البعد السياسي والاقتصادي، إنما شملت أيضاً البعد العسكري حيث شهدت إيران نقلة نوعية على صعيد تطوير الأسلحة لديها، لا بل تجاوزت هذه الحقبة رغم الحصار وغاصت في صناعة الأسلحة كافة بمجهودها الذاتي كصناعة وتطوير الصواريخ الباليستية والأقمار الاصطناعية وصناعة المدرعات والسفن الحربية والمقاتلات الجوية، بالإضافة إلى صناعة الرادارات والدفاعات الجوية وصولاً إلى امتلاك تقنية التشويش الإلكتروني المتطورة، لتصل الجمهورية الإسلامية بفضل ثورتها الصادقة إلى مرحلة الجهوزية لخوض الحروب الإلكترونية وعلى نطاق واسع، ومثال على ذلك عملية السيطرة وإنزال الطائرة الأمريكية التجسسية "RQ170".

والآن، الجمهورية الإسلامية في إيران، إيماناً منها بمبادئ ثورتها وأهدافها النبيلة، تعد نفسها لمقارعة الدول الكبرى في حرب النجوم وخير دليل على ذلك الوتيرة الزمنية المتسارعة لإطلاق الأقمار الاصطناعية على اختلاف أنواعها ومهامها إلى الفضاء في برنامج يشهد تطورا مضطردا وصولاً إلى إرسال أول رائد فضاء إيراني إلى سطح القمر بحلول عام ٢٠٢٠.

القمر الاصطناعي "فجر"

عشية اليوم الوطني للصناعات الفضائية، أطلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية رابع قمر صناعي إلى الفضاء، والذي حمل اسم " فجر" تيمنا بذكرى انتصار الثورة الإسلامية. القمر الصناعي الذي طور على يد العلماء والمختصين الإيرانيين، وضع في مداره على متن المسبار "سفير فجر" المحلي الصنع، وهو صاروخ من إنتاج الصناعات الدفاعية في وزارة الدفاع الإيرانية.

الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني، الذي أعطى إذن الإطلاق تحت شعار "محمد رسول الله" هنأ العلماء الإيرانيين بهذا الإنجاز، متمنيا المزيد من التقدم والتطور مشيرا إلى أن السنوات المقبلة ستحمل الكثير من التطور والاكتفاء الذاتي في مجال الفضاء.

 القمر الصناعي الذي لم يكشف عن مهامه الأساسية أرسل أولى إشارات التواصل إلى مركز الاستقبال الأرضي بعيد وصوله إلى مداره، حيث أكد المهندس مهدي سروي، مدير المركز الفضائي للتكنولوجيا، أن القمر الصناعي "فجر" وفور استقراره في مداره، أرسل إشارات التقطتها المحطات الأرضية حيث تم تبادل المعلومات بين القمر الصناعي ومراكز الاستقبال بنجاح.

المعنيون بهذا الشأن، لم يكشفوا عن خصائص هذا القمر، إلا أن مصادر مطلعة أوضحت أن مهامه هي للأبحاث والدراسات ومتابعة أحوال الطقس، وتأتي ضمن تعزيز التواجد الإيراني في الفضاء الخارجي في إطار المشروع الأوسع لتطوير غزو الفضاء إيرانيا بإمكانات ذاتية.

طائرة مقاتلة جديدة من صنع إيراني

إنجاز جديد على طريق الاكتفاء الذاتي "صاعقة ٢" وهي مقاتلة حديثة من مقعدين، قادرة على المناورة وملاحقة طائرات معادية. الطائرة صنعت بالكامل داخل إيران، بمواصفات الجيل الرابع من الطائرات الحديثة، كما أنها تستخدم في مجال التدريب الجوي والقتال. لقد تم تزويد هذه المقاتلات بتجهيزات إلكترونية حديثة وأسلحة متطورة، تسمح باستخدامها في مجالات التدريب العالي، كما تم رفع الكفاءة القتالية لطائرة "صاعقة ٢". المهم في الأمر أنها صنعت بأيدي متخصصين إيرانيين لتدعم بأسرابها المقاتلة سلاح الجو الإيراني.

"صاعقة ٢" وصلت إلى مرحلة التصنيع، وقد دخلت الخدمة بعد اجتيازها كافة الاختبارات اللازمة، حيث أثبتت جدارة وثباتاً عملانياً أثناء التحليق، لتسجل هذه المقاتلة اسمها في لائحة الطائرات الوطنية إلى جانب "صاعقة ١" و "ذرخش".

البرنامج النووي السلمي في مواجهة الغرب

منذ انتصار الثورة الإسلامية وإيران تسجل تقدماً في مجالات مختلفة علمية واقتصادية وتجارية وغيرها، إذ لم تنفع كل العقوبات التي فرضت على الجمهورية الإسلامية في تراجعها، لا بل انعكست هذه العقوبات إيجابا لتحقيق الاكتفاء الذاتي، حتى ذهبت إيران بعيدا في إنتاج برنامج نووي سلمي والتمسك به، بالنظر لفوائده العديدة.

موقف الغرب الرافض للبرنامج النووي الإيراني ينطلق من نظرته السلبية إلى النظام الإسلامي الذي تتبعه إيران، وذلك للأسباب الآتية:

١- سياسة إيران في المنطقة ووقوفها إلى جانب القضية الفلسطينية وحركات المقاومة المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل.

٢- هناك تخوف غربي مفتعل من أن تتمكن إيران من إنتاج قنبلة نووية، مما سيؤدي إلى تغيير المعادلة والتوازنات الإستراتيجية في الشرق الأوسط، ولا سيما فيما يتعلق بالكيان الصهيوني.

٣- إن إنتاج إيران برنامجاً نووياً سلمياً يعني أنها ستصبح نموذجا يحتذى، فتغدو بذلك مركزاً للدول المجاورة، وهذا يعد كارثة للغرب.

مهما حاول الغرب الوقوف بوجه إيران لمحاربة برنامجها النووي، فإن كل الدلائل تشير إلى أن الأمور ذاهبة، ولو بعد حين، لرضوخ هذا الغرب وتوقيعه اتفاقية مع الجمهورية الإسلامية المتمسكة بحقوقها.

من ظلمات التبعية والارتهان للخارج إلى زمن الريادة، أخرجت ثورة الإمام الخميني(قده) الجمهورية الإسلامية الإيرانية، محققة إنجازات إستراتيجية لم تقتصر تجلياتها على الحرية والاستقلال الذاتي، إنما تتعدى بنظرتها الثاقبة آفاق التطور الحضاري والعمراني، وصولاً إلى فضاءات الابتكار التكنولوجي باكتفاء ذاتي لأدمغة إيرانية، متخطية قيود الحصار والعقوبات المفروضة والتهديدات الخارجية.

اليوم، وبعد مرور ٣٦ عاماً، لا تزال الثورة الإسلامية في إيران آخذة في الرقي والتقدم والازدهار، متعالية على التوصيفات والتصنيفات، واضعة نصب عينيها أهدافاً لا تنحصر في تطور إيران ووضعها في مصافي الدول المتقدمة فحسب، وإنما تخدم القضايا العامة للأمة برمتها.  

اعلى الصفحة