حذار من فتنة جديدة

السنة الرابعة عشر ـ العدد 159 ـ (جمادى الأولى 1436 هـ) آذار ـ 2015 م)

بقلم:الدكتور الشيخ حسان عبد الله

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تختلط الأوراق السياسية في المنطقة نتيجةَ فشل الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الكيان الصهيوني في إنجاز خطة القضاء على محور المقاومة من خلال إسقاط الدولة السورية بكل مظاهرها.

وقد عودتنا الولايات المتحدة الأمريكية على أن يكون لخططها المتعلقة بمنطقتنا خططاً بديلة (Alternative plan). وهي عندما فشلت خطتها الأولى في القضاء على الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالسيطرة عليها من خلال إيصال من ينتمي إليها إلى سدة الحكم (بني صدر نموذجاً)، وعندما فشلت خطتها في تحريك المنافقين (مجاهدي خلق)، وعندما فشلت في تحريك صدام حسين لخوض حرب مدمرة عليها، ذهبت باتجاه حصار اقتصادي ضخم وتطويق هذه الدولة الإسلامية تارة بالفتنة المذهبية وأخرى بالقضية القومية من خلال إحياء تاريخ لا يمت لمعتقد الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لا تعتمد مقياس الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي في تعاملها مع قضايا المنطقة. بل هي عندما انطلقت جعلت من مناصرة قضية المستضعفين في العالم قضيتها الأساس وجعلت من يوم مولد مخلص البشرية الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يوماً للمستضعفين، هذا التاريخ هو فارسية الدولة تارة لإثارة الشعور القومي العربي والتركي وتارة أخرى الصفوي لإثارة الشعور المذهبي من خلال إحياء ما حصل من صراع بين الدولة الصفوية والخلافة العثمانية.

بعدما فشلت هذه الخطة، وبعد قناعة الولايات المتحدة الأمريكية بفشل الرهان على إسقاط الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد أن وجدت أن هذه المصاعب التي واجهتها بها أدت إلى تعزيز قوة كيان الدولة وتطوّرها بشكل أدى إلى دخولها إلى عالم التكنولوجيا من أوسع أبوابه، وأن تطرق أبواب الفضاء والأقمار الصناعية إلى النانو تكنولوجي ثم إلى الطاقة النووية في القضايا السلمية.

إذاً بعد فشل هذه الخطة توجهت لضرب مراكز القوة لخط المقاومة في العالم الإسلامي، وما يسمى في مصطلحهم مناطق النفوذ الإيراني بدءاً من المقاومة الإسلامية في لبنان والجمهورية العربية السورية والجمهورية العراقية وصولاً إلى اليمن، وكان المشروع يستند إلى مخطط واضح وهو إثارة الفتن المذهبية في هذه المناطق وحرف بوصلة الصراع من كونه صراعاً مع العدو الصهيوني ليكون صراعاً بين أبناء القضية الواحدة، ومع ذلك فشل مشروع الفتنة باتهام سوريا باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم باتهام حزب الله بذلك، وفشل الكيان الصهيوني بالقضاء على المقاومة في لبنان في حرب الـ 2006 وفشلت الحرب على سوريا ولم تستطع الوصول إلى أهدافها القصوى القاضية بإسقاط النظام، وإن نجحت في الوصول إلى هدف مرحلي وهو إضعاف الجيش السوري والدولة السورية.

وكان من نعمة الله على محور المقاومة أن دبت الخلافات بين المنتمين لمحور الشيطان الولايات المتحدة الأمريكية، فتعارضت مصالح الحالم بالخلافة العثمانية مع مصالح الطامح لقيادة العالم الإسلامي لتمركزه في المركز الأهم  للعالم الإسلامي وهو مكة المكرمة، وتعارضت مصالح تركيا أيضاً في وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر مع خوف دول الخليج بأغلبها وخصوصاً السعودية والإمارات والكويت من تمكن الإخوان في مصر ما يتيح لهم دعم الحركات الإخوانية هناك وقلب الأوضاع، فانطبق عليهم قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.

هنا، وفي هذه اللحظة التاريخية، ومع تطور الوضع في العراق بعد قيام الدولة بمواجهة الهجمة الداعشية وعدم الاعتماد على التحالف الدولي الذي كان يهدف لإطالة أمد الصراع إلى عشرة سنوات ـ كما صرحوا في أكثر من مناسبة ـ، وبعد تطور الأوضاع إلى حد قيام الدولة العراقية بمساندة الحشد الشعبي، ومن خلال نصائح إستراتيجية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإعادة السيطرة على كثير من المدن التي احتلها الدواعش، وبعد نجاح سوريا في تحقيق انجازات كبيرة على الأرض، وبعد نجاح المقاومة في لبنان في رسم قواعد جديدة للاشتباك، في الرد على عملية القنيطرة في مزارع شبعا، وبعد توصل الإدارة الأمريكية أن لا حل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية سوى التوصل إلى اتفاق نووي، خرجت إلى العلن محاولة سعودية متجددة لتكوين حلف بينها وبين تركيا ومصر وباكستان والأردن تعطيه عنواناً تدميرياً واضحاً وهو حلف سني في مواجهة انتصارات محور المقاومة التي تعتبرها السعودية نجاحاً لمحور شيعي، وهنا تكمن الخطورة في تسخير طاقات هذه الدول لصالح حرب مذهبية تطول ولا يربح فيها سوى العدو الصهيوني.

والسعودية في هذا الإطار تحاول الاستفادة من الإخوان المسلمين، وقد مهدت لذلك بقول وزير خارجيتها سعود الفيصل أنها ليست على عداوة مع كل الإخوان، وكأنها تقول ابتعدوا عن الخليج ولا مانع لدينا من حلف معكم في مواجهة إيران، وبعد معلومات عن تجدد الحوار بين الولايات المتحدة الأمريكية والإخوان المسلمين.

إنها الفتنة التي قال عنها الله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

هل تنجح هذه الخطة؟ هل تحمل في طياتها بذور خلافات تجهز عليها في مهدها؟ كيف ستحل مشكلة الإخوان مع السيسي؟ وما هو الثمن الذي سيعطى لتركيا؟ وما هي حصة الكيان الصهيوني من هذه الخطوة؟؟..

كل هذه الأسئلة ستتم الإجابة حولها في العدد القادم بإذن الله تعالى. 

اعلى الصفحة