لا يليق أن توحدنا الأخطار ..ولا يوحدنا الإيمان!!

السنة الرابعة عشر ـ العدد 158 ـ (ربيع الثاني 1436 هـ) شباط ـ 2015 م)

بقلم: السيد إبراهيم أمين السيد(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في مثل هذه المناسبات تعودت أن لا أدخل في حديث سياسي له علاقة بالتعليق على أحداث أو مجريات سياسية وإنما تعودت أن أتحدث وأحضّر.

أنا لا أخفيكم هناك مناسبات محددة على مدار السنة تأخذ مني تحضيراً كبيراً جداً، وهذا الحفل هو من هذه المناسبات التي أتعاطى فيها بكل احترام وبكل تقدير للحضور أيضاً وأتعاطى فيها باحترام وتقدير عالي ومسؤولية عالية تجاه صاحب الاحتفال الذي هو مولد رسول الرحمة الإلهية محمد ابن عبد الله(ص). أنطلق في الحديث من آيات قرآنية ثلاث آيات:

الآية الأولى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾(الأنبياء: 107).

والآية الثانية: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾(التوبة:128).

والآية الثالثة: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾(الفتح: من الآية 29).

وما يعنيني في هذه الآية "والذين معه" في موضوع وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين هو مدخل الحديث بالنسبة لي بغض النظر عن كل الآيات والروايات التي تحدثت عن غاية إرسال واختيار الرسول محمد(ص) خاتم الرسل بغض النظر عما ورد من أهداف ودوافع أو حتى غايات ممكن الباحث يخلط ما بين الدوافع والأهداف والغاية.

هذه الآية تتحدث عن الغاية، غاية اختياره ليكون الرسول، الغاية هي الرحمة للعالمين والصياغة للآية فيها استثناء ومستثنى منه مما يدل على أن الغاية هنا حصرية بالكامل لأن النفي الأول والإثبات في الثاني يؤكد على حصرية الغاية، أن الغاية النهائية لإرسال الرسول هي تحقيق الرحمة الإلهية، وثانياً هذه الرحمة الإلهية هي للعالمين، وثالثاً أن هذا المشروع أو هذه المهمة أو هذه الغاية منوطة بشكل أساسي ورئيسي به وما أرسلناك منوطة به.

فإذن هناك ثلاث عناصر بالموضوع، أن الحصرية للغاية ومساحة الغاية والمنوط به هذه الغاية هو الرسول(ص) مما يعني أن  هذه الغاية هي الأصل وهي غاية الغايات ومما يعني أن كل الأمور الأخرى تقع تحت مندرجات هذه الغاية وبما فيها الهدى وبما فيها الجنة وبما فيها رضوان الله كله من مندرجات الرحمة الإلهية من رحمه الله رضي عنه ومن رحمه الله أدخله الجنة ومن رحمه الله هداه.

فإذن هي الأصل وكل الأمور الأخرى من المندرجات تحت هذه الرحمة الأمر الآخر في القرآن حسب الآية التي ذكرتها: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾(التوبة:128). والرؤوف هنا والرحيم هناك فرق بين الرؤوف والرحيم.

يقولون في اللغة العربية ـ أنا لا أعطي درساً في اللغة العربية ـ لكن الرأفة هي دفع الأضرار دفع الأذى دفع المفاسد، الرأفة هي الإنقاذ، إنقاذ البشرية من ينقذ البشرية يرأف بالبشرية وأما الرحمة فهي إنقاذ للبشرية من جهة ولجلب للخير للبشرية أيضاً فالرحمة أوسع من الرأفة.

وبناء على هذا فإن الرحمة تتناول كل شؤون الأمة وشؤون الإنسانية على كل الأصعدة السياسية أو المادية أو المعيشية وحتى في موضوع الاستقامة والوصول إلى رضوان الله تعالى كما يقول القرآن الكريم "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" وهذا الفوز هو من مندرجات الرحمة الإلهية.

الأمر الثالث أن معجزة الرسول(ص) اختلفت عن معجزات الرسل والأنبياء السابقين في أنها المعجزة في أصل دينه، معجزته دينه، ومعجزته قرآنه. وهذا يعني باعتبار أن الرسول خاتم الرسل فيليق بمعجزته أن تكون خاتمة أيضاً.

المعجزة التي هي القرآن تنسجم مع أن يكون الرسول هو خاتم الرسل، وإذا احتجنا في المستقبل إلى معجزة يعني إلى أن تقوم الساعة لا يمكن أن يأتي زمن نحتاج فيه أو تحتاج فيه الرسالة والدين الإسلامي إلى معجزة أخرى هذه هي المعجزة النهائية، فهذا يعني أن معجزته في دينه وأن الدين معجزته منه. الأمر الآخر العالمين يعني البشرية.

في كلام آخر أيضاً حتى عن موضوع الرحمة تتجاوز البشر أيضاً الرحمة مع الرسول(ص) تتجاوز البشر والإنسان وتصل إلى مخلوقات الكون كل مخلوقات الكون لكن الحديث عن العالمين له مدخلية أخرى. المدخلية أن الحديث عن البشرية في أن دورهم لا يقتصر فقط على تلقي تعاليم أو إجراءات أو أفعال الرحمة للرسول(ص) هي ليست البشرية فقط وظيفتها تنتظر وتتلقى ما يلقي عليها الرسول من الرحمة، وإنما الحديث عن العالمين هنا هو من باب أن الله سبحانه وتعالى حينما حصر الغاية بالرحمة وأناطها بالرسول(ص) هناك عنصر ثالث في الموضوع هو البشرية في أنها الله سبحانه وتعالى رفع مكانتها ورفع دورها ومسؤوليتها بحيث تصبح لائقة في إنجاح مشروع الرحمة للعالمين وتشارك رسول الله(ص) في إنجاح مشروع الرحمة تشاركه وهذا ما ذكرته الآية المباركة "والذين معه".. الذين معه.. فإذن هناك خصوصية للذين معه في أنهم يسهمون ويشاركون الرسول(ص) من خلال الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله من خلال الولاية لله وللرسول من خلال الطاعة والحب والمودة والعشق للرسول(ص) يسهمون في إنجاح مشروع الرحمة للعالمين هذا معنى العالمين رحمة للعالمين.

فلقد وضعنا الله سبحانه وتعالى في مرتبة عالية ومقام رفيع وحملنا مسؤولية عظيمة وكبيرة في هذا الدور وأن التدين بمعناه الحقيقي لا يقف عند حدود الشعائر العامة وإنما ترتقي ويرتقي هذا الدين ليصل إلى مرتبة الإسهام يعني المتدين هو الذي يسهم في تحقيق نجاح مشروع الرحمة للعالمين ولا مكان في هذا البنيان لتدين خارج مشروع الرحمة لا مكان وكما ورد عن لسان السيد المسيح(ع) "أن هناك أناساً ممكن أن يصلوا زاهدين وقلوبهم مملوءة بالحقد والبغض والكراهية"، المظاهر ليس لها علاقة، ما له علاقة هو حقيقة الدور والمسؤولية في إنجاح مشروع الرحمة للعالمين.. بمعنى آخر ليست الوظيفة فقط الطاعة لقائد وإنما الوظيفة أن يمارس الفرد أو الجماعة فعل الرحمة للآخرين وفعل الرحمة للناس ولو في سياق مشروع الرحمة الإلهية للعالمين.

الأمر الآخر، لا يمكن الفصل في هذا المشروع بين الرحمة والوحدة، بمعنى أن الذين هم جزء من مشروع الرحمة الإلهية محكومون بالوحدة حتماً وإلا ستسقط جدارتهم في المعية مع رسول الله، هذا مفهوم الآية "والذين معه أشداء". الذين معه هنا الجمع "أشداء على الكفار رحماء بينهم"، من يسقط هذا الأمر يعني تسقط جدارته في المعية لرسول الله (ص).

والوحدة بهذا المعنى شرط فكري وعبادي وإيماني إلى حد يصبح هذا الشرط مقوم وجوده وعدمه يؤثر على أصل سلامة العقيدة وعلى أصل سلامة الدين وأستدل على ذلك بالآية المعروفة ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(الأنبياء:92).. لم يبدأ أنا ربكم فاعبدون وإنما بدأ ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾. فالذي لا يحقق الوحدة لا يعبد الله حسب هذه الآية ويخرج من دائرة العبادة فهو شرط عبادي وإيماني إضافة إلى أن الوحدة شرط موضوعي للقوة والحماية والدفاع عن مشروع الرحمة في مقابل الظالمين المستكبرين أعداء الدين والإنسانية.

أقول.. واسمحوا لي بأن أقول.. لا يليق بنا أن توحدنا الأخطار والتحديات ولا توحدنا الفكرة والإيمان، خصوصاً وأن القوة هي في سياق نجاح المشروع وليس في سياق مشروع الفرد في سياق نجاح المشروع ومن شروط نجاح المشروع أن نكون أقوياء إضافة إلى نكون موحدين إلى أن نكون أقوياء وأنا لا أرفض التوحد على أي شيء على العدو وعلى الخطر ضد الكيان الصهيوني ضد المستكبرين، أنا لا أرفضه لكن لا أقبله في سياق إيماني عبادي ثابت ودائم بين المؤمنين ولا أقبل أن ننتظر حتى نتفق بالكمال على الفكرة لنتوحد على مواجهة أعدائنا فلنواجه أعداءنا ونستمر في الوصول إلى التوحد على الفكرة وعلى الإيمان وهو أيضاً شرط سياسي للنصر وفي نفس الوقت للهزيمة: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾(الصف:4).. و"في سبيله" يعني دينه.. يعني مشروعه.. يعني غاياته.. يعني أهدافه.. صفاً فهي شرط سياسي للفوز والنصر وتركه هو شرط للهزيمة أيضاً.

وفي معنى آخر هو شرط يتعلق بالكيان وأقصد يتعلق بالكيان يوجد آيات قرآنية عجيبة غريبة في هذا السياق: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(الأنفال: من الآية46)، يعني يسقط الكيان ويسقط الإطار وتسقط الهيبة وتسقط المكانة. والوحدة هي التي تحفظ، فهي شرط سياسي اجتماعي، وهي شرط أيضاً أخلاقي للأمة. لأن البشرية من معاني تقدمها الحضاري ـ يعني مختبر تقدم البشرية الحضاري هو مدى قدرتها على الانتقال من الفردية إلى الجماعية ـ وإذا استطاعت أن تصل إلى الجماعية فهي تعبير أخلاقي إنساني أيضاً.

بناءً على ما تقدم، لقد وضع الله سبحانه وتعالى أربعة عناصر للتوحد في مشروع الرحمة الإلهية: الأول كتاب الله.. والثاني الرسول الأكرم(ص) إذا أردت أن أُبقي "وعترتي أهل بيتي" لوحدها يصبحوا أربعة وإذا وضعتها مع الرسول يصبحوا ثلاثة أضعها مع الرسول يصبحوا ثلاثة يعني "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي" هذا معناه هي.

عنصر التوحُّد الثالث هو الكعبة المشرفة وهذه العناصر الثلاثة دعوني أسميها ثلاثة: الأول كتاب يعني كلمة يعني نص والثالث مكان وجهة وأما الوسط هو الإنسان وهذه العناصر هي مع بعض لا يمكن أن نترك واحد ونبقي الآخرين هذه العناصر طبيعتها وشروطها لتكون موحدة أولاً العصمة بمعنى لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه.

بالهندسة عندما يقولون من بين يديه ومن خلفه فإذن في جهتين أمام ووراء إذا وضعنا خط بين الاثنين الآن نأتي على الشرط الثاني ليس هناك زاوية في الواقف على هذا الخط ليس له علاقة في الأمام أو الوراء لا يوجد فإذن أو أمام أو وراء لا من بين يديه ولا من خلفه يعني استوعب كل الجهات فلا يأتيه الخطأ من أية جهة. الثاني أن هذه العناصر طاهرة ومقدسة بالاعتبار الإلهي ـ اعتبرها كذلك ـ. والثالث أنها عناصر موحدة دائماً وإلى أن تقوم الساعة "حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة" إذا انقطع هذا الأمر بزمن يسقط عن أن يكون عنصراً موحداً إذا مرت فترة. والرابع عناصر ثابتة لا تتغير ومستمرة يعني بمعنى لا يمكن لأي عنصر من هذه العناصر أن يكون معصوماً في زمن وغير معصوم في زمن آخر، أن يكون صالحاً في زمن وغير صالح في زمن آخر، أن يرتكب معصية في زمن ولا يرتكب معصية في زمن، إذا لم يرتكب معصية في زمن فهو محمود وإذا ارتكب معصية في زمن فهو يسقط عن كونه عنصر موحد للبشرية.. يسقط الشرط الخامس أن تكون هذه العناصر موحدة من كل الجهات مثل الكعبة لا يوجد زاوية في الكعبة فارغة لا يتجه إليها أحد، "خارج الاتجاه" هذا ليس موجوداً سواء كان الشكل الهندسي دائرياً أو كان الشكل الهندسي مكعباً أو أي شيء.. لا يمكن أن تكون هناك أي زاوية فارغة من جهة المتوجه إليه حتى مع الرسول (ص).

الآن يوجد نقاش فكري عقائدي بعلم الكلام لا أعلم لماذا يقولون عن عصمة الرسول أو عصمة الأئمة أنهم معصومون في التبليغ أو معصومون في الحياة العامة!!. أنا العبد الفقير الصغير في فهمه وفكره أعتقد أن الرسول كعنصر موحد هو معصوم من أوله إلى آخره، فمن جهة المتوجه إليه نتّجه إليه بكل جهاته.

الآن يوجد حديث لا أعرف إذا إخواننا قد قرءوه وإذا كان وارداً عندهم أو لا الرواية تقول عن أمير المؤمنين "علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار" فإذن ليس هناك جهة لا تصل إليه بالدائرة، والقرآن كذلك. المقصود بالحق هو الدين، المقصود بالحق هو القرآن، المقصود بالحق هو الرسول، ليس هناك جهة لا تصل إلينا أو لا نصل إليها كبشر.. لا يوجد جهة أو من جهة المتوجِّه.. البشرية من جهة المكان.. إذا اختلفت الأمكنة كلهم يتجهون إلى هذه العناصر، إذا اختلفت الألوان كلهم يتجهون إلى هذه العناصر، إذا اختلفت الأعراق كلهم يتجهون إلى هذه العناصر، إذا اختلفت الألوان واللغات الكل يتجه إلى هذه العناصر هذه عناصر موحدة.

لكني أعرف أن هناك من يناقش من زاويتين، أنا ناقشت نفسي وأجبت نفسي أنه كيف يعني مثلاً الكعبة تعني هي موحِّد دائم، وفي نفس الوقت صار هناك تغيير في اتجاه القبلة من الكعبة إلى بيت المقدس فإذن هذا الكلام غير تام. هنا أريد أن أشير أيضاً إلى أن الكعبة لم تزل لا تزول، والكعبة بقيت حتى حينما صار الاتجاه إلى بيت المقدس لم تُزَلْ الكعبةُ بقيت الكعبة لكن الذي تغير ولو بمرحلة محدودة هو الاتجاه للكعبة وليس الكعبة تغيرت، خصوصاً وأن الذي حصل في موضوع الكعبة هو تغيير الاتجاه وليس تغيير مهمة الكعبة، بدليل أن الطواف حول الكعبة بقي مستمراً حتى حينما اتجه المؤمنون إلى بيت المقدس.

واسمحوا لي هنا أريد أن أذكر حديثين وسوف أعود لهما، الإشكال الثاني يعني كيف هذا عنصر دائم ومستمر والرسول(ص) قد رحل إلى الله؟.. توفي فأين العنصر الدائم؟ الرسول لم يعد موجوداً ما الجواب على هذا الأمر؟. نعم هذا الإشكال الثاني واسمحوا لي أن أطرح هنا هذه الفكرة أن وظيفة الرسول(ص) لا تنحصر بالإبلاغ وبتلقي الوحي وإنما وظيفته أيضاً أو من وظائفه الكبرى والأساسية هي هداية الناس تبليغ الناس وكونه بشراً فملحوظ في هذه البشرية أن يأخذ الرسول(ص) بيد الناس: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾(التوبة: 128). أن يأخذكم، أن يأخذ البشرية بيده إلى الهدى يأخذها إلى الرحمة، يأخذها إلى الله لكن بيده، يقف أمامها يدير هذا المشروع، يقود هذا المشروع، يهتم بهذا المشروع، يخفف آلام الأمة ويوحد وينظم هذا من وظائفه.

أيضاً حينما رحل انتهى الوحي لكن لم تنتهِ الوظيفة، وهنا بحث لن أدخل فيه، بحث له علاقة، لكن الأصل فيه أن الذي يكمل دور الموحد بعد الرسول(ص) هو أقرب من له صلةٌ بهذا الرسول وبهذا المشروع أقرب. الأمة هنا هل أصابت؟! هل أخطأت؟! فلتراجع هي. أنا لن أدخل في النقاش لكن هناك بقية لهذه العناصر لا تزال تحتفظ بها الأمة هذه البقية متمثلة بالحرص على الإسلام، الحرص والإيمان والاعتقاد بالرسول(ص). وثانياً مودة أهل بيت النبوة، لا تزال تحتفظ فيهم.

وأنا أقول هنا سواء اختلفنا أو لم نختلف في هذا الموضوع، إن ما وصلنا إليه اليوم وما نحن فيه اليوم يستدعي التأمل.. هناك إشكاليات حصلت عند المسلمين في موضوع تفسير القرآن أو النظر إلى القرآن ما أشبه ذلك، هذا محدود ويبقى معقولاً، قليلاً اختلفنا في موضوع الفقه ومصادر الفقه والاجتهاد وما أشبه ذلك أيضاً يبقى محمولاً، لكن الذي يقود مشروع الأمة نحو تحقيق الغاية الكبرى هي الرحمة الإلهية للعالمين هذه النقطة فيها نقاش كثير.

وأنا الآن بهذا الوقت لا أظن أنه عندنا الكثير ممن نضعهم في مقدمة وفي قيادة مشروع تحقيق الرحمة الإلهية للعالمين ويكون موصولاً برسول الرحمة الإلهية هذا فيه إشكال. هذا الموضوع والأمة معنية ومسؤولة أن تنتج في هذا الزمن الصيغة الملائمة واللائقة بهذا المشروع.

ما هي صيغة الإدارة، لا أتكلم عن السلطة، ما هي صيغة الإدارة، ما هي صيغة القيادة لهذا المشروع خصوصاً في هذا الزمن عندما أقول صيغة الإدارة والقيادة يعني التي تبني للأمة قوتها حتى في مقابل الأعداء آخر شيء خلصت الفكرة فقط أهمية موضوع الرسول(ص) والكعبة هناك حديثين سوف أقولهم يعني أهمية العنصر الثالث يعني الرسول البشر الحديث لا أعرف إذا وارد عند الأخوة "لا تخلو الأرض من حجة ولو خلت الأرض من حجة لساخت".

هذا يعني ضرورة استمرار الحجة الذي هو له وظيفة إبلاغ هذا الدين والدفاع عن هذا الدين وبيان هذا الدين، وله وظيفة توحيد الأمة في مشروع واحد وفي مقابل الأعداء، اسمه هذا في المصطلح "الحجة".. ويعني حجة الله.. فعندما نقول حجة الله فهذا يعني الذي عنده الملكات التي تؤهله لأن يكون موحداً للأمة. الشيء العجيب هو الحديث الثاني حينما يتحدث عن الكعبة حديث يقول سوف أقوله بالمضمون "لو خلت الكعبة من الطواف لا تُنظروا".. أليس هناك ربي؟.. أنظرني يعني لا تُمهلوا، يعني يسقط عليكم العذاب حينما تفرغ الكعبة من الطواف ما هذا الدور للكعبة؟!..

هنا أقول لكم يا إخوتي يا أعزائي إذا كان عندنا هذه العناصر القرآن والرسول وأهل بيته والكعبة ما هي الكعبة؟ أنظروا منظر المؤمنين وقت الصلاة.. الله سبحانه وتعالى وضع لنا هذه العناصر للتوحد هل نحن في المقابل على مستوى هذه العناصر أو لسنا على مستوى هذه العناصر؟.. أو أن هذا الخطاب لأمة أخرى؟!.

أنا أقول ليس من باب التوجيه ولا الموعظة وإنما من باب التذكير إن الله سبحانه وتعالى أرادنا أن نكون في مرتبة لائقة مع عناصر التوحد فلنكن كذلك.

في السياسة

هناك نقطتان في الأخير لهما علاقة بالسياسة قليلاً وأنتهي..

أولاً: أنا لست متشائماً حتى في موضوع الوحدة.. لست متشائماً أبداً.. وأنا أقول على الرغم من كل ما هو مكتوب أو على الرغم من كل ما يُقال حول الصراعات الفكرية أو العقائدية أو ما شابه ذلك بين المسلمين فإن ما بيننا من فهم واحد للقرآن وللرسالة وللفقه يكفي أن نبني لأنفسنا وضعاً سياسياً وأخوياً لائقاً على الرغم من ذلك كلّه.

الأمر الثاني وهو التنوع.. يعني التعدد.. هل هو حضاري؟.. نعم أنا أقول أحاول أن أفهم هذا الموضوع على أن التنوع حضاري شرط أن لا يذهب ويرتقي إلى الصراع وإلى التقاتل.. إذا ارتقى إلى الصراع وإلى التقاتل يحصل كارثة.. نحن معنيون في هذا الزمن بأن لا نغلق الأبواب وإنما أن نفتح عقولنا وقلوبنا ونمد أيدينا من أجل أن نطفئ هذه النار.. نار الفتنة فيما بين المسلمين.

وأقول لكم هنا نقطتان أول واحدة علنية والثانية مع دليلها في الزمان ـ ليس كثيراً يمكن سنة أو سنة ونيف ـ سماحة السيد تحدث عن المسلحين في سوريا وقال لهم يا جماعة انتبهوا هؤلاء يريدون أن يأتوا بكم من كل مكان ليقتلوكم في سوريا فخرج واحد هنا من السياسيين في لبنان ـ لا أريد الحديث عنه ـ قال إنه يوجد علاقة بين القاعدة وحزب الله لأن السيد قال هذا الكلام. الشيء الجميل أن بعض المسلحين من هؤلاء صاروا يتواصلون معنا ويقولون إنه اكتشفنا ولو بعد مدة أن المطلوب أن يقتلونا ويقتلوكم!.. لا يهم ولو وصلوا متأخرين.. لا مشكلة.. المهم أن نعي جميعاً أن هذا التقاتل وهذا الصراع هو لمصلحة أعدائنا وهذا لا يبني مشروعاً إسلامياً ولا يبني أمة إسلامية وهذا لا يعطي أملاً لهذه الأمة. فقط التوحد والتفاهم والحوار هو الذي يبعث الأمل من جديد لهذه الأمة.

الحوار مع المستقبل

في هذا السياق حول ما طُرح في الآونة الأخيرة من حوار بيننا وبين الأخوة في تيار المستقبل.. نحن على المستوى لا داعي لأن يستغرب أحد لأنه على المستوى الديني والمستوى العقائدي وعلى المستوى الأخلاقي وحتى مصالح المسلمين ومصالح الأمة لا نستطيع أن نتعاطى مع أي مبادرة حوار إلا بكل قبول وجدية بغض النظر هذا الحوار كم سيستمر وبغض النظر عن الأمور التي يمكن أن نتفق عليها في المستقبل.

في هذا الموضوع لا يصح أن نحسم من الآن أننا سنفشل في نهاية المطاف وإنما نحن نأمل أن ننجح في نهاية المطاف ولا نفشل حتى ولو كانت الأمور فيها بعض الصعوبة وما أشبه ذلك لأن الأمور إذا لم تكن صعبة لماذا الحوار إذن؟ لماذا يقيمون حواراً؟.. طبعاً لأنه يوجد أمور صعبة وليس لأن هناك أموراً سهلة.. ونحن ذاهبون لنتحاور.

حول وضع المنطقة

وأما وضع المنطقة بكلمتين وأما وضع المنطقة أنا لست مثل هؤلاء الذين يتوقعون الآن في لبنان على رأس السنة.. لكن عندي بعض المؤشرات من خلال الأحداث التي تجري اليوم والعلاقات والمعلومات والمعطيات الموجودة.. كلها تؤشر إلى أننا ليس فقط سندخل بل إننا دخلنا ودخلت المنطقة بالكامل في مرحلة البحث عن الحلول والتسويات.. وإن شاء الله هذا الأمر يكون مدخلاً لحل كثير من الأزمات الموجودة والتقاتل الموجود والصراعات الموجودة ويكون هناك أمل كبير لهذه الأمة التي فقدت الأمل وتعيش اليأس والإحباط من هنا وهناك من كل ما يجري حولنا أن أقول إن شاء الله تعالى وبإذن الله تعالى انتظروا الأمل إنشاء الله في وقت قريب والفرج قريب إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله.

كلمة في احتفال ذكرى المولد النبوي الشريف(*)

 

اعلى الصفحة