|
|||||||
|
يجمع المحللون السياسيون التونسيون أن ما حدث يوم الأحد 26 أكتوبر 2014، يعتبر زلزالاً سياسياً كبيراً ضرب بقوة الخارطة السياسية للأحزاب التونسية بعد هذه الانتخابات التشريعية التي اتسمت بـ"الشفافية" و "الصدقية"، بوصفها أول انتخابات حرة وديمقراطية في تاريخ تونس. فقد عزّز الشعب التونسي التزامه الديمقراطي بفضل انتخابات ذات صدقية وشفافة، مكنت التونسيين من مختلف الحساسيات السياسية، من التصويت بحريّة لمجلس تشريعي وفقا لأول دستور ديمقراطي في البلاد. العزوف الانتخابي بداية كانت نسبة مشاركة التونسيين في هذه الانتخابات العامة في حدود ٪60، من أصل حوالي 5 ملايين و285 ألفاً و136 تونسياً مسجلين في الدوائر الانتخابية، وهي نتيجة تُعدُّ ضعيفة نسبياً. فالذين انتخبوا في تونس هم حوالي 3 ملايين ناخب، كما أن هنالك حوالي مليون مسجل لم يتحولوا يوم الأحد الماضي إلى مكاتب الاقتراع. وفي مقارنة مع انتخابات 2011 كان عدد الذين يحق لهم التصويت 7 ملايين و 400 ألفا تونسياً، لكن الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع وصوتوا هم حوالي 4 ملايين ناخب، وهذا يعكس لنا مدى العزوف الكبير لدى التونسيين للقيام بواجبهم الانتخابي، لاسيما بين الشباب. كما بينّ هذا العزوف الانتخابي أن التونسيين الذين رفضوا هذه الانتخابات و لم يصوتوا هم الحزب الأول في تونس، أي حزب العزوف الانتخابي، وأن نسبة 80% من المجتمع التونسي ليسوا مع "حزب نداء تونس". هذا هو الدرس الأساسي والأهم قبل معرفة طبيعة الموازنات السياسية الجديدة التي أفرزتها هذه الانتخابات. فهذا العزوف الانتخابي يعتبر نتيجة قاسية للطبقة السياسية التونسية الحاكمة، ولجميع الأحزاب السياسية التونسية على اختلاف مشاربها الفكرية والسياسية، ويعكس مدى عدم الثقة القائمة بين أكثرية المجتمع التونسي والسياسيين، وكذلك أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة. عوامل قادت إلى فوز"حزب نداء تونس" وأظهرت نتائج الانتخابات التي جرت يوم 26 أكتوبر الماضي عن فوز "حزب نداء تونس" العلماني بنحو 85 مقعداً من أصل 217 مقعداً، و هو الحزب الذي احتل المشهد السياسي التونسي منذ أكثر من سنتين، لاسيما بعد اعتصام باردو في صيف 2013، الذي أعطاه صفة "الشرعية الثورية"، حين نزل حزب "نداء تونس" بثقله في احتجاجات وتظاهرات طالبت بالإطاحة بحكومة "الترويكا" التي كانت تقودها حركة النهضة، وذلك إثر اغتيال قيادي الشهيد محمد البراهمي في حادثة إرهابية هي الثانية خلال أقل من عام، ومقتل عناصر من الأمن والجيش في هجمات نسبتها السلطات التونسية إلى تنظيم "أنصار الشريعة"الإرهابي، وبعد أن ركز أيضاً في حملته السياسية الانتخابية على موضوع الإرهاب، بوصفه من إنتاج الحصيلة السلبية لفترة حكم "حركة النهضة" التي اتهمها بالتراخي في التعامل مع جماعات سلفية جهادية اتهمتها السلطات باغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية وقتل عشرات من عناصر الجيش والشرطة في 2013. الباجي قائد السبسي (87 عاماً)، هو مؤسس حزب "نداء تونس" (يمين الوسط) الفائز بالانتخابات التشريعية التونسية محامياً وسياسياً تونسياً مخضرماً، ويُوصّف في تونس بأنه الخصم رقم واحد للإسلاميين. ويعتبر قائد السبسي المولود سنة 1926، من رموز نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس بين 1956 و1987، وقد تولى في عهده منذ خمسينات القرن الماضي العديد من المناصب بينها بالخصوص وزارات الداخلية والدفاع والخارجية. كما تولى في بداية عهد الرئيس زين العابدين بن علي منصب رئيس مجلس النواب، وكان عضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم في عهده "التجمع الدستوري الديمقراطي" حتى 2003. لقد صوت الشعب التونسي بقوة لمصلحة "حزب نداء تونس" لاعتقاده أنه الحزب الأوفر حظاً في إلحاق الهزيمة بحركة النهضة، ولهذا السبب استفاد "حزب نداء تونس" من "الانتخاب المفيد" حتى لا يتم تشتيت الأصوات، ومن اصطفاف كل الطبقة المتوسطة التونسية وراءه، حيث أرادت هذه الطبقة أن تصوت لمصلحة الحزب الذي يمتلك من القوة لكي يحافظ على نموذج المجتمع التونسي الوسطي والمعتدل والمنفتح على الحداثة الغربية، والعلماني، كما كان في عهد النظام السابق. فصوتت هذه الطبقة المتوسطة التي تمثل الأكثرية في المجتمع التونسي بقوة له، لأنها أرادت أن تتحرر من حكم الترويكا، وتزيح حركة النهضة من الحكم، وتقطع عليها طريق العودة نهائياً إلى السلطة عبر هذه الانتخابات. وهذا ما يفسر لنا أيضاً أن بعض الشرائح من هذه الطبقة التي كانت تصوت تقليدياً لمصلحة أحزاب وسط اليسار، مثل الحزب الجمهوري، وحزب المسار الديمقراطي، غيرت هذه المرة بوصلتها وأعطت أصواتها بالكامل لمصلحة "حزب نداء تونس"، وعاقبت في الوقت عينه كل الأحزاب التي كانت حليفة لـ"حزب نداء تونس"، والتي كانت مجتمعة داخل "الاتحاد من أجل تونس"، فهي لم تعد تقبل بأنصاف المواقف، حيث اندثرت هذه الأحزاب الديمقراطية الوسطية الحليفة للنداء من المشهد السياسي التونسي عبر هزيمتها الساحقة في هذه الانتخابات. فالحزب الجمهوري الذي يتزعمه السيد نجيب الشابي لم يفز سوى بمقعد يتيم، بعد أن كان له 16 مقعداً، وحزب المسار الديمقراطي لم يفز بأي مقعد، بعد أن كان له 10 نواب في المجلس التاسيسي السابق، وكذلك الأمر لحزب العمل الوطني الديمقراطي الذي يترأسه السيد عبد الرزاق الهمامي، والحزب الاشتراكي الذي يتزعمه السيد محمد الكيلاني. كما أن الدور الذي لعبته الجبهة الشعبية، سهلت قطاعات واسعة من البرجوازية الصغيرة للالتحاق بحزب نداء تونس، وتصوت له. واستفاد "حزب نداء تونس" من الدور الكبير للإعلام التونسي المنحاز بقوة له، والذي عبد له الطريق لكي يحتل طليعة المشهد السياسي التونسي طيلة العامين الماضيين، ويغرس في ذهنية الشعب التونسي صورة معينة مفادها أن "حزب نداء تونس" هو الحزب الوحيد القادر على هزيمة حركة النهضة، فتضخمت أعداد الوافدين إلى الانضمام للحزب المتشكل حديثاً. لكن هذا الفوز الكبير لحزب نداء تونس، ما كان ليحصل، لو لم يتوافر عاملان أساسيان في هذا الفوز. الأول: دور المال السياسي الفاسد الذي أسهم في شراء ذمم الناخبين، لاسيما في الأرياف، والأحياء الفقيرة من المدن، والثاني: الدور القوي الذي لعبه "حزب التجمع" المنحل بقرار قضائي في مارس 2011، حيث أن الماكينة الحزبية والانتخابية لحزب التجمع انضمت بقوة للعمل لمصلحة"حزب نداء تونس"، ووفرت له الأرضية التنظيمية، والخبرات الضرورية، والدعم اللوجيستي لتحقيق هذا الفوز الانتخابي، إضافة إلى أن الأحزاب الدستورية المنبثقة من حزب التجمع، أعطت الضوء الأخضر لأنصارها للتصويت ل"حزب نداء تونس"، ودعمه انتخابيا تجنبا لتشتيت الأصوات، فاكتسح هذا الأخير الشمال والساحل بدعم قوي من أنصار ومنخرطي الأحزاب الدستورية ذات المرجعية التجمعية. وهكذا عاد "التجمعيون"، الذين أقصوا من الحياة السياسية بعد الثورة، لكي يعودوا من جديد عبر بوابة "حزب نداء تونس"، والشرعية الانتخابية. ويضم حزب "نداء تونس" نقابيين ويساريين ومنتمين سابقين إلى حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم في عهد بن علي الذي حكم تونس بين 1987 و2011. وتقول المعارضة القومية الديمقراطية، واليسارية، إن "حزب نداء تونس" "تجمع جديد" وإن قائد السبسي الذي تولى رئاسة البرلمان بين 1990 و1991 من "أزلام" نظام بن علي. كما تحذر من عودة "الاستبداد" إلى تونس إن وصل "حزب نداء تونس" إلى الحكم،و المحافظة على نهج الليبرالية الرأسمالية المتوحشة التي كانت سائدة في العهد السابق، مما يؤكد أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تونس منذ بداية الثورة سوف تستمر من دون حل، ما لم تغير تونس من خياراتها الاقتصادية والاجتماعية نحو القطع مع نهج التبعية، والعمل نحو إقامة نموذج من التنمية يلبي مصالح و تطلعات الطبقات والفئات الشعبية. تراجع النهضة واندثار الأحزاب الحليفة لها واحتلت حركة النهضة المرتبة الثانية بحصولها على 69 مقعداً، أي بخسارتها حوالي 20 مقعداً بالقياس إلى نتيجة انتخابات 2011. وكانت أكبر نسبة حققتها حركة النهضة هي في الجنوب معقلها التاريخي. وعلى الرغم أن حركة النهضة خسرت عدداً كبيراً من المقاعد، فإنها حافظت على نصيبها الانتخابي، وعلى تموقعها ومكانتها ضمن الأحزاب الكبرى في البلاد، باحتلالها المرتبة الثانية. وعلى الرغم من أن حركة النهضة فقدت أكثر من ثلث قاعدتها الانتخابية، بسبب أدائها السيئ في الحكم، وإخفاقها في تقديم الحلول الواقعية للمشاكل الاقتصادية، واغتيال زعيمين من المعارضة اليسارية والقومية، وتغلغل الإرهاب في عهدها، فإنها لا تزال رقماً صعباً في المعادلة السياسية التونسية، إذ بقيت متقدمة بأشواط كبيرة على حزب الاتحاد الوطني الحر (16مقعداً)الذي يليها في المرتبة الثالثة. فقد حافظت حركة النهضة على مرتبة الحزب الثاني في تونس وتتجاوز قوتها الانتخابية الربع وهي تستعد من الآن فصاعداً لأهم استحقاق انتخابي قادم بالنسبة لها وهي الانتخابات البلدية والجهوية والتي ستسمح لها بالانغراس النهائي في الجسم الانتخابي التونسي. وكانت حركة النهضة اعترفت بهزيمتها، واتصل زعيمها الشيخ راشد الغنوشي بزعيم حزب نداء تونس السيد الباجي قائد السبسي، وهنأه اثر فوز حزبه في الانتخابات التشريعية، واصفاً هذه الحركة بالحضارية وأن الحديث بينهما كان بشكل ودي. وذكر قائد السبسي أن ليس له أي مشكل ولا عداوة مع راشد الغنوشي أو مع حزب حركة النهضة. لقد ضرب هذا الزلزال الانتخابي في تونس، كل الأحزاب التي كانت حليفة لحركة النهضة في إطار الترويكا السابقة، التي حكمت تونس منذ بداية 2012و لغاية بداية 2014، فحصل حزب المؤتمر الذي يتزعمه الرئيس المنصف المرزوقي على 4 مقاعد في هذه الانتخابات، بينما حصل على 29 مقعدا في انتخابات 2011، وحصل حزب التكتل الذي يتزعمه رئيس المجلس الوطني التأسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر،على مقعد يتيم بعد أن كان له 21مقعداً في 2011، واندثرت الأحزاب الأخرى التي كانت تؤيد النهضة مثل حزب وفاء، وحزب التنمية والإصلاح وتيار المحبة، وهي كلها أحزب عاقبها الشعب التونسي بسبب انتهاجها سياسة الإقصاء والثأر، والإدعاء بأنها أحزاب تدافع عن الثورة، وهي لم تشارك فيها، إضافة إلى تقسيمها التونسيين بين جماعة ما قبل الثورة، وجماعة ما بعدها. واحتل حزب الاتحاد الوطني الحر المتشكل حديثاً سنة 2011، الذي يتزعمه الملياردير التونسي سليم الرياحي رئيس فريق النادي الإفريقي لكرة القدم، المرتبة الثالثة بحصوله على 17 مقعدا، وهو حزب من دون هوية سياسية أو فكرية، لكنه حزب شعبوي يؤمن بالليبرالية الاقتصادية، وهو ما سيشكل بيضة القبان في المشهد السياسي التونسي، عند تشكيل الحكومة المقبلة، لأنه سيتحكم بمفاتيح التحالف القادم، وسيرفع من سقف مطالبه، وهو من شأنه أن يدفع "حزب نداء تونس" في نهاية المطاف إلى التحالف مع النهضة في إطار حكومة تعايش، وهو سيناريو مستبعد، لكنه غير مستحيل. و لا يزال المحللون في تونس محتارين في الصعود القوي للحزب هذا، وهل نحن أمام ظاهرة عرضية كما كان الحال "لتيار العريضة الشعبية "الذي يقوده الإعلامي الهاشمي الحامدي من لندن عام 2011، أم هي ظاهرة سياسية غير تقليدية لها حاضر و مستقبل في تونس. وتأتي الجبهة الشعبية بزعامة السيد حمه الهمامي في المرتبة الرابعة بحصولها على 15 مقعداً، وهو أمر منتظر ولم يفاجئ أحداً من متابعي الشأن السياسي التونسي،إذ أن وزنها الانتخابي هذا لا يزال دون طموحات قادتها.. فالجبهة الشعبية التي تشكلت منذ العام 2012على أساس أن تصبح القوة الثالثة القادرة على التوازن، أو أن تكون منافساً جديّاً للقطبين الكبيرين قادر على تكسير هذا الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة و حزب نداء تونس، لم تقدم البديل الثوري للنظام الديكتاتوري السابق، وأخفقت في تحقيق التوافق بين الجماهير والقوى الوطنية والديمقراطية من أجل بناء نظام ديمقراطي بديل، بالتالي أخفقت في بناء كتلة تاريخية تدافع عن الثورة، وتعمل إلى التوصل لأهداف وطنية جامعة على قاعدة الديمقراطية. واحتل حزب آفاق تونس الليبرالي جداً المرتبة الخامسة بحصوله على 8 مقاعد، حيث تقوده قيادة شابة و متعلمة، ومثقفة، وتتقن التعامل مع وسائل الاتصال الجماهيري المتطورة. السيناريوهات المحتملة لتشكيل الحكومة المقبلة إذا قدمنا قراءة علمية وموضوعية للخارطة الحزبية التونسية ما بعد الزلزال الانتخابي، فإننا نجد أنفسنا اليوم في تونس أمام حزبين كبيرين، هما "حزب نداء تونس" الذي يقوده الباجي القائد السبسي، و"حركة النهضة الإسلامية" بزعامة الشيخ راشد الغنوشي، وثلاثة أو أربعة مشاريع أحزاب سياسية، بصرف النظر عن القيمة المعنوية أو التاريخ النضالي لكل منها، أما بقية الأحزاب فهي لا تزال تائهة في الصحراء التونسية القاحلة، وتحتاج إلى مراجعات جذرية لاستراتيجياتها الخاطئة. من سيحكم تونس بعد هذه الانتخابات؟ من المنطقي أن الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد، وهو في هذه الحالة "حزب نداء تونس" هو المعني مباشرة بتشكيل ائتلاف ليحصل على الأغلبية (109مقاعد من 217). لكن الحزب له 85 مقعداً فقط، فهو مطالب بالتحالف مع أحزاب أخرى للحصول على 24 مقعداً أو أكثر لكي يحصل على الأغلبية النسبية في البرلمان المقبل. وعلى الرغم من أن "حزب نداء تونس" هو الفائز، فإنه في ورطة انتخابية، لأنه لا يمكن أن يحكم بمفرده. لا شك أن هذا السؤال يهيمن اليوم على قيادات "حزب نداء تونس "وأن لديهم الآن سيناريوهات متعددة تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الموضوعية التي أفرزها الصندوق... ولا يمتلك "حزب نداء تونس" العديد من الخيارات أمامه، فقد قدم القيادي في الحزب خميس قسيلة في حديث للصحافة عن خيارات حزبه لتشكيل الحكومة الجديدة، وقال في هذا السياق: "من الممكن أن تكون للحكومة أغلبية نسبية إذا ما كانت مدعومة حزبياً على أساس برنامج إصلاحات كبرى وفيها توافق وطني وهو ما قد يمكننا من ممارسة الحكم". في هذا السياق، تحدّث القيادي اليساري في حركة "نداء تونس" بوجمعة الرميلي عن رؤية التحالفات المقبلة، قائلاً إن "الاتحاد من أجل تونس هو مَن سيكون جنباً إلى جنب مع حركتنا"، على الرغم من أنه لم يحقق أية نتائج كبيرة في الانتخابات التشريعية، مضيفاً أن حركته كذلك لن تتحالف مع حركة "النهضة"لاختلاف مشروعها وبرنامجها مع برنامج "نداء تونس". وأضاف بلهجة الواثق، أن "نداء تونس لها مبادئ ولن تتخلى عن حلفائها مهما كان الثمن، والاتحاد سيحكم معنا". والجدير بالذكر أن "نداء تونس" و"الاتحاد من أجل تونس" بينهما عقد حكم مشترك في صورة وصول "النهضة" للحكم، على الرغم من أن "النداء" ترشّحت للانتخابات التشريعية بقوائم خاصة وليس مشتركة. وعن سؤاله حول إمكانية تحالف "النهضة" مع "نداء تونس"، قال الرميلي إن "هذا الخيار مستبعَد، خاصة أن نداء تونس لا تخون ناخبيها، الذين عبروا عن خيارهم في الابتعاد عن تجربة الترويكا الحاكمة السابق". وأضاف أن "الحركة لن تتحالف في الحكم إلا مع مَن يقرّبها في برنامج النداء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ومشروع النهضة المجتمعي يختلف مع مشروعنا". وفسّر الرميلي موقفه بأن مشروع حزبه مخالف لمشروع الإسلام السياسي، مشيراً إلى أن حركته لا تريد خلط السياسة بالإسلام، قائلاً "للإسلام مكانه وللسياسة مكانها". يتمثل السيناريو الأول في إقامة تحالف ديمقراطي عريض، يضم "حزب نداء تونس" (85)، و"حزب آفاق تونس"(8)، وفسيفساء من الأحزاب والمستقلين(16)، لكن هذا التحالف الديمقراطي الليبرالي سيكون حتما هشاً وقابلا للانفجار في كل أية لحظة، نظرا لأنه سيسير في نهج الليبرالية الرأسمالية المتوحشة، وبالتالي سيتخذ قرارات اقتصادية لن تكون شعبية على الإطلاق. السيناريو الثاني، أن يتحالف "حزب نداء تونس(85) مع "الجبهة الشعبية"(15)، و"حزب آفاق تونس"(8)، و"حزب المبادرة"(4)، وهو ما سيمكن من تحصيل (112نائباً). وإذا بدا الأمر منطقياً بلغة الحساب، فإن ذلك غير وارد سياسياً على اعتبار سقف المفاوضات التي ستلتحق على قاعدتها الأحزاب المشكلة للحكومة المقبلة، وهو سيعيد إلى الأذهان قضية المحاصصة الحزبية لاقتسام غنيمة السلطة. وفضلاً عن ذلك، فالتوجهات الليبرالية لهذه الأحزاب الفائزة، باستثناء الجبهة الشعبية، تثير المخاوف لدى المواطن التونسي، لأن الليبرالية الاقتصادية التي تنشدها هذه الأحزاب، وإعادة هيكلة الاقتصاد التونسي، ستكونان لهما تداعيات خطيرة ومنتظرة على نحو 70% من المواطنين التونسيين، غير القادرين على توفير حاجياتهم الأساسية في سوق منفتح ومعظم أسعاره محررة. فهذا التحالف لا يمكن أن يرى النور إلا إذا قدم "النداء" و"الجبهة الشعبية" تنازلات متبادلة ومؤلمة للطرفين، لاسيما أنهما يختلفان على مستوى الخيارات الاقتصادية والاجتماعية. فإذا قبلت الجبهة التحالف مع النداء، وقبلت بجوهر الليبرالية الاقتصادية، فإنها ستخسر الكثير من قاعدتها الشعبية. أما السيناريو الثالث، فيكمن في تحالف"حزب نداء تونس" مع "حزب الاتحاد الوطني الحر"، وهذا التحالف مستبعد لاعتبارات سياسية ولطبيعة تموقع حزب سليم الرياحي... الواضح أن تشكيل حكومة "الأغلبية النسبية"(109 نائباً)، سيحمل في طياته عدداً من الإشكاليات القانونية، لاسيما القوانين الأساسية المتعلقة بالإصلاحات الكبرى، والتي تتطلب ضمان موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، وذلك وفقاً لأحكام الدستور وهو ما يتطلب144 نائباً في حين أن النداء و شركائه لا يملكون إلا 109، أو أزيد من ذلك بقليل،وهو أمر قد يعطل إصدار القوانين ما لم تحكمه عمليات التوافق السياسي تحت قبة البرلمان.فحركة النهضة، إذا بقيت في المعارضة تمتلك الثلث المعطل في البرلمان. السيناريو الرابع والأخير، و يتمثل في تقاسم السلطة بين "حزب نداء تونس" وحركة النهضة، وهو التقاسم الذي أسسه اللقاء التاريخي بين الشيخين راشد الغنوشي والباجي القائد السبسي في باريس في 13 أوت 2013، إذ تتفق حركة النهضة وحزب نداء تونس على نمط التنمية السائر في نهج العولمة الليبرالية المتوحشة. وعلى هذه القاعدة يتفقان أيضا في نسج علاقات التبعية لمراكز النفوذ السياسية والاقتصادية الرأسمالية المؤثرة في العالم. ولكن ذلك لا يمنع وجود صراعات بينهما الآن – ولفترة أخرى من الوقت – مدارها احتكار الحكم السياسي والنفوذ الاقتصادي والاجتماعي من جهة ونوعية النموذج القيمي الاجتماعي للحياة العامة الحضارية والثقافية للشعب التونسي.فكما هو معروف يتبنى "حزب نداء تونس" ومجمل القوى الليبرالية المتحالفة معه والتي يمكن أن تحذو حذوه نمطاً عصرياً حداثياً للمجتمع يكرس مفهوماً خاصاً للحريات العامة والفردية على الطريقة الغربية بمضمونها البرجوازي الاستهلاكي والذي يبقى قابلا للتكييف والتطويع ما بين الطابع الديمقراطي الليبرالي والشكل الاستبدادي حسب تقلب موازين القوى.بينما تعمل حركة النهضة وكل القوى المتغلفة بالدين وطائفة من الأحزاب المتحالفة معها والقريبة منها، علاوة على تمسكها بالخيارات الليبرالية المملاة من الدوائر الاستعمارية، على فرض نموذج جديد على المجتمع التونسي يقوم على قيم محافظة ومتخلفة تجاوزها الزمن يريدون إحياءها وتفعيلها في العلاقات الاجتماعية العامة أساساً لاستبداد جديد باسم الدين. غير أن هذا السيناريو مرهون بدعم "حركة النهضة" لترشح الباجي القائد السبسي في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم 23 أكتوبر الجاري، ما سيتطلب من أنصار الحركة الإسلامية التصويت للباجي القائد السبسي كي يفوز في الانتخابات الرئاسية من الدورة الأولى. وبذلك يتم تقاسم السلطة بين الباجي القائد السبسي كرئيس للجمهورية الثانية، وتشارك "حركة النهضة" في الحكم من خلال حصولها على رئاسة البرلمان، وبعض الوزارات الأخرى، فيما تسند رئاسة الحكومة إلى شخصية مستقلة مع عدد من الوزراء للأحزاب الفائزة في الانتخابات. لكن حركة النهضة تدرك أن قرارها سيرتهن مصيرها للسنوات الخمس القادمة، فهي لا تزال مترددة بين إستراتيجيتين، أحلاهما مر، إستراتيجية البحث عن الشراكة في الحكم، وهذا يقتضي منها دعم المرشح الباجي القائد السبسي في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم 23 نوفمبر الجاري، لكي يفوز من الدورة الأولى، وإستراتيجية الصدام مع "حزب نداء تونس"من خلال الانخراط بصفة فاعلة وقوية ضد مرشح نداء تونس ومساندة شخصية بعينها مع ما يستتبع ذلك من حدّة الخصومة السياسية، حيث أن هذه الإستراتيجية الصدامية ستخلق لها صعوبات جمّة بعد هذا الاستحقاق الانتخابي لإيجاد قاعدة تفاهم مع نداء تونس وذلك أيا كانت النتيجة النهائية للسباق الرئاسي... وهذه الصعوبة ستزداد ولا شك في حالة هزيمة المرشح المسنود من قبل الحركة الإسلامية. المحللون التونسيون المطلعون على خبايا حركة النهضة، يعتقدون أن الشق الغالب داخل مجلس الشورى يدافع عن ضرورة مقاومة تغوّل نداء تونس وسعيه للاستفراد الكلي بمراكز القرار الأساسية في قصر قرطاج والقصبة وقبة باردو... وهذا يقتضي ضرورة تعديل نتائج الانتخابات التشريعية بقطع طريق قرطاج أمام قائد السبسي بداية باختيار مرشح جدي والأفضل أن يكون وفاقياً لمنافسة رئيس نداء تونس وثانية بنزول الحركة بكل ثقلها من أجل كسب رهان الرئاسية وبذلك تجبر حركة نداء تونس على التفاوض معها من موقع الضعف النسبي لا القوة التي كانت ستحصل عليها لو أصبح قائد السبسي الرئيس الجديد لتونس. لقد آن الأوان، بعد الزلزال الانتخابي، أن تدرك القوى السياسية التونسية الديمقراطية، أن الديمقراطية في تونس لم تعد تجدي معها توفيقية باتت مستهلكة مستنفذة، وأنها لن تتبلور إلا عبر الصراع والتناقض وليس عبر توافق طوباوي مفترض، أو تسويات سياسية تعيد إنتاج النظام السابق. فقد تميزت الانتخابات التونسية بتأثير المال السياسي الفاسد، ولجوء الأحزاب الكبيرة إلى الرشاوى لشراء ذمم الناخبين، وهو ما قاد إلى هيمنة حزبين يمينيين هما "حزب حركة النهضة" (فرع الإخوان المسلمين في تونس) و"حزب نداء تونس" الذي أسسه في 2012 رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي، والوريث الشرعي للحكم الذي أطاحت به انتفاضة 17 كانون الثاني/ديسمبر 2010/14 كانون الثاني/يناير 2011 وكانت حكومة السبسي قادت تونس خلال المرحلة الانتقالية الأولى التي أعقبت الثورة، وانتهت بتنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي حصلت فيها "النهضة" على 89 مقعداً. وباتت القوى الديمقراطية التونسية في حاجة إلى اجتراح مشروع مجتمعي جديد وخارج عن هذا الاستقطاب الثنائي(النهضة ونداء تونس) يكسر البنى التونسية التاريخية المتكلسة ويمهد لفكر ديمقراطي جديد وإنسان تونسي جديد. سيناريوهات الانتخابات الرئاسية التونسية في الدور الثاني لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية في دورتها الأولى التي جرت يوم الأحد 23 الشهر الجاري، مفاجأة في شيء، إذ كما كان متوقعاً حصل السيد الباجي قائد السبسي مرشح "حزب نداء تونس" على 1289384 صوتاً بنسبة 39.46%، واحتل بذلك المرتبة الأولى، وحصل الرئيس المرشح محمد المنصف المرزوقي على 1092418 صوتا بنسبة 33.43 %، واحتل المرتبة الثانية، وحصل مرشح الجبهة الشعبية حمة الهمامي على 255529 صوتاً بنسبة 7.82%، واحتل المرتبة الثالثة، وحصل مرشح "تيار المحبة" محمد الهاشمي الحامدي على 187923 صوتاً بنسبة 5.75%، واحتل المرتبة الرابعة، وجاء مرشح حزب"الاتحاد الوطني الحر" سليم الرياحي في المرتبة الخامسة، بحصوله على 181407 أصوات بنسبة 5.55%. وانطلاقاً من نتائج الدورة الأولى، ستنحصر الدورة الثانية لانتخاب رئيس للجمهورية الثانية التي ستجرى في بحر ثلاثة أسابيع، بين المرشحين اللذين فازا بأعلى الأصوات في الدورة الأولى، وهما السبسي والمرزوقي. لقد كرست نتائج هذه الانتخابات الاستقطاب الثنائي الذي أصبح حقيقة موضوعية في المشهد السياسي التونسي منذ الانتخابات التشريعية بين حزبي "نداء تونس" و"حركة النهضة"... وعلى الرغم من غياب المرشح الرسمي للحزب الإسلامي عن الانتخابات الرئاسية، فقد تواصل هذا الاستقطاب وبنسب متقاربة أيضاً وعوض المرشح المرزوقي حزب النهضة هنا. كما كرست هذه الانتخابات الرئاسية الانقسامات الجهوية في تونس، إذ صوت الناخبون ذوو التوجه العلماني، وكذلك منطقة الساحل "محافظات المنستير والمهدية وسوسة" ومحافظات الشمال الغربي"باجة جندوبة والكاف وبنزرت" وعدة مناطق من العاصمة تونس، ولاسيما الأحياء الراقية، لمصلحة السبسي بينما صوت الجنوب التونسي- معقل حركة النهضة- للمرزوقي. ومن الواضح لجميع التونسيين، أن وصول المرزوقي للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، لم يكن بفضل أصوات حزبه "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي لم يحصد سوى 4 مقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بل حصل كل هذا الكم من الأصوات بفضل أصوات القاعدة الانتخابية لحزب "حركة النهضة"، حتى وإن لم يعلن الحزب الإسلامي ذلك رسمياً. وهذا ما جعل السبسي يقول في تصريح الاثنين الماضي لإذاعة "إر إم سي" الفرنسية "من صوتوا للمرزوقي هم الإسلاميون الذين رتبوا ليكونوا معه، أي حزب حركة النهضة والسلفيون الجهاديون ورابطات حماية الثورة". وأصرّ السبسي على أن "كل الإسلاميين اصطفوا وراء المرزوقي" في انتخابات الأحد الماضي. وأضاف أن تونس ستنقسم خلال الدورة الثانية إلى "شقين اثنين هما: الإسلاميون من ناحية وكل الديمقراطيين وغير الإسلاميين من ناحية أخرى".أما الذين صوتوا للسبسي فهم المتمسكون بأنموذج المجتمع التونسي المعتنق للحداثة الغربية والمنفتح والليبرالي، حيث نجح مرشح "حزب نداء تونس" في استثمار أجواء الخوف من الإرهاب الذي استوطن في تونس في زمن حكم الترويكا، ورغبة الشعب التونسي، والحنين إلى الأمن والاستقرار الضروريّين لكي تنهض تونس اقتصادياً بعد أفول الأنموذج الاقتصادي التونسي القائم على الرأسمالية المحسوبية باعتباره نظاماً أنتج البطالة وارتفاع الأسعار والعجز في خلق وظائف جديدة، ومن تعبيره عن خيبة أغلب التونسيين من حكم "الترويكا" الذي حوّل تونس خلال الثلاث سنوات من الانتقال الديمقراطي إلى العيش في ظل الفوضى والإرهاب التكفيري وغياب الدولة والخوف من عودة الاستبداد لكي تعود البلاد إلى المربع الأول الذي رفع الشعب التونسي فيه شعار "شغل حرية كرامة وطنية" فنجح السبسي في إقناع الكثيرين من التونسيين ولاسيما من الطبقة المتوسطة بخطابه عن "استعادة هيبة الدولة" و"المحافظة على الإرث الحداثي البورقيبي والنمط المجتمعي التونسي"، كما استفاد في ذلك من الماكينة الحزبيّة والانتخابيّة القويّة التي ورثها عن "حزب التجمع" المنحلّ. وأسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية عن السقوط المدوي لقيادات وطنية كبيرة من أمثال الأستاذ أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري، الذي يعد علماً من أعلام العمل الوطني في تاريخ تونس الحديث خلال ال40 سنة الماضية ومعارضاً بارزاً سابقاً لنظام بن علي، لكن تذبذبه في مواقفه السياسية ومحاولته التموقع بخطابه المعتدل بين السلطة والمعارضة، جعله يخسر كثيراً في كل رهاناته السياسية هو وحزبه الذي انسحق بالكامل في الانتخابات التشريعية الأخيرة. كما عاقب الشعب التونسي مرشح حزب التكتلّ الدكتور مصطفى بن جعفر الرئيس السابق للمجلس التأسيسي الذي دفع الثمن غاليا نتاج تحالفه مع حركة النهضة في إطار الترويكا الحاكمة سابقا، ولعبه دوراً ضبابياً متأرجحا بين الحق والباطل فيما يتعلق بعملية الانتقال الديمقراطي لتونس، فضلاً عن أنه فشل هو وحزب المؤتمر وكل الأحزاب الحليفة لحركة النهضة في وضع قانون الإقصاء الذي لا غاية لهم منه غير إزاحة كل خصم محتمل ليكون الطريق معبداً لتجديد البيعة لهم من دون أن يتمكن التونسي من حق الاختيار بين أكثر من عائلة سياسية بل عليه فقط أن يختار بين الإسلام السياسي أو من طرحوا أنفسهم بدلاء وظلوا في الوقت نفسه شركاء أوفياء له على امتداد ثلاث سنوات، فارضين بذلك أنموذجاً وحيداً، فاختار بذلك مصطفى بن جعفر الطريق الخاطئ و تنكر لأهداف الثورة التونسية المتمثلة في بناء دولة وطنية ديمقراطية تعددية. وحدَه مرشح الجبهة الشعبيّة (تحالف لأحزاب يسارية وقوميّة) السيد حمّه الهمامي نجح في احتلال المرتبة الثالثة في الانتخابات الرئاسية ليصبح بذلك بيضة القبان في ترجيح كفة الفائز في الدورة الثانية. ويعود نجاح الهمامي إلى صمود وبروز الجبهة الشعبية قوّة سياسية ثالثة ومتمايزة عن حزبيْ "نداء تونس" و"النهضة" في الانتخابات التشريعية الأخيرة بحصولها على 15 مقعداً مستفيدة من صيغة "أكبر البقايا" في النظام الانتخابي. كما يدل هذا النجاح النسبي للهمامي على أنّ جزءاً مهّماً من التونسيين أراد مكافأة الطرف السياسي الذي استهدفه الإرهاب رأساً (استشهاد زعيمي المعارضة اليسارية و القومية: شكري بلعيد ومحمد البراهمي) إذ كانت الجبهة الشعبية هي الأشرس في تصدّيها لحكم النهضة. ومن اللافت في هذه الانتخابات الرئاسية الصعود المفاجئ لمرشح "الاتحاد الوطني الحرّ"، حزب رجل الأعمال الشابّ سليم الرياحي الذي احتل المرتبة الخامسة. إذ تحوم شبهات حول أمواله الطائلة التي جمعها أثناء إقامته في ليبيا قبل الثورة. وقال سليم الرياحي رئيس "الاتحاد الوطني الحر" إن نسبة 32٪ التي تحصّل عليها المرزوقي جاءت على خلفية تصويت قواعد حركة النهضة له، مضيفا أنه سيتحالف في الدور الثاني مع المرشح الذي يشترك معه في المبادئ نفسها، نافياً مغادرته تونس في الفترة القادمة. وأكد الرياحي أنه سيجتمع بهياكله لمناقشة مع من سيتحالف الحزب في الدور الثاني مؤكداً أن الخلافات التي حصلت بينه وبين "حزب نداء تونس" انتهت مع انتهاء الدور الأول من الانتخابات الرئاسية. قائلاً: سنعلن قريباً عن المرشح الذي سندعمه ليكون رئيساً لتونس في السنوات الخمس القادمة. ويرجح أن يصوت سليم الرياحي وحزبه لمصلحة السبسي. السؤال الذي لا يزال يُحَّيِرُ التونسيين لمن ستصوت "الجبهة الشعبية" في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ولاسيما أن الجبهة أصبحت الآن موجودة بين المطرقة والسندان، بين السبسي مرشح اليمين الليبرالي والمرزوقي مرشح الإسلام السياسي؟ تعد الجبهة الشعبية أن تسهيل كشف حقيقة مقتل شكري بلعيد ومحمد البراهمي سيكون من المطالب الأساسية والأولية التي ستطالب بها الجبهة الحكومة القادمة. ويعد هذا المطلب من أولويات السبسي الذي أكد على أنه من أولويات الدولة في قادم الأيام وعلى السلطة المنتخبة أن تميط اللثام عن قضيتي بلعيد والبراهمي، وهذا لن يكون منّة بل استحقاقاً من واجب السلطة المنتخبة أن تستجيب لأبناء تونس الذين لم يملّوا من المطالبة به. إذ فمن غير المعقول اليوم أن تمرّ قرابة السنتين على القضية الأولى وحوالي السنة ونصف السنة على القضية الثانية وإلى الآن لا جديد يذكر.. هذه إهانة للشعب التونسي.. إذاً لا بدّ من كشف الحقيقة للشعب، أي ما الأطر التي احتضنت هذه الجرائم الغريبة عن المجتمع التونسي... لا بدّ من كشف الحقيقة وإن كانت مُرّة على البعض. ويعتقد المراقبون في تونس أن هذا التلاقي بين مطلب الجبهة هذا، وتأكيد السبسي على كشف الحقيقة بشأن جرائم الإرهاب، سيجعل قسماً أساسياً من الجبهة يصوت في الدورة الثانية للسبسي. وفضلاً عن تناقض الجبهة الشعبية مع السياسة التي انتهجها المرزوقي، ولاسيما تحالفه مع الإسلام السياسي، وتساهله مع الجماعات الجهادية التكفيرية واستقباله في قصر قرطاج رموز ما يسمى "رابطات حماية الثورة" وانتهاجه سياسة خارجية قادت إلى ارتباط تونس بمحور إقليمي ودولي (حركة الإخوان المسلمين – قطر- تركيا) المتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل"، الذي لا يخدم مصالح الشعب التونسي، فضلاً عن قطعه العلاقات الدبلوماسية مع سورية. وهذا ما يجعل مشروع المرزوقي والنهضة أخطر من أي مشروع آخر مهما كان سيّئاً، ولأن خيار المرزوقي يمثل أسوأ خيار على الإطلاق من بين المرشحين لأنه يمثل أداة في يد حركة النهضة وأداة بيد الغرب لخدمة مصالحهم بدليل توجّهاته الداعمة للإرهاب والعدوان الصهيو-أمريكي على سورية. لهذه الأسباب مجتمعة، وغيرها من الأمور الأخرى التي تلتقي فيها الجبهة الشعبية مع السبسي، خصوصاً المحافظة على أنموذج المجتمع التونسي المنفتح والعلماني، فإن الجبهة الشعبية ستصوت في الدورة الثانية لمصلحة السبسي حتى وإن اختلفت معه، على صعيد منوال التنمية الاقتصادية، فهي ستأخذ في الحسبان المزاج الشعبي السائد الآن في تونس الذي يتمثل في المحافظة على أمن واستقرار الوطن والشعب التونسيين، ومحاربة الإرهاب، والالتزام بإعادة العلاقات مع سورية، ودعم أمن الجزائر ومصر. بعملية حسابية، وبالنظر إلى الأطراف السياسية المرجحة لدعم السبسي في الدورة الثانية على غرار: الجبهة الشعبية وحزب الاتحاد الوطني الحر، وأحزاب العائلة الدستورية 41614 صوتاً لكمال مرجان من "حزب المبادرة" الذي أعلن رسمياً دعمه السبسي، و2701 صوت لعبد الرحيم الزواري من "حزب الحركة الدستورية" الذي انسحب مبكراً من السباق لكن انسحابه جاء في هذا السياق رغم عدم الإعلان عن ذلك صراحة ورسمياً، ويمكن أن تضاف إلى ذلك الأصوات التي حصل عليها المرشح المستقل منذر الزنايدي (24160 صوتاً) بحكم قربه من العائلة الدستورية، إلى جانب 6723 صوتاً حصل عليها المرشح المستقل مصطفى كمال النابلي الذي لم يعلن صراحة دعمه لكن يبدو أن ذلك حصل بصفة ضمنية باعتبار قرب النابلي من العائلة الدستورية ومن نداء تونس، يمكن القول إن عدد الأصوات الإضافية التي قد تؤول للسبسي في الدور الثاني تبلغ 523 ألفاً تقريباً، أي نصف مليون صوت إضافي أو أكثر، ما يعني أن السبسي قد يحصد على الأقل ما يقارب المليون و800 ألف صوت في الدورة الثانية إلى جانب ما قد يضاف له من أصوات الناخبين الذين لم يشاركوا أصلاً في الدورة الأولى والبالغ عددهم حوالي مليونين. أما بالنسبة للمرزوقي، فإذا حصل على دعم كل من مصطفى بن جعفر الذي تحصل على 21929 صوتاً، وأحمد نجيب الشابي 34025 صوتاً، وعبد الرؤوف العيادي 3551 صوتاً، وحمودة بن سلامة 5737 صوتاً، وعبد الرزاق الكيلاني، والهاشمي الحامدي عن " تيار المحبة"الذي تحصل على187923 صوتاً، فإن المنصف المرزوقي سيحصل في الدورة الثانية على 1378779 صوتاً، وهو رقم يجعله أقل بكثير من تعداد السبسي. وانطلاقاً من هذه السيناريوهات المحتملة، يرجح المراقبون فوز السبسي في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستجرى إما 14 أو 21 كانون الأول المقبل. |
||||||