ظاهرة الحركة التكفيرية الإرهابية ووجوب مواجهتها

السنة الرابعة عشر ـ العدد 157 ـ (ربيع أول 1436 هـ) كانون الثاني ـ 2015 م)

بقلم: الشيخ حسان عبد الله

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

عندما نريد أن نتحدث عن الأسباب التي أدت إلى نشوء ظاهرة ما لا بد من الرجوع إلى تاريخ هذه الظاهرة والظروف التي واكبت نشأتها وهل هي ذاتية النشأة أو أن وراء انبعاثها قوى أخرى ساهمت في ذلك ووفرت الإمكانات الإيديولوجية والبيئة الملائمة لانطلاقها.

ما نحن بصدده اليوم هو الأسباب التي تقف خلف نشوء الحركة التكفيرية الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وعندما نجد أن هذه الظاهرة تتبنى مذهباً عقائدياً وفقهياً محدداً فلا بد من التعرف على نشوء هذا المذهب والدوافع التي عملت على انطلاقه.

من المعروف أن أغلب ـ إن لم يكن كل الذين يمارسون الإرهاب التكفيري اليوم ـ ينتمون إلى الحركة الوهابية والتي لو رجعنا إلى تاريخ نشأتها لوجدنا أنها حديثة النشأة نسبياً وتزامنت هذه النشأة مع بداية انهيار السلطنة العثمانية ودخول الاستعمار الفرنسي والإنكليزي إلى منطقتنا ونحن نعرف الرعاية التي قدمتها حكومة ملكة انكلترا لهذه الحركة ودورها في مواجهة السلطنة العثمانية كآخر مظهر للخلافة الإسلامية وبداية تقسيم العالم الإسلامي إلى قوميات مختلفة ثم تشققت أكثر إلى دويلات أصغر بعد اتفاقية سايكس ـ بيكو المشؤومة.

ونحن هنا لا نريد أن نتوسع في السرد التاريخي ولكن نريد أن نصل إلى  عصرنا الحاضر وعودة هذه الحركة للعب دور مشبوه مشابه للدور القديم الذي لعبته في تقسيم العالم الإسلامي وسط كلام عن إعادة تقسيم عالمنا العربي والإسلامي إلى دويلات أصغر تأخذ الطابع المذهبي تبرر للكيان الصهيوني إعلان الدولة اليهودية.

إن الفترة التاريخية التي نتحدث عنها هي ما بين الربع الأخير من القرن الميلادي الماضي وحتى يومنا هذا. ومن المعروف عن أن بداية هذه الفترة شهدت حدثاً تاريخياً عظيماً أثر وما زال يؤثر في التغيرات السياسية في عالمنا الإسلامي بل والعالم هذا الحدث هو الثورة الإسلامية في إيران والتي أسست أول دولة إسلامية في العصر الحديث وقد بنت دولة حديثة متناغمة مع مقتضيات العصر وملتزمة بأحكام الشرع الحنيف.

هذا الحدث أدى إلى صدمة إيجابية في العالم الإسلامي وخصوصاً في أوساط المتدينين بغض النظر عن انتمائهم المذهبي وقد باتت النظرية التي كان يتحدث عنها الدعاة عن إمكانية بناء دولة إسلامية تحكم بالإسلام في هذا العصر واقعاً عملياً يستدل به ويلجأ إليه واستشعر الغرب خطر هذه الدولة خصوصاً مع رفع شعار تصدير الثورة بشكلٍ شَعَرَ معه حكام المنطقة وخصوصاً الدول الخليجية بالخطر المحدق بعروشهم ولذلك قاموا بتمويل أكبر حرب إقليمية في القرن الماضي ومع ذلك لم يستطيعوا القضاء على هذه الدولة بل خرجت أقوى مما كانت عليه.

لم يكن هذا هو الخطر الوحيد الذي استشعره الغرب من هذه الدولة بل إن قيامها بإغلاق سفارة الكيان الصهيوني ورفع علم فلسطين مكانه لتكون أول سفارة لفلسطين في العالم وقول الإمام الخميني(قدس سره) إن: "اليوم إيران وغداً فلسطين" إضافة إلى إعلان آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس وإعلان تشكيل نواة جيش العشرين مليون لتحرير فلسطين كل ذلك جعل الغرب يستشعر خطراً كبيراً من هذه الدولة الناشئة ويعد العدة لمواجهتها بكل الوسائل الممكنة.

هنا كان لا بد من مواجهة هذا الوضع بأمرين بعد فشل الحرب المباشرة التي سخرت صدام حسين لتنفيذها وفشل في ذلك. هذان الأمران هما:

أولاً: الاستفادة من الحالة الناشئة في منطقة الخليج خصوصاً لصالح الغرب بتغيير توجهاتها نحو أمر يشكل هدفاً إسلامياً يصرف هؤلاء عن الهدف الأساسي الذي يجب أن يتوجهوا له وهو بناء الدولة الإسلامية في بلدانهم وتحرير فلسطين.

ثانياً: مواجهة هذه الحالة من خلال حصرها في المنطقة التي يسمح لهم بالتواجد فيها.

انطلاقاً من هذين الأمرين تم تعبئة الإسلاميين في العالم الإسلامي لخوض حرب تحرير أفغانستان باعتبارها حرباً بين الإسلام والشيوعية الكافرة ما يشكل دافعاً إسلامياً يرضي الشعوب التي تأثرت بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكانت حرباً طاحنة انتهت بتحرير أفغانستان والتي أعقبها انهيار الإتحاد السوفيتي مع ما كلف ذلك الحركات الإسلامية آلاف الشهداء والجرحى وطُرح في هذه الأثناء السؤال عن أية دولة ستنشأ في أفغانستان ولأن الغرب لم ولن يكون يوماً مع دولة إسلامية سعى ومن خلال احتلال مباشر لأفغانستان لطرح الدولة اللادينية متذرعين بما حصل في الحادي عشر من أيلول.

في المقلب الآخر من العالم الإسلامي كانت الحركة الإسلامية السائرة في نهج الجمهورية الإسلامية تحقق انتصارات رائعة من خلال وضوح الهدف الأساسي وهو تحرير بلدها من الاحتلال الصهيوني في العام 2000 حيث خرج العدو من لبنان من دون قيد ولا شرط وتحت ضربات المقاومة هذا الأمر تزامن مع انطلاقة الانتفاضة العارمة في فلسطين المحتلة والتي أدت إلى خروج العدو الصهيوني من غزة بعد أن لم يستطع تحمل ضربات المقاومة ثم حاول العدو الصهيوني أن يعدل ميزان القوى لصالحه في العام 2006 في حرب تموز وهزم هزيمة أخرى على يد نفس المقاومة التي تعيش وضوح الرؤية والهدف ولا تحرف بوصلتها عن أولويات الصراع. وأيضاً خاض العدو حربين طاحنتين في غزة وفشل بهما فشلاً ذريعاً.

أمام هذا المشهد الذي بات معه العدو الصهيوني مدعوماً بالتحالف الغربي يستشعر خطراً حقيقياً وهو تحدث في عدة مؤتمرات متخصصة له عقدت في هرتسيليا عن هذا الخطر الذي قال في مؤتمراته إن الكيان بدأ بفقد المناعة ما يعني حتمية الزوال. إذن ما هو الحل؟؟؟

لقد تفتقت الذهنية الاستعمارية الغربية عن خطة جهنمية إن قيض لها النجاح فإن النتيجة ستكون إعادة سيطرته على العالم الإسلامي وحماية كيانه المصطنع على أرض فلسطين. وإذا ما فشلت هذه الخطة فإن العالم الإسلامي سيشهد تطوراً نوعياً نحو حرية حقيقية وكرامة وعزة وزوال للكيان الصهيوني الغاصب. هذه الخطة تتلخص بما يلي:

أولاً: إيقاع الفتن بين فئات عالمنا الإسلامي تحت عناوين مختلفة تارة قومية وأخرى طائفية وثالثة مذهبية وقد ركزت دوائر الاستعمار على الصراع المذهبي بين السنة والشيعة وهذا نراه بوضوح في توصيات مؤتمر هرتسيليا.

ثانياً: إخراج النموذج التحريفي للإسلام من حرزه وتقديمه كحركة إسلامية تعيث في الأرض فساداً وتوقع الخلاف بين أبناء الأمة فالكل يقاتل الكل فلا تعرف ضمن هذه الفوضى من هي الجهات التي تتقاتل وهنا لا يتم الاكتفاء بالتقاتل السني الشيعي بل هناك تقاتل في وسط المذهب الواحد أي السنة مع السنة بل في الجماعة الواحدة كالصراع بين داعش والنصرة وغيرهما.

ثالثاً: تقديم نموذج محرف للإسلام يحوله بنظر الآخرين وخصوصاً الرأي العام الغربي بأنه دين القتل والسبي والقمع والذبح في حين إن الإسلام كما نعرف هو دين الرحمة والحوار وحفظ حقوق الآخرين بغض النظر عن انتمائهم الديني. والهدف من وراء ذلك تشويه صورة الإسلام مقدمة لحصاره فكريا وحضاريا والقضاء عليه.

رابعاً: أما الهدف الأساسي من وراء إطلاق هذه الحركة الإرهابية التكفيرية هو القضاء على محور المقاومة وتثبيت الكيان الصهيوني كجزء من هذا العالم العربي بل كقائد ورائد في هذا العالم الهمجي الذي سيقوم الكيان الصهيوني بتلقيننا دروساً في الحضارة وكيفية إدارة الدول.

في الخلاصة إن جذور الحركة الإرهابية التكفيرية تمتد إلى نهايات الدولة الإسلامية وإن إعادة تظهيرها اليوم أتى بعد تغيرات كبيرة في عالمنا الإسلامي باتت فيه الجمهورية الإسلامية تشكل نموذجاً حضارياً إسلامياً متطوراً على صعيد التكنولوجيا في ميادينها كافة ومحور مقاومة بات يشكل خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني فأخرجت هذه الحركة من أجل تشويه صورة الإسلام خصوصاً مع انتشار واضح لهذا الدين في الغرب وثانياً لإضعاف محور المقاومة إن لم يكن القضاء عليه ليبقى الكيان الصهيوني. وهم ببنائهم للدولة المذهبية يبررون للصهاينة دولتهم اليهودية وبهدمهم للمساجد والمقامات يبررون للصهاينة هدمهم لأقصانا لذلك فإنني اعتبر أن مواجهة هذه الحركة واجب شرعي عبر فضح ادعاءاتهم وانحراف فكرهم والعودة إلى الهدف الأساسي لأمتنا وهو تحرير فلسطين.

اعلى الصفحة