|
|||||||
|
ترجع علاقة إيران بفلسطين إلى أواخر القرن التاسع عشر. فقد أوجدت إيران ممثلية لها في فلسطين بعد أن هاجر إليها عدد كبير من التجار الإيرانيين، وكانت الممثلية تهتم بالشؤون الاقتصادية والتجارية للتجار الإيرانيين، إلا أن عملها توسع إلى نشاطات أخرى، من بينها تقديم المساعدة إلى قوافل الزوار، والإعلام الثقافي، وإعداد المعلومات والتقارير الإقليمية غير ذلك من النشاطات. وشهدت إيران في القرن التاسع عشر تغيرات داخلية كان أبرزها اغتيال ناصر الدين شاه على يد ميرزا رضا كرماني في مزار "حضرة عبد العظيم" عام 1895، وخلفه ولي العهد مظهر الدين ميرزا الذي تسلم العرش عام 1896، والذي أرسل وفوداً إلى مختلف الدول عن تسلمه عرش إيران، ومن تلك الدول سويسرا التي تعود علاقتها التجارية مع إيران إلى العام 1857، وهي الدولة التي انعقد فيها المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، ورغم أن افتتاح أول ممثلية لإيران في سويسرا يعود إلى العام 1918، إلا أن هذا لم يمنع من وجود ممثلين سياسيين لإيران في غالبية الدول الأوروبية، وربما سويسرا منها، تحديداً في عام 1897، الذي شهد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال السويسرية. لكن رغم هذا الوجود الإيراني في سويسرا الذي يؤكد أن تكون وزارة الخارجية الإيرانية آنذاك قد علمت بانعقاده إلا أن المجهول حتى الآن هو رد الفعل الذي صدر عن المسؤولين الإيرانيين، أو حتى طبيعة رأيهم به، في حين يؤكد أحد المؤرخين اليهود، أن أي ممثل ليهود إيران لم يشارك في مؤتمر بال. بعد سنوات قليلة خضعت إيران للتقسيم بين الروس والبريطانيين وفق اتفاقية 1907، أي بعد عام واحد من ثورة المشروطة "الدستورية" التي أحيت في بدايتها الأمل لدى الإيرانيين. وخلال عام 1915، جرى "توزيع عادل" للمناطق الصحراوية المتبقية وعندما لم يتبق شيء لرجال الحكومة الإيرانية، قام جمع من السياسيين بقيادة "نظام السلطنة" بتشكيل حكومة في المنفى، في المنطقة المجاورة لحدود كرمنشاه غربي إيران. ولقد وفرت الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء ونجاح الثورة البلشفية في روسيا، ظروفاً مواتية لبريطانيا وتوقيع اتفاق "كوكس-وثوق الدولة" الذي قضى على آخر أنفاس المحتضر [الإمبراطورية الإيرانية] إلا أن المقاومة البطولية للشعب الإيراني يدركون خطأ حساباتهم، فقاموا بوضع وتنفيذ مشروع جديد هو "أيرون سايد-ريبورتر" والذي كان أكثر من مشروع "وثوق الدولة" إذ أعاد إيران إلى عهد حكم الإيكليروس الزرادشت،ولكن في نسيج التركيبة البهلوية هذه المرة. وصدر خلال هذه الفترة "وعد بلفور" وبسبب ضعف الحكومة الإيرانية المركزية لم يكن هناك أي وثيقة رسمية إيرانية تحدد موقف إيران من هذا الوعد لكن يستفاد من مضمون الكتابات المتبقية من تلك المرحلة، أن بعض اليهود الإيرانيين بادروا، فور إعلان وعد بلفور، إلى تنظيم تجمعات ومنتديات لعبت دوراً مهماً على صعيد العلاقة بين إيران وفلسطين فيما بعد. وبعد تشكيل عصبة الأمم جاءت كنتاج للأحداث والتطورات التي شهدتها الساحة السياسية الدولية خلال العقدين الأولين من القرن العشرين، واندلاع الحرب العالمية الأولى وظهور مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون الأربعة عشر، ومؤتمر الصلح 1919، وهي تطورات أدت إلى بدء مرحلة جديدة في النظام العالمي أعاد اهتمام إيران بفلسطين نظراً لأن موضوع فلسطين كان في مقدمة أعمال عصبة الأمم، إذ أنه بموجب المادة 22 من ميثاقها فإن العصبة تولى المسؤولية الدائمة وغير المباشرة، لإدارة العراق والأردن وفلسطين وسورية. كما أنه شكلت في شباط 1921، لجنة رسمية دعيت "بلجنة الوصاية"وضعت هذه البلدان تحت الوصاية البريطانية وكانت إيران من أوائل الدول التي انخرطت في عصبة الأمم شأنها في ذلك شأن الدول الإسلامية الأخرى الأعضاء في هذه المنظمة. وقد مثل إيران في عصبة الأمم "ذكاء الملك فروغي" وهو ماسوني عريق لم يهتم بطرح موضوع فلسطين في اجتماع لعصبة الأمم حاله في ذلك كحال بعض مندوبي الدول الإسلامية الأمر الذي دفع مجلس العصبة إلى عدم اختيار أي من ممثلي الدول الإسلامية لعضوية اللجنة الخاصة بفلسطين. وواصلت الحكومة الإيرانية لا مبالاتها لتطورات الأوضاع في فلسطين وخصوصاً بعد حادثة البراق الشريف في القدس والتي على أثرها بعث رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين الحاج أمين الحسيني رسالة رسمية للحكومة الإسلامية تطلب منهم إرسال مبعوثين عنها إلى القدس، تزامناً مع وصول لجنة عصبة الأمم الخاصة بفلسطين، لإظهار التضامن والدعم الذي يقدمه العالم الإسلامي من أجل إحقاق حقوق الفلسطينيين، وبذريعة ضيق الوقت، امتنعت هذه الحكومة عن إرسال مندوب عنها إلى فلسطين. إلا أنها شاركت في أعمال المؤتمر الإسلامي الذي دعا إليه الحاج أمين الحسيني، إذ مثلها ميرزا يحيى دولة آبادي، وهو من معتنقي المذهب الأزلي- وهو فرع من البابية التي تعتقد بخلافة ميرزا يحيى صبح أزل لميرزا علي محمد باب أما ممثل إيران الأخر فكان سيد ضياء الدين طباطبائي رئيس وزراء إيران – آنذاك- الذي وفر الأرضية لمجيء السلالة البهلوية إلى حكم إيران، عبر انقلاب "اسفند" عام 1921، وبعد الانقلاب انتقل الطباطبائي المعروف بميوله الانكليزية، إلى فلسطين حيث أقام فيها وعمل في القطاع الزراعي، في منطقة بيت حانون وفي المؤتمر الإسلامي كان عضواً في اللجنة التنفيذية ثم أصبح رئيساً لأمانة المؤتمر الإسلامي. ويلخص الدكتور ولايتي موقف الدول الإسلامية منها ومنها إيران إزاء فلسطين خلال المرحلة الفاصلة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية 1918-1939، بأنه موقف سلبي بسبب الأوضاع التي كانت تمر بها تلك الدول وفصل نظر السياسيين فيها الأمر الذي أدى إلى "أن يتعامل العالم الإسلامي مع قضية فلسطين بقدر واسع من الضياع والارتباك وعدم الاكتراث وربما التبعية أيضاً". ومثال ذلك كان واضحاً لاقتراح قدمه مسؤولو وزارة الخارجية الإيرانية إلى المكتب الملكي الخاص عام 1936، مفاده: "إن الحد من الهجرة وبيع الأراضي، واستحصال رضى الدول العربية... لي في مصلحة حكومة الشاهنشاه... إن تجميع اليهود في هذا البلد الذي يقع في أهم موقع في قلب العالم العربي يحمل منافع اقتصادية، إضافة إلى الأبعاد السياسية المفيدة لإيران ذلك أن وجود هؤلاء "اليهود" الجديون البارعون في جميع العلوم والفنون وسوابقهم التاريخية المشرفة مع إيران، يمكن أن يشكل عائقاً كبيراً أمام تأسيس إمبراطورية أو اتحاد عربي تحت النفوذ الأجنبي والذي قد يهدد في المستقبل سواحل إيران الجنوبية وحدودها الغربية، أو على الأقل يخلق متاعب ومشاكل للبلاد". وتميزت هذه الفترة من تاريخ علاقة إيران بفلسطين بوجود فجوة بين الموقف الرسمي الحكومي وموقف الشعب الإيراني المؤيد والمتضامن مع العرب والشعب الفلسطيني، هذا الموقف عبر عنه كبار رجال الدين الشيعة في إيران منذ وقت مبكر وكانوا أكثر الشرائح الاجتماعية صلابة وثباتاً في موقفهم الرافض لأي مساومة في مواجهة الخطر الصهيوني، ففي رسالة للعلامة محمد حسين آل كاشف الغطاء رداً على استفتاء محمد صبري عابدين معلم الحرم القدسي الشريف يقول كاشف الغطاء في موضوع بيع الأراضي الفلسطينية والحكم الشرعي بشأن الأشخاص الذين يشاركون في انجاز مثل هذه المعاملات "... بعد كل هذا ألا يدركون أن هذا هو حرب ضد الإسلام؟ وهل يشك أحد في أن هذا البيع أو المساعدة فيه أو السعي إليه، أو السمسرة به هو حرب على الله والنبي صلى الله عليه وسلم، ومخالفة صريحة للإسلام؟ أخرجوا هؤلاء من الدين وساحة الإسلام وعاملوهم كالكفار وأبعدوهم عن أي عمل، ولا تتزوجوا منهم ولا تعاشروهم ولا تتعاملوا معهم ولا تسلموا عليهم ولا تحادثوهم، ولا تشيعوا موتاهم، ولا تدفنوهم في مقابر المسلمين. أسماء هؤلاء يجب أن تعلق في جميع المحافل، والنوادي وتنشر في الصحف والمجلات تحت عنوان "الخارجون من الدين". كما عارضت نخبة علماء الشيعة الإيرانيين المقيمين في العراق مشروع تقسيم فلسطين في عصبة الأمم ووجهوا برقية بهذا الخصوص إلى عصبة الأمم ووزارة الخارجية البريطانية جاء فيها: "نحن ممثلون الروحيون للمذاهب الإسلامية نعلن عدم رضانا واعتراضنا على قرار اللجنة الملكية بشأن تقسيم فلسطين البلد الإسلامي العربي العزيز ونعتبر ذلك ضربة موجه إلى قلب الإسلام والعرب". وقد أصدر العلامة كاشف الغطاء فتاوى عدة يدعو فيها كافة المسلمين إلى الجهاد في فلسطين لأن الجهاد "بات واجباً على كل إنسان وليس على العرب والمسلمين وحدهم". وفي فتوى أخرى شرح حال المسلمين ومواقفهم، وتحديداً مواقف حكامهم تجاه فلسطين،بقوله: "حتى الآن لم نقل ما يجب أن نقوله، مؤتمرات تعقد وقرارات تصدر ووفود تذهب إلى لندن، ومع ذلك فإن قوات الإنكليز تقوم بقتل النساء الحوامل في فلسطين وتسفك دماء الأبرياء وتواصل بكل صلافة وتحد. أما الحجاز والأردن فإنهما يريان ويسمعان كل شيء ومع ذلك فإنهم يتجلون بكل متعة وسرور وليتهم اكتفوا بهذا وكفوا شرهم عن فلسطين وتوقفوا عن مساعدة الظالمين. أما عموم المسلمين في أقطار الأرض فليس بيدهم سوى الاحتجاج والخطابة، والضجيج والمقالات والشعر وبعض المساعدات المادية القليلة جداً فيها يملك الكثير من المسلمين الآلاف بل الملايين من الليرات، فهل سمع أحد أن أحد هؤلاء تبرع بألف ليرة انكليزية لفلسطين كما يفعل اليهود في العالم لجماعتهم رغم قلة عددهم وسوء سلوكهم؟.. ومع كل هذا، ليت المسلمون يعترفون بالحقيقة ويعلنونها دون أي غطاء حقيقة أن بلاء المسلمين يكمن فيهم، وهو أكبر بكثير من بلاء الصهيونية والانكليز. هذه الحقائق الواضحة يعلمها الجميع، لكن لا أحد يعلنها". بعد الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني عام 1948، تعمقت الفجوة بين الموقفين: الإيراني الرسمي الذي اعترف بإسرائيل ونسج معها علاقات على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وبين الموقف الشعبي الإيراني المتضامن والداعم لكفاح الشعب العربي الفلسطيني. وقد برز التناقض بين هذين الموقفين في عدة مناسبات فإثر وقوع نكبة فلسطين خرجت في طهران، في ذلك العام، تظاهرات شعبية ضخمة تندد باغتصاب فلسطين تماماً كما حدث في العواصم العربية، وقاد آية الله الكاشاني الحركة الشعبية الإيرانية التي طالبت بالتصدي للصهيونية، وعبرت الاستجابة للتحدي الصهيوني عن نفسها في حركة تأميم النفط التي ساند فيها كالشاني الدكتور مصدق، تماماً كما عبرت عن نفسها في قيام ثورة 23 تموز 1952 في مصر وتدفق الثورة العربية. وقد شهدت إيران شأن الدول العربية ودول إسلامية أخرى حملات شعبية إبان حرب فلسطين لجمع أموال وإرسال المتطوعين. وجرى اختبار الموقع الخاص لقضية فلسطين في إيران عام 1960 حين اعترف الشاه بإسرائيل وسمح لها بتمثيل سياسي وتجاري. فقد عم الغضب قطاعات واسعة من الشعب الإيراني على نظام الشاه واعتبر كثيرون تعاونه مع إسرائيل بمثابة طعنة موجهة إلى كبريائهم واعتزازهم بدينهم. كما أن انتفاضة الخامس عشر من خرداد سنة 1342 هجرية/ شمسية (الموافق للخامس عشر من حزيران 1963) الشعبية التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الإيراني، وأدت إلى ترحيل الإمام الخميني إلى تركيا وبعدها إلى النجف الأشرف، ما كانت إلا ردة فعل غاضبة على سلوك النظام الحاكم المتعاون مع الصهاينة وحماتهم، ذلك التعاون الذي يتناقض مع مشاعر الجماهير والمصلحة الوطنية التي لم تر أي مبرر لدعم جهة أجنبية تغتصب أرضاً إسلامية. ويذكر الباحث الإيراني زامل سعيدي أنه يتذكر أبناء الشعب الإيراني والكثير من الملمين بمجريات الأحداث في إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية، العديد من المحاولات الفاشلة من قبل النظام الملكي من أجل تطبيع العلاقات بين إيران والكيان الصهيوني، والتي كانت تجابه بسخط وغضب جماهيريين عنيفين، "فعندما استدعي فريق رياضي إسرائيلي لخوض مباراة كرة قدم في طهران خرجت بعدها المظاهرات التي هزت أركان النظام الشاهنشاهي واستنفرت قوات الأمن لتفوق عدد المتفرجين في الملعب. وبناءً على تلك المشاعر الجماهيرية الرافضة كان لا مناص للنظام الملكي من المحافظة على سرية علاقاته بالكيان الصهيوني". اليوم إيران وغداً فلسطين بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وبموجب الشعار الذي رفعه آية الله الخميني "اليوم إيران وغداًَ فلسطين" الذي أخذت الجماهير الإيرانية تردده، أصبح الدفاع عن فلسطين من أولويات السياسة الخارجية الإيرانية التي وضع أسسها الإمام الخميني في بيان أوضح فيه رؤية الثورة الإسلامية في إيران للخطر الإسرائيلي على الأمن الإيراني والعربي، ومما جاء في البيان "... فليس هدف الدول الاستعمارية الكبرى من خلق إسرائيل هو احتلال فلسطين فحسب، وإنما سيكون لكل الدول العربية نفس المصير إذا أعطت لإسرائيل الفرصة". وكان استبدال سفارة الكيان الصهيوني في طهران بسفارة فلسطين في الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية من أول القرارات التي اتخذتها الحكومة الثورية في إيران. وقد جاء هذا القرار المترافق مع قرار قطع العلاقات من الكيان الصهيوني كأول إجراء سياسي أحدث دوياً في المنطقة حيث كان النظام الشاهنشاهي يؤمن 60% من احتياجات الكيان الصهيوني النفطية، وكان الصهاينة والشاه رأس حربة السياسة الأمريكية المعادية للاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة إلى أنه في هذه المرحلة من مراحل علاقة إيران بفلسطين لم يعد هناك فجوة أو تناقض بين الموقفين الرسمي الحكومي والشعبي بل تم الانسجام بينهما لجهة دعم نضال الشعب الفلسطيني ولجهة مقاومة الكيان الصهيوني وحلفاءه الإقليميين والدوليين. وهذا ما جرى التأكيد عليه لدى اعتبار الإيرانيين لفلسطين وقضيتها عامل وحدة وتجمع بين العرب والإيرانيين. ويمكن رصد مرحلتين في تأريخ الموقف الإيراني من عملية تسوية الصراع العربي- الصهيوني: - المرحلة الأولى: تشمل مرحلة الحكم الشاهنشاهي في إيران التي شهدت في عقدها الأخير وتحديداً خلال الفترة 1973-1979 اهتمام الشاه بلعب دور في هذه العملية. - المرحلة الثانية: تمتد من العام 1980 وحتى العام 1997 وخلالها تم تحديد المواقف السياسية للجمهورية الإسلامية في إيران إزاء محطات عديدة من محطات عملية التسوية بدءاً بخطة الأمير فهد وخطة ريغان وقمة فاس الأولى مروراً بمؤتمر مدريد للسلام وانتهاءً باتفاق أوسلو. عكست المحطة الأولى اهتمام شاه إيران بلعب دور الوساطة بين مصر وإسرائيل في إطار تسوية الصراع العربي-الصهيوني، تعود إلى العام 1972، إذا أنه وبعد زيارة قام بها الرئيس المصري السابق أنور السادات إلى موسكو في نيسان 1972، زار السادات طهران وأبلغ الشاه بنتائج محادثاته في موسكو، وأوضح له بأنه يطمح الآن إلى تحقيق هدفين فوريين: 1- الحصول على تأييد الشاه لمواقف مصر تجاه إسرائيل. ولم يطلب السادات وقف تصدير النفط الإيراني لإسرائيل، ولا حتى تقليص العلاقات معها. لكنه اعتقد أن هذه العلاقات تمنح الشاه نفوذاً معيناً في إسرائيل، وهو ما يريد استغلاله. 2- إقناع الشاه باستخدام نفوذه لدى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تليين موقف إسرائيل، ففي ضوء موقف إيران القوي في منطقة الخليج، اعتقد السادات بأن الولايات المتحدة ستظهر اهتماماً بمواقف إيران من "النزاع العربي-الإسرائيلي". استجاب الشاه فوراً لطلب السادات، وبناء على طلب من الشاه وصلت غولدا مئير رئيسة الحكومة الإسرائيلية إلى طهران في منتصف شهر أيار 1972، -في أول وآخر زيارة لها إلى هناك- واجتمعت مع الشاه الذي طلب منها تفهم مواقف مصر. وفي صيف 1973، التقى الشاه بوزير الخارجية الإسرائيلي آبا إيبان في طهران وتحدث معه عن علاقة إسرائيل مع مصر، وأنه معني والسادات بالتوصل إلى حل سياسي "للنزاع العربي - الإسرائيلي". واحتج على أن إسرائيل لا تفهم التطورات الجديدة التي تمر في الشرق الأوسط، وأنها لم تدرك وزن إيران في الشرق الأوسط أيضاً. كما أنه خلال زيارته الرسمية إلى واشنطن في الصيف ذاته، ركز الشاه في حديثه مع الرئيس نيكسون على "النزاع العربي - الإسرائيلي"، وأعرب عن رأيه بأن استمرار النزاع في المنطقة قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالسلام والاستقرار في منطقة الخليج العربي. أما في أعقاب حرب 1973، فقد نشأت سياسة إيرانية متوازنة في الشرق الأوسط، وعبر عن هذه السياسة الشاه الذي أكد في حديث لمراسلين أجانب، أنه يجب على إسرائيل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس. كما تبنى الشاه موقف الرئيس السادات بأن حرب رمضان 1973، أثبتت فشل نظرية الحدود الآمنة (الإسرائيلية). قال إن إسرائيل كانت دائماً تقول إنه لا يوجد لديها حدود أكثر أمناً من قناة السويس وها هي القناة لم تجد نفعاً، وأن الجيش المصري اجتاز القناة بسهولة وسيطر على خط بارليف بسرعة. وقد تصرفت إسرائيل حتى الآن بصلافة، وكان من غير الممكن إجراء مفاوضات منطقية معها. لكن إسرائيل أصيبت بصدمة الآن، فربما يساعد هذا الأمر موضوع السلام . وفي مقابلة مع صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"، يوم 1/4/1974، قال الشاه: "إن تزويد مصر وسورية بصواريخ أرض- أرض من نوع "سكاد" قضى على النظرية الإسرائيلية بشأن حدود آمنة وقال إن الجيش السوري نجح تقريباً في احتلال كل هضبة الجولان في الساعات الست الأولى للحرب. كما أن الشاه أيد بعد ذلك إيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية، حتى ولو كان في إطار كيان مستقل. وذلك على الرغم من عداء إيران التقليدي لمنظمة التحرير الفلسطينية ومقاومتها الصلبة لمنظمات المخربين وبقيت العلاقات الإيرانية متوترة مع ليبيا فقط، حيث اتهم الشاه العقيد معمر القذافي بتمويل الحركة السرية الإيرانية ضده. وتجسد التعبير الثاني عن السياسة الإيرانية المتوازنة نسبياً إزاء الصراع العربي الصهيوني، في زيارة الشاه إلى القاهرة في 12/12/1975، وفي البيان المشترك الذي صدر عنها، ظهر التغيير التدريجي الذي طرأ على موقف الشاه من القضية الفلسطينية. وقال الشاه لـ "الحوادث" اللبنانية أنه طالما لم تحل القضية الفلسطينية لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط، وسبق له أن أعلن في مؤتمر صحفي في قصر نيافران في 9/11/1974، قال الشاه إن رفض إسرائيل التفاوض مع منظمة التحرير من شأنه عرقلة السلام في الشرق الأوسط. كما أيدت إيران في تلك الأيام القرار 3210، الذي قبلت بموجبه منظمة التحرير الفلسطينية كعضو مراقب في الأمم المتحدة. وقال الشاه في حديث آخر لمجلة "الحوادث" اللبنانية يوم 13/12/1974، أنه على الرغم من أن بعض مجموعات "إرهابية" فلسطينية قامت بتدريب مخربين إيرانيين تسللوا إلى بلادنا من أجل قتل أشخاص وتخريب منشآت، إلا أن إيران وقفت وما زالت تقف إلى جانب الفلسطينيين. ونحن نعرف كيف نميز بين عدالة القضية الفلسطينية وبين أولئك الذي يسيئون لنا". وفي هذا السياق، رفض الشاه طلباً جديداً لمنظمة التحرير الفلسطينية بشأن فتح مكتب لها في طهران. وواصلت إيران المناداة بإشراك الأردن في حل القضية الفلسطينية. وفي مقابلة مع صحيفة "عكاظ" السعودية في 28/5/1976، قال الشاه: "كيف يستطيع العرب واليهود والمسيحيون العيش بسلام في نطاق دولة علمانية بعد المذبحة البشعة التي تجري الآن بين المسيحيين والمسلمين في لبنان. وإسرائيل هي حقيقة قائمة، ولا أرى أي ضرر من الاعتراف العربي بها". وخلال تعثر المفاوضات الإسرائيلية-المصرية، حاول شاه إيران التوسط بين القاهرة وتل أبيب، وبدا موقفه أقرب إلى موقف السادات منه إلى موقف بيغن، فقد ألمح الشاه في بعض الأحيان إلى احتمال استخدام سلاح النفط ضد إسرائيل، ففي مقابلة مع صحيفة "شيكاغو تريبيون" يوم 24/5/1978، قال الشاه: "أنه إذا لم يتم تحقيق تقدم في مسيرة السلام فسيكون بالإمكان استخدام سلاح النفط ضد إسرائيل" وأضاف أنه إذا ما اتحدت جميع الدول المنتجة للنفط في إطار الأمم المتحدة، وفرضت حظراً على تزويد إسرائيل بالنفط فقد يكون مثل هذا الحظر مفيد. وفي مقابلة مع مراسل المجلة الأمريكية "مايو أس نيوز وورلد ريبورت" يوم 18/6/1978 قال الشاه: "إن إسرائيل دولة متصلبة، وإذا ما قررت الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة العمل ضد إسرائيل فإن إيران ستستخدم سلاح النفط ضدها". وأضاف الشاه "توجد الآن إمكانية لتحقيق سلام في الشرق الأوسط، لكن تصلب إسرائيل يحول دون ذلك. وهذا التصلب يتعارض مع مصلحة إسرائيل نفسها فإسرائيل بحاجة إلى سلام وضمان لحدودها لكنه إذا كانت إسرائيل تريد الاحتفاظ بالأرض أيضاً، فلن تحصل عليها أبداً". |
||||||