انتخابات الكنيست ومعركة "الدولة" وإنهاء الاحتلال
هل يمكن الصمود والتصدي والتقدم تحت عباءة "أوسلو"؟!

السنة الرابعة عشر ـ العدد 157 ـ (ربيع أول 1436 هـ) كانون الثاني ـ 2015 م)

بقلم: مأمون الحسيني(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

 

بعد سنوات على محاولات كيان الاحتلال الإسرائيلي استغلال ما سمي "الانتفاضات" العربية والهجوم الاستراتيجي الذي تشنه الولايات المتحدة وعملاؤها الدوليون والإقليميون والعرب، وأدواتهم الإرهابية على الحامل العربي المركزي للقضية الفلسطينية (سوريا)، لفرض حل من طرف واحد للصراع العربي- الصهيوني وتصفية هذه القضية دون أي ضجيج يذكر..

عاد العنوان الفلسطيني ليفرض حضوره على الأجندة السياسية والإعلامية الدولية، وأيضا على حكومة الاحتلال التي انفرط عقد ائتلافها وبرلمانها على وقع مقاومة أبناء قطاع غزة الباسلة للاعتداءات البربرية المتكررة وحروب التدمير الوحشية، وتحت تأثير انتفاضة القدس وتحَيها لأعمال التطهير العرقي العنصري، وبفعل معارك الدفاع الجماهيري عن الأرض في كافة أنحاء الضفة الغربية. ووفق المرئي والمعطيات الشاخصة، فإن الحرب السياسية والدبلوماسية الصاخبة التي تدب على أرض الصراع، يتصدَرها عنوانان أساسيان يؤثر ويتأثر كل منهما بالآخر: انتخابات الكنيست المبكرة التي من شأنها حسم مسألة "يهودية إسرائيل"، والمعركة الدبلوماسية في مجلس الأمن والمؤسسات الدولية حول مشروع القرار الفلسطيني- العربي المتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال.    

انهيار الائتلاف الحكومي.. أسباب وحيثيات

في العنوان الأول، تنتظم الأسباب والحيثيات التي كانت وراء انفراط عقد حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة التي انبثقت عن أكثر برلمانات إسرائيل تبنيا للمشاريع اليهودية- العنصرية، والثالثة والثلاثين في تاريخ الكيان العبري، وفق معظم التحليلات، في سياقين اثنين: الأول، الفشل الجلي والصريح في وضع حد لانتفاضة القدس التي ما زالت تداعياتها تنتشر في كافة أنحاء الضفة العربية، وفي إجبار الجانب الفلسطيني على العودة للمفاوضات، وفشل العدوان على قطاع غزة قبل أشهر، فضلا عن تدهور مكانة الكيان الدولية، والتي كان أحد أهم تجلياتها اعتراف دولة السويد وعدد من برلمانات الدول الأوروبية الرئيسية بدولة فلسطين. والثاني، إشكالية ما يسمى "قانون القومية" وموازنة العام 2015، والفجوات الاقتصادية الآخذة في الاتساع، وارتفاع منسوب التطرف والعنف في مختلف أوساط التجمع اليهودي، ولاسيما بين تجمعات المستوطنين الذين يعلنون جهارا نهارا نيتهم قتل أو طرد الفلسطينيين العرب، واحتقارهم الشديد للمساواة والديمقراطية.

وعلى الرغم من أن هذه الأسباب والحيثيات تمتلك قدرا وازنا من الوجاهة التي تبرر التوجه نحو انتخابات نيابية مبكرة في آذار/ مارس المقبل، ولاسيما في ظل تنامي الشعور لدى الإسرائيليين بأن جيشهم القوي، الذي كان لا يقهر، لم يتمكن من سحق مجموعات فدائية صغيرة وضعيفة التسليح في معارك غزة، لا بل إنه تكبد خسائر فادحة في الأرواح في ساحة المعركة وسمح للمقاومين الفلسطينيين بشلِّ اقتصاد إسرائيل لشهرين متواصلين، إلا أن واقع الحال وموازين القوى داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية كانت تتيح لنتنياهو إعادة تشكيل الحكومة بالتحالف الذي كان تقليديا قبل عقدين تقريباًَ، مع ما يسمى قوى الوسط واليسار، إلا أن رئيس الوزراء المتهم من قبل شريكته في الائتلاف المنحل تسيبي ليفني بالكذب والجبن، وبسبب الوزن النوعي الآخذ في الارتفاع لقوى اليمين المتطرف، آثر التوجه إلى انتخابات جديدة، والعودة إلى حضن شركائه "الطبيعيين"، سواء في هذه الأحزاب  العنصرية، أو في الأحزاب الدينية الأصولية التي تعمل على إحلال الشريعة اليهودية (الهالاخاه) بدلا من القانون الأساسي المعتمد في الدولة العبرية، والمضي قدما، بالتالي، في عملية الفرز الطائفي والعرقي والتمييز العنصري التي ستتوَج، في حال فوز قوى اليمين الصهيوني والديني  بالأغلبية، بإقرار الكنيست المقبلة مشروع "يهودية الدولة" الذي ينفي فكرة دولة المواطنة وحقوق الفلسطينيين القومية، ويحقق هدف "تنقية" الكيان من العناصر غير اليهودية!

ويبدو، وفق معظم التوقعات والسيناريوهات المنتظرة التي قدّمها المحللون، أن ثمة استحالة في مجيء حكومة أقل تطرفاً من نتنياهو في موضوع التسوية والاستيطان، والأكثر ترجيحاً، في ظل حالة الانجراف المستمر والمتواصل نحو اليمين، وخصوصاً فيما يتعلق بالمسألة السياسية المركزية، حيث تواظب الغالبية الساحقة من الجمهور اليهودي على رفضها الاعتراف بأي من الحقوق الوطنية الفلسطينية، هو احتلال قوى هذا المعسكر موقع الصدارة في الكنيست القادمة وتربعها على رأس الحكم. ومع ظهور بعض النجوم في فضاء العمل الحزبي كالوزير المتطرف السابق موشي كحلون العضو الذي غادر "الليكود" قبل مدة، وأعلن عن عودنه إلى المعترك السياسي على رأس حزب جديد، فانه من غير المستبعد أن تسفر الانتخابات القادمة عن ائتلاف يضم في صفوفه "الليكود" و"البيت اليهودي" و"إسرائيل بيتنا" والأحزاب المتدينة (الحريديم) بالإضافة إلى حزب كحلون، ما يعني بقاء اليمين في دائرة صنع القرار في إسرائيل على عكس ما يتمناه البعض.

كنيست حسم "يهودية الدولة"

بطبيعة الحال، لا يعنينا كثيراً مصير نتنياهو، وإن كان سيشكل الحكومة المقبلة أم سيلفظ خارجا، وفق ما تؤشر إليه بعض استطلاعات الرأي الإسرائيلية المتدفقة منذ الإعلان عن تبكير انتخابات الكنيست، فالمهم هو أن المخاض العام في الدولة العبرية يؤشر إلى وضعية انزياح نحو المزيد من التطرف والسياسات العنصرية، وأن اهتزاز وتأرجح نتنياهو وضعفه ليس هو ذاته اهتزاز اليمين ونكوصه، لا بل إن المسالة نقيض ذلك تماما، فالمآخذ الحقيقية على الرجل الحالم بوراثة لقب "ملك إسرائيل" من أرئيل شارون، من قبل القوى الأكثر تطرفاً، هي أنه فشل في استغلال ضعف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتخلّف عن ترجمة رؤى وتوجهات اليمين العنصري المطلقة التطرف كما ينبغي، ليس فقط حيال التسوية ودعم الاستيطان الزاحف، والمساهمة بفعالية أكبر في الأحداث الدموية في دول الجوار، وإنما كذلك فيما يتعلق  بدفع وتسريع عملية الهرولة نحو مزيد من التطرف العنصري الديني و"القومي" وتهشيم الطابع العلماني للدولة.

ما يستند إليه نتنياهو في هذه الخطوة التي توصف بالخطيرة والمصيرية كونها تؤسس لشرعنة تصفية ما تبقى من الحقوق الوطنية والتاريخية الفلسطينية، وتدشن مرحلة جديدة في وظيفة الكيان الصهيوني عنوانها الأساسي إزالة العوائق التي تعترض طريق تنفيذ الأجندة المتعلقة بالفلسطينيين، أولاً، وإشادة صرح "دولة اليهود" النقية على أنقاض الوجود السياسي والمادي للشعب الفلسطيني، حيث يؤكد مشروع قانون الأساس الذي كان سيطرحه نتنياهو قبل انفراط عقد الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، أن إسرائيل "الوطن القومي لليهود" وأن هذا الحق ينفرد به اليهود فقط، ويؤكد على الحقوق الجماعية لليهود، فيما يتنكر للحقوق الجماعية لفلسطينيي الداخل. وحسب موقع صحيفة "معاريف" فإن مبادئ مقترح نتنياهو هي:

-"أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي ومكان إقامة دولته".

-" إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي وفيها يحقق حقه بتقرير مصيره".

-"الحق في تقرير المصير في إسرائيل محصور على الشعب اليهودي".

-"إسرائيل هي دولة ديمقراطية تحافظ على الحقوق الفردية لكل مواطنيها".

وثانياً، السعي إلى تنفيذ الأجندة المتعلقة بعموم المنطقة، ولاسيما في سوريا التي تحوّل العدوان الإسرائيلي العسكري ضد مواقعها العسكرية بهدف دعم المجموعات المسلحة في مناطق الجنوب، إلى عملية علنية مستدامة كان أخر تجلياتها القصف الجوي لمواقع ومنشآت مدنية وعسكرية في منطقتي مطار دمشق الدولي والديماس. ما يستند إليه رئيس وزراء الكيان، على الصعيد الداخلي، استثمار ضعف ما يسمى "اليسار" الإسرائيلي وتلاشيه، وتراجع قوة الوسط، وتقدم قوى اليمن، بتنويعاتها المختلفة، وعلى المستوى الفلسطيني والإقليمي، استمرار الانقسام في الجانب الفلسطيني، وانشغال المنطقة العربية بمشاكلها الداخلية.

وعليه، وإلى حين إجراء انتخابات الكنيست منتصف آذار/ مارس المقبل، وهي بالمناسبة الانتخابات البرلمانية السادسة خلال عشر سنوات، ومن ثم بلورة حكومة اليمين المقبلة التي يفترض بها مسابقة الزمن، وحسم معركة "يهودية الدولة" والمشاركة بفعالية أكبر في مخططات تقسيم الجوار السوري والعراقي، فإن المرجح هو استغلال نتنياهو فترة الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة لتشديد القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين، وتمرير المزيد من مشاريع الاستيطان. والأهم، وعلى خلفية كشف تقارير مراقبي الأمم المتحدة في هضبة الجولان في السنة والنصف الأخيرة عن طابع وحجم التعاون بين إسرائيل والمجموعات المسلحة السورية، والتي تضمنت، وفق ما جاء في صحيفة "هآرتس"، تفصيلات للاتصالات الدائمة التي تتم على الحدود بين ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي وبين المسلحين السوريين، وإدخال جرحى لإسرائيل، ونقل صناديق غامضة المحتوى إلى سوريا. الأهم هو رفع منسوب العدوان والتدخل المباشر في الأحداث السورية، بالأخص لجهة تهيئة الظروف الميدانية للمنطقة العازلة المأمولة في ريفي القنيطرة ودرعا بعد الخسائر الفادحة التي تعرضت لها المجموعات المسلحة، ولاسيما في جبهات الجنوب السوري.

"التنسيق الأمني".. لماذا، وإلى متى؟!

في العنوان الأساسي الآخر المتصل بمعركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال، يبدو أن ما كان مطلوباً من القيادة الفلسطينية (منظمة التحرير والسلطة) اتخاذه رداً على قتل قوات الاحتلال قائد جبهة مواجهة الاستيطان والجدار الوزير زياد أبو عين، أكبر بكثير من القرارات الخمسة التي جرى تسويقها كـ"إنجاز تاريخي" من شأنه التأسيس لمرحلة جديدة في عمر القضية الفلسطينية: التوجه إلى مجلس الأمن لانتزاع اعتراف بالدولة الفلسطينية، وتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال؛ طلب لجان تحقيق وحماية للشعب الفلسطيني من الأمم المتحدة؛ إعادة تقييم العلاقة مع إسرائيل بشكل كامل، بما في ذلك مسألة "التنسيق الأمني"؛ مطالبة الأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق باغتيال أبو عين، وتصعيد المقاومة الشعبية. وكما هو جلي، فإن المسألة المركزية العملانية التي تستحوذ على إجماع شعبي فلسطيني (وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال) لم تحتل سوى موقع هامشي في قرار ملتبس، لتكرر هذه القيادة بذلك إعادة إنتاج سياسة التجريب و"الفهلوة" التي لم تفض، خلال السنوات المديدة الماضية، إلا إلى تغوّل الاستيطان في كافة أنحاء الضفة الغربية، ولاسيما في القدس التي توضع اللمسات الأخيرة على تهويد ما تبقّى منها وهدم أقصاها، ووصول عدد المستوطنين هناك إلى نحو 800 ألف مستوطن، وتعمّق الانقسام السياسي والجغرافي ما بين جناحي الوطن المحتل عام 1967، وتبديد حق العودة للاجئي العام 1948، ناهيك عن ارتفاع منسوب المجازر وعمليات القتل الإسرائيلية وهدم البيوت واقتلاع المزروعات وغير ذلك من الإجراءات العنصرية البربرية غير المسبوقة.

الحيثيات التي جرى عرضها لتبرير هذه اللغة الإنشائية "الاحتيالية" كثيرة ومتنوعة، وتستند إلى منطق ذرائعي ذي طابع ابتزازي جوهره أن التنسيق الأمني قام بموجب اتفاقات أوسلو التي لم يبق منها الاحتلال سوى هذا التنسيق، ومن يريد إنهاءه يعني ينهي أوسلو بالكامل، وهو سيؤدي إلى اعتبار أن السلطة غير قائمة على الرغم من القرارات الدولية، وأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ستصبح مطلوبة للاحتلال الذي سيستبيح الجميع، ناهيك عن أن التنسيق مع الاحتلال، وفق أصحاب هذا المنطق، متعدد الوظائف ووقفه يعني وقف التنسيق المدني والخدماتي والعسكري وإلغاء السلطة بالكامل. وبالتالي، من يريد للفلسطينيين التحول إلى جماعات سكانية متقاتلة تحت مسميات دينية ومناطقية وعصابات فليحل السلطة! غير أن الأبرز في الحيثيات، راهناً، هو أن وقف التنسيق الأمني ومراجعة الاتفاقات السياسية والأمنية السابقة مع الجانب الإسرائيلي، من شأنهما تعطيل التصويت على مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن، ولاسيما بعد أن زفّت القيادة الفلسطينية للجمهور خبر إمكانية اجتياز حاجز الأصوات التسعة لتقديم مشروع القرار الفلسطيني- العربي الذي جرى تعديل مسودته التي قدمها الأردن، كونه العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، إلى الدول الأعضاء في المجلس، الشهر قبل الماضي، وذلك بعد انضمام ماليزيا وفنزويلا إلى عضوية المجلس لدوريتين متتاليتين مطلع العام 2015، والتحاق أحزاب الاشتراكية الدولية بالبرلمانات الأوروبية ودعوتها إلى الاعتراف "غير المشروط" بالدولة الفلسطينية ودعم مشروع المبادرة الفلسطينية، وذلك قبل البدء قبل البدء بمعالجة الفيتو الأمريكي الذي هدّد به وزير الخارجية جون كيري، علماً أن الأمريكيين الذين كانوا قد سرّبوا إلى وسائل الإعلام، وبهدف إغراء السلطة الفلسطينية ودفعها إلى فرملة أية إجراءات تتعلق بالتنسيق الأمني وسواه، كلاماً يفيد بأن واشنطن لا ترغب في استخدام حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار الفلسطيني- العربي "خوفاً من توتر علاقاتها مع العواصم العربية"!.. وتقديم هدية ثمينة لنتنياهو في حملته الانتخابية، ما زالوا يبذلون جهداً مضاعفاً مع رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي ووزراء الخارجية العرب، إضافة إلى الأوروبيين لإحباط مشروع القرار الفلسطيني الذي يحدد تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 موعداً أخيراً لانتهاء الاحتلال الإسرائيلي.

ومع أن رزمة من المؤشرات تؤكد وقوف واشنطن وراء بلورة باريس، وبالتعاون مع لندن، نص مضاد للمبادرة الفلسطينية وصفوه بـ"التوافقي" يدعو إلى استئناف سريع للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية على أساس سلسلة من المبادئ الكبرى مثل التعايش السلمي لإسرائيل ودولة فلسطينية، ويحدد سنتين لإنهاء المفاوضات، على أن يلي ذلك في مرحلة ثانية، عقد مؤتمر دولي لدعم المفاوضات بمشاركة الدول العربية، من دون استبعاد إمكانية الجمع بين مشروعي القرار الفلسطيني والفرنسي في حال اعتماد الملاحظات والتعديلات الفلسطينية على نص باريس، غير أن الإدارة الأمريكية، وبعد استنفاذ الجهود التي يبذلها وزير الخارجية جون كيري لإبعاد توقيت الطروحات إلى ما بعد الانتخابات في إسرائيل، المقامة في شهر آذار/ مارس المقبل، ووفق ما يؤكد موقع "واللا" العبري، تتجه نحو بلورة اقتراح بديل للاقتراح الفرنسي يتضمن "صيغاً لينة وودية تجاه إسرائيل"، ويدعو إلى طرح حل وسط، يقوم على الدمج بين متناقضين: التطرق إلى مسألة حدود الـ67 مع الإشارة إلى ما يسمى "تبادل المناطق"، فيما يشدد الحل، من ناحية أخرى، على "المطالب الأمنية الإسرائيلية"، ويشتمل على طرح فكرة "يهودية الدولة"، ويتجنّب، كذلك، وضع جدول زمني لانسحاب إسرائيل من المناطق الفلسطينية المحتلة. وحيثية ذلك هي أن الولايات المتحدة لن تسمح بفرض أي تسوية على إسرائيل، ولا تريد الضغط على بنيامين نتنياهو بدليل أنها، وإن كانت وراء المشروع الفرنسي، لم تعط أي دليل على إمكانية التصويت لصالح المشروع في حال تم عرضه على مجلس الأمن، على الرغم من أنها كانت، وما زالت، قادرة على فرض أي تسوية على إسرائيل.

أسئلة التطرف.. والمرونة!

في المقابل، يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رفض أي حديث عن "الدولة الفلسطينية" وشن هجوماً شرساً على القيادة الفلسطينية، كما رفض طلب جون كيري، خلال لقائهما في العاصمة الإيطالية روما، الموافقة على الدخول في مفاوضات مع السلطة الفلسطينية وفق صيغة الاقتراح الأمريكي المرتقب، تسويق منطقه المتمثل في التأكيد على أن إسرائيل تقف إلى حدّ كبير منفردة في مواجهة "موجة الإسلام المتطرف التي تجتاح الشرق الأوسط بأسره"، والزعم بأن الدولة العبرية "تصدّت حتى الآن لهذه الهجمات"، وهي تقف اليوم أمام احتمال شن هجمة سياسية عليها لإجبارها على "الانسحاب إلى خطوط عام 1967 خلال سنتين، وذلك عبر قرارات في الأمم المتحدة". ووفق نتنياهو، فإن فعل إسرائيل ذلك (الانسحاب) سيؤدي إلى "وصول الإسلام المتطرف إلى ضواحي تل أبيب وقلب القدس"، وبالتالي "لن نسمح بذلك... سنتصدى لهذا الحراك بمسؤولية وحزم.. لن يكون هناك أي شك حول هذا الموضوع (المقترحات المعروضة)... سيتم رفض هذا الحراك".

وعليه، وتحت ظلال الزعم بأن محاولات الفلسطينيين والدول الأوروبية "للإملاء على إسرائيل ستؤدي فقط إلى تدهور الوضع في المنطقة وتعرض إسرائيل للخطر"، أشهر نتنياهو ورقة التهديد بالخطوات الأحادية المضادة إذا توجه الفلسطينيون إلى مجلس الأمن أو المحكمة الدولية في لاهاي، مشدداً على أنه سيترتب على ذلك "آثار تدميرية". ومضيفاً بأن إسرائيل "تحتفظ لنفسها بحرية العمل والوسائل المتاحة" فيما تناول وزير الاستخبارات يوفال شطاينتس، الموضوع نفسه بالقول إن "الخطوات الفلسطينية تفرض رداً إسرائيليا ملائماً"، مذكَرا بأنه قبل نحو سنتين، "عندما اندفع الفلسطينيون في خطوات معادية لإسرائيل في الأمم المتحدة"، أوقف كوزير للمالية نقل أموال الضرائب إلى السلطة.

في كل الأحوال، وبصرف النظر عن مآل الحراك المرتبط برزمة معقّدة من العوامل والاعتبارات، يؤكد واقع الحال أن السياسة المعتمدة في الساحة الفلسطينية، وبخلاف منطق وإستراتيجية حركات التحرر الوطني، تحولت إلى سياسة سلطة تطمح بالتحول إلى دولة عن طريق تجريب "المقاومة السلمية الشعبية" والمراهنة على الأمم المتحدة ومنظماتها، وذلك بعد تنفيذ كل الاتفاقات التي وقّعت مع إسرائيل (بصرف النظر عن التنفيذ الإسرائيلي)، وقبول كل ما تطلبه الرباعية الدولية من إجراءات تتعلق بطريقة بناء المؤسسات الفلسطينية، والحفاظ على التنسيق الأمني بغض النظر عن تقدم مسار المفاوضات أو ممارسات الجانب الإسرائيلي، ومنع أي مقاومة مسلحة، وإعطاء المفاوضات الوقت الكافي، ناهيك عن القبول بمبدأ تبادل الأراضي لرسم الحدود، وربط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بموافقة الطرفين، والموافقة على دولة غير مسلحة، وإعطاء ضمانات كافية لأمن إسرائيل، ما أفضى، خلال السنوات الماضية، إلى تكريس فكرة أن حدود الدولة الفلسطينية ليست هي حدود ما قبل حرب 1967 وإنما هي خاضعة للتفاوض بسبب وجود مئات آلاف المستوطنين في الضفة، ووضع حد لحق العودة كونه مرتبط بموافقة الطرف الإسرائيلي، فيما استبيحت القدس ومقدساتها بشكل كامل.

ولأن هذا النمط من التعاطي يستند إلى بنيان أوسلو الذي شيّد من أكثر من عشرين عاماً، ومن الصعب التخلص منه بسهولة، ليس فقط بسبب الاتفاقات والالتزامات التي كبَلت السلطة والشعب في آن، وإنما كذلك لنمو وتضخم مصالح فئوية وسلطوية لا حياة لها إلا في هذا المناخ. ولأن رئيس السلطة الفلسطينية الذي وضع كل بيض المنظمة والسلطة في السلة الأمريكية الإسرائيلية، ولم يستعد لأية خيارات بديلة، ما زال يعتقد بإمكانية التوصل إلى تسوية إذا توفرت الحكومة الإسرائيلية المطلوبة، أو إذا مارست الإدارة الأمريكية وأوروبا الضغط اللازم على إسرائيل، وأن هناك عدم قدرة على تغيير موازيين القوى، وأن أية قفزة تتجاوز الخطوط الحمر الأمريكية يمكن أن تقود إلى مجابهة عنيفة تستفيد منها إسرائيل المتفوقة عسكريا، وربما تقود إلى الفوضى وإلى عقوبات أمريكية وإسرائيلية لا يمكن تحمَل تداعياتها، فقد كان من الطبيعي والمنطقي أن يتنطّح الكثيرون للدفاع عن التنسيق الأمني مع العدو الذي يوفر الحصول على ما يسمى "الأرقام الوطنية" وهويات وجوازات سفر أبناء قطاع غزة، وترجمة   أموال إعادة إعمار غزة إلى أفعال ملموسة، وغير ذلك من القضايا الحياتية، على الرغم من أن الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 تصر على وقف هذا التنسيق الذي يشكل عقبة كأداء أمام مقاومة الاحتلال وتفجَر انتفاضة شاملة من شأنها إحداث تحوّل جذري في معادلة الصراع العربي- الصهيوني التي تبذل إسرائيل وحلفاؤها المستحيل لعزل ومحاصرة مكوَنها الفلسطيني وإبقائه تحت السيطرة.

كاتب فلسطيني(*)

اعلى الصفحة