|
|||||
|
نقاط في بحث ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر
لا شك أن السعي المحموم للتجديد يدفعه ضحالة المعرفة الحقيقية بالتراث الإسلامي، والجهل بأساسيات الدين والشريعة الإسلامية ساعد على تشكّل المشاريع الثقافية المشهورة والمتبنية لنظرية التأويل الحديثة في دراسة الإسلام والنصوص الدينية، وهذه المشاريع الثقافية وغيرها السالكة على نفس الخط التأويلي الحديث اعتمدت في بنيتها الأساسية على ما أسسته المدارس الفلسفية الغربية في مرحلة ما بعد الحداثة، حتى لتبدو النظريات المستخدمة عربياً على النصوص الدينية صورة طبق الأصل لما قررته الفلسفة الغربية. وإن رسالة الوحي الموجهة إلى الإنسان والمتساوقة مع عقله رسالة ممتدة عبر الزمان والمكان، ومنهج الاستدلال من نصوص الوحي إنما يخضع لمعهود اللغة التي نزل بها النص، والآلية التي تنتج الدلالات الصحيحة من النصوص لا بد أن تخضع للمعايير والضوابط التي تحددها لغة النص. وطريقة فهم النصوص الشرعية في الفكر العربي المعاصر هي جزء من عمليات معقدة يعود في كثير منها إلى استعارة منهجيات وآليات في فهم النص ليست نابعة من المنظومة العربية التي نزل بلسانها النص القرآني. وقد قدم الباحث هذه الدراسة ليناقش هذا الفكر بنفس أسلوبه وآلياته، وقسم البحث إلى تمهيد وبابين وتحت كل باب فصول ومباحث. تناول في التمهيد مكانة النصوص الشرعية، وتعريف التأويل وتأريخه من حيث المصطلح والمنهج. ثم تناول في الباب الأول أصول النظرية الحديثة للتأويل وأسباب ظهورها، مبيناً في الفصل الأول جذور وروافد وامتدادات نظرية التأويل الحديثة. وبين في الفصل الثاني أسباب ظهور المنهج التأويلي الحديث في الفكر العربي المعاصر، وتعرض لأهم مشاريع المنهج التأويلي الحديث في قراءة النصوص الشرعية، مشروع محمد أركون: (النص وتجاذبات المناهج). ومشروع حسن حنفي: (الاغتراب الديني). ومشروع نصر حامد أبو زيد: (النص في السياق الماركسي). ومشروع محمد شحرور: (النص في السياق الرياضي). ثم ذكر في الفصل الثالث دراسة لأهم النظريات التأويلية العاملة في النص الشرعي؛ نظرية تاريخية النص، ونظرية المقاصد. ثم تناول في الفصل الأول من الباب الثاني نقد الظاهرة الحديثة للتأويل وتطبيقاتها على النصوص الشرعية في باب العقائد؛ كالألوهية، والنبوة، والوحي، والملائكة، والمعاد، والأسماء والأحكام. وتطبيقات الظاهرة الحديثة للتأويل في باب الأحكام؛ كالشريعة، والحدود، وأحكام الأسرة، والعلاقات الدولية وحقوق الإنسان. ثم بين أثر تطبيق المناهج الحديثة للتأويل على المفاهيم الشرعية؛ كالتشكيك في وثيقة النص، وأسبقية العقل على النص، وسلطة الواقع، ونزع القداسة عن النصوص الشرعية. وفي الفصل الثاني والأخير بين الموقف العلمي النقدي من نظرية التأويل الحديثة، تناول فيه نقد أساس النظرية، ونقد تطبيق النظرية على النصوص الشرعية. بعد هذه الرحلة الطويلة والمتشعبة في دراسة ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر، لا يمكن تسجيل كل أفكار البحث الأساسية، وإنما سنحاول تسجيل أهم النتائج التي توصل إليها البحث من خلال النقاط التالية: 1- يجد المتابع لحركة دلالة مصطلح التأويل في الاستخدام الحديث أنها لا تخضع للصرامة الدلالية التي تتمتع بها سابقاً، بل تحول التأويل من كونه مصطلحاً متداولاً في مباحث النصوص الدينية إلى علم يبحث في آليات الفهم، سواء تعلق ذلك بالنصوص الدينية أو الحقول الإنسانية. 2- تعد الثورة البروتستانتية التي قادها مارتن لوثر – وإن كانت بشكل متواضع – أهم حدث مهد للتأويل الحديث بالامتداد داخل حقل النقد الكتابي. حيث شرعت هذه الثورة للحرية في فهم وتأويل الكتاب المقدس لعامة طبقات الناس، وحدت من مصادرة الكنيسة لأحقية فهم وتأويل الكتاب المقدس، ثم كانت محاولة سبينوزا وكانت في استخدام المنهج التاريخي في تأويل الكتاب المقدس تتويجاً للنقد الكتابي. 3- إن الجهل بالشريعة وتهميش التراث الإسلامي – وخصوصاً المتماسك منه علمياً – كان وراء حمى التسارع إلى تجديد التراث، ليس بإرجاعه إلى نضارته في عصر الرسالة؛ وإنما من أجل اللحاق بالنموذج الغربي، ولذلك توسع بهذا المجال المنقود ليشمل حتى الثوابت والقطعيات الدينية. 4- إن الملاحظة في حضور النظرية التأويلية في النقد العربي المعاصر وخصوصاً فيما يتعلق بمجال النصوص الدينية أنه أخذ منحى هابطاً في مجال الصرامة العلمية والقواعد المنهجية، وفي المقابل يأخذ منحى صاعداً في مجال الفوضوية المصطلحية، وتبدأ المنهجية الانتقائية والتوظيف الأيديولوجي بالظهور على حساب المبادئ الأساسية والأطر العلمية، حتى تحولت النظرية من كونها نظرية علمية إلى ظاهرة تفتقر إلى الكثير من المقومات العلمية. 5- إن السبب في تحرك مدلولات الشريعة في المنظور العلماني؛ أن الشريعة تعتبر قيمة عليا وهي الروح أو الجوهر أو الرحمة، وأن هذه الأحكام إنما هي مظاهر أو تجليات لهذه الروح، وما دامت هذه التجليات تحقق القيمة العليا لهذه الروح أو الرحمة فهي المطلوبة، وكل حكم لا يحقق هذه القيمة فليس من الشريعة، وإن كان مورس تاريخياً باسم الشريعة. 8- إن المتابع لتطبيقات النظرية الحديثة للتأويل على النصوص الشرعية يجد أن المناهج النقدية العاملة في النصوص الشرعية قد أفرزت عدداً من المفاهيم التي صارت مع الممارسة والتنظير أشبه بالقوانين الحتمية في التعامل مع النصوص الشرعية – وإن كانت لم تبن على أساس علمي – كأسبقية العقل على النص أو سلطة الواقع وغيرها، وهذه المفاهيم أصبحت تحل بشكل تدريجي محل المفاهيم الشرعية المتفق عليها كحجية القرآن وسلامته من النقص وحقيقة أخباره عن الماضي أو المستقبل، وأن تعظيم القرآن ناشئ من كونه كلام الله سبحانه وتعالى وغير ذلك من المفاهيم الشرعية. 9- إن التوظيف الإيديولوجي سواء على مستوى الانتقائية من بين المناهج أو على مستوى الانتقائية داخل المنهج الواحد كما هو معمول به في الخطاب العلماني؛ لا يمكن إلا أن يخلف تعصباً على المستوى العملي – وإن كان في التنظير قد يكون فيه شيء من تشريع للحيادية – ولذلك فإن الخطاب التأويلي الحديث وإن حارب التعصب على مستوى النظرية؛ إلا أنه مارسه على مستوى التطبيق.
|
||||