|
|||||||
|
تثار في هذه الأيام إشكاليات كبرى حول موضوع الأديان بشكل عام والدين الإسلامي بشكل خاص. والسبب يُعود في ذلك إلى حالات القتل والإبادات الجماعية التي يخوضها أحد الدينين ضد الآخر بل من ضمن نفس الدين، هناك مجازر بين أحد المذاهب والمذاهب الأخرى. ويذهب العلمانيون إلى تحميل الدين مسؤولية ما يحدث بحيث يوحون بأن الدين يساوي القتل والإرهاب والظلم والتعدي على البشر في وجودهم ومعاشهم وحريتهم الشخصية. وإنها لصدفة جميلة أن تأتي مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف صلى الله عليه وآله وسلم مع ولادة السيد المسيح عليه السلام كي نغتنم الفرصة للدفاع عن الإسلام والمسيحية باعتبارهما دينان من عند الله جاءا لخدمة وخير البشرية وما يفعله المنتمون لأحد هذين الدينين من أعمال إجرامية لا يمت للدين بصلة، وإنما هو فعل حيواني لا يمكن أن يكون فعلاً آدمياً فضلاً عن أن يكون منتمياً لدين أو عقيدة إلهية. إن المسيحية كما في كل التعابير الواردة عند المسلمين والمسيحيين هي دين المحبة وعندما جاء عيسى بن مريم عليه السلام برسالته لقومه جاء بها داعياً لهم للخير والصلاح والمحبة ولم يأتِ إليهم بالحرب والقتل والدمار. هو الذي أحيا الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص، يستحيل أن تكون دعوته تعني قتل الآخر حتى لو لم يكن هذا الآخر مؤمناً بما جاء به عليه السلام. لقد حفل التاريخ بحروب خيضت باسم الكنيسة ومنها ما حصل في بلادنا أيام الحروب الصليبية إلا إن هذه الحروب لم تكن حروباً دينية صرفة وإنما كانت حروب سياسية أراد منها الحكام آنذاك السيطرة على مناطقنا وسخروا لذلك الكنيسة كي يستطيعوا الحشد أكثر وليجعلوا الوصول إلى شهوتهم في السلطة أسرع وليشعر المقاتل من اجل تحقيق رغباتهم أنه ذاهب إلى الجنة إذا ما قُتل في هذه المعركة. أما المسيحية والمسيح عليه السلام فليسوا في هذا الوارد أبداً، وهو القائل عليه السلام كما ورد في الإنجيل المسمى روميه: "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكاناً للغضب لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي، يقول الرب فإن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فأسقه لأنك إن فعلت هذا تجمع حجر نار في رأسه لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير. إن سيدنا المسيح عليه السلام ما دعى إلا للخير ولا يمكن لدين سماوي إلا أن يدعو لذلك، فما يفعله البعض اليوم باسم المسيحية هو تجديف وإفتراء لا يمكن الإقرار به. أما في الإسلام فإن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو نبي الرحمة، وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). فالإسلام دعا إلى أن تعم الرحمة للعالمين وليس المسلمين فحسب، ونهى الإسلام عن أن يُتعامل حتى مع العدو بأسلوب انتقامي، وهذا ما أوصى به الإمام علي عليه السلام أولاده بقوله:"لا ألفينكم يا بني عبد المطلب تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين إلا لا تقتلن بي إلا قاتلي انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فأضربوه ضربة بضربة ولا يمثلن بالرجل فإني سمعت رسول الله (ص) يقول إياكم والمثلى ولو بالكلب العقور. فإذا حرم الإسلام أن نمثل بالكلب العقور أي الذي به مرض يتقزز منه كالجرب مثلاً، فكيف بالإنسان الذي كرمه الله عز وجل. (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً). إن ما يفعله التكفيريون اليوم من قتل للناس مسلمين ومسيحيين هو فعل إجرامي يخدم أهدافاً سياسية لا علاقة للإسلام بها ولا للدين بل إن الدين براء من ذلك وهو دعا إلى أن يعمل الإنسان على دعوة الآخر إلى الإسلام وهدايته إلى الدين الحق وهذا رسول الله (ص) يوصي أمير المؤمنين علي (ع) بقوله:"يا علي لا تقاتلن أحداً حتى تدعوه وايم الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا علي". إن الإسلام لم يحتكر الهداية بل أراد من كل المسلمين أن يكونوا هداة للخير ودعاة للوئام والمحبة والوفاق، ولذلك ففي ذكرى مولد نبي الرحمة محمد (ص) ونبي المحبة المسيح عيسى بن مريم (ع) لا بد من فضح الخلفيات التي ينطلق منها كل من يدعو باسم الدين إلى القتل وشق الصدور وسبي النساء، ونعلن أنهم إنما يفعلون ذلك إنطلاقاً من أهداف سياسية تستهدف السيطرة على بلاد المسلمين بحجة الإسلام وهو افتراء محض. يجب أن تتضافر جهود علماء الدين مسلمين ومسيحيين للوحدة في مواجهة هؤلاء حماية للدين وحفظاً للإنسانية التي إنما جاءت الأديان لخدمتها وحمايتها وصونها. |
||||||