السلاح النووي في آسيا:
المخاطر التي قد تواجهها المنطقة والاحتمالات

السنة الرابعة عشر ـ العدد 157 ـ (ربيع أول 1436 هـ) كانون الثاني ـ 2015 م)

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

معهد أبحاث الأمن القومي - بقلم: ستيفن سيمبلا

 

يشكل انتشار السلاح النووي في آسيا تهديداً على قوة الردع النووي وعلى الاستقرار في المنطقة، وأيضاً يشكل تهديدات فريدة لأمن الولايات المتحدة وحلفائها. ويتناول البحث اثنين من السيناريوهات المستقبلية الممكنة أمام آسيا النووية: الأول:  توزيع السلطة مع سقوف مستويات مختلفة ومحدودة جداً لانتشار الاتفاقيات المتفق عليها بين الدول. الثاني: سباق تسلح نووي بري.

ليس فقط في مناطق التوترات الإقليمية فحسب، بل وان تداخل المنافسات الاقليمية والعالمية والتطلعات يمكن أن تزعزع الاستقرار والردع النووي في آسيا.

الانتشار النووي – نعم أم لا؟

ترفع الولايات المتحدة شعار الدعم لميثاق منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) الذي يطالب الدول الموقعة عليه بالتنازل عن الخيار النووي. ووفقاً للميثاق، فإنه من حق الدول غير النووية أن تطور دورة كاملة من الوقود النووي للأغراض السلمية، لإنتاج الكهرباء مثلاً. والدول الموقعة على الميثاق مطالبة بالسماح بقيام وكالة الطاقة الدولية بزيارات منتظمة وفجائية إلى مواقع إنتاج الكهرباء وبناها التحتية. وتتمتع الوكالة بسمعة مختلطة: حيث أن مستوى التعاون معها أو معارضة ذلك من قبل دولة معينة يؤثر على قدرة مراقبي الوكالة لتحقيق صورة كاملة ودقيقة على البرنامج النووي في الدولة المعنية، أو من خلال تضليلها. فعلى سبيل المثال في العراق لم تنجح زيارة المراقبين المنتظمة التي قاموا بها قبل العام 1991، بالوقوف على كامل الجهود التي قام بها صدام حسين من أجل تطوير السلاح النووي.

المخابرات الأمريكية لم تحقق انجازات ذات مغزى بمدى قدرة الدول ذات القدرات النووية في كل ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل بما في ذلك السلاح النووي. حيث أكدت وكالة الاستخبارات الأمريكية، في العام 2003 للرئيس بوش ومستشاريه،  وجود كميات ضخمة من أسلحة الدمار الشامل في العراق بصورة مؤكدة. وعلى الرغم من ذلك وفي أعقاب انتهاء "عملية تحرير العراق" وإزاحة صدام حسين عن السلطة لم يتم العثور في العراق على أي سلاح من هذا النوع. كما أن (CIA) فوجئت في العام 1988 عندما أجرت الهند وباكستان وفي وقت متزامن تقريباً تجارب على السلاح النووي، حيث خرجت الدولتان في أعقاب ذلك وأعلنتا عن نفسيهما كدولتين نوويتين. هذا بالإضافة إلى أنه في العام 1994 وقعت الولايات المتحدة في العام 1994 على اتفاق مع كوريا الشمالية لتجميد برنامج تطوير السلاح النووي لها، إلا أنه في العام 2002 خرقت كوريا الشمالية ذلك الاتفاق واعترفت وبصورة غير متوقعة أنها خدعتها  طوال الوقت وأعلنت انضمامها للدول النووية.

ورداً على تفجير برجي مقر التجارة العالمي في نيويورك والفشل في كبح انتشار الأسلحة النووية في آسيا والشرق الأوسط، سعت إدارة الرئيس بوش الابن، لتعزيز الوسائل التقليدية لمنع انتشار الأسلحة عن طريق الهجمات الوقائية والدفاع الصاروخي. حيث سمح التفوق الأمريكي عبر ملكية السلاح الدقيق والبعيد المدى بتحويل الفكرة إلى أمر واقعي من الناحية التقنية، شريطة التشخيص الدقيق للمواقع المستهدفة. وعلى ما يبدو فقد نجحت سياسة بوش النووية في استخدام الضربات الوقائية أيضاً، ضد الدول المعادية التي تقترب من الحصول على السلاح النووي.

على الرغم من أن الدفاع أمام الصواريخ يعتبر ترفا تكنولوجيا بالمقارنة مع القدرة على ضرب العمق الأمريكي، فقد قامت الولايات المتحدة في العام 2004 للمرة الأولى بشق الطريق نحو أنظمة دفاعيــة قومية أمام الصواريخ، حيث قامت إدارة الرئيس أوباما من جانبها بتطوير برنامجٍ دفاعيٍّ طموح أمام الصواريخ عن طريق نشر شبكة صواريخ أرضية في أوروبا.

تشكل استراتيجيات الضربات الوقائية والدفاع الصاروخي موضوع خلاف بحد ذاتها، حيث تدرك الإدارة الأمريكية وفي كل إشارة أو تلميح وردت في هذا البحث في كل ما يخص الموضوع قيد البحث، بأنه لم يعد هناك مجال لكبح أو ردع انتشار السلاح النووي.

عالم نووي متعدد الأقطاب

يتعارض عدم اليقين تجاه موجة انتشار السلاح النووي في آسيا مستقبلاً مع الاستقرار النسبي الذي ميز عصر الحرب الباردة. حيث انتشر السلاح النووي خلال هذه الحرب من دولة إلى دولة بشكل متسارع اكبر من التوقعات التي تنبأ بها المتشائمون. وذلك للطبيعة القطبية الثنائية للنظام الدولي ومن التفوق النووي للاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، أمام جميع المنافسين.

فقد منعت القوتان العظميان انتشار السلاح النووي في أوساط باقي المناطق والدول، في الوقت الذي عملتا فيه على إنتاج منشآت ضخمة ومتطورة جداً لأجلهما. بالإضافة إلى المساهمة في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ونظام المراقبة الذي أنشئ تبعاً لها، في تقييد موجة انتشار السلاح النووي داخل الدول التي تحولت فعلا إلى دول نووية.

أرسى انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، مجالاً من عدم اليقين السياسي وموضوع أسلحة الدمار الشامل والصواريخ تمتد إلى الشرق عبر الشرق الأوسط وجنوب آسيا ومنطقة المحيط الهادي. وشعرت دول أمريكا الشمالية وغرب أوروبا التي عاشت في أعقاب توسع حلف الناتو وتراجع روسيا، بالسلام أو على الأقل عدم القتال، ونظروا إلى السلاح النووي كمخلفات قديمة من عصر الإبادة الجماعية.

خلقت "الثورة في المواضيع العسكرية"، في الفترة الأخيرة، تسلسلاً حديثاً يستند إلى تطبيق المعرفة والعلم في فنون القتال. وتعتبر وجهة نظر غربية حديثة أن السلاح النووي وأي سلاح للإبادة الجماعية هي عبارة عن تفاصيل عسكرية تشبه ما هو موجود في المتاحف، وان خطورتهما تنبع من وجودهما في الأيدي غير المنضبطة.

وفي مقابل وجهة النظر الأوروبية فإن دول منطقة الشرق الأوسط التي تتواجد في مدى الصواريخ بعيدة المدى التي تنتشر قواعدها في آسيا، ترى بالسلاح النووي والصواريخ البالستية بطاقة نصر محتمل. انجذاب هذه الدول للسلاح النووي وأجهزة إطلاق الصواريخ يوجد على الأقل في ثلاثة أسباب، الأول، سلاح كهذا يمكن من خلق استراتيجيات لـ "منع اقتراب" قوات أجنبية تسعى ربما للتدخل في المسائل الإقليمية.

فالنجاح العسكري للولايات المتحدة في أفغانستان في العام 2001 وفي العراق في العام 2003 عززت لدى القيادات ذات التطلعات الإقليمية التزاما منطقيا بعدم تحقيق ذلك عبر استخدام أسلحة الدمار الشامل. الثاني، السلاح النووي قد يمكن دولا معينة من فرض خطوات على دول أخرى التي لا يوجد لديها وسائل رادعة. فالسلاح النووي الإسرائيلي غير المعلن عنه بصورة رسمية إلا أن وجوده معروف للكثيرين، يحقق بالنسبة لها قوة ردع في وجه جيرانها العرب وكخيار "حماية الذات في وجه الفلسطينيين" في حال وجدت نفسها على حافة انهيار عسكري يؤدي إلى تغيير الحكم فيها. الثالث، يمكن السلاح النووي الدول التي ليست لها تطلعات تكنولوجية متقدمة لأنظمة عسكرية تقليدية من البقاء في إطار "لعبة الكبار" وتشكل روسيا النموذج المطلوب لمثل هذه الظاهرة. فبدون الترسانة النووية الروسية أنها ستكون مكشوفة أمام الابتزاز النووي وحتى الهجمات العسكرية من النوع التقليدي، من نواحي إستراتيجية مختلفة. فقوة الردع المستمرة لروسيا منذ أيام الحرب الباردة (على افتراض أنها ستمر في مرحلة من التحديث) تؤمن لها موقفها من الشؤون الأوروبية، وتحول جاراتها الآسيويات إلى أكثر حذراً.

المنافسة النووية التي تشمل خمس جبهات في حوض المحيط الباسيفيكي، من حيث اختبار الردع النووي الجيو/سياسي وتوسيع انتشارها، للردع النووي قائمة في الهند وباكستان وإيران في موقعها الحالي في تطوير السلاح النووي. قوس من عدم الاستقرار النووي يمتد من طهران وحتى طوكيو من شأنه أن يلقي بإستراتيجية الانتشار للولايات المتحدة في سلة مهملات التاريخ ويثير خياراً عسكرياً أكثر تشدداً، لا يستبعد ضربة وقائية، خطوات إدانة، أو عمليات خاصة لخلق قوة ردع مضادة. بالإضافة إلى أن سباق التسلح النووي المنفلت في آسيا يعزز الافتراض لوقوع حرب نووية كنتيجة عرضية أو إهمال، وان الأسباب لذلك قد تكون:

1. بعض الدول التي يدور الحديث عنها، لها تاريخ طويل من المواجهة المستمرة.

2. بإمكان الدول أن تعزز شبكة مراقبة وسيطرة غير ناضجة، أو غير موثوقة من ناحية سياسية. وبشكل خاص في أوضاع الأزمة التي تلزم اتخاذ قرار بخصوص ضربة نووية أولى أو رد فعل انتقامي. الأنظمة غير الناضجة أو غير الموثوقة من شأنها أن تؤدي إلى فشل فني، يتسبب بعملية إطلاق غير مقصودة، أو عملية إطلاق مقصودة ولكن غير مصرح بها عن طريق مسؤولين تمردوا على الأوامر.

3. الإخفاق في أنظمة الردع والاستخبارات، من شأنه أن يتسبب بقيام احد الأطراف بتفسير الإجراءات الدفاعية للطرف الثاني، الذي يريد فعلاً إحباط أي عدوان، بأنها خطة للاعتداء، الأمر الذي يؤدي بالجانب الأول للبدء بضربة وقائية عن طريق الخطأ.

الصين تصعد إلى المنصة

المشكلة التي لا يتحدثون عنها تقريباً ولا تحظى بأي اهتمام مناسب هي الصناعة المتعاظمة والقوة العسكرية الصينية، والعلاقة بينها وبين الولايات المتحدة وباقي الدول النووية الأخرى. الاقتصاد الصيني والقوة العسكرية المتعاظمة بسبب النمو الاقتصادي، سوف تؤدي خلال العقود المقبلة بالصين للمزيد من الجرأة وفي محاولاتها للتأثير على ما يدور في جنوب وشرق آسيا. عندما ننظر على ذلك من وجهة نظر العديد من النظريات الكلاسيكية للعلاقات بين الدول، نجد أن الصين تشكل قوة صاعدة وتمثل تهديدا محتملا للهيمنة الإقليمية وربما أيضاً العالمية. إحدى الافتراضات للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة من وجهة نظر التغيير في علاقات القوة تظهر ثلاث نتائج أو سيناريوهات من الممكن أن تحدث ابتداءً من الآن وحتى منتصف العقد الحالي: (1) صراع دموي للتغيير(2) تغييرات قيادية سلمية(3) التكيف من منطلق أن لا مناص. وليس من المؤكد أن تنتهي المنافسة الجيو/سياسية هذه بحرب. على المدى القصير التحديث في الاقتصاد الصيني يتطلب فترة من النمو بدون أي إزعاجات أو حرب كبيرة. بالإضافة إلى أنه من وجهة النظر بعيدة المدى على التغيير في ميزان القوى بين الصين والولايات المتحدة من شأنه أن يشير إلى أن الصين ستطالب بان تنفذ صيغة "في الخلافات ولكن ليس في الحرب" في العلاقات بين الدولتين. 

التركيز على نظريات التغيير في ميزان القوى بين الولايات المتحدة والصين، يتجاهل أيضاً المحاور الممكنة الأخرى على المنافسة والصراع بين الصين وبين دول أخرى في آسيا. فروسيا واليابان هما منافستان على التأثير في المنطقة في مواجهة الصين. ولا يمكن استبعاد إمكانية نشوب حرب محلية أو إقليمية، بين الصين وروسيا أو بين الصين واليابان.

هذا المقال تناول حتى الآن مشكلة سباق التسلح النووي في آسيا بصورة مبسطة، ومثيرة للقلق أيضاً. الأجزاء التالية من المقال مطلوب منها أن تضع الأسس لفكرة فحص السيناريوهات التالية التي تناقض بعضها البعض:

1- نموذج لوقف الانتشار النووي، يتم بموجبه اتفاق متعدد الأطراف بين الدول النووية والدول الأخرى على تجميد الوضع الراهن لانتشار الأسلحة النووية لفترة طويلة المدى.

2- منافسة غير مضبوطة للتسلح النووي في آسيا تؤدي إلى انضمام دول أخرى للدائرة النووية وزيادة عدم الاستقرار في المنطقة.

دول وقوى

سيناريو رقم(1): وقف الانتشار النووي

اتفاق متعدد الأطراف يحدد التسلح النووي أو قد يقلصه، ويكون ملزماً لتأسيس نظام هرمي ما بين الدول النووية الموجودة، ويغلق الباب في وجه انضمام دول جديدة، كذلك من المستحسن أن ينظم هذا الاتفاق نزع ناجح للبنى التحتية وللسلاح النووي في كوريا الشمالية. ومن الممكن أن يؤسس النظام الهرمي لمراكز السلاح بين الدول النووية على النحو التالي: الولايات المتحدة وروسيا – يحتفظ كل طرف كسقف له بألف من أنظمة السلاح النووي بعيدة المدى، الصين وفرنسا وبريطاني – تحتفظ كل دولة كسقف لها بـ 500 نظام من هذا السلاح، الهند وباكستان وإسرائيل – تحتفظ كل دولة كسقف لها بـ 300 نظام من هذا السلاح. وتكون هذه الدول ملزمة عند الضرورة بإحصاء جميع أنظمة السلاح المنصوبة على قواعد الإطلاق، سواء قواعد إطلاق أرض – أرض أو قواعد إطلاق متوسطة المدى، ولكن ليس صواريخ أو طائرات قصيرة المدى. ولا داعي للقول بضرورة إيجاد أنظمة متفق عليها لتحقق والتتبع، ولكن في إطار الوكالة الدولية للطاقة النووية وبرنامج الرقابة التابع لها.

هذا الحل يلزم إلى مدى معين التعاون بين دول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، والتي هي الدول الخمس الأوائل في النادي النووي،  ومن الممكن أن يواجه بصعوبة من قبل قيادات الأركان العسكرية. ومن جانب آخر فإن التضحية التي تتقدمها هذه الدول في إطار سلطة الرقابة المطلوبة تكون صغيرة بالمقارنة مع وضع السوق غير المراقب حول الطلب على السلاح النووي في آسيا والشرق الأوسط. إن اتفاقاً موقعاً ومطبقاً مثل هذا من شأنه أن يمنح منظمة الأمم المتحدة ووكالة الطاقة النووية ثقة وقوة إضافية، ويساعدهما لممارسة ضغط على الدول التي تطمح للوصول إلى القدرات النووية والتي أصبحت على وشك الوصول إليها.

هل يحقق مثل هذا الاتفاق ردعاً عسكرياً أو أنه يخلق وضعاً لأزمة دائمة؟ النموذج التالي يعطينا تجسيداً لهذا الموضوع في المخطط رقم 1 تم تفصيل عدد أنظمة التسلح لعدة دول مختلفة وفقاً لنموذج وقف الانتشار.

مخطط رقم 1: نموذج وقف الانتشار النووي

مجموع السلاح الاستراتيجي:

والمخطط رقم 2 يعرض كميات أنظمة السلاح النووي التي بقيت في كل دولة نووية ويتم إطلاقها خلال بضع ثوانٍ. وهذا يستند على افتراض معقول بالنسبة لقدرة المهاجمين والمدافعين ومن خلال معرفة أن القوات النووية منتشرة أصلاً لأغراض الردع. وليس هناك من يعرف كيف سيكون عمل هذه القوات فعلياً في حالة الضغط من أجل حرب نووية متعددة أو ثنائية الأطراف.

النتيجة التي يظهرها المخططان 1 و- 2 تظهر أنه على الرغم من أن جميع الدول النووية تحافظ على عدد كاف من الرؤوس المتفجرة لغرض المحافظة على البقاء والرد الانتقامي وكذلك لاحتمال الردع إلا أن مراكز كبيرة هي صاحبة احتمال قوي للبقاء. هل الاختلاف هذا بين الدول التي ستبقى بعد الضربة النووية سيغير شيئاً ما في العالم الذي يترقب إطلاق السلاح النووي للمرة الأولى منذ ناغازاكي؟ هذا سؤال ذو صبغة علمية وصبغة أخلاقية. في السيناريو المتفائل والأفضل، وهو نموذج وقف الانتشار والذي يمنح مستوى أعلى من الردع والاستقرار في الأزمة. والتي سيكون فيها ما يكفي من أجل المحافظة على "المحرمات النووية" أو يمنع البدء باستخدام النووي، حتى بعد العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.

مخطط رقم 2: نموذج وقف انتشار الأسلحة النووية

السلاح الذي بقي وأطلق برد فعل انتقامي

المخطط رقم 2 يثبت أن سلطة منع الانتشار تدفع إلى تطوير ردع عسكري وذلك لصالح القدرة على الرد الانتقامي المضمون. من الصعوبة بمكان تقدير احتمالات استقرار الأزمة. المعطيات الواردة في المخططين 1 و-2 تظهر أن الدول الواردة في نموذج منع الانتشار لديها القدرة لتمكين مستوى كاف من استقرار الأزمة. شريطة خضوع قواتها النووية للأوامر المعتمدة والالتزام بها، وان تكون محصنة في وجه الاستغلال السيئ لممارسات خبيثة انطلاقاً من اعتبارات سياسية. وللأسف من الممكن القول إن هذا النموذج لا يستبعد هذا السيناريو المتفائل.

القيادات السياسية والمستشارون العسكريون لهم، هم الذين سيحددون فيما إذا كان نظام الرقابة النووي متعدد الأقطاب سينجح أو سيفشل في الرقابة على استقرار الأزمة. في مثل هذه الحالة على الدول أن تأخذ بالحسبان هامش الخطأ وآليات تفوق الإنذار النووي، وآليات التفاعل وشبكات القيادة والسيطرة التابعة لها. هذا بالإضافة إلى نقص الرغبة بضربة نووية وقائية. وفي هذا السياق فإن الدول سوف تمنح الأفضلية للأنظمة التي لها صلة أقل بإطلاق الصواريخ للمحافظة على بقائها – كالصواريخ البالستية البحرية بالمقارنة مع الصواريخ التي تطلق من على اليابسة، أو صواريخ – أرضية متحركة بالمقارنة بالصواريخ المطمورة. الدول التي تحاذي دولا معادية تتخوف بشكل خاص من الضربة الأولى، وكذلك من أنظمة الرقابة والسيطرة السياسية أو العسكرية لها تكون محمية جيدا في وجه هجمات قاتلة هدفها إسكاتها وتدميرها، تشن بالمقابل هجمات على قواتها التقليدية أو النووية على سكانها أو على أهداف أخرى لها.

سيناريو رقم 2: سباق التسلح النووي في آسيا

كيف يبدو سباق التسلح النووي في آسيا مع نهاية العقد الثاني من القرن الحالي؟ في حال تم وقف انتشار الأسلحة النووية في آسيا بنجاح أو انه تراجع، سواء بالطرق الدبلوماسية أو عن طريق الحرب، عندها لن يكون هناك طعم للمضاربة. وعليه فإننا نفترض هنا مستقبلا أكثر تشاؤماً – نشر السلاح النووي أو وقفه. في مثل هذه الحالة فإن العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين سيكون شاهدا على النادي الذي يضم في عضويته الدول النووية الثمانية، في آسيا وفي الشرق الأوسط ستكون قادرة على زعزعة الاستقرار النووي في آسيا. هذا النادي الذي يضم روسيا واليابان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والهند وباكستان وإيران (هناك إمكانيات قائمة لانتشار السلاح النووي وبشكل خاص في العصر الذي تتحول فيه إيران إلى دولة نووية معلن عنها، هذه الإمكانيات تشمل العربية السعودية وتركيا ومصر).

وعلى الرغم من هذه الفرضية فإن نشر الأسلحة النووية لن يتوقف، كما أنها لن تؤدي بشكل تلقائي إلى الحرب، على الرغم من أنه سيكون هناك من يلقون ظلالاً من الشك على نحو معين حول صحة ذلك، على افتراض أن السلاح النووي سيمتد إلى هذه الدول دون التسبب بنشوب حرب. على سبيل المثال فإن الولايات المتحدة أعلنت أنها لن تحتمل امتلاك إيران أو في كوريا الشمالية للقدرة النووية، وأنها ستمنع إيران من الحصول على السلاح النووي وأنها ستفكك هذا السلاح في كوريا الشمالية. وهناك خبراء يدعون أيضاً أن الصين لن تسمح أبداً بامتلاك اليابان للسلاح النووي.

وعلى الرغم من موقف الولايات المتحدة فإن نزع كوريا الشمالية من سلاحها النووي ليس بالأمر المؤكد: إجراء مفاوضات دولية معقدة مع بيونغ يانغ من شأنه أن يتيح لها أن تكون دولة نووية، مقابل مطالبة النظام هناك بالمزيد من الانفتاح نحو الغرب واستعدادات للامتثال للعديد من الاتفاقيات الدولية بشأن المراقبة على الأسلحة. صفقة كهذه من شأنها أن تشمل أيضاً مساعدة اقتصادية من الولايات المتحدة ومن الدول الكبرى الأخرى بهدف بناء الاقتصاد الكوري الشمالي الأخرق مجدداً.

أما فيما يتعلق بأن تصبح إيران دولة نووية، فقد هددت كل من إسرائيل والولايات المتحدة بشكل غير مباشر بشن ضربة وقائية على (بالسلاح التقليدي) المنشآت النووية لإيران وعلى أية قوة عسكرية لديها قدرة نووية. ويجب وزن السعر الذي سيكلف تنفيذ هذه التهديدات بشن ضربة رادعة ضد إيران. فإيران هي دولة كبيرة بالمقارنة مع العراق، ولا يمكن غزوها أو احتلالها، بل إن إيران وعلى العكس من ذلك قادرة على بناء أي بنى تحتية أو موقع نووي يتم تدميره، ثمة اعتبار آخر يجب أن يؤخذ بالحسبان هو الاعتبار السياسي: ضربة وقائية إسرائيلية ضد إيران ستؤدي إلى تجنيد حرب مقدسة إضافية من منظمات الجهاد العالمي ضد إسرائيل: فإيران هي أحدى الممولات الرئيسية لحزب الله ومنظمات أخرى والتي من شأنها أن تقوم بالعمل عبر هجمات تخريبية ضد إسرائيل. كما إن ضربة وقائية إسرائيلية ضد طهران من شأنه إن تشعل انتفاضة جديدة، إذ إنها ستزعزع بصورة أو بأخرى عملية السلام التي من شأنه أن تؤدي إلى خلاف سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين وللسلطة الفلسطينية.

عدم اليقين، لا يسمح باستبعاد الدخول التلقائي لدول جديدة إلى النادي النووي. ولذلك، فإن التحليل التالي يتطرق للدول النووية الثمانية القائمة والمحتملة، في آسيا وفي الشرق الأوسط (التي تساهم بشكل محتمل لعدم الاستقرار في آسيا). كنقطة انطلاق يفترض المقال أن انتشار القوات النووية القديمة والجديدة، تتم بصورة غير مقيدة بالاتفاقيات والمواثيق. فروسيا على سبيل المثال تسمح لنفسها باختراق التقييدات الواردة في اتفاقية "ستارت" للحد من الأسلحة النووية الجديدة، والتي نحدد لها كسقف 1550 رأساً متفجراً متطوراً منصوباً على منصات إطلاق برية بعيدة المدى. ومع ذلك فإن قدرة روسيا على بناء وتطوير قواها النووية مقيدة وليست مطلقة الحرية، ولذلك فهي لا تصل إلى الأهداف الطموحة التي وضعها الرئيس الروسي ورئيس الوزراء ديمتري روغوزين. روسيا تطلب المحافظة على وضعها كدولة نووية بذات المستوى الذي تحتفظ فيه الولايات المتحدة. ولذلك ترى أيضاً أن تظهر قوتها النووية العسكرية بشكل خاص في آسيا أمام خصومها الإقليميين المحتملين. الافتراض في هذا التحليل هو أنه يوجد لروسيا والدول العظمى النووية الأخرى القدرة على دمج أنواع مختلفة من منصات إطلاق الصواريخ – بحرية وبرية وجوية. ومن أجل تسهيل النقاش فإن صواريخ كروز أصبحت أكثر دقة ومراوغة، ومتاحة أكثر، وعليه فإن دول كثيرة تفضلها عن الصواريخ البالستية من أجل أن تحملها رؤوساً النووية.

كما ورد، فإن الدول الواردة في هذا التحليل هي روسيا والصين واليابان والهند وباكستان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وإيران. هناك من يعارض ضم اليابان لهذه القائمة، في حين يدعي الآخرون أن الافتراض بتحول اليابان إلى دولة نووية هو  افتراض وارد  وذلك لأسباب ثلاثة على الأقل:

أولاً– يوجد لليابان تاريخ للمسالمة العسكرية منذ عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، فجزء من ذكرياتها عن هذه الحرب وعلى حوادث الهجوم السابقة ضد خصومها الإقليميين تم حلها.

ثانياً– بالنظر إلى أهداف اليابان الدولية، تمثل اليابان سياسة الوضع الراهن أكثر من كونها مصدراً للرجعية، ووفقاً لوجهة النظر هذه فإن القدرة النووية لدى اليابان لن تكون أكثر تهديداً من تلك التي بحوزة بريطانيا أو فرنسا.

ثالثاً– اليابان النووية ستساعد (مع الهند وروسيا) بكبح جماح الصين. كما أن للادعاءات المضادة اعتباراً ذا شأن:

أولاً– اليابان تحظى اليابان بحماية ردع عن طريق المظلة النووية الأمريكية، وهي تتشارك مع الولايات المتحدة العديد من مشاريع التطوير التكنولوجي لأغراض الدفاع في وجه الصواريخ.

ثانياً– ما زال الرأي العام في اليابان متشككاً تجاه الحاجة للقدرات النووية، وحتى النخب السياسية في طوكيو، التي تميل إلى سياسة أكثر هجومية، ما زالت تعمل في ظل المأساة القومية الأخيرة التي وقعت في المفاعل النووي في بوكوشيما في آذار من العام 2011.

ثالثاً- ترى الصين وبناء على ذكريات تاريخية، باليابان المدعومة من الولايات المتحدة كتهديد ذي مغزى على أمنها القومي، وأن عليها تعزيز قدراتها العسكرية من أجل عدم المس بعلاقاتها مع الولايات المتحدة.

المخطط رقم 3  يفصل القوات المنتشرة والمتوفرة من قبل الأطراف وفقاً لنموذج سباق التسلح في آسيا. من غير الممكن التنبؤ بالقوة المستقبلية لكل دولة على حدة، ولذلك تبنى المقال طريقة مختصرة وتناول أنواعاً عامة من القوات بناء على تصنيف أنظمة الإطلاق: صواريخ أرض، الصواريخ التي تطلق من الغواصات، والصواريخ التي تطلق من القاذفات المقاتلة. نشر الصواريخ والقاذفات النووية لا يعني أنها ذات مدى عابر للقارات. جزء من الدول التي تظهر في النموذج تتخوف من الدول المجاورة لها وخصومها الإقليميين القادرين على مهاجمتها بواسطة الصواريخ متوسطة المدى، أو القصيرة المدى أو بواسطة الطائرات. أكثر من قدراتها العابرة للقارات أو العابرة للمحيطات.

مخطط رقم 3: مجموع السلاح الاستراتيجي

نموذج سباق التسلح في آسيا

على كل دولة أن تخطط لوضع تحافظ  فيه على جزء من قواتها في أعقاب الهجمة النووية الأولى، من أجل أن يتمكن من الرد الانتقامي ويصل إلى أهدافه. ويظهر المخطط رقم 4 حجم هذه القوات التي ستظل بعد الضربة الأولى وتستعد للقيام بالضربة الانتقامية الثانية.

مخطط رقم 4: السلاح الذي سيظل ويطلق في عمل انتقامي

نموذج سباق التسلح في آسيا

عدة معطيات ذات مغزى تظهر في المخطط رقم 4. من وجهة نظر الردع الثابت، لا يوجد مقياس واضح يمكن من خلاله إعطاء رقم معين للدول العظمى النووية يعادل قيمة هبوط معينة ما للردع. نظرياً لا يمكن استبعاد الاستقرار حتى في المنافسة النووية متعددة الأطراف. حتى ولو كانت مركزة في منطقة معينة كالمثال الذي بين أيدينا. كل دولة قادرة على نشر عدد كاف من القوات لأغراض شن الضربة الثانية من أجل أن تضمن "الردع بحده الأدنى" وربما أيضاً "تدميراً مضموناً" وذلك شريطة أن تتوفر لديها الموارد والمعرفة التقنية لفعل ذلك.

مصطلحات "الردع بحده الأدنى" و "التدمير المضمون" هي مصطلحات نظرية، ولكنها في الواقع مترابطة. فالقوات اللازمة للإبادة المضمونة (أو الانتقام المضمون) هي قوات الضربة الثانية القادرة في كل وضع على إيقاع ضربة تتسبب بالضرر غير المقبول بالنسبة للمجتمع. السؤال ما هو الضرر غير المقبول على رأي متقلب حسب هدف الهجوم ويتعلق بقيم اجتماعية وبترتيب الأولويات السياسية. ومع ذلك يكون من المنطقي الافتراض أن تصفية النظام وفقدان ما لا يقل عن 25% من السكان، مع نصف البنى التحتية الصناعية تجيب على وصف "إبادة مضمونة" مقابل كل هجوم "عقلاني".

ردع الحد الأدنى حقيقة هو معيار أقل طموحاً من الإبادة المضمونة: وتلزم أن يكون الثمن أكثر إيلاماً من ذلك الذي يفقد الإرادة بالهجوم. على سبيل المثال، خلال الحرب الباردة لم يكن لدى فرنسا القوة النووية الكافية لردع الاتحاد السوفيتي للهجوم على حلف شمال الأطلسي، إلا انه ردعت الاتحاد السوفيتي من مهاجمة حتى فرنسا وحدها، لأنها شكلت تهديداً ممكنا لتدمير عدة مدن سوفيتية. هناك بعض الخبراء يعتقدون أن للولايات المتحدة القدرة على المحافظة على قوة ردع نووية بحدها الأدنى عن طريق نشر عدة مئات من المعدات العسكرية العملياتية.

يمكن أن تنشأ التحالفات بين الصين النووية، باكستان، كوريا الشمالية، وإيران التي تتحد ضد روسيا، الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية والهند. استعدادات كهذه، توحد بين دول اغلبها ديمقراطية بمستويات مختلفة ضد أنظمة ديمقراطية بطبعها. إمكانيات إضافية وهي مواجهة بين بلدين داخل المعسكر الواحد، أو داخل معسكرات مختلفة: كما الحال بين الكوريتين أو بين الهند وباكستان. ومن الممكن أن تجد روسيا نفسها في منافسة أو مواجهة مع الصين، والصين من المكن أن تجد نفسها بمواجهة مع الهند. ومن الممكن أن تستخدم إيران قوتها النووية من اجل فرض إرادتها على حلفاء الولايات المتحدة كالعربية السعودية وإسرائيل، وتجر الالتزام السياسي الأمريكي وقوتها العسكرية لازمة إقليمية.

بدون أي رابط بين هذا السيناريو أو غيره، يبقى أمر واضح أن السلاح النووي هو تصنيف منفصل داخل أنظمة الإبادة الجماعية، لذلك فإن الأمر المهم ليس في الإعداد أو النسب المئوية، بل بتأثير تصورات قادة حول ضرورة وجود ردع كاف وقدرة إطلاق أكثر سرعة في حال نشوب حرب، من أجل منع هزيمة غير محتملة.

لا يوجد ولا يمكن أن تكون هناك حرب نووية ممكن أن يكون فيها منتصر. حتى ولو تم الاتفاق بين الدول العظمى على تخفيض عدد الرؤوس النووية لعدة مئات قليلة فقط. الخطر يكمن في أن الحرب ممكن أن تنشب ليس بشكل مقصود بل عن طريق يأس إحدى الدول التي تشعر أن قوة الردع النووي لديها معرضة للتهديد وعليه فإنها تضطر إلى اتخاذ قرار سريع بـ"نعم" أو "لا" خلال فترة زمنية لا تسمح لها بأخذ الآراء أو لفحص المعلومة المطلوبة.

الخلاصة

يكمن انجاز استقرار في ميزان القوى الإقليمي للتهديد النووي، أساساً، بسياسات الدول ذات العلاقة وبنوايا قادتها. عدد الدول النووية في منطقة معينة لا يحدد بحد ذاته خطر الحرب النووية، أو أزمة نووية.  من جانب آخر، ليس من المقبول إبداء الرضا تجاه السلاح النووي. الخصومات الإقليمية ومن ضمنها الخلافات العرقية – القومية أو الدينية، تخلق ربطا خطيرا مع سلاح الإبادة الجماعية، من حيث الاستقرار الأمني الدولي. آسيا النووية من الممكن أن تنحدر نحو مواجهات "إقليمية" ومواجهات "عالمية" من حيث أن النادي النووي الآسيوي يشمل دولا لها طموحات عالمية. كما يجب على الاستراتيجيين الأمريكيين الافتراض أن انتشار السلاح النووي في آسيا من شأنه ان يرفع لدى اللاعبين الإقليميين الإستراتيجية التي تحظى بالدعم عن طريق تحسين السلاح التقليدي ووسائل المراقبة والسيطرة.

يجب الأخذ بالحسبان أن نشر وتفعيل قوات نووية  تمثل إشارة إلى سلوك باتجاه أزمة استفزازية. ووفقاً لـ لورنس ج كروب والكسندر روتمان، على الولايات المتحدة تبني سياسات "لن تكون الأولى المستخدمة" فيما يتعلق بسلاحها النووي، ولحث الدول النووية الأخرى أن تحذو حذوها. فسياسة لن تكون الأولى المستخدمة متعددة الإطراف تساعد في منع انتشار حرب نووية في آسيا، وبكبح نشوب حرب كهذه. وفي مقابل هذا، الإعلان الأحادي من جانب الولايات المتحدة، بدون انضمام دول نووية أخرى، من شأنه إضعاف قدرة واشنطن على منح قدرة الردع لحلفائها الذين لا يملكون السلاح النووي، وربما يلحق الضرر بميثاق منع انتشار الأسلحة النووية ويشجع من اعتمدوا في الماضي على حمايتها لمحاولة تطوير سلاح كهذا من قبلهم.

لاحقاً لهذا الموضوع، يقترح بول براكن سياسات أمريكية معلنة حول "لن تكون الأولى المستخدمة - ولكن استخداماً ثانياً مؤكداً": في حال استخدم دولة ما للضربة الأولى بقنبلة نووية ضد الولايات المتحدة أو ضد أي دولة أخرى. وتتعهد الولايات المتحدة بإيقاع الضربة الثانية ضد المعتدي. صيغة معدلة لسياسة "لن تكون الأولى المستخدمة" من شأنها أن تحدث "تغييراً" للتصريح الذي كان في الأصل من الممكن أن يثير الشكوك أو سخرية. بالإضافة إلى ذلك فإن الموقف الذي يرفع شعار "لن تكون الأولى المستخدمة - ولكنْ استخدام ثاني مؤكد" من شأنه أن يكبل أيدي متخذي القرارات، في حال بدء حلفاء الولايات المتحدة بالضربة الأولى واستخدام السلاح النووي ضد دولة أخرى هددت بإيقاع ضربة تقليدية عليها من الممكن أن تؤدي إلى تدميرها وتغيير الحكم فيها.

إعلانات "الاستخدام الأول" لا تميز بين أنواع السلاح أو بين أهدافه. على سبيل المثال، يثير التساؤل هل يعتبر إطلاق نار تظاهري من أراضي دولة ما ولم يتسبب بأي ضرر على الأرض ولم يوقع أي إصابات (رغم انه من الممكن أن يتسبب بضرر للممتلكات الالكترونية أو كتلك الموجودة في الفضاء) هو الاستخدام الأول؟ سؤال إضافي يتعلق بالدولة الذي تسبب إهمالها في حفظ السلاح والمواد النووية لديها، أو تعاونها مع جهات إرهابية يؤدي إلى هجوم إرهابي نووي: هل ستتهم بـ"الاستخدام الأول" للسلاح النووي وتحكم على نفسها بضربة عقابية مؤكدة؟ ليس هناك شك من أن الصيغة الأكثر ضماناً للدول هي التصريحات التي تجعل من جميع الاحتمالات والخيارات مفتوحة وضبابية.

إن التصريحات بحد ذاتها هي أمر مجدٍ، إلا انه ليس بمقدورها القيام بالمطلوب لردع نووي ثابت. كخطوة أولى هناك ضرورة لإظهار تصرفات إستراتيجية – سياسية موثوقة من قبل الدول العظمى التي تفضل استقرار نظامي، بالمقارنة مع الدول العظمى التي تسعى لتصفية الترتيب القائم أو لتغييره. يوجد للتصرفات الإستراتيجية – السياسية الصادقة حول الردع النووي عنصران: العنصر الأول هو إستراتيجية امن قومي متتابع، على الرغم من وجهات النظر ذات الصلة لاستخدام الردع وذلك بدعم من الدبلوماسية الرخوة التي تمهد الطريق لاستخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة. العنصر الثاني هو التصرفات الإستراتيجية – الدبلوماسية الموثوقة  التي تعتمد على توفر استراتيجيات مستدامة وقوات متاحة للدولة مع نفس الإستراتيجية، لهدف استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة في حالات السلم والأزمة والحرب.

هناك أهمية خاصة، من اجل وقف الانتشار النووي و/ أو التصرفات غير المقبولة لأطراف تسعى للحصول على السلاح النووي، بضرورة الاعتراف بثقافة عسكرية إستراتيجية من قبلها لردعها عن "الاستخدام الأول". المخاوف في مثل هذه الحالة هي خطأ الدول العظمى الغربية في تفسير التحول في تفكير الدول التي تملك السلاح النووي أو تلك التي تسعى لامتلاكه، إلى أن تتصاعد الأزمة لحد الحرب وربما الوصول لحرب نووية. تحول التفكير للعدو (أو العدو الافتراضي) كان الهدف الأساسي للردع أو لاستراتيجيات أخرى للإقناع أو الفرض بالقوة العسكرية .

نظام نووي متعدد الأقطاب كما هو الحال في السباق النووي في آسيا الذي تم وصفه في هذا المقال، يشكل خطورة ليس فقط بسبب عدد أنظمة السلاح أو عدد الدول النووية، بل بسبب الاحتمال الكامن بعدم الفهم – المحتمل الذي ينشأ عندما يوجد القادة الجاهزون لحالة الأزمة أمام وضع يكونون بحاجة فيه لاتخاذ قرارات سريعة ذات طابع قاتل تجاه مجموعة متنوعة من الثقافات والحضارات ذات العقلية المختلفة.

 

اعلى الصفحة