|
|||||||
|
كما هو معروف فإن أوروبا تلعب دوراً محورياً إلى جانب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تمت بلورته لاحقاً فيما يسمى "الرباعية الدولية". فأوروبا تتحرك اليوم وبشكل مفاجئ على محورين: المحور الأول هو الاعترافات الرمزية وغير الملزمة المتتالية من البرلمانات الوطنية بدولة فلسطين، والتي بدأت من السويد مروراً ببريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيرلندا. والمحور الثاني إحباط وإجهاض أي توجه لا يرضي إسرائيل في الأمم المتحدة. إن توالي اعترافات البرلمانات الأوروبية بدولة فلسطين وآخرها اعتراف مجلس الشيوخ الفرنسي والبرلمان الأيرلندي وبرلمان إقليم ولالوني البلجيكي على الرغم من أنها قرارات رمزية باعتراف أنها غير ملزمة لحكومات هذه الدول، إلا أن لها أهمية ومدلولات دبلوماسية كبيرة يجب استثمارها فلسطينياً وعربياً من أجل الضغط على هذه الدول لتبني قرار الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين وتواكب نبض الشارع الأوروبي الذي أرغم هذه البرلمانات لاتخاذ مثل هذا القرار، ومن هنا تنبع أهمية الدبلوماسية الرسمية والشعبية الفلسطينية والعربية التي يجب أن تتحرك سريعاً في هذه الدول بدعم الحركة البرلمانية والشعبية الشاملة الداعمة للحق الفلسطيني من أجل تحويل قرار البرلمانات إلى قرارات حكومية ملزمة, وأنه من المهم أن يدرك الفلسطينيون ومن خلفهم العرب أهمية التحرك السريع في أوروبا لتحويل القرارات البرلمانية التي وضعت أغلب الحكومات الأوروبية في موقف حرج إلى قرارات حكومية حتى يصبح ما هو غير ملزم اليوم بشأن هذه القضية ملزما غدا بموجب قرار رسمي من جميع الدول خاصة، حيث أن البرلمانات الأوروبية هي برلمانات ديمقراطية حقيقية تستمد سلطاتها من الشعب وتقرر باسم الشعب وبالتالي فإن قراراتها على الرغم من أنها غير ملزمة للحكومات إلا أنها مهمة ويجب استغلالها فلسطينياً وعربياً لكسب المزيد من البرلمانات على المستوى الدولي لصف الحق الفلسطيني وبالتالي يتحول الأمر من مجرد قرار برلماني أوروبي إلى قرار برلماني دولي يلزم جميع الحكومات ومجلس الأمن بتنفيذه وان تجربة السويد التي أعلنت رغم الضغوط الإسرائيلية الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليست ببعيدة في إمكانية تكرارها. خطوات مرحب بها, ولكن!! جاءت موجة التوصيات غير الملزمة التي اتخذتها بعض البرلمانات الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطين – على الرغم من رمزيتها- في وقت دقيق وحساس تمر به المنطقة العربية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، مع حالة استياء شديدة تشهدها أوروبا ضد الممارسات الإجرامية للاحتلال، والعدوان المتكرر على قطاع غزة، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني، ومع زيادة التضامن معه بزخم متصاعد، ورفضٍ لسياسات الحكومات تجاه الصراع وصل حد استقالة الوزيرة وارسي من الحكومة البريطانية احتجاجا على موقفها من العدوان على غزة. وبالتأكيد وعلى الرغم من أنه لا يساورنا شك في أن تلك التوصيات ما هي إلا إنقاذ لما تسمى عملية السلام في الشرق الأوسط،، فإنه لا يمكن التقليل من شأنها من ناحية التغير في المزاج السياسي الأوروبي، وضعف هيمنة "لوبيات" الضغط، واتساع حجم التأييد داخل الأحزاب السياسية لفلسطين بشكل عام. أوروبا تدرك أن بديل حل الدولتين هو حل الدولة الواحدة الذي ترفضه إسرائيل وترفضه أوروبا حتى اللحظة على الأقل، ولهذا جاء التحرك. قبل أعوام قليلة لم يكن مسموحاً حتى بمجرد التفكير في دعم فلسطين بأي شكل، وهنا نأخذ البرلمان البريطاني كمثال، حيث كان مؤيدو القضية الفلسطينية من كل الأحزاب لا يتجاوزون في أحسن الأحوال أصابع اليد، مع تعرضهم لضغوطات شديدة وحملات تشويه شخصية تطال كل كبيرة وصغيرة. متغيرات كثيرة غيرت الأمر، منها: صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري في وجه الحصار الجائر أو العدوان المتكرر على قطاع غزة، وكذلك ممارسات الاحتلال الهمجية في القدس، وتحديه للإرادة الدولية ومنع لجان التحقيق من ممارسة مهامها، واستطلاعات الرأي الأوروبية التي تعتبر إسرائيل أكبر خطر يتهدد العالم، والأزمة الاقتصادية التي تعني عدم قدرة الغرب على تمويل حماقات وجرائم قادة الاحتلال. اختلف الوضع إذا وبات "أصدقاء فلسطين" في كل الأحزاب، حتى أشدها تعصبا وانحيازا إلى إسرائيل، وأصبح عدد البرلمانيين المؤيدين لقضية الشعب الفلسطيني بالمئات وبشكل علني. وهنا تكمن أهمية هذه الخطوات بغض النظر عن هدفها النهائي الذي يمكن من خلال اللقاءات والنقاشات والندوات تصحيح مساره إن تطلب الأمر، خاصة مع وجود شخصيات ومؤسسات فلسطينية وعربية فاعلة لها حضور على الساحة الأوروبية. بمعنى آخر أنه على الرغم من المحاذير والشكوك فإن مثل تلك الخطوات مرحب بها باعتبارها خطوات أولى تنهي الرواية ذات الطرف الواحد أوروبيا، وتفتح باب النقاش وربما الجدل السياسي حول القضية برمتها. بالمقابل تتزعم فرنسا وبريطانيا وألمانيا حراكاً أوروبياً من نوع آخر، يقطع الطريق تماماً على أي إمكانية لعمل دبلوماسي فلسطيني أو عربي - بغض النظر عن نجاعته - يتمثل في استصدار قرار من مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال والاعتراف بدولة فلسطين بشكل كامل، على الرغم من سيطرتهم على مجلس الأمن عبر حق النقض، ورغم وجود عشرات القرارات السابقة التي تقر بحق الشعب الفلسطيني في وطنه دون تطبيق. هو سباق مع الزمن لفرض حل يصب في مصلحة إسرائيل ويكرس مطالبها، وفي نفس الوقت يسترضي الشعوب والبرلمانات الأوروبية ويتحايل على ضغوطها من خلال الظهور بمن يقوم بعمل ما وبخطة لإنهاء الصراع. ما تخشاه أوروبا والغرب عموماً هو فقدان الثقة بحل الدولتين والتوجه نحو حل الدولة الواحدة، وهو الذي بدأ باستقطاب عدد من المؤيدين من الطرفين، مستلهمين تجربة جنوب أفريقيا التي اعتمدت مبدأ "رجل واحد صوت واحد" لتنهي الصراع هناك.. هذا المبدأ الذي ترفضه إسرائيل تماماً لأنه سيجعل من "اليهود" أقلية في فلسطين التاريخية وينهي ادعاءاتهم في المنطقة، ويعيد اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها. وفي هذا الصدد يتساءل الأكاديمي الدكتور رامي عبدو ويقول "أمام موجة الاعترافات الرمزية في البرلمانات الأوروبية بدولة فلسطينية، وإزاء الترحيب بهذه الخطوات، علينا أن نضع نصب أعيننا أيضاً عدداً من التساؤلات العامة لسياقات ومآلات تلك الاعترافات: - هل يمثل الأمر اعترافاُ منقوصاُ ومشوها للحق الفلسطيني؟ هل جاءت تلك الاعترافات في سياقات كابحة لحضور فلسطيني غير مسبوق للحق الفلسطيني؟ هل تمثل تلك الاعترافات عملاً تقييدياً للعمل المقاوم وفرصة لحشره في زاوية الإجماع الدولي مستقبلا؟ هل ساوت تلك الاعترافات بين المحتل المستعمر والشعب الذي يرزح تحت الاحتلال؟ هل تعطي تلك الاعترافات الشرعية الكاملة للاحتلال ووجوده وجرائمه منذ بدأ احتلاله إلى يومنا هذا؟". تساؤلات مهمة وجادة تضع المزيد من علامات الاستفهام حول الدور الأوروبي السابق والحالي، وحول الموقف الرسمي الفلسطيني والعربي من هذا الدور، والأهم من ذلك موقف ودور الجاليات الفلسطينية والعربية في دول الاتحاد الأوروبي ومدى تأثيرها على صناعة القرار هناك. دلالات الاعتراف الأوروبي عقب اعتراف حكومة السويد بدولة فلسطين توالت أخبار توجه أكثر من برلمان أوروبي للاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود 4 يونيو/حزيران 1967. في حين أن إصدار بريطانيا تصريح بلفور سنة 1917 هو ما أسس لقيام الكيان الصهيوني. ولولا التقاء الدول الأوروبية على تأييد القرار 181 بتقسيم فلسطين على الرغم من تنكره لحقوق الشعب العربي الفلسطيني المشروعة، لما حاز أكثرية الثلثين اللازمة لإقراره. وواصلت دول أوروبا وأغلبية الرأي العام فيها طوال القرن العشرين دعم وتأييد "إسرائيل" على الرغم من اعتداءاتها المتكررة على محيطها العربي. والسؤال والحال كذلك بماذا يفسر التحول الراهن في مواقف الشعوب الأوروبية من العداء المجمع عليه للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وخاصة حقه في تقرير المصير، إلى بداية التفهم لمطالبه المشروعة؟ وهل غدونا أمام بوادر تحرر الوعي الشعبي الأوروبي من إسار الارتهان لفزاعة "معاداة السامية" المدعى به. أم أنه استجدت في الصراع العربي- الصهيوني متغيرات لمصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة أسهمت في بداية انحسار تأييد الرأي العام الأوروبي التاريخي للمزاعم والأساطير الصهيونية؟ تساؤلات في محاولة الإجابة عنها نلاحظ الآتي: بتوقيع مصر وسوريا والأردن ولبنان اتفاقيات الهدنة سنة 1949 اعترفت بشكل غير مباشر بقرار التقسيم على الرغم من امتلاك "إسرائيل" 78% من أرض فلسطين وتشريدها 61% من المواطنين العرب في الأراضي المحتلة. فيما كان اسم فلسطين قد غيب من الخرائط الرسمية الدولية، وافتقد شعبها وحدته المجتمعية لتوزعه ما بين الأرض المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات العربي والدولي. وقد شغلت الإدارة الأمريكية في طرح مشروعات لتوطين اللاجئين في الدول العربية المضيفة لهم وخارجها، ولكنها جميعها تكسرت على صخرة إجماع اللاجئين على رفضها والإصرار على حقهم في العودة لديارهم. كما حاولت الإدارات الأمريكية المتوالية تحقيق التسوية على أساس الأمر الواقع بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، غير أنها فشلت جميعها أمام إصرار شعب فلسطين والقوى الوطنية والقومية في المشرق العربي على تحرير كامل الأراضي العربية المحتلة وعودة اللاجئين إلى ديارهم واستردادهم أملاكهم والتعويض عليهم. على الرغم مما أبدته بعض الأنظمة من استعداد لقبول ذلك تحت الضغوط الأمريكية والأوروبية. وعندما بدأت إرهاصات العمل الفدائي الفلسطيني غلب في أوروبا، رسمياً وشعبياً تصنيفه إرهاباً ضد دولة عضو في الأمم المتحدة وليست مقاومة مشروعة في القانون الدولي ضد دولة محتلة، وتجمع استيطاني عنصري. ولم يؤد خطاب عرفات في الأمم المتحدة سنة 1974 مؤكداً توجه المنظمة وقيادة فتح لاعتماد تسوية مع "إسرائيل" خياراً استراتيجياً لمتغير يذكر في المواقف الأوروبية من النضال الفلسطيني المشروع حتى تفجرت انتفاضة أطفال الحجارة سنة 1987التي عرّت العنصرية الصهيونية وفضحت زيف الإدعاء بأن "إسرائيل" دولة ديمقراطية. وكان، ولا يزال، للشباب الفلسطيني، الدارسين والعاملين، في أوروبا تواصل وتفاعل متناميين مع أساتذة وطلبة الجامعات، وقيادات هيئات المجتمع المدني الأوروبية بما في ذلك البرلمانات مساهمين في إيضاح حقائق الصراع العربي - الصهيوني، خصوصاً الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني وتواصل قواه الوطنية منذ عشرينات القرن الماضي المطالبة بإقامة دولة ديمقراطية علمانية غير عنصرية في فلسطين تؤمن كامل حقوق المواطنة لجميع سكانها عرباً ويهوداً، ما أسهم في نمو طردي في إيضاح البعد الإنساني للنضال العربي ضد الاحتلال العنصري الصهيوني وكشف زيف كافة الادعاءات الصهيونية. ويقرر د. محمد السيد سليم المختص في مركز الدراسات الإستراتيجية لصحيفة "الأهرام" أن النضال الفلسطيني، المباشر وغير المباشر، في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية حقق أعلى بكثير مما حققه في الساحات العربية ، على الرغم من الحرب المنظمة الهائلة التي تشنها المراكز الصهيونية، وجماعات الضغط "اللوبيات" اليهودية وأنصارها في العالم الغربي كله. وأنه بالإمكان إثبات أن العائد الحقيقي للنضال الفلسطيني، والمؤيد له في أوروبا وأمريكا أعظم منه في الوطن العربي. وفي ضوء ما سبق يتضح لمن أحلوا المطالبة بدولة في الضفة المحتلة والقطاع المحاصر بديلاً عن تحرير كامل التراب الوطني المغتصب وعودة جميع اللاجئين لديارهم، وأن قرار التقسيم لما يزل قائماً دولياً، وأنه يقضي بإقامة دولة كاملة الاستقلال والسيادة ومعترف بها دولياً ضمن 45% من أرض فلسطين. ولكن التاريخ الإنساني لم يشهد تحقق حق وطني مشروع دون نضال طويل النفس لقهر إرادة مغتصبيه، ومن غير المراجعة الجذرية لمسيرة وسلوكيات القائمين بأمر منظمة التحرير الفلسطينية منذ اعتماد برنامج النقاط العشر الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني سنة، 1974 فإنه مستحيل عملياً إقامة دولة لها نصيب من السيادة واستقلالية القرار على متر مربع واحد من أرض فلسطين، لتناقض ذلك مع ما يجمع عليه الصهاينة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فيما يدل الاحتجاج رسميا على الموقف السويدي الشجاع على زيف ادعاء نتنياهو بأنه وحزبه وحكومته مع ما يسمى حل الدولتين. مجلس العموم البريطاني بعد ساعات ست طوال من النقاش صوت مجلس العموم البريطاني بأغلبية كاسحة قوامها 274 عضواً لصالح مشروع الاقتراح، الذي تقدم به النائب العمالي، غراهام موريس، الذي افتتح النقاش حول اعتراف الحكومة البريطانية بدولة فلسطين جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل على حدود الرابع من حزيران 1967، واعترض 12 عضوا من حزب المحافظين الحاكم. كما أن الحكومة البريطانية تغيبت عن الجلسة المراثونية، وأعلنت تمسكها بموقفها برؤيتها المعروفة من الصراع، الذي لم يرتق لمستوى الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى الآن. وما زالت تتساوق مع الموقف الأمريكي في إدارة الصراع، والمنحاز لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية. وكان تصويت مجلس العموم البريطاني، السلطة التشريعية الأولى في بريطانيا، أم الديمقراطيات الأوروبية والغربية عموما لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا صفة تقريرية له، ويتسم بالطابع الرمزي، لكنه قرارا ذات دلالات سياسية بالغة الأهمية، لماذا؟: أولاً: لأنه قرار أعلى سلطة تشريعية بريطانية.. ثانياً: كونه حدث في بريطانيا، دولة الانتداب على فلسطين، والتي تواطأت على حقوق الشعب الفلسطيني تاريخياً، ولأنها صاحبة وعد بلفور، الذي منح الصهاينة اليهود وعداً بإقامة الوطن "القومي" اليهودي على فلسطين.. ثالثاً: ضمنا يحمل التصويت لصالح الاعتراف بفلسطين الدولة، اعترافاً بخطيئة بريطانيا التاريخية.. وعملياً ينقل الحوار داخل المؤسسات الانكليزية التنفيذية والتشريعية إلى العلن لتصويب الخطأ التاريخي ولو بعد 67 عاماً. رابعاً: يفتح الأفق على مصراعيه للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأنه في حال فاز حزب العمال في الانتخابات اللاحقة، فإنه سيكون ملزماً بالاعتراف بفلسطين دون أية شروط. خامساً: يسمح بفتح الأبواب على وسعها في دول الاتحاد الأوروبي (الغربية) للاعتراف بفلسطين الدولة، لاسيما وانه يأتي بعد الاستعداد المبدئي من حكومة السويد الجديدة بالاعتراف بفلسطين، وأيضاً متجاوراً مع ما يجري داخل أروقة المؤسسات الحكومية الفرنسية للاعتراف بفلسطين وغيرها من دول الاتحاد. سادساً: كما أن تصويت مجلس العموم سيدفع بالعديد من الدول للتقدم خطوة هامة للأمام نحو دعم حقوق الشعب العربي الفلسطيني، والتصدي لدولة الاحتلال والعدوان الإسرائيلية بأشكال وأساليب أخرى، أكثر حزما وقوة بما فيها سياسة العقوبات. مما لا شك فيه، أن القرار البريطاني جاء بعد الجهود الوطنية الحثيثة، التي قادتها الشرعية الفلسطينية برئاسة أبو مازن، هذا من جهة، ونتيجة افتضاح سياسات وممارسات وانتهاكات وجرائم حرب إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني، من جهة أخرى، وأيضاً بفضل دعم أنصار السلام الأمميين والإسرائيليين، الذين بادر 363 إسرائيلياً بإرسال رسالة لأعضاء مجلس العموم البريطاني، طالبوهم فيها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومنهم: دانئيل كهانما، الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد؛ والوزيرين السابقين، ران كوهين ويوسي سريد؛ وأعضاء كنيست سابقين، اوري افنيري وياعيل دايان وموسى راز ونعمي حزان؛ والمستشار القضائي السابق للحكومة ميخائيل بن يئير، والكتاب يهوديت كافري، وسابيون ليبرخت، وعاموس موكادي، ويهوشواع سوبول، ونائب المدير العام لمستشفى شيبا، صهر شمعون بيرس، والبروفيسور رافي فلدان وغيرهم، هذه العوامل وغيرها ساهمت في ارتقاء مجلس العموم البريطاني لمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه لإصلاح الخطأ التاريخي، الذي وقع بحق الشعب العربي الفلسطيني، وأدى لنكبته عام 1948 ونكسته عام 1967، والويلات المتلاحقة، التي تقع على رأس أبنائه طيلة عقود الاحتلال الخمسة الأخيرة، والتي ارتكبت فيها دولة الإرهاب المنظم الإسرائيلية جرائم حرب يندى لها جبين البشرية. لذا فالتصويت الرائع والمميز في مجلس العموم البريطاني على رمزيته، يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، وتدعم خيار السلام، وتعزز مكانة ودور أنصار السلام في بريطانيا وأوروبا والعالم. هذه الخطوة أربكت لا بل قضت مضاجع حكومة الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم، ودفعت وزير إسكانها باتهام النواب البريطانيين بـ"اللاسامية"، وهي التهمة الجاهزة والمفضوحة، والتي لم تعد تخيف أحداً من أنصار السلام. ولكن لها دلالة هامة، تشير إلى أن إسرائيل أخذت تدريجيا تفتقد بريقها ومكانتها، ولم تعد تهمها تهم أحداً، لا بل باتت ترتد عليها وعلى قادتها، وفي نفس الوقت تؤكد على الصحوة واليقظة الأوروبية في تحمل مسؤولياتها تجاه المسألة الفلسطينية، وهو ما يفرض على القيادة الوطنية برئاسة محمود عباس تكثيف جهودها لبلوغ لحظة الحشد الدولي المطلوب لدعم الحقوق الوطنية. الحكومة السويدية الجديدة وجد معظم الناس المتابعين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، صعوبة في فهم ما الذي حاولت الحكومة السويدية الوصول إليه من خلال اعترافها بالدولة الفلسطينية. وقد بدا هذا الاعتراف آتيا من فراغ، دون أي إمكانية أن يحدث تغييرا. فالدول المستقلة بحاجة لحدود معترف بها، عملة تتداولها، بنى تحتية وجيش. لا يملك الفلسطينيون أيا من هذه العناصر ولا يستطيع أي تصريح سويدي تغيير ذلك. سياسة الشرق الأوسط في نهاية الأمر، ليست دورة من التحركات الروحانية التي تركز على الديانات الشرقية – فهي ببساطة تبقى عاجزة عن خلق دولة عبر التمني. في المقابل، بينما لا تزال المفاوضات السلمية عالقة ولا يزال الطرفان يلعقان جراحهما بعد حرب دموية أخرى في غزة، تدعي الحكومة السويدية الجديدة أنه حان الوقت لتجربة أسلوب آخر. وزيرة خارجية السويد، مارغو والستروم، قالت في مؤتمر صحافي الأسبوع المنصرم، إن السويد لا تتخذ موقفا داعما لفلسطين، بل تقف إلى جانب عملية السلام. وقالت: "هذا الأمر سيجعل الطرفين أكثر تساوياً"، مضيفة: "ولا زلنا كلنا أمل بأن الجانبين سيعودان إلى طاولة المفاوضات". وأضافت مبررة الخطوة بالاعتماد على سوابق تاريخية (مثل كوسوفو) وعلى حقيقة أن أكثر من 130 دولة قد اعترفت بفلسطين قائلة: "نحن ندعم القوى الفلسطينية المعتدلة ونشاركها الأمل على الرغم من تصاعد التوتر وتوقف مفاوضات السلام". إسرائيل، وكما هو متوقع، ترى هذه الخطوة انحيازاً وعداءً وبالتالي هناك أزمة جدية في العلاقات بين البلدين. ولكن هل يتوجب على الإسرائيليين رؤية الاعتراف السويدي بدولة فلسطين على هذا النحو السلبي؟ أولاً، وقبل كل شيء، يجب القول إن أشد ما تخشاه إسرائيل، من أن تحذو دول أخرى حذو السويد، لم يتحقق. فقد عبّر البرلمان السويدي عن معارضة الشديدة لهذا الإجراء، ولم يتحمس لهذا رؤساء حكومات بقية الدول الاسكندينافية. وفي قمة عقدت في ستوكهولم الأسبوع المنصرم أعلن الجميع أنه على الرغم من التزامهم بحل الدولتين، فهم ليسوا جاهزين للاعتراف بدولة فلسطين لغاية الآن. لذا فليطمئن المشرعون في إسرائيل وألا يقلقوا كثيراً من "رد فعل التسلسلي (الدومينو)". لقد تم استدعاء السفير الإسرائيلي في ستوكهولم كي يُظهر للدول الأخرى أن ثمن الاعتراف بفلسطين في هذه المرحلة باهظٌ جداً، ولكن يبدو أنه من غير المرجح أن تتقدم برلين أو باريس في هذا المسار الذي لن تتخذه كوبنهاغن أو أوسلو. كما أن هناك مسار المال والجانب الأعمق والأقل تداولا حول العلاقة بين الدولتين. تعاون الباحثون ورجال الأعمال والمبادرون الإسرائيليون والسويديون، خلال السنوات الأخيرة، أكثر من أي وقت مضى. وتتشارك إسرائيل والسويد بكثير من المواصفات المميزة التي تجعل المشاريع المشتركة جذابة لكلا الطرفين. فلديهما تعداد سكاني متشابه، واقتصادهما يعتمد على التصدير، وهما من بين أبرز 20 دولة في مضمار البحث والتطوير للفرد. معاهد الأبحاث والمستشفيات في البلدين في شراكة إستراتيجية، بينما مديرو الشركات الرائدة في كلا البلدين، القادة الصناعيون ومطوّرو السايبر(الانترنت) والأسلحة يتنقلون باستمرار على خط تل أبيب – ستوكهولم. وقد كتب أحد المتحمسين السويديين لأسلوب استثمار إسرائيل في الحداثة، منذ عدة أشهر في الصحافة السويدية حول "استلهامه من الأساليب التي تستخدمها إسرائيل". اسم هذا الكاتب هو ستيفان لوفين، وهو الآن رئيس وزراء السويد الجديد. توجهه هذا ليس كناشط حملة المقاطعة لإسرائيل. هل ستتغير علاقات التقارب في هذه المجالات على ضوء الأزمة الأخيرة؟ على الأرجح لا لن تتغير. كل من يتعمق ويرى بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على انه قطعة من أثاث شبكة "إيكيا" السويدية، فإنه سيفاجأ باستقرار العلاقات بين السويد وإسرائيل. "نستطيع مواصلة التجارة، الحداثة، التكنولوجيا، والعلوم" قال السفير الإسرائيلي المعتمد لدى السويد في مقابلة تلفزيونية الخميس المنصرم. لم يكن بوسع وزيرة خارجية السويد أن توافقه أكثر من ذلك، حيث قالت في مؤتمر صحافي في ستوكهولم: "كلنا أمل أن يستمر تعاوننا الممتاز في كافة المجالات بما فيها التعاون التجاري والاقتصادي". لذا، في المجمل، يبدو أنه على الرغم من أن التصريح السويدي أحدث أزمة دبلوماسية، إن تأثيره الفعلي محدود. إذا لماذا أطلق السويديون هذا التصريح؟ ليست الحكومة السويدية بهذه السذاجة، كما يعتقد كثيرون في إسرائيل، إنها تتأثر بمجتمع مسلم آخذ بالتزايد في السويد. الحقيقة هي أن التصريح السويدي معد للاستهلاك المحلي أكثر مما هو للدبلوماسية العالمية ويجب النظر إليه من منظور تاريخي. فالحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي عاد للسلطة بعد ثمانية أعوام في المعارضة، فخور بتاريخ سياسته الخارجية التي يدعي أنها هادفة ليس فقط لخدمة مصالح السويد وإنما لجعل العالم مكانا أفضل. وقد تحدثت الوزيرة والستروم في مؤتمر صحافي مع مراسلين أجانب عن الحاجة "للشجاعة كي تكون حكومة في هذه الأوقات الصعبة"، الأمر الذي يشير إلى أن الاعتراف بفلسطين كدولة هو عملياً تصريح حزبي يعني: "نحن عدنا ولا زلنا جادين بشأن حقوق الإنسان، الحريات، والسلام على الأرض". ولكن لا يدور كل شيء حول الأفكار. وكما يرى العديد من المحللين، تميل الحكومة الجديدة نحو تشكيل ائتلاف برلماني ضيق والاعتراف بفلسطين قد يتم اعتباره كمحاولة من قبل الاجتماعيين الديمقراطيين لإرضاء شركائهم اليساريين بينما في المجالات الأخرى فهم منشغلون بالتفاوض مع اليمين. لدى السويد مصادر قلق سياسي أكبر بكثير من الشرق الأوسط وخطوة سريعة وجريئة على الجبهة الفلسطينية تمنح الحكومة رافعة سياسية بشأن قضايا ذات أهمية أكبر كالإنفاق على الدفاع والأمن، الصحة، الوظائف والتعليم. وأخيراً يمكن القول: إن الحراك السياسي الذي يجري – حالياً - في برلمانات دول الاتحاد الأوروبي.. تجاه الاعتراف بدولة فلسطين... حراكا يستحق الدراسة والتمحيص...لأن هذه البرلمانات.. ولزمن ليس بعيد.. كانت تعد إسرائيل.. دولة صديقة وحميمة لها... وكانت تساندها حتى في إدعاءاتها التي روجتها.. بأنها دولة معتدى عليها من قبل الأمة العربية التي تعيش وسطها وعلى أرضها.. ومن قبل المقاومة الفلسطينية.. وهي نفس البرلمانات التي دعمت.. قرار إنشائها على أرض فلسطين عام 1948م.. بصدور قرار مجلس الأمن رقم 181/1947...على جزء محدد من أرض فلسطين.. وبمساعدة تلك الدول...سيطرت على الجزء الكبير من المتبقي للدولة الفلسطينية المقترحة في قرار التقسيم.. على الرغم من أن قرارات الهيئة الدولة وصفتها بدولة الاحتلال... وهي نفس البرلمانات التي تشهد – حالياً - حراكاً سياسياً نشطاً لإجبار حكوماتها على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة والاعتراف بها. |
||||||