|
|||||||
|
منذ أن بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تشحذ الهمم من اجل الوقوف بوجه "داعش" دون الآخرين وبمشاركة العديد من الدول الأوروبية معها كان الحدس أن واشنطن لها نوايا أكبر من ذلك وهي تعد العدة من أجل تغيير الخارطة السياسية والجغرافية للشرق الأوسط أو على الأقل تغيير بعض الوجوه التي تقود حكومات بلدان المنطقة لفرض وتمرير أهدافها وتحقيق مآربها المشؤومة.. وكنا نشم منها روائح كريهة ستتسبب بإراقة الكثير من الدماء لا بل تدمير كامل للبنية التحتية لتلك البلدان ومن ثم تعطي شرعية لتواجدها بحجة المشاركة في إعادة إعمار تلك المشاريع وتثقل شعوبها بالديون. إن التحالف الدولي ضد الإرهاب مع واشنطن قد أفضيا في الواقع إلى ارتكاب جرائم وحشية في حق المدنيين السوريين والعراقيين وقد تفضي خطواتها عملياً إلى تقسيم العراق وتعميق الانقسام الطائفي ومنح بعض الدول نفوذاً إقليميا مهماً في العراق وسوريا خاصة وان قوات التحالف تعمل على تشكيل قوات خاصة في المنطقة الغربية للعراق قوامها أكثر من 200 ألف عسكري. حجج ومبررات مكشوفة لقد سبق أن مرت المنطقة وتنوعت بمثل هذه التحالفات، من التحالف الدولي ضد العراق لتحرير الكويت وقبلها الحملة الشرسة والظالمة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب في أفغانستان واليمن، والتحالف الدولي لغزو العراق، وأخيراً وليس آخراً التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" الذي يسيطر الآن على مساحات واسعة من العراق وسوريا وأعلن منها قيام الدولة الإسلامية، وعلى الرغم من تفاوت حضور التحالفات وخلوها من المصداقية، واستنادها إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فإن النتائج المتحققة كانت في جانب كبير منها كارثية على الأقل من وجهة نظر شعوب المنطقة والمحللين وما تركت من آثار على أرض الواقع تعيش اليوم على أطلالها شعوب لا حول ولا قوة لها.. لذلك فإن المتابع للضربات الجوية التي تقوم بها دول التحالف عن طريق الجو, يجد أنها عبارة عن صب جام غضبها وحقدها على المنشآت الحيوية والنفطية للدولة السورية المبتلية ودون إذن منها ولا نستطيع إبعاد المنشآت النفطية العراقية من شرهم ومن حقد واشنطن مستقبلاً وبعض دول المنطقة التي تسير في ركابها وتؤيد خطواتها واستراتيجياتها دون أن تفكر من أن النيران سوف تصل إليهم وتحرق كياناتهم لان المشاريع الاستكبارية بقيادة البيت الأبيض هي لازالت في بداية الطريق. قد أحست بعض القوى السياسية في العراق ونبهت وأعلنت موقفها بكل شجاعة في عدم تأييدها لتواجد قوات عسكرية خارجية على أرضها وحتى الحكومة العراقية وقفت مع تلك القوى ورفضت أي تدخل للقوات الأجنبية المسلحة وخاصة (القوات البرية) وفي الإمكان الاستفادة وأعطت الضوء الأخضر للقوة الجوية الأجنبية لضرب أوكار الإرهاب داخل الحدود السورية أو أماكن تجمعاتهم وظهر في الواقع أن موقف القوى السياسية العراقية الرافضة للتواجد الأجنبي كان صحيحاً حيث دفعتهم شهامتهم وحميتهم ووطنيتهم إلى عدم الرضوخ لمطالبات التحالف الدولي في حضور تلك القوات والمشاركة على الأرض مع القوات الأمنية العراقية وإبعادهم عن تدنيس مقدساتهم وقد استجابت الحكومة العراقية لتلك المطالب الشعبية برفض حضور هذه القوات أو المشاركة في قتال الإرهابيين على ارض بلادهم وتدل على أن الشعب العراقي يستطيع محاربة هؤلاء الأشرار والثقة العالية بقواتها الأمنية والحشود الشعبية التي حققت الكثير من الانتصارات وتحريرها الكثير من المدن والقصبات والقرى من أيدي الإرهابيين وهي مستمرة في فك الطوق عن المدن وتحرير الأخرى الباقية في القريب العاجل دون الاعتماد على القوات الأجنبية إن شاء الله. أهداف غير معلنة إن من يتفحص الإستراتيجية الأمريكية التي أعلن عنها باراك أوباما لمحاربة داعش، يكتشف أنها لم تضف جديداً للخطوات التي سبق وأن أعلن عنها، وهي عمليات القصف الجوي الأمريكي لمجاميع داعش، ودعم القوات البرية العراقية على الأرض، وتقديم الدعم المالي واللوجستي للقوات العراقية وقوات "البيشمركة الكردية" والتنسيق الاستخباري لمنع تسلل إرهابيي داعش من الحدود المجاورة. ما يجب أن نشغل عقلنا به، هو الأهداف غير المعلنة لإستراتيجية أوباما، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن "داعش" بأكملها - التي دعمت أمريكياً بأموال عربية - لم تكن سوى سياق تكتيكي ولعبة تكتيكية أمريكية، لتبرر التدخل الأمريكي مجدداً بحجة حماية الأقليات وإنهاء عمليات داعش الوحشية، وبحيث تبدو الولايات المتحدة - وكما قال السيد حسن نصر الله - بصورة المنقذ للمنطقة من جرائم داعش .ومن ثم فإن تدخل الولايات المتحدة بصورة المنقذ، سيكون مدخلاً لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في تقسيم المنطقة مجدداً، وتحديداً في سوريا والعراق ولبنان على أسس عرقية وإثنية وطائفية. وفي تقديرنا وتقدير العديد من الخبراء والمحللين، أن الهدف الاستراتيجي الرئيسي للتحالف المزعوم هو ضرب سوريا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار القرار الأمريكي بقصف مواقع وتجمعات "داعش" في سوريا، دون إذن أو موافقة من الحكومة السورية ورفض الإدارة الأمريكية المشاركة والتنسيق مع الدولة السورية بهذا الصدد. وبالتالي فإنه من المتوقع أن ترسم الإدارة الأمريكية سيناريو يبرر عدوانها المتوقع على سوريا، كأن تدّعي بأن طائراتها تعرضت أثناء تحليقها في الأجواء السورية لنيران المضادات السورية، خصوصاً وأن المستشارة الإعلامية للرئيس السوري الدكتورة بثينة شعبان قد حذّرت، عبر قناة "سي إن إن" من اختراق المجال الجوي السوري لضرب "داعش"، وقالت إن "دمشق قد تسقط الطائرات الأمريكية لأنها أتت من دون إذن واعتدت على سيادة سوريا". ولعل تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما لصحيفة نيويورك تايمز في الخامس عشر من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي "في أنه سيأمر القوات الأمريكية بتدمير نظام الدفاع الجوي السوري، إذا اعترض الطائرات الحربية الأمريكية التي ستدخل المجال الجوي السوري أثناء حربها على تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وتحذيره "من أنه سيأمر القوات الأمريكية بتدمير نظام الدفاع الجوي السوري، إذا اعترض الطائرات الحربية الأمريكية التي ستدخل المجال الجوي السوري أثناء حربها على داعش"... ولعل ذلك كله يؤشر إلى حقيقة الهدف الاستراتيجي للتحالف الذي تعمل الولايات المتحدة على إقامته. إن أدنى متابعة وقراءة لإستراتيجية أوباما تؤكد حقيقة ما ذهبنا إليه في أن "داعش" لم تكن سوى سياق تكتيكي أمريكي، وإن كانت قد تجاوزت بعض الخطوط الحمر المتعلقة بمصالح أمريكا النفطية والإستراتيجية في شمال العراق. فبعد طرحها لتلك الإستراتيجية، واصلت الإدارة الأمريكية مسرحيتها عبر الدعوة للتحشيد والتعبئة، واشتقاق الآليات اللازمة لتنفيذها، فكان مؤتمر جدة العتيد في الحادي عشر من شهر سبتمبر / أيلول الماضي، الذي ضم عشر دول عربية وتركيا، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية الذي صدر عنه بيان ختامي يؤكد على الاستعداد للمشاركة في التحالف المناهض "لداعش" وقع عليه جميع المشاركين باستثناء تركيا. وكان مؤتمر باريس، بمشاركة 30 دولة، الذي أوكلت إليه عملية توزيع المهام في إطار التحالف المزعوم لاجتثاث داعش. بيان مؤتمر جدة أكد على "وقف تدفق المقاتلين الأجانب عبر الدول المجاورة ومواجهة تمويل الدولة الإسلامية وباقي المتطرفين، ومكافحة أيديولوجيتها التي تتسم بالكراهية، ووضع حد للإفلات من العقاب وجلب المرتكبين أمام العدالة والمساهمة في عمليات الإغاثة الإنسانية والمساعدة في إعادة بناء وتأهيل مناطق الجماعات التي تعرضت لبطش تنظيم الدولة الإسلامية ودعم الدول التي تواجه الخطر الأكبر من إرهاب التنظيم. ومن يقرأ بنود هذا البيان والبنود الإجرائية الواردة فيه، يتبين حجم المهزلة لأن هذه الدول التي أخذت على عاتقها محاربة داعش وفق ما تقدم من إجراءات، هي التي وفرت بشكل متضامن كل سبل الدعم للإرهاب الداعشي في كل من سورية والعراق تنفيذاً لإملاءات العراب الأمريكي، كما أن بيان جدة هو دليل إدانة صارخ للحكومات المشاركة في المؤتمر المذكور. وجاء مؤتمر باريس، لتوسيع دائرة التحالف المزعوم ليضم 30 دولة من بينها دول أوروبية وغربية وليوزع الأدوار بين الدول المشاركة فيه، بشأن تحمل الدعم التمويلي واللوجستي والاستخباري والمشاركة البرية، وعمليات القصف الجوي.. إلخ..، وذلك وفق صحوة ساذجة ورخيصة ومكشوفة تقول "إن تنظيم داعش يمثل خطراً يهدد العراق والمجتمع الدولي برمته" ما يستوجب دعمه بالوسائل الضرورية بما فيها المساعدات العسكرية، وحيث تتولى القوات العراقية مهمات القتال على الأرض ضد داعش . يضاف إلى ذلك تضمين البيان بند بأن المشاركين يؤكدون عزمهم على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2170 من أجل اجتثاث تنظيم داعش من خلال اتخاذ التدابير الكفيلة بالوقاية من التطرف، وتنسيق العمل بين جميع المؤسسات الأمنية الرسمية وتعزيز الرقابة على الحدود. وبخصوص عقد هذا المؤتمر، لا بد من الإشارة إلى ثلاث قضايا رئيسية: 1- أن الولايات المتحدة تريد أن توسع دائرة التحالف حتى تحمل مجموع هذه الدول فاتورة الحرب وبشكل مضاعف، ولتمنحه الصبغة الدولية والإقليمية. 2- إن مجرد ذكر قرار مجلس الأمن المذكور، لا يعدو كونه تكتيكاً لتصوير بأن التحالف المذكور مغطى بالشرعية الدولية، وذلك في محاولة بائسة للرد على الطرح الروسي الموزون والقائل "بأن التحالف الدولي ضد داعش في سورية والعراق يجب أن يصدر بتفويض من مجلس الأمن، وأن أي قصف جوي لمواقع داعش في سورية يجب أن يكون بموافقة الحكومة السورية وبمشاركتها، وإلا فإنه سيكون انتقاصاً للسيادة السورية ومناقضاً للقانون الدولي". 3- إن عقد هذا المؤتمر في باريس وإعلان باريس استعدادها للمشاركة في قصف داعش في العراق، له خلفية اقتصادية تتصل بحصة شركة "توتال الفرنسية" من النفط في العراق وخاصةً نفط حقل كركوك، حتى لا تخرج فرنسا من مولد التحالف بدون حمص، كما حصل معها في التحالف الدولي الإمبريالي العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991. ما تقدم من مؤامرات ومخططات على سوريا والعراق وعموم المنطقة، في إطار الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، تحت عنوان ومبرر "داعش"، التي تحتاج لثلاث سنوات لتنفيذها وفقاً لبرنامجها الزمني المحدد ، يقتضي تشكيل أوسع تحالف شعبي عربي متخندق في خندق سوريا ، لإنهاء واجتثاث داعش والإستراتيجية الأمريكية بالاستناد إلى التحالفات الوطنية والإقليمية والدولية المجربة... تغيير قواعد اللعبة مما لا شك فيه أن القضايا والمعارك بين المحورين الأمريكي والروسي متشابكة ومترابطة من أوكرانيا وحتى اليمن، وكل طرف يحاول أن يقزم ويحد من نفوذ ودور الآخر، أمريكا تدخلت في أوكرانيا وأرادت أن تضغط على روسيا بمقايضة حماية المصالح الروسية في أوكرانيا مقابل تليين الموقف الروسي من القضية السورية، ولكن أمريكا تدرك جيدا بأن أوكرانيا وسوريا، هي ضمن الخطوط الحمر للمصالح الروسية الإستراتيجية في المنطقة، فكلاهما يشكلان المنفذ لروسيا على البحرين الأسود والمتوسط، وبالتالي سيطرة الغرب على أي منهما يشكل تهديدا جديا للمصالح الروسية وخصوصا خطوط النفط والغاز، وأمريكا ضربت في العراق وخلقت "داعش" لكي تمنع تمدد الحلف الروسي من موسكو حتى فلسطين، وهي تشعر بأن نجاح مثل هذا التحالف يهدد مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، وأيضاً هي تراقب عن كثب ما يحدث في منطقة الخليج، والتي تشكل قاعدة أساسية لها، ليس فقط لجهة القواعد العسكرية الأمريكية هناك، بل الشيء الأهم أنها تشكل شريان أساسي لتزويدها بمصادر الطاقة ولرفاهية سكانها، النفط والغاز، وكذلك التحكم والسيطرة ب وعلى باب المندب والبحر الأحمر يعني بأن الروس والإيرانيين على أبواب باب المندب والبحر الأحمر، وهذا أيضا يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، فعدا أن الحوثيين قد تمكنوا من الوصول إلى حد أنهم أصبحوا شريكاً حقيقياً في الحكم, فإنهم منعوا تقسيم وتفتيت اليمن وأسقطوا هذا الخيار، فإن ما حصل في اليمن قد يمتد إلى البحرين والكويت وبالتالي يصبح خطراً جدياً على حلفاء أمريكا في المنطقة، ولذلك وجدنا بأن أمريكا والتي كانت تعمل على تشكيل ما يسمى بحلف دولي لمحاربة إرهاب "داعش"، وتعد العدة لضربها في العراق أولاً قبل سوريا قد غيرت من اتجاه الضربة واستهدفت سوريا قبل العراق بمشاركة دول خليجية في رسالة واضحة لروسيا وإيران، بأن اليمن سيكون مقابلها سوريا، والشيء اللافت أن وزير الخارجية السعودية طلب لقاءاً عاجلاً لدراسة هذا الأمر، حيث صور للعرب بأن الخطر الجدي والحقيقي عليهم وعلى ثرواتهم وبلدانهم من إيران وليس من إسرائيل، ولكن تغيرت الأمور بعد متغيرات الوضع في اليمن، وأعلنت الرياض عقب اللقاء بين وزير خارجيتها ونظيره الإيراني، عن بدء علاقات سعودية - إيرانية جديدة، وتداعيات ما جرى في اليمن ستتجاوز حدود اليمن ومنطقة الخليج، لتطال تأثيراتها كامل المنطقة، وما حدث في اليمن قد يمهد لتسوية إقليمية شاملة ما بين موسكو وواشنطن، وقد تندفع الأمور نحو التسويات الشاملة، أو قد تنزلق الأمور نحو حروب قد تخرج عن إطارها الإقليمي، ويبقى السؤال الهام والجوهري، هل ستسلم السعودية بما جرى في اليمن، أما أنها لن تقف مكتوفة الأيدي؟ أم أنها ستتعامل بشكل إيجابي مع ما حصل؟ أسئلة كثيرة وتطورات عاصفة في المنطقة تحدث، من شأنها تغير الجيو/سياسي للمنطقة، واللافت في كل ما يجري بأن العرب لا يقررون مصائرهم، أو يمتلكون قرارهم المستقل، أو حتى أي ثقل أو وزن للدفاع عن مصالحهم، بل يجري التحكم بقراراتهم ومصيرهم من قبل الآخرين، فهم ينفذون ما تريده أمريكا وفق مصالحها وأهدافها, فهي التي تحدد لهم الأعداء والأصدقاء، وتطالبهم بالتصرف على أساس تلك القاعدة، تارة يحرضونهم على إيران على أساس أنها عدوهم المركزي، وبعد التصالح مع إيران، ينقلونهم لدفع أموالهم وضخ احتياط بشري للقتال في سوريا، ومن ثم القتال ضد الجماعات الإرهابية والتكفيرية. إشكاليات التحالف الدولي ما زال الغموض يلف الدور الذي سيوكل للدول الإقليمية في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام", وبات إشراك هذه الدول بشكل فعّال إحدى العلامات المميزة لجنين التحالف، في ظل تشديد غربي وتعويل على مفصلية ذلك. في وقت تنقل المنطقة لتصبح مركز الحرب على "الإرهاب"، تحمّي الدول الغربية رأيها العام، لاسيما بريطانيا، التي رفعت درجة التهديد الإرهابي. وسط ذلك كله، ثمة إصرار غربي على عدم إدراج سوريا للمشاركة في التحالف الدولي "للحرب على الإرهاب"، وهذا ما برز من نقاشات الأوروبيين، وهم يحاولون تجميع الصورة وتحديد رد الفعل على حروب تحيط بحدودهم. ودعي كبار مسؤولي الخارجية الأوروبية والمفوضية إلى اجتماع مغلق مع لجان الخارجية والدفاع والأمن في البرلمان الأوروبي، ويبين مسؤول أوروبي رفيع المستوى عن خلاصة تلك النقاشات. فقبل كل شيء، يشدّد المسؤول الأوروبي على أنه "من غير الممكن" ضم الدولة السورية إلى التحالف ضد "داعش". الفكرة طرحت بالطبع، لكن المسؤول يشرح أن هناك واقعاً سياسياً يقف ضدها إذ "ثمة معارضة كبيرة بين الدول الأوروبية تجاه مسألة إشراك الأسد أو التعاون معه". يلفت المسؤول إلى أن الحديث عن ضرورة أن تدفع دمشق ثمناً سياسياً، لقاء ضمّها للتحالف، لا معنى له الآن. ويذكّر بالمؤتمر الصحافي لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، ويقول إن الرسالة السورية كانت واضحة: مرحّباً بالتحالف، مع الدولة القائمة على حالها. وهذا لا ينفع برأيه فـ"النظام السوري لم يقدم على أي بادرة تجاه الحوار مع المعارضة والعمل معها", على حد تعبير المسؤول الأوروبي. وينفي المسؤول الأوروبي أن يكون هناك ضيق في الخيارات إذا استثنيت دمشق، بل يؤكد أن "هناك خيارات عديدة. هناك إمكانية التعاون مع دول المنطقة، وإيران وتركيا". أما في الداخل السوري فالخيار واضح بالنسبة للتداول الغربي، كما يؤكده هذا المسؤول: "العمل مع المعارضة المعتدلة" كما تسمى!!. ولم يتضح بعد مدى وطبيعة الدور المطلوب من دول الإقليم، حتى يمكن التعويل عليه وإبرازه إلى هذا الحد. وليس لهذه الدول تلك القدرات الاستخبارية الحاسمة، كما أنه من غير المرجح أن يكون المقصود مجرد دور تسهيلي لتشكيل الحكومة العراقية. لا أجوبة شافية حول ما الذي ستفعله هذه الدول في مواجهة عسكرية، سواء كان ذلك صلب التحالف أو أحد شقيه إضافة إلى كونه سياسياً. لكن التريث الأمريكي يبدو واضحاً الآن، عبر إعلان واشنطن أنها لم تضع "إستراتيجية" شاملة بعد لمواجهة "داعش". ومنذ حزيران الماضي، وضع المسؤولون العسكريون خططهم أمام البيت الأبيض، وقالوا إن لدى الرئيس باراك أوباما كل ما يحتاجه لكي يتخذ القرار. وأكد مسؤولون عسكريون أنهم لن يستثنوا توجيه ضربات في سوريا أيضاً، إذا اقتضت الحاجة، من دون تنسيق مع دمشق. على كل حال، صارت الأبخرة تتصاعد من تكوينة التحالف الدولي، ولكن مع ذلك هناك تأكيدات أن طبخته لم تنضج حتى الآن.. ويقول المسؤول الأوروبي عن ذلك "صحيح أن النقاش بدأ حول هذا التحالف، لكننا لسنا هناك بعد". مجمل هذه الخلاصات يؤكدها مصدر آخر، وهو سياسي أوروبي شارك في الاجتماع المغلق، واستمع إلى خلاصة توجهات الخارجية الأوروبية. ويقول هذا السياسي, إن "الإستراتيجية بالنسبة للعراق واضحة، لكن على الضفة الأخرى القضية مختلفة: السياسة الأوروبية تعمل على إضعاف داعش، لكن مع حرص شديد ألا يساعد ذلك الدولة السورية. الجانب الآخر في سوريا هو دعم المعارضة المعتدلة". ومن الواضح بالنسبة للأوروبيين والغرب عموماً، ضيق خيارات هذا "الاعتدال"، لجهة ضبابية مقاييسه والشكوك حوله. ويعدّد السياسي الأوروبي أهم التنظيمات الفاعلة على الأرض، قائلاً، على سبيل السخرية، إنه "بالمقارنة مع داعش، فإن (جبهة) النصرة المرتبطة بالقاعدة ستبدو معتدلة". كذلك فإن نادي التحالف لم يشمل ترويجاً للدور الروسي، على الرغم من المساهمة المبكرة لموسكو في دعم السلطة العراقية، فشراكات الغرب مع الكرملين تزداد تعقيداً، خصوصاً أن التصعيد في أوكرانيا تجاوز كل المحرمات، فيما أوكرانيا تتحدث عن غزو روسي مباشر. أما موسكو، فتسمع الآن للهواجس التي حذرت منها مراراً، وكييف تعلن بشكل صريح السعي لعضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فيما الحلف يؤكد الاستعداد لإطلاق قاعدة جديدة له في بولندا، على الرغم من كل تحذيرات الكرملين. نشاط مسؤولي "الأطلسي" وكبار ضباط مركز القيادة في بروكسل، امتدّ لدعوة الصحافيين والتأكيد على وضع النقاط على حروف أبعاد ومدى التحرك إزاء موسكو. وتم التأكيد على أن "الناتو" لن يقدم على أي رد عسكري، بغضّ النظر عما سيحصل في أوكرانيا، وحتى لو فقد الكرملين صوابه وقرر التدخل المباشر. وسيكون الحراك الغربي لحصار روسيا دبلوماسياً، ورفع مستوى العقوبات تدريجياً وصولاً إلى الحصار الاقتصادي. بالتوازي مع ذلك سيزداد حضور الحلف الأطلسي ومناوراته في دول الجوار الروسي. تجاه حرب "داعش" في العراق وسوريا، سيكون تحرك "الأطلسي" محدوداً. هذا ما أكده ممثل دولة مؤثرة في الحلف قائلاً إن تحركاً فعالاً يستلزم دعوة مباشرة من تركيا، بوصفها دولة "الناتو" المعنية. لكن برغم كل الغبار الذي تثيره المخاوف الغربية، تبدو أنقرة مسترخية تجاه المكاسب الكبيرة لـ"داعش" على حدودها. ويقول السفير الغربي، الذي طلب عدم كشف هويته، إن "القصة مجدداً هي ما تريده دولة الحلف المعنية، ففي أوكرانيا أعلن عدّة حلفاء أنهم يريدون الكثير من الناتو، وهذا ما يحصل. وبالنسبة لتطورات العراق وسوريا، كان الضغط من الحلفاء أقل بكثير". ويؤكد أن هذه القاعدة غير مرشحة للتغيّر، موضحا أن "هذه حقيقة سياسية: ما لم تكن هناك طاقة أكبر وقلق حول هذه القضية، من الدولة المعنية، فدرجة رد فعل الحلف ستكون قليلة". وجرى التنويه إلى دور محتمل للحلف في "تنسيق المساعدات العسكرية" التي تقدمها دوله، ولكن لم تقدم توضيحات حاسمة إن كانت هذه المهمة عادية، أم تحتاط لتصاعد محتمل في الأزمة الإنسانية حالما تنطلق مهام التحالف الدولي. مسؤول عسكري في مجلس "الناتو" أوضح أن هناك نقاشاً جارياً مع السلطات العراقية، حول ما يمكنه تقديمه، لكن "المحادثات لم تصل إلى نتيجة ولم تقدم الحكومة أي طلب". وخلال حديث لهذا المسؤول العسكري أكد التقييم السابق: "إذا كانت تركيا لا تريد من الناتو العمل في سوريا أو العراق، فحينها لا يمكننا أن نقرر هكذا.. إنه وضع سيئ هناك، ودعونا نتدخل". باحث في القضايا الإقليمية(*) |
||||||