بين السعودية وإيران.. حوار لم يبدأ بعد

السنة الثالثة عشر ـ العدد 155 ـ (محرم 1436 هـ) تشرين ثاني ـ 2014 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

سلطت تصريحات لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الضوء على مسألتين رافقتا إنشاء التحالف الدولي ضد الإرهاب. الأولى تتعلق بالموقف من النظام في سوريا، والثانية حول العلاقة السعودية الإيرانية. يذكر أنه بعد اجتماع ١٠ أيلول/سبتمبر في جدة للدول الإقليمية المشاركة في التحالف، قيل إن الجانبين الأمريكي والسعودي توصلا إلى تفاهم سياسي يحدد موقفهما المشترك من سوريا وإيران.

لقد أوضح سعود الفيصل أنه لا يزال هناك توافق على تشكيل هيئة انتقالية للحكم في سوريا، وفقا لما نص عليه إعلان جينيف ١ عام ٢٠١٢، وكذلك على أن الرئيس بشار الأسد لا يمكن أن يكون جزءا من الحل.

بالفعل، كانت هناك اتصالات بعيدة عن الأضواء في الأسابيع القليلة الماضية بغية إعادة طرح الحل السياسي كخطوة تدعم الحرب على الإرهاب، إلا أن استبعاد سوريا عن التحالف والمشاركة في الحرب حال دون إحراز أي تقدم، خصوصا أن روسيا وإيران ظلتا بعيدتين عن الاتصالات.

لكن اجتماع سعود الفيصل ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف في نيويورك، وقبل ذلك زيارة نائب الوزير الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للسعودية أوحيا بأن الرياض تلبي التمني الأمريكي للتحاور مع إيران.

وإذ وجه الفيصل دعوة إلى ظريف لزيارة السعودية، ترددت معلومات عن شروع البلدين فعلا في فتح صفحة جديدة بينهما، غير أن تصريحات سعود الفيصل كانت واضحة في استمرار التحفظ السعودي على سياسة الجمهورية الإسلامية في المنطقة حيث قال الفيصل: "إنها (أي إيران) في كثير من النزاعات من سوريا إلى العراق واليمن جزء من المشكلة، وإذا كانت تريد أن تسهم في الحل في سوريا مثلاً، فعليها أن تسحب قواتها حيث باتت قوات احتلال"، كما وصفها. يعني ذلك أن السعودية وإيران لم تبدآ الحوار بعد، ولم تتوصلا إلى أي تفاهم، خلافاً للانطباعات التي كانت سائدة.

وقبل أسابيع، كان الوسط السياسي اللبناني يتحدث عن حل قريب لعقدة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتحديداً بفعل اتفاق جزئي بين الرياض وطهران، إلا أن هذا التفاؤل سحب سريعاً من التداول. وقد جاء الحدث اليمني وسيطرة جماعة "أنصار الله" على الحكم ليضاعفا الصعوبات في أي حوار أو تقارب بين السعودية وإيران.

حقيقة مشاعر الفيصل الشخصية اتجاه إيران

ثمة تصريحان لسعود الفيصل إزاء علاقة السعودية مع إيران، الأول يتسم بلهجة تفاؤلية، والثاني تصعيدي يعبر بصدق عن حقيقة مشاعر سعود الفيصل الشخصية. لعل التطورات في اليمن، حيث تلقى النفوذ السعودي ضربة في الصميم في هذا البلد على يد جماعة "أنصار الله"، كانت من العوامل السلبية التي أدت إلى توتر العلاقات السعودية الإيرانية.

من غريب الصدف أن يعقد لقاء بين سعود الفيصل وجواد ظريف في نفس اليوم الذي سقطت فيه حكومة محمد با سندوة المقرب من السعودية على أيدي من تعتبرهم الأخيرة حلفاء لإيران. على الرغم من ترحيب الرياض باتفاق السلم والشراكة الذي وقعته القوى السياسية اليمنية في الشمال والجنوب، برعاية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إلا أن ثمة استفاقة لاحقة وسريعة لدى الجانب السعودي بددت ما كان يعتقد بأنه مناخ إيجابي مع طهران.

في اجتماع جدة لوزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي في شهر تشرين الأول، صدر تحذير جماعي يقول "إن دول المجلس لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدخلات الخارجية الفئوية في اليمن، حيث إن أمن اليمن وأمن دول المجلس يعتبر كلا لا يتجزأ". في التحليل المنطقي، فإن التدخل الخارجي يشير إلى إيران، تصبح هي المعنية بهذا التحذير، وكأن اليمن امتياز حصري وجزء من النفوذ السعودي بلا منازع.

من وجهة النظر الإيرانية، فإن التحالف الدولي ليس أكثر من ذريعة واهية لحرب متدحرجة تقود إلى مواجهة مفضوحة بين المحورين الرئيسيين أي الولايات المتحدة ومن ورائها ما يسمى بدول الاعتدال، وروسيا ومن ورائها دول الممانعة، على أن تكون ساحة الحرب دول المقاومة، أي سوريا، العراق، لبنان واليمن إذا دعت الضرورة.

لقد تلبد مناخ العلاقات السعودية الإيرانية بكل أشكال الارتياب مجدداً، وعاد سعود الفيصل للتفرد بالملف، حيث كشف عن حقيقة أن ما بين الرياض وطهران هو صراع متعدد الاتجاهات، وهو العنوان الذي يفرض نفسه على علاقتهما في الوقت الراهن على الأقل.

ثمة عامل داخلي يتعلق بصراع الأجنحة داخل العائلة المالكة في السعودية وهذا بدوره أيضاً من الدوافع التي أدت إلى التصريح الأخير لسعود الفيصل. إن سعود الفيصل، الدبلوماسي المخضرم الذي أسبغ على الخارجية السعودية طابعاً خاصاً وشخصياً إلى حد بعيد، كان يقود معركته الشخصية داخل العائلة المالكة، ولاسيما مع جناح الملك عبد الله، الذي بدا مختلفاً في مقاربة العلاقة مع إيران.

قبل شهور، جرى لقاء بين عبد اللهيان وعبد العزيز نجل الملك السعودي في السنغال، وكان الحديث يدور حول الدور التخريبي الذي يضطلع به سعود الفيصل، الأمر الذي يحول دون فتح صفحة جديدة وحقيقية في العلاقة بين الرياض وطهران. تعهد عبد العزيز في حينه لنظيره الإيراني بأن يتولى جناح الملك الملف، طالباً منه زيارة المملكة تمهيداً لزيارات أخرى على مستوى أرفع، إلا أن الفيصل عرف باللقاء، فانتظر اللحظة المناسبة لتوجيه دعوة ملغومة لنظيره الإيراني، حيث فهم منها الأخير العكس، أي لا دعوة. وهكذا بات الفيصل على علم بشأن الترتيبات الخاصة بين البلدين، فأراد أن يظهر أنه وحده من يدير الشؤون الخارجية للمملكة.

لقد تم تجميد اللقاءات بين الجانبين السعودي والإيراني، إلى أن كان اللقاء بين ظريف والفيصل في نيويورك في شهر أيلول الماضي. لكن الفيصل كان يستجيب لطلب عمه الملك قبل أن يتوارى عن المشهد السياسي لأسباب غامضة قيل إنها صحية. كان وزير الخارجية السعودي يبحث عن ذريعة لقطع الاتصالات تماماً مع طهران، فجاء الحدث اليمني والحرب على "داعش"، إضافة إلى الوضع الصحي المتردي للملك، ليحسم ناظر الخارجية السعودية الموقف بتصريحه الناري، حيث وضع شرطاً تعجيزياً لتطبيع العلاقة بين الرياض وطهران، وكأنه يسد الطريق تماماً باتجاه طهران.

التوتر بين السعودية وإيران وخطر "انفجار الخليج"

تعرف العلاقات السعودية الإيرانية حالة من التوتر الشديد، إثر ملاسنات بين مسؤولين كبار في البلدين، على خلفية تصريحات لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بشأن وجود قوات إيرانية في سوريا، وصفها بأنها "قوات احتلال".

ورد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، بشن هجوم على وزير الخارجية السعودي قال فيه إن "هذه التصريحات ناتجة عن كبر سنه"، وتابع بقوله: "إذا كانت مفردة المحتل تليق بدولة، فإنها تليق بالسعودية، لأنها هاجمت الشعب البحريني الأعزل، تحت عنوان قوات درع الجزيرة، وانتهكت القانون الدولي".

من جهتها، استنكرت دول مجلس التعاون الخليجي بشدة في بيان رسمي التصريحات الإيرانية المتكررة وغير المسؤولة التي تصدر من بعض المسؤولين الإيرانيين اتجاه دول مجلس التعاون".

وكان حسين أمير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية دعا السعودية إلى الانتباه "لمؤامرات أعداء المنطقة (…) وأن تلعب دوراً أكثر إيجابية".

وتأتي هذه الانتكاسة في العلاقات الثنائية بعد الاجتماع الذي جمع الفيصل مع نظيره الإيراني جواد ظريف في الأمم المتحدة في أيلول الماضي، وأعلن فيه الجانبان "فتح صفحة جديدة".

ولا يمكن فهم هذه الانتكاسة بعيداً عن التطورات الإقليمية على عدة جبهات، بينها الحرب التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على تنظيم "داعش"، وتوسيع قوات حركة "أنصار الله" الحوثية سيطرتها في اليمن. ويرى محللون أن التوتر بين البلدين يهدد بإعادة العلاقات إلى المربع الأول، إلا أن البعض يعتبر أن العلاقات لم تشهد تحسناً حقيقياً أصلاً على الرغم من التصريحات الإيجابية التي صدرت عن اجتماع نيويورك، والتي كانت تعبر عن أمنيات أكثر منها تفاهمات في شأن التناقض في المصالح والأجندات إقليمياً. ومن بين الأدلة على ذلك:

أولاً، إن التصعيد الإعلامي السعودي ضد إيران بالحديث عن "قوات احتلال في سوريا" تزامن مع توتر العلاقات الإيرانية الأمريكية، على أساس قضيتين هما الوضع في العراق والمفاوضات النووية.

ومن الواضح أن طهران نجحت في حشد حلفائها في العراق، وبينهم أجنحة ممثلة داخل الحكومة، ضد أي تدخل بري أمريكي محتمل. واكتسب هذا الحشد زخماً شعبياً بدعم من ممثل المرجع آية الله السيستاني في خطبة الجمعة في كربلاء. وضاعف من الغضب الأمريكي رفض طهران أن تتعاون سرا في المجال الإستخباراتي مع الحملة الجوية التي شنها التحالف بدون ثمن، وهو ما أثر سلبيا على نجاعة الغارات في إضعاف تنظيم داعش طوال شهرين.

ثانياً، إن ثمة قناعة دولية وصلت إلى نقطة النضج، بأن الغارات الجوية التي يشنها التحالف لن تستطيع وحدها أن تحقق الهدف المعلن منها وهو "تدمير تنظيم داعش" حسب تعبير الرئيس الأمريكي باراك أوباما إثر اجتماعه مع القيادات العسكرية في إحدى وعشرين دولة.

وهنا تبرز إيران كعقبة رئيسية أو تحد صعب لخيار نزول قوات برية غربية سواء في سوريا أو العراق، باعتبار أنها القوة الأكبر على الأرض في البلدين، بينما يعاني الجيش العراقي حالة من الانهيار، وتحتاج ما تسمى بـ"المعارضة السورية المعتدلة" إلى سنوات لتدريبها عسكرياً. وهكذا فإنه بغياب "تفاهم ما" مع طهران، قد يكون من الصعب على التحالف الدولي، بما فيه السعودية، رؤية ضوء في نهاية النفق.

ثالثاً، إن سيطرة الحوثيين في اليمن على مواقع إستراتيجية مثل باب المندب ومطار مدينة الحديدة ومينائها، أعطى إيران اختراقاً مهماً من جهة مجال نفوذها الإقليمي، وجعلها قادرة على التحكم في مدخل البحر الأحمر، بعد أن حصلت على منفذ مباشر عليه، وهو إنجاز استراتيجي يمنحها القدرة على محاصرة السعودية، ونقل المواجهة إلى داخل أراضيها عبر الحدود المشتركة الطويلة والصعبة.

وبعكس التوقعات السعودية فإن الحوثيين بدأوا عملية سياسية موازية وقابلة للاستمرار عبر المشاركة في "حكومة توافق"، ما يؤمن اعترافاً إقليمياً ودولياً بهيمنتهم على البلاد استناداً إلى "شرعية ثورية" يزعمونها في ظل افتقارهم للشرعية الدستورية. وهكذا أصبحت السعودية محاصرة سياسياً كما عسكرياً، إذ ستضطر للقبول والتعايش مع هذا الواقع "الإيراني" الجديد في اليمن.

القضاء السعودي يحكم على الشيخ النمر بالإعدام

بتهم إشعال الفتنة الطائفية والخروج على ولي الأمر وجلب التدخل الخارجي، استندت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض بإصدار حكمها بإعدام الشيخ نمر باقر النمر، بعد مرور أكثر من عامين على توقيفه، حسب ما ذكر أفراد من عائلته ومحاميه.

جلسة النطق بالحكم لم تستغرق أكثر من ١٠ دقائق كان الشيخ النمر خلالها في حالة من رباطة الجأش والاستبشار أثناء النطق بالحكم بل ردد على مسامع أخويه جعفر ومحمد ومحاميه صادق الجبران آية كريمة متنها ﴿قل ما يصيبكم إلا ما كتب الله لكم﴾.

تجدر الإشارة إلى أن الشيخ النمر كان قد اعتقل في تموز ٢٠١٢ في بلدته العوامية شرقي البلاد، وذلك على خلفية مطالبته وآخرين بالإصلاح والعدالة الاجتماعية ونبذ التمييز، إضافة إلى توفير الخدمات لأبناء المنطقة الشرقية التي تشهد حتى هذا اليوم حراكاً شعبياً للمطالبة بحقوقها.

وفي تغريدة له على تويتر، أعلن محامي الشيخ النمر أن قضاة المحكمة رفضوا دعوى المدعي العام لإصدار "حكم الحرابة" بحق الشيخ النمر، فصدر عليه حكم بالقتل "تعزيراً"، لافتاً إلى أن القانون السعودي يتيح للملك العفو عن المحكوم عليهم بالقتل "تعزيراً"، على عكس "حكم الحرابة".

خلال فترة امتدت من العام الماضي، جرت محاكمة الشيخ النمر، حيث تخللتها ١٧ جلسة انتهت بإصدار حكم الإعدام "تعزيراً"، وذلك على الرغم من المناشدات التي وجهتها المرجعيات الدينية من مختلف المذاهب الإسلامية بإصدار عفو عام، فيما أكدت منظمات حقوقية عربية ودولية أن التهم الموجهة له باطلة.

لقد تضمن الحكم القضائي قائمة طويلة من الاتهامات تراوحت بين التحريض على إسقاط النظام في السعودية والبحرين، والدعوة إلى انفصال المنطقة الشرقية عن المملكة، وبين الالتقاء مع مطلوبين أمنيين وجمع أموال لشراء قنابل المولوتوف.

على مستوى آخر، اتهم الشيخ النمر أيضاً بعدم مبايعة الدولة والطعن بالقضاء، ووصف السعودية بأنها دولة إرهاب وعنف، ورجال الأمن بأنهم قطاع طرق، ووزارة الداخلية بأنها سبب الفتنة في السعودية والبحرين.

وفي أي حال، سيحال الحكم على محكمة الاستئناف، وحتى لو قضت بتثبيته، فإن قرار تنفيذه يتوقف على العاهل السعودي الذي قد يصدر عفواً إذا تلقى طلباً من المتهم.

إنه قرار سياسي بالقتل برداء قضائي يستهدف شخصية علمائية رفيعة المستوى، كل ذنبها أنها قالت ذات يوم أن على الشعب أن يختار حكامه. هي محاولة لضرب الانتفاضة الشعبية التي لم تهدأ يوماً في منطقة القطيف، والتي تطالب بحد أدنى من الحقوق، عبر قطع الرأس الذي يقودها، لكنها في الوقت ذاته ضربة تحت الحزام، في إطار صراع داخلي يسعى النظام إلى توظيفها في سياق إقليمي، وإلا فما الذي استجد داخلياً لتصحو معها قضية الشيخ النمر، بعد سبات طويل استغرق أكثر من ٢٠ شهراً و١٧ جلسة وتأجيل مرتين للنطق بالحكم.

بديهي أن القضية سياسية أولاً وأخيراً، لذلك، وجهت هيئات حقوقية، منها منظمة العفو الدولية، انتقادات للمحاكمة، معتبرة أن نواقص كثيرة شابتها، كما أن القضية تتعلق أساساً بالحراك في المنطقة الشرقية الذي حدث عام ٢٠١١ للمطالبة بالعدالة والمساواة، بالتزامن مع الحراك الشعبي في البحرين. أما الوجه الآخر للقضية، فيمكن ربطه بتصاعد الخلاف السعودي الإيراني، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة في اليمن، فضلاً عن أن إعدام الشيخ النمر قد يتحول إلى شرارة لإشعال انتفاضة شعبية عارمة في المنطقة الشرقية للسعودية.

السعودية تورط نفسها في مغامرة غير محسوبة

مهما سلكت قضية الشيخ النمر من مسارات في المستقبل سواء بتنفيذ حكم الإعدام أو بالعفو، فإن السلطات السعودية ستجد نفسها بمواجهة قضية رأي عام، وهي قضية ستعيد تسليط الأضواء على واقع حقوق الإنسان في المملكة، وستجد طريقها إلى وسائل الإعلام العربية والعالمية... لكن حدودها لن تتوقف هنا.

وضعت السعودية نفسها وسط رمال متحركة. ستكون خاسرة كلما اقتربت من تنفيذ حكم الإعدام بحق الشيخ نمر النمر، وستبقى خاسرة في حال تراجعت عن القرار. في الحالتين، عادت الأضواء تكشف عورات المملكة في ملف حقوق الإنسان. هذه المرة هي التي افتعلت القضية على ما يرى خصومها وناشطون حقوقيون.

أراد الحاكم السعودي أن يوجه رسالة سياسية. يأتي من يشير إلى أن توقيت صدور حكم الإعدام يتصل بجملة من التطورات في المنطقة. بينها التوتر السعودي الإيراني، وتمدد جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن. يشير ناشطون من المملكة إلى أن قرار الإعدام هو رسالة إلى الداخل أيضاً هدفها الردع واستعادة هيبة السلطة التي انكسرت بجرأة الشيخ النمر.

إلا أن قضية الشيخ النمر لم تصل إلى خواتيمها بعد. فالوصول إلى تنفيذ حكم الإعدام بحق الرجل يتطلب أن يمر بمرحلتين. أولاً، أن تقر محكمة الاستئناف الحكم الصادر عن المحكمة الجزائية بعدما تقدمت عائلة النمر بطلب الاستئناف بعد صدور الحكم الأولي. وثانياً، أن يصادق الملك على حكم الإعدام. مع الإشارة إلى أن للملك حق إصدار عفو في مثل هذه الحالة، حيث يعطيه القانون حق العفو في حكم الموت " تعزيراً"، وهو الأمر الذي ينطبق على الحكم الصادر بحق النمر، بينما لا يعطيه هذا الحق في حال صدور الحكم بالموت بـ"حد الحرابة".

إلى ذلك الحين، لا يستبعد أن يجد الحكم السعودي أنه أغرق نفسه. إذ وضعت المملكة نفسها تحت مجهر الإعلام، هي التي ما زالت تحاول تلميع صورتها، في الغرب خصوصاً، وأعادت تعويم قضية حقوق الإنسان داخلها. ليس مستبعداً والحال هذه أن تتراجع السلطات السعودية عن الحكم "الواهي" وغير المبرّر قانونياً بحسب منظمات حقوقية في مرحلة ما، وذلك قبل الوصول إلى عنق الزجاجة. يتوقع بعض المحللين أن يتم الأمر في النهاية على شكل "مكرمة" من خادم الحرمين. لكن كيفما اتجهت الأمور من الآن وصاعداً، ومهما سلكت من مفترقات فإنها وضعت الحكم السعودي في قضية خاسرة. كل ما يمكن أن يفعله هو أن يقلص الخسائر.

من يراقب ردود الفعل بعد صدور الحكم يدرك أنها سوف تتصاعد بشكل مضطرد بالتوازي مع المسار القانوني. لا تستطيع الحكومة السعودية التعتيم طويلاً على الاحتجاجات التي سرعان ما اشتعلت في محافظة القطيف إثر صدور القرار. الاحتجاجات مرشحة للتصاعد في حال سلك الحكم مراحل التنفيذ. الاشتعال انسحبت أيضاً على المواقف. لم تتأخر إيران التي درس الشيخ النمر في حوزاتها العلمية خلال الثمانينات بالرد. معاون وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان اعتبر أن الحكم سيؤثر بنحو كبير في علاقات العالم الإسلامي مع السعودية. إلا أن التحذير الذي ينبغي التوقف عنده جاء على لسان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي، إذ قال إن تنفيذ السعودية للحكم الصادر بحق الشيخ النمر سينقل أزمة اليمن إلى المنطقة الشرقية في السعودية.

الأمم المتحدة أدلت بدلوها إذ أعربت عن تمسكها بضرورة وقف أحكام الإعدام وطالبت السلطات السعودية بالالتزام الدقيق بأصول المحاكمات، وذكرت بالمواقف السابقة الصادرة عن المفوض السامي لحقوق الإنسان المتعلقة بالسعودية وسواها.

١٨ منظمة حقوقية أصدرت بياناً مشتركاً اعتبرت فيه أن "إعلان الحكم بالقتل تعزيراً على الشيخ النمر يمثل مؤشراً خطيراً على أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، حيث يتعرّض الآلاف من المدافعين عن حقوق الإنسان للاعتقال التعسفي وقد صدرت أحكام جائرة بحقهم تصل إلى ١٥ سنة، كما في حال الدكتور عبد الله الحامد والدكتور محمد القحطاني والناشط الحقوقي وليد أبو الخير".

أسئلة مشروعة حول السياسة السعودية اتجاه إيران

انطلاقاً من التصريحات السعودية الحادة، والتي أشار فيها سعود الفيصل إلى "احتلال" إيراني لبلدان عربية، فهل يتمدد الإيرانيون فعلاً على حساب السعودية؟ آل سعود يرون الأمر كالتالي: إيران تدعم أعداءهم في سوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين، ولكن السؤال الأهم الذي يتجاهلونه هو: لماذا أصبح هؤلاء في عداد الأعداء؟ ألم تضع السعودية منذ عام ٢٠١١ كل ثقلها لتدمير الدولة السورية؟ أم تعمل بانتظام على تحويل اليمن حديقة خلفية مهمشة لها؟ أليست السعودية وراء القمع المستمر لشعب البحرين؟.

من الطبيعي أن يقف المتضررون من السياسات السعودية ضد المملكة ويناصبوها العداء كما تفعل هي بواسطة تمويل الإرهاب واعتماد التحريض الطائفي والمذهبي. على الرغم من ذلك، لم يقم أي من هؤلاء المتضررين بالرد على الاعتداءات السعودية إلا بصد أدواتها الإرهابية عن أراضيهم واتخاذ مواقف سياسية وإعلامية فقط.

العراقيون، الذين تواصل السعودية منذ عام ٢٠٠٦ ذبحهم يومياً عن طريق العمليات الانتحارية التي يقوم بها الإرهابيون وبالعمل الاستخباري وتمويل التحريض المذهبي لتقسيم بلادهم وتغذية الحرب الأهلية لم يردوا بأكثر من صرخات الألم. فهل كان من المستحيل عليهم الرد على الإرهاب بإرهاب مماثل داخل المملكة؟ لكنهم لم يتبعوا هذه الأساليب.

الرئيس بشار الأسد، الذي ناصبه السعوديون العداء ومولوا العمل على إسقاط نظامه وشنوا بالفعل حرباً إرهابية لتدمير سوريا وتمزيقها، لم يتجاوز في رده على الرياض التصريحات السياسية المصاغة بلغة دبلوماسية. كذلك حال حزب الله، فقد حافظ على هدوئه الشديد إزاء العدوانية السعودية المتصاعدة منذ انتصاره على إسرائيل في عام ٢٠٠٦. وهل ينبغي أن يظل اليمنيون تحت النفوذ السعودي، أليس لهم الحق بامتلاك القرار الوطني والسعي إلى حل مشكلات بلادهم وتحريرها من مراكز القوى والفساد والأوكار الإرهابية؟ أيشكل ذلك الحق الطبيعي عدوانا على السعودية؟.

أما الثورة البحرينية التي تمسكت فعلاً بالنزعة الوطنية والدستورية والسلمية، فهي اليوم لا تواجه الاحتلال السعودي للبلاد إلا ببضع كلمات وليس بالمتفجرات والانتحاريين.

طهران لم تعمل على إيجاد بيئة معادية للسعودية، الرياض فعلت ذلك من خلال سياساتها العدوانية القائمة على الوهابية والإصرار على إخضاع المنطقة لتحالفاتها الأمريكية والإسرائيلية.

أما بخصوص سوريا، فقد قامت السعودية منذ عام ٢٠١١ بإتباع سياسة الأرض المحروقة اتجاه هذا البلد تحديداً. فهل كانت الطريقة الوحيدة للتعامل مع النظام في سوريا إحراقها والسعي لتقسيمها؟

العلاقة بين إيران وسوريا ليست علاقة تفرض من خلالها طهران أي شيء على دمشق لا ينسجم مع إرادة الدولة السورية، إذ إن الموقف من "حماس" و "الإخوان المسلمين" و "الصحوة الإسلامية هو من المسائل الخلافية بين الدولتين، على الرغم من ذلك، لم تفرض إحدى الدولتين رأيها أو موقفها على الأخرى.

أما سقوط الموصل المأساوي، فقد أظهر أيضاً كم هي إيران بعيدة عن التدخل في شؤون المؤسستين العسكرية والأمنية العراقيتين، وإلا فهل كان أحد يتوقع هذه الانهيارات السريعة في صفوفهما؟ في الواقع، إن العلاقة بين بغداد وطهران ليست كما يتوهم البعض، فللعراق شخصيته الخاصة التي لا يستطيع أي كان السيطرة عليها والتحكم بها.

اليوم، تتقدم إيران سياسياً على الصعيد الإقليمي، ويظهر الأكراد الوحدة والعزيمة لاسترداد حضورهم القومي، فالجغرافيا السياسية لا تقبل الفراغ. السعودية، ومنذ اعتلائها قمة النظام العربي في أواسط السبعينات من القرن الماضي، دأبت على تجريف العروبة من الداخل ومحاصرتها وتحطيمها وإفراغ الجيو/سياسية العربية من أي حضور ذاتي، وفق نهج يعادي أي نمط من أنماط التقدم العربي، وذلك للحفاظ على أكثر أنظمة الحكم رجعية في العالم.

الأمة الإيرانية أمة شقيقة وحليفة للعرب، فضلاً عن كونها جارة لهم، وهذا لا يعني التبعية في أي شكل من الأشكال، ولا يعني كذلك انعدام الخلاف والاختلاف وتعارض المصالح، فهذه هي طبيعة العلاقات بين الأمم والشعوب والدول.

اعلى الصفحة