|
|||||||
|
في الأصل، وقبل تحوّل فكرة المنطقة العازلة إلى جزء من اللعبة السياسية التي تمارسها دول عديدة للتغطية على اعتداءاتها وخرقها لسيادة الخصوم، تقام منطقة الفصل بين حدود دولتين عدوتين، أو متخاصمتين، بموجب قرار يصدره مجلس الأمن الدولي لضمان عدم الاحتكاك الذي يمكن أن يفضي إلى اندلاع القتال بين قوات الجانبين، وهو ما حدث بين سورية وإسرائيل بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 عندما أصدر المجلس القرار 350 الذي وضع الجولان المحتل من قبل الجيش الإسرائيلي في دائرة المنطقة العازلة التي أدخل إليها مجموعة من القوات الدولية (الأندوف) مهمتها المراقبة والإشراف ومنع التجاوزات من كلا الطرفين، الإسرائيلي والسوري. ومع أن هذا العنوان (المناطق العازلة في سوريا) بدأ يطفو على السطح منذ اندلاع الأحداث قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، إلا أنه بات يحتل اليوم قائمة أولويات بعض دول الجوار ذات العلاقة بالأزمة السورية، ولاسيما تركيا وإسرائيل اللتين تحاولان استغلال الوضع الميداني الجديد الذي ظهر في مناطق الشمال والجنوب السوري، وعمليات القصف الجوي التي تقوم بها طائرات "التحالف الدولي" ضد ما تسميه مواقع تنظيم "داعش" في شمال وشرق سوريا، لترجمة أهدافها المضمرة والمعلنة في إعادة رسم خريطة جديدة في المنطقة، وذلك على الرغم من مفارقة هذا الهدف القديم- الجديد الذي يجري إنضاجه على نار المعارك المستعرة في كلا المنطقتين، ليس فقط قدرات وإمكانيات هذه الأطراف التي رفعت منسوب تورطها في المحرقة السورية إلى مستوى ارتكاب المجازر بحق السوريين لاقتناص ما تعتبره "اللحظة التاريخية" المناسبة، وواقع التباين وصراع المصالح في صفوف ما يسمى "التحاف الدولي"، وارتفاع النبرة الروسية- الإيرانية ضد هذا السعار العاري المستهتر بكل ما له علاقة بالشرعية الدولية، وإنما مفارقته كذلك حقائق موازين القوى التي تدب على الأرض في الداخل السوري. شرط ملحّ.. "لا يناقش الآن"! في جبهة الشمال، وعلى إيقاع الطلعات الجوية لقوات التحالف التي لم تلحق خسائر تذكر بالدواعش الذين اجتاحوا مدينة عين العرب- كوباني تحت سمع وبصر القوات التركية التي ساهمت بحصار المدينة من شمالها، ومنعت عبور الشبان الأكراد القادمين من تركيا لمساعدة أشقائهم، تحوّل مطلب إقامة منطقة حظر جوي ومناطق عازلة في شمال سوريا من قبل نظام رجب طيب أردوغان الذي استجاب، أخيراً، لمطلب واشنطن المتعلق بتدريب ما يسمى "معارضة معتدلة" في الأراضي التركية، إلى علامة فارقة وشرط صريح وملحّ وواجب الوجود لمشاركة أنقرة في "تحالف واشنطن"، مستغلاً حاجة التحالف الماسّة إلى تركيا التي تتمتع بحدود طويلة مع سوريا، وبعلاقات واسعة مع العديد من المنظمات والمجموعات المساحة، وتمتلك قوات برية كبيرة يمكنها القيام بأعباء العمليات المطلوبة على الأرض. ووفق المعطيات والمؤشرات المتقاطعة، وعلى الرغم من ميل العديد من المتابعين إلى خفض منسوب احتمال إقامة مثل هذه المناطق، انطلاقاً من التحفظ الأمريكي والاعتراض السعودي والرفض الروسي- الصيني- الإيراني، فإن هذا المطلب الذي يستبطن طموحات إقليمية فضفاضة، بات يجد آذاناً صاغية إضافية لدى العديد من أطراف التحالف. أولى بواكير الاستجابة للمطلب التركي "الذي لا يناقش الآن"، وفق ما يقول الأمريكيون، جاءت من فرنسا التي سبق وأن تصدّرت، وعلى طول الخط، قائمة الدول المناوئة للنظام السياسي في سوريا، ما يعني، عملياً، وتحت وطأة الهجوم الإرهابي على عين العرب- كوباني والمجازر الحاصلة والمنتظرة، فتح الباب أمام وضع رغبة أنقرة على جدول أعمال "التحالف الدولي" ورفع الحرج عن واشنطن التي يرجح أن تعمل على استعادة خيار تقسيم سوريا، وأن تسعى إلى إزالة الاعتراض السعودي على "المنطقة العازلة" في الشمال السوري، وعبر وسائل عديدة، ومواجهة رفض موسكو وبكين وطهران المستند إلى ضرورة العودة إلى مجلس الأمن، من خلال التوكؤ على قرارات سابقة للمجلس أتاحت اتخاذ تدابير من جانب واحد في مسائل شبيهة ، كما هو حال القرار 688 الذي استندت إليه واشنطن ولندن وأنقرة لإنشاء منطقة حظر طيران في بعض مناطق العراق ضد سلطة الرئيس السابق صدام حسين، من دون أن ينص القرار المذكور صراحة على ذلك. ولعل أحد المؤشرات الدالَة على إمكانية انعطاف واشنطن نحو هذا المربع، هو إعلان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، في لقاء مع نظيره البريطاني الذي لم يستبعد القبول بالطرح التركي، بأن "فكرة المنطقة العازلة يجب إن تحظى بدراسة متأنية"، وذلك على الرغم من رفض البيت الأبيض، حتى الآن، قبول الدعوات المتكررة لإقامة مناطق حظر جوي أو مناطق عازلة في سوريا. ما تقدمه أنقرة من حيثيات وحجج وذرائع تفرض عليها التمسك بمطلب المنطقة العازلة، يمكن تلخيصه، ووفق معطيات متقاطعة، بالتالي: - حماية البلاد من عدم الاستقرار في سوريا، ولاسيما بعد أن أحرزت القوات الحكومية السورية تقدماً ملموسا في مناطق الشمال على حساب المسلحين الإرهابيين، وخاصة في المناطق المحيطة بمدينة حلب، ما يؤشر إلى إمكانية نجاح القوات المسلحة السورية في تحقيق الانتصار وطرد المجموعات المسلحة إلى داخل تركيا، وإسقاط كافة الخطط والأوهام المتعلقة بإسقاط النظام السوري. - في غياب مناطق حظر الطيران التي تحتاج إلى تعهدات وضمانات أمريكية وأطلسية عسكرية، ترغب أنقرة في إقامة ما تسميه "ملاذات آمنة" في سوريا كوسيلة لإدارة أزمة اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم وتقدّر عددهم راهناً بنحو 1.5 مليون نازح، ومنع تدفق المزيد منهم إلى الأراضي التركية. - بخلاف الوقائع الموثقة التي تؤكد الدعم التركي اللامحدود، وفي كافة المجالات، لمنظمات الإرهاب التي تصدّر إلى سوريا، وفي مقدمها تنظيم "داعش" الذي تحوّل إلى عصا غليظة بيد سلطان بني عثمان الجديد رجب طيب أردوغان، تزعم أنقرة بأن الأمر الأكثر إقلاقا لها، على المدى البعيد، هو التطرف المحتمل المرتبط باللاجئين السوريين الذين سيبقون في تركيا، ويمكن أن ينقلوا معهم المشاكل القائمة في سوريا، ومن بينها شبكات مرتبطة بالتنظيمات الإرهابية! - تسعى تركيا، ومن خلال "الملاذات" المأمولة عبر الحدود، إلى التركيز على نقاط العبور التي يتجمع فيها معظم اللاجئين، وعلى المناطق التي يسيطر عليها حزبا "العمال الكردستاني" الذي تقاتله منذ أربعة عقود، و"الاتحاد الديمقراطي" السوري الذي أقام إدارة ذاتية في المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال السوري، والتي تتعرض لهجمات تنظيم "داعش". وقد قامت أنقرة بالفعل بنشر مدفعيتها على طول الحدود، بهدف الهيمنة على منطقة تمتد إلى مسافة خمسة وعشرين ميلاً داخل سوريا، وفقاً لما تمليه التضاريس. كما ستعتمد أنقرة على حلفائها من المجموعات الإرهابية في سوريا للمساعدة في حماية محيط هذه "الملاذات" المتوخاة. تل أبيب والتغيير الجذري في الميدان في جبهة الجنوب السوري، وكما هو الحال في مناطق الشمال التي تسعى تركيا إلى فرض منطقة عازلة فيها من بوابة مأساة أكراد سوريا، ومناطق جرود القلمون التي يستخدمها الإرهابيون كمنصة للانقضاض على القرى السورية واللبنانية على جانبي الحدود، تحاول إسرائيل، وعلى ضوء القرار الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة مؤخراً بتسليح ما تسميه "المعارضة المعتدلة" وتدريبها، التقدم خطوات إضافية نحو تحقيق رزمة من أهدافها الإستراتيجية المتعلقة بمستقبل سوريا وحلفائها في المنطقة، وإحداث تغيير جذري في المناطق المحاذية للجولان المحتل، وذلك بعد أن تم الكشف علانية عن علاقة التعاون التي تربط الدولة العبرية بالإرهابيين في الجانب السوري من الحدود في الجولان. ولأن السمة البارزة للمرحلة الراهنة في المنطقة هي انفتاح الآفاق أمام اتخاذ القرارات المصيرية، فإن الكشف الإسرائيلي عن علاقة التعاون بالمسلحين الإرهابيين في الجانب السوري من الحدود في الجولان صدر عن عدة مصادر، لعل الأبرز فيها هو تأكيد وزير الحرب موشيه يعلون، وخلال رزمة مقابلات مع وسائل الإعلام العبرية، بأن الوضع في الجولان لا يدعو للخشية، بل هو مستقر و"تحت السيطرة"، واعترافه بتقديم قوات الاحتلال مساعدة لما أسماه "مسلحي المعارضة السورية" في الجولان وفق معادلة قوامها "تحقيق مصلحة إسرائيل الأمنية، مقابل المساعدات والمعونة التي يتلقاها المسلحون منها"، وسط تأكيد بأن ذلك لا يستثني أحداً من هذه "المعارضة"، بما في ذلك "جبهة النصرة" التي وصفها يعلون بأنها "التيار الأكثر اعتدالاً في تنظيم القاعدة"!!. في السياق ذاته، وفي مقال نشره "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" زعم المعلق السياسي الإسرائيلي أيهود يعاري بأن معظم الدعم الإسرائيلي للمجموعات الإرهابية المتمركزة على الحدود، ما زال يقتصر على "المساعدات الإنسانية مثل معالجة 1400 شخص من المرضى والجرحى السوريين في المستشفيات الإسرائيلية"، مضيفاً بأن بعض هذه الجماعات تحافظ على اتصال دائم مع القوات الإسرائيلية، بما في ذلك عقد اجتماعات سرّية متكررة "جرت في طبريا". وبخصوص السلاح ادّعى يعاري بأنّه "لم يتمّ توريد سوى كميات قليلة من الأسلحة إلى هؤلاء، ولاسيما قاذفات الصواريخ "آر بي جي". ما يستدعي، وفق الكاتب، "تقديم مساعدة عسكرية على نطاق أوسع في غضون الأشهر القليلة المقبلة، في الوقت الذي تحارب فيه الجماعات المنظمة من "الثوار" غير الإسلاميين "جبهة النصرة" و"داعش" دفاعاً عن هيمنتها في الجنوب". ومع أن معالم التدخل الإسرائيلي في الأحداث الدامية التي تشهدها سوريا بدأت جلية واضحة في المناطق المتاخمة للجولان المحتل منذ الأشهر الأولى للأزمة، فيما كان دور مؤسستها العسكرية والاستخبارية يتدحرج نحو الإمساك بكافة خيوط المعارك التي تخوضها المجموعات الإرهابية المسلحة في محافظة القنيطرة وجنوب البلاد، بشكل عام، ضد الجيش السوري، ويرتفع منسوب الدعم الميداني واللوجستي والطبي الإسرائيلي، وسوى ذلك، لهذه المجموعات التي لم تعد تشعر بالحرج حيال علاقتها الوثيقة بجيش الاحتلال، إلا أن إشهار "التحالف الدولي" ضد تنظيم "داعش" شكّل فرصة إضافية للإسرائيليين لاستغلال الأوضاع المستجدة والتحرك في اتجاهين متعاكسين: شن حملة دبلوماسية وإعلامية مكثفة ضد ما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" و"المنظمات الإرهابية" وخطرها على المشهدين الإقليمي والدولي، لا بل وبث الرعب مما يسمى إسرائيليا "التطرف الإسلامي"، وخطورة التهديدات المحدقة بالكيان المحتل بسببه، وإبداء الاستعداد للانخراط ضمن "التحالف الدولي" خصوصاً عبر التعاون الاستخباري المعلوماتي إلى حدّ الاستعداد لوضع قواعده أمام استخدام الطائرات الأمريكية في الحرب ضد التنظيم (هآرتس 17/9/2014)، من جهة، وغذ الخطى، وبالتعاون مع الولايات المتحدة وبعض الحلفاء العرب، باتجاه استكمال هندسة "المنطقة العازلة"، عبر الأدوات الإرهابية، وفرضها كأمر واقع، ابتداء من أقصى ريف درعا عند الحدود الأردنية وصولا إلى سفوح جبل الشيخ، من جهة ثانية. سباق الوقائع والإرادات ووفق ما يدب على الأرض، تمتد المنطقة العازلة التي تعمل إسرائيل، وعبر الأدوات الإرهابية، على استكمال هندستها في مناطق واسعة من الجنوب السوري ومناطق الجولان المحررة، وتبدأ في ريف درعا الغربي، انطلاقاً من بلدتي سحم الجولان والرفيد، وصولا إلى بعض بلدات القطاع الأوسط من محافظة القنيطرة، والتمدد نحو بقية البلدات في القطاعين الأوسط والشمالي، بما في ذلك عمق المدينة المحررة الذي تسيطر عليه المجموعات المسلحة من "جبهة النصرة" و"لواء الحرمين"، وبخاصة على التلال الحمر التي تقابل تل أبو الندى الذي يراقب من خلاله الإسرائيليون كافة التحركات في المنطقة، وبلدات حضر وعرنة وحرفا وبقعسم وقلعة جندل على سفوح جبل الشيخ التي تقع تحت سيطرة الجيش السوري وحلفائه، ما يتيح بلورة منطقة معزولة، عمليا، عن سيطرة الجيش السوري، وتمتد على مساحة نحو 70 كلم2 تضم عشرات القرى من جنوب درعا حتى قمة حرمون من دون قوات فصل يشرف عليها مجلس الأمن، ويتحرك فيها الإرهابيون المسلحون بحرية تامة بمقاتليهم وآلياتهم تحت إشراف وحماية الجيش الإسرائيلي الذي أتاح لهم الدخول إلى فلسطين المحتلة والانتقال عبرها من الجولان المحتل إلى منطقة شبعا المحررة على الحدود اللبنانية، لفتح جيب عسكري لـ"داعش" و"النصرة" يمكنهما تحويله إلى نقطة ارتكاز لتجميع قواتهم والالتفاف على "حزب الله" الذي تقدَر القيادة الإسرائيلية بأن انشغاله في عدة جبهات يسمح لها فرض معادلات جديدة عليه، سواء في الساحة اللبنانية أو خارجها. وحسب تقارير غربية فإن قوات الاحتلال أعادت الفرقة 21 إلى الجولان المحتل، وهي فرقة متخصصة لمساعدة الإرهابيين بالتجسس والرصد وصد هجمات الجيش السوري، وهذا ما حصل بعد أن أسقطت إسرائيل بصاروخ طائرة سوخوي سورية، بهدف مساعدة "جبهة النصرة" في التقدم إلى منطقة خان أرنبة التي يحشد فيها الجيش السوري مدرعاته للدفاع عن ريف دمشق الغربي. غير أنه، وفي مقابل ذلك، جاءت عملية مزارع شبعا الأخيرة لتوجه رسالة أولية قوية من "حزب الله" إلى الجانب الإسرائيلي لدفعه إلى التراجع عن هذا السيناريو والكف عن اللعب بالنار، والقول له وللتكفيريين بأن المقاومة يمكنها ردع الجانبين في آن. وهو ما بدا في رد فعل الإسرائيليين الذين فهموا الرسالة بشكل جيد، ولو بشكل مؤقت، واكتفوا برد فعل تقليدي اقتصر على إطلاق قذائف مدفعية على المناطق الخالية والوديان، خوفاً من رد أشد من الحزب، وفق تقديرات وسائل الإعلام الإسرائيلية التي أجمع معظمها على أن "حزب الله " بإمكانه قتال "داعش" على الحدود مع سوريا، وفي الوقت نفسه إدارة الجبهة ضد الجيش الإسرائيلي جنوبا، وهو ما يتقاطع مع اعتراف وزير الحرب الإسرائيلي، في مقابلاته الآنفة الذكر، بخطأ التقديرات الإسرائيلية تجاه نيات "حزب الله" الذي "يحاول تثبيت معادلة ردع جديدة على الحدود الإسرائيلية مع سوريا ومع لبنان، وهذه المعادلة تنص على أن الحزب سيهاجم "أراضينا" رداً على أي عمل عسكري ينسب إلى إسرائيل في الأراضي اللبنانية"، وإشارته إلى أن التصعيد إن وقع، فسيكون مبنياً على "خطأ في التقدير والحسابات"، وأن معادلة الصراع مع الحزب تشهد تحولاً مقارنة بالماضي، "إذ كان النظام السوري يستخدم حزب الله لضربنا انطلاقا من الجنوب اللبناني، ومن دون أن نتمكن من اتهامه بالمسؤولية المباشرة عن ذلك، وها هو حزب الله يستخدم حالياً الأسلوب نفسه في الجولان. فالعام الماضي شهد زرع عبوات وإطلاق صواريخ تنسبها إسرائيل إلى ميليشيات مرتبطة بنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، لكنها في الواقع تعمل بإشراف من حزب الله والحرس الثوري الإيراني". وعلى الرغم من أن القلق الإسرائيلي من إمكانيات وقدرات "المقاومة الإسلامية" دفع رئيس الأركان بني غانتس إلى إجراء سبع مقابلات مع وسائل إعلام عبرية للحديث عن التهديد الذي يشكله "حزب الله" على كيان العدو، والتبجح بالاستعداد لإعادة لبنان 80 عاماً إلى الوراء، وذلك قبل مساهمة "عملية شبعا" التي أكّدت جاهزية المقاومة وقوتها، في إرباك الرهانات الإسرائيلية، غير أن ذلك لا يلغي توقّع رفع منسوب المساعدات العسكرية المقدمة للإرهابيين، وربما التدخل العسكري المباشر من قبل قوات الاحتلال في بعض المناطق المحاذية للجولان المحتل بحجة "حماية الأقليات" من مجازر قد يرتكبها إرهابيّو "النصرة" الذين يشكلون العمود الفقري للإرهابيين في مناطق الجنوب السوري. وحيثية ذلك، وفق ما يشير العديد من المعلقين الإسرائيليين، هي أنه، وفي ضوء قرار واشنطن بتسليح من تسميهم "معارضة معتدلة" وتدريبهم، ثمة ضرورة للنظر بجدية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وربما الأردن المطلوب منه، إسرائيلياً، إعادة تقييم الموقف وفق رغبة تل أبيب، للمنطقة العازلة في جنوب سوريا، والتي يمكنها أن توفر مساحات لتدريب أعداد كبيرة من المقاتلين، ومجالا حيويا لربط مدينة درعا على الحدود الأردنية مع القنيطرة على حدود الجولان المحتل عبر السيطرة على الطريق السريع الرئيسي الجنوبي المؤدي إلى دمشق. ومع خطورة هذا المشروع وما حشد له من أسباب، إلا أن ثمة عوامل عديدة تجعل من ولادته أمرا متعثرا وغير قابل للحياة. ويبدو أن الأمر لا يتعلق فقط باستعداد وتحفز وقدرة "حزب الله" على قلب الطاولة على رأس الإسرائيليين والتكفيريين معا، وإنما كذلك بعوامل متداخلة أخرى عديدة لها علاقة بوعورة المنطقة ومناخها القارس، وبوعي أهالي المنطقة بجميع طوائفهم لخطورة هذا المشروع وتداعياته الخطيرة على وحدة لبنان وعلى المقاومة، إضافة إلى الإجراءات الأمنية والعسكرية للجيش اللبناني الذي يرفع من منسوب تنسيقه المقاومة، وتعاون أهالي المنطقة. وبحسب مصادر في جنوب لبنان، فقد ضاعف الجيش اللبناني عديد جنوده خمسة أضعاف، توزعوا على نقاط مختلفة من الجبال والممرات من شبعا حتى العرقوب، قاطعاً بذلك كل طرق وخطوط الإمداد التي كان يستخدمها المسلحون للعبور من الأراضي السورية إلى اللبنانية، إما لتلقي العلاج أو لنقل المال الداعم لهم، حيث تمركز عناصر الجيش مؤخرا في إحدى نقاط السدانة المتقدمة التي تكشف مرتفعات جبل الشيخ وخطوط التسلل المحتملة للمسلحين الإرهابيين من بيت جن إلى شبعا، ما دفع العدو الإسرائيلي إلى إطلاق النار على نقطة الجيش المتمركزة في المنطقة، وجعل من خطة "جبهة النصرة" المتمثلة باللعب بورقة قرى جبل الشيخ (مجدل شمس، حضر وشبعا)، المتمركزة على شكل رأس مثلث، تتوسطه نقطة مرصد جبل الشيخ ، أو موقع الرادار، ورقة خاسرة. من جانبه، ووفق المؤشرات المتوفرة، يعمل الجيش السوري على تركيز جهده في محاور ثلاثة: الأول، هو رفض العودة لفض الاشتباك المتفق عليه منذ عام 1974، وإبقاء الجبهة مع إسرائيل مفتوحة وبحالة سيولة، ما يعني تطبيق قوانين توازن الرعب بين إسرائيل والمقاومة على هذه الجبهة. الثاني، توجيه رسائل الردع للحكومة الأردنية بالتعامل بحزم مع أي إجراء له علاقة بمحاولة فرض منطقة حظر جوي ضد المقاتلات السورية، واعتبار ذلك بمثابة إعلان حرب على الأردن تحمل نتائجها. والثالث، مواصلة تنظيف ريف دمشق وصولاً إلى قطع الفرصة على جدوى التفكير برأس جسر لربط مجموعات الإرهاب في هذه المناطق بنظرائهم القادمين من "المنطقة العازلة" المتخيلة! كاتب فلسطيني(*) |
||||||