|
|||||
|
الشيخ الوائلي: بين التفسير العلمي والتفسير المؤدلج
على مدى 70 صفحة من الحجم العادي يتعرض المؤلف في المقدمة إلى التعريف اللغوي والاصطلاحي للتفسير، ثم انتقل إلى أقسام التفسير الرئيسة وتعريفها، وهما: التفسير بالمأثور، والتفسير بالاجتهاد مستعرضاً في الوقت ذاته إلى أهداف التفسير، والقصد من قوله التفسير العلمي، والتفسير غير العلمي، وقد توسع المؤلف في قصده من التفسير غير العلمي كالتفسير المؤدلج الذي تمليه العصبية المذهبية أو إقحام بعض النظريات التي لا تصل إلى مستوى الدليل ونحو ذلك. مشدداً في الوقت ذاته أن تفسير القرآن تحت جهد فردي هو جهد محترمٌ إلا أنه يناشد إلى إنشاء لجنة علمية متخصصة في كل علم ليدلي كل عالمٍ بما لديه، شأن ذلك الموسوعات العلمية الرصينة، وذلك لأن الممارسة الجماعية في حدود التخصص أقرب إلى الكمال. الفصل الأول: العناصر والاتجاهات الشاذة في التفسير والأخطاء المنهجية فيه يستعرض في هذا الفصل تفصيل ما ورد في المقدمة، حيث تناول القسم الأول: (تفسير غير القرآن على أنه قرآن) وهو القسم الذي تمليه الأدلجة المذهبية، واستشهد في ذلك بتفسير قوله تعالى: ﴿وهم ينهون عنه وينأون عنه﴾ التي قال بعض المفسرين فيها أنها إشارة إلى كفر أبي طالب في حين أن جو الآية بعيد عن ذلك وساق الأدلة. واستشهد كذلك بآية ﴿لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء﴾ والتي فسّرها بعض المفسرين بمدة الحمل التي تتجاوز الحالة الطبيعية ومثال ذلك افتراض جماعة من الناس أن الإمام الشافعي بقي مدة في بطن أمه مدة أكثر من المدة الاعتيادية. واستشهد كذلك في تأويل الحروف المقطعة بناء على روايات مرسلة، مثل: ﴿كهيعص﴾ والتي فسرها بعض المفسرين على رواية مرسلة أنها تعني: (ك) كربلاء، (هـ) هلاك أهل البيت، (ي) يزيد، (ع) عطش الحسين، (ص) صبره عليه السلام، وغيرها من الشواهد التي لا تستقيم ومنهج القرآن. ويعلق على هذا النوع من التفسير بقوله: [وهذه الأقوال لو صحّت روايتها عن معصوم لأمكن التعبّد بها إذا لم نجد لها وجهاً، ولكنها والحالة هذه ترسل إرسالاً أو يرويها مجاهيل، فلا يمكن الركون إليها؛ لأنه تفسير للألفاظ بما لا تدلُّ عليه حقيقة أو مجازاً، وهو يفضي إلى فتح باب لا يُغلقُ من التحكم] ص27. ثم عرّج على القسم الثاني والذي أسماه: إقحام بعض المدلولات العلمية في الفيزياء ونحوه، وذلك بادعاء أنها داخلة في مضامين بعض الآيات. ومن أمثلته تفسير أحد المفسّرين المعاصرين الآيات: ﴿والمرسلات عرفا، فالعاصفات عصفا، والناشرات نشرا ...﴾ حيث ذكر قول أحد المفسّرين حيال هذه الآيات ص30: هذا وصفٌ علميٌ دقيق للطائرات الحربية الحديثة بمختلف حركاتها، وبجميع أفعالها، فهي تعصف بقنابلها كالحميم، وتترك الناس كالعصف المأكول وفي أثناء قيامها بذلك تنشر المنشورات وتلقيها على الجنود ...الخ. ثم تناول المؤلف مسألة التوسع غير المبرر في التفسير، وذلك إما لوجود وهمٍ عند المفسّر في اللفظ أو المعنى، وإما لأنه يوافق غرضاً عنده فيتمسك به. ومثاله في ذلك ص33: قول أحد الباحثين في آية ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة﴾ حيث قال هذا الباحث بشأن هذه الآية: إن القرآن لم يحرّم من الرِّبا إلا ما كان أضعافاً مضاعفة، أي إلا ما يصل إلى مثل رأس المال أو يزيد عليه، وساق أمثلة أخرى مع ردود بسيطة تليق بحجم الطرح. أما القسم الثالث من هذا الفصل ص35 والمعنون: ترجمة ألفاظ القرآن بمضامين غريبة عن النص القرآن وليس لها دليل من نص أو رواية، ومثاله في ذلك تفسير قوله تعالى: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً﴾ حيث فسّرها بعضهم بأنه يجب نصب الإمام عند زوال شمس النبوّة. يأتي بعد ذلك القسم الذي عنونه: بالتفسير الناقص عن استيعاب محتويات القرآن وخواصه، حيث يقوم بعض المفسّرين بتفسير ناقصٍ للآية أو بلغة الجزم، ولا يفتح مجالاً لغيره، وينتقد المؤلف هذه الظاهرة في الآيات التي لها أكثر من وجهٍ للتفسير مثل ص41: آية ﴿ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ حيث قال الزمخشري: أي ذكر القلوب؛ لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظَهَر أثرها في سائر الأعضاء. وعلق المؤلف: وهذا الجزم بأن القلب مركز التقوى يثير السخرية في نفوس المتأخرين ممن عرف بالبراهين والتشريح أن القلب ليس إلا مضخة للدم وأن مركز كل الفعاليات الذهنية هو المخ. أما ما يرتبط بإغفال بعض المفسرين تفسير بعض المواضيع بحجّة أنها ليست محل ابتلاء في عصرهم فإنه يرى أن هذا الإغفال خَلقَ حالة فارغة في الفكر الإسلامي، مثل: نظرية الحكم في الإسلام، الاقتصاد الإسلامي، الرق في الإسلام، وأن الذين تناولوها فقد تناولوها بعيداً عن الجو القرآني، وكذا من تناول هذه المسائل الثلاث أناس غير مختصّين. يأتي المؤلف ص49 بعد ذلك إلى مسألة: ما يُهمل بدعوى أنه مما استأثر الله بعلمه. حيث يشرح مسألة المحكم والمتشابه ومعنى الراسخين في العلم وحجة كل طائفة من العلماء في الأمور التي يعلمها البشر والتي لا يعلمونها ويخلص إلى أنه على المفسر أن لا يخرج عن حد السلبية في تفسيره للآيات التي بحاجة إلى نظر. القسم الثاني: وهذا القسم ختام الكتاب، حيث يستعرض صفات المفسّر، والتي منها: الإلمام ببعض العلوم كاللغة العربية والبلاغة وعلم الكلام والقراءات والناسخ والمنسوخ والموهبة والقدرة على قراءة دقائق النكات العلمية، والقابلية في تحمّل المعاناة الشديدة والصعاب، والتقوى والورع والصحة النفسية والجسدية، ثم يستشهد ببعض نماذج المفسرين المختلفة ويترك للقارئ حرّية الحكم من خلال ما مرّ في ثنايا بحثه.
|
||||