|
|||||||
|
وتعود الأيام تمر بنا عباب التاريخ، تحدثنا عن رحلة العشق الإلهي والشوق للقاء، تُسمعنا ترنيمة الألم والآه والوله، تأخذنا بعيداً عن شاطئ الاسترخاء والسكون، وتعبر بنا غياهب العصور القاتمة والسنون المليئة بالوجع والقتل والقطع والسبي والتشريد. تمر بنا على صحراء التوحش القبلي الجاهلي والمستبد. إنها كربلاء، حكاية القضاء على النور والهدى، ملحمة قتل السبط والآل والأصحاب، لا لذنب اقترفوه بل لأنهم دعاة هدىً وهداةً لصراطٍ مستقيم. حكايةُ الإمام العظيم الذي أراد لهم النجاة في الدنيا والآخرة، وأرادوا له ذل الحياة وخسران الآخرة. أراد لهم حياة طيبة وعادلة ويريدون حياة هوان وخسَّة ودناءة وانسحاق. ﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾. لم يتحرك الإمام الحسين (ع) ليسلبهم جاهاً أو مالاً أو نفوذاً.. مَثَله كمَثَلِ الأنبياء والأولياء والصالحين في التاريخ. بل كان يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، من ظلمات نفوسهم الأمارة بالسوء إلى نور الله وصراط الله ونهج الله. كان يريدهم أن يخرجوا من إخلادهم إلى تُرابيَّتِهم وحاجاتها الشهوانية والشيطانية إلى نور الحق والتكامل في طريق الله ودين الله. كان يدعوهم إلى الخير والصلاح والمعروف وسعادة الدارين، وكانوا يريدون الدنيا والذهب وذل العيش تحت نير العبودية لمعبود لا يملك قوةً ولا نفعاً. الحسين(ع) خلاصة نهج الأنبياء والأولياء والأصفياء والأتقياء عبر التاريخ، منذ آدم وإلى النبي محمد (ص). ليس سوى منارة على الصراط المستقيم، ليوضح المسير ويُحذِّر من الطرق الملتوية للشيطان وإغراءاته المتعددة الألوان والأسماء والألقاب. هي مسيرة آلاف السنين بين خط الله الرحيم، العزيز، الحكيم، المالك، القادر، ذو الأسماء والصفات الحسنى. وخط الفراعنة والنماردة والملوك والأمراء عناوين غواية الشيطان للبشر. لم يطلب الأنبياء والأوصياء عبر التاريخ ديناراً ولا دولاراً من بني البشر بل طلبوا لهم الهداية والصلاح والعيش الرغد. فأبى أكثر الناس إلا الالتحاق بملوكهم الذين يستعبدونهم فيقربون فئة ويعذبون أخرى ويستغلون جماعة ويستبعدون ثانية، يأمرون بهواهم فيُطاعون ويُعبدون من دون الله. ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. وهكذا يُصبح رأيه ديناً وأمره عبادة لأن كهنة المعبد أو تجار الأديان من الأحبار والقساوسة والمفتيين والمحدِّثين والوضَّاعين الكذبة يريدون أن "يشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً". فيزيِّنون للمستضعفين من الناس، وهم الغالبية، حكم الفرعون والملك والأمير ويضعون رأيه مكان رأي الله، فيُصبح أمره ديناً والخروج عليه كفراً وزندقة وشركاً وتُسَّل الفتاوى لقتل الأنبياء وأولاد الأنبياء والصالحين بحجة وكذبة وتلفيق ورواية مدسوسة، وتضيع الأمم سنوات وقرون وتدخل في ظلمات الجهل والجاهلية لا لشيء إلا ليتنعم الملك والأمير وحليفهم المفتي بقليل من حطام الدنيا. ويعم القتل والسلب والسبي والقهر والاستبداد ويزيغ بالناس دينهم ودنياهم فيبحثون عن ملجأ ثم ينقلبون عليه وهكذا دواليك.. هي قصة التاريخ بكل فصولها وعبرها. مسرحية الحياة في الأرض تُعاد كل قرن من الزمن لتحشر الناس بين طريقين لا ثالث معهم. خط الأنبياء والأولياء والأتقياء ومن معهم وهم قليل. وخط الشيطان وتلاوينه البراقة اللمَّاعة من فرعون وملك وأمير ومملكة وإمارة وسلطنة وكثير من الناس وهم غثاء كغثاء السيل، وزبد كزبد الموج. لكن الحسين (ع) قال: "بنا فتح الله وبنا يختم". ولهذا لا بد أن يُخرج الشيطان أسوأ وأعتى وأقسى ما لديه ليخرج النور الخاتم "فيملأها عدلاً ونوراً" وهذا وعدٌ غير مكذوب. والحمد لله رب العالمين |
||||||