|
|||||||
|
جرائم منظمة ومشاهد مروعة، ذبح وتنكيل وقتل بدم بارد. يتكرر هذا المشهد بين آن وآخر، وإن اختلفت الجهات المنفذة وأماكنها، سواء في سوريا أم في العراق وصولا إلى لبنان، إلا أنها تندرج تحت عنوان واحد هو الإرهاب. الازدواجية في تصنيف الإرهاب تنسحب على اتخاذ قرار شامل بالحرب عليه، غير أن إضعاف "داعش" هو هدف أمريكا وليس القضاء عليها. الحرب على الإرهاب مجتزأة وهي رهن معادلات المنطقة. الثابتة الوحيدة في المشهد أدوات تختلف تسميتها من "داعش" إلى "جبهة النصرة" مرورا ب "الجيش الحر"، وصولاً إلى "الجبهة الإسلامية" وهي تتحرك وفقا لمصالح دول كبرى التي تتخذ القرار بإنشائها أو بإنهاكها أو حتى بإنهائها. واشنطن تخلق سبب الحرب لتشنها بعد ذلك. فتدمير برجي التجارة العالميين من طرف القاعدة أدى إلى احتلال العراق وأفغانستان، وقتل صحافيين أمريكيين من قبل "داعش" سيؤدي إلى حرب جوية في العراق وربما سوريا. أمريكا وحلفاؤها صنعوا القاعدة، وهذه الدول نفسها أوجدت الظروف الملائمة لنمو " داعش". إذا، أمريكا تخلق الجهة التي تفعل ما يؤدي إلى شن حرب ضدها. يرفض صقور واشنطن الكلام عن تدخل بري في حربهم مع "داعش"، لكنهم سيدعمون معارضة يصفونها بـ"المعتدلة". المفارقة هي أن تلك المعارضة كانت أول ذبح في سوريا، وأول من أكل قلب إنسان وأول من رمى عن السطوح وفي الأنهار والآبار. الكيل بمكيالين والاحتيال صفتان متلازمتان لدى الإدارة الأمريكية في كل مرة تدعي فيها مكافحة الإرهاب، فيصبح ذبح الأطفال في غزة حقاً مشروعاً لتدمير الصواريخ، وتصبح مجازر قانا والمنصوري والنبطية اجتثاثاً للإرهاب. أما نقد أي قرار يدين إسرائيل على مجزرة هنا أو مذبحة هناك فيسمى سلام. تلك هي سياسة الكيل بمكيالين، ليست غريبة على من دمغ القرن العشرين بقنبلتين ذريتين في هيروشيما وناغازاكي بحجة الدفاع عن النفس، وهي الحجة عينها التي استخدمت في إبادة جماعية بحق مئات الآلاف من الهنود الحمر حيث بنيت أمريكا على جثثهم. تزعم أمريكا أنها تريد القضاء على إرهاب "داعش". دولة إرهابية تقف في وجه تنظيم تكفيري مجرم. يصفق الكثيرون لهذه الموقعة "كمن يستجير من الرمضاء بالنار" كما يقول المثل العربي. في الأيام الأخيرة، تعالت الأصوات المنبهة في عواصم غربية وعربية مفادها أن الحرب على "داعش" لن تنجح إلا إذا كانت في الوقت نفسه ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وإلا فإن "الجيش الحر" لن يستطيع القيام بالدور المطلوب، وهو يتعرض لنيران "داعش" والنظام في آن واحد. لكن إدارة أوباما أبلغت الرئيس الأسد عبر موفد عراقي بأن الحرب لا تتدخل في الصراع الداخلي، ولن تمس قواته ومواقعهم، ما عنى للرئيس السوري أنه يستطيع مواصلة حربه على المعارضة، طالما أن التحالف الدولي لا يريد التنسيق معه ضد "داعش". وقبل ذلك، كان وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل قد أكد أمام مجلس الشيوخ أن أمريكا ستحمي قوات المعارضة. لكن، كيف ستحميها من دون غطاء جوي لها أو من دون فرض حظر بالطيران فوق منطقة انتشارها؟. عاجلاً أو آجلاً ستضطر واشنطن إلى مواجهة الواقع، فإما بالتنسيق مع الدولة السورية، وفي ذلك ضربة معنوية لـ"الجيش الحر"، وإما بضرب مواقع للنظام، الأمر الذي يفتح حربا أخرى قد تنعكس سلبا على محاربة "داعش". من يريد القضاء على "داعش"؟ نحو ٣٠ دولة اجتمعت في باريس لرسم معالم إستراتيجية التحالف الدولي لدعم الدولة العراقية وتحديد آليات التحرك ضد "داعش". الفرنسيون أرادوا أن تتميز حركتهم بالفعالية والسرعة، فقام الطيران الفرنسي بأول مهامه الاستطلاعية فوق الأراضي العراقية صباح يوم انعقاد المؤتمر. أوباما أعلن الحرب على المنظمة الإرهابية التي تسيطر على مساحات واسعة في العراق وسوريا تشمل حقول نفط غنية. لكن الرئيس الأمريكي كان واضحاً بأن حربه ستكون من الجو. غارات على مواقع "داعش" دون تواجد أي جندي أمريكي على الأرض، وهو ما أشارت إليه جهات غربية أخرى تقف إلى جانب واشنطن الأمر الذي يطرح السؤال عن القوات البرية التي ستقوم بتحرير واحتلال الأراضي التي تهيمن "داعش" عليها حالياً. تحدث البعض عن الأكراد، بل وقدمت بعض القيادات الكردية قوات البشمارغا باعتبارها الجيش الذي سيحسم المعركة. ولكن الأكراد أكدوا أيضا أنهم لن يقاتلوا خارج كردستان، وحتى إن أرادوا ذلك، فهل يسمح حجمهم وقدراتهم على النجاح بهذه المهمة؟. الجيش العراقي أثبت عجزه لدرجة شلت حركته تماما، فيما تبقى الدولة السورية وجيشها والجمهورية الإسلامية وحرسها الثوري خارج التحالف الدولي، مما يعني، في نهاية المطاف، أن التحالف الدولي يريد خوض الحرب بدون جيش بري من جانبه، مما يعني عمليا أنه لن يخوض حربا فعلية. وحتى الغارات الجوية، هل ستمر بسهولة في بلد كالعراق لا تنظر أغلبية قياداته، والأهم من ذلك، لا تنظر جارته الكبرى إيران بارتياح لدخول جيوش خارجية إلى أراضيه، أو لعودة نفوذ أمريكي حتى وإن كان جوياً فقط؟ التحالف الدولي لم يعد الوحيد، وإنما هناك تحالف إيراني روسي سوري. في نهاية الأمر، هل هناك في الغرب أو في الشرق من يريد القضاء على "داعش" بالفعل؟ ما جرى في باريس مهزلة بكل ما في الكلمة من معنى. فقد اجتمع ممثلو عشرات الدول لبحث إستراتيجية موحدة لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي أجمع العالم على أنه خطر يتهدد جميع الدول من دون استثناء. المهزلة تمثلت بعدة تصريحات وإجراءات ومواقف تدعو للسخرية المرة، حيث تحدث ممثلو الدول الغربية، صاحبة السجل الاستعماري الأسود عن ضرورة دعم العراق ضد "داعش" ولكنهم تجاهلوا هذا الخطر الذي يضرب في سوريا أيضاً. الغريب أن الذين يدعون مكافحة عصابات "داعش" الإرهابية يعلنون على الملأ دعمهم المالي والتسليحي لعصابات إرهابية أخرى تعمل على الأرض السورية لمحاربة الشعب السوري، فكيف لتنظيم إرهابي أن يكون ضد الإرهاب وضد من يكافح الإرهاب معاً؟.. والأغرب من ذلك أن يجري الحديث عن وقف تمويل العصابات الإرهابية بحضور كل الدول والممالك والمشيخات التي تمول الإرهاب منذ ثمانينات القرن الماضي في أفغانستان وحتى اليوم في سوريا والعراق. الموقف الإيراني من التحالف الدولي ضد "داعش" بعد العملية الجراحية الناجحة، وخلال مغادرته مستشفى الشهيد رجائي في طهران، أطلق الإمام السيد علي الخامنئي سلسلة مواقف، كاشفا عن مساع أمريكية حثيثة بذلتها واشنطن لإقناع الجمهورية الإسلامية بالانخراط في ما يسمى التحالف الدولي لمكافحة "داعش". أشار قائد الثورة الإسلامية بأن الساسة في أمريكا يكذبون حين يتحدثون عن استبعاد إيران عن التحالف الدولي، لأن طهران رفضت الانخراط في هذا الأمر منذ البداية، كاشفا تفاصيل تظهر العناد والكذب الأمريكي. فقد أشار سماحته إلى ثلاث محطات حاولت فيها واشنطن الجلوس مع إيران لبحث موضوع "داعش"، كانت أولاها عبر السفير الإيراني في العراق الذي رفض أي اجتماع بهذا الشأن، إضافة إلى طلب مساعدة وزير الخارجية وين ديتشر من كبير المفاوضين النوويين ـ عباس عرقجي ـ التباحث في الموضوع إلا أنه رفض. بالإضافة إلى ذلك، أكد سماحة الإمام الخامنئي أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تواصل شخصياً مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف الذي رفض بدوره أي تعاط بهذا الخصوص، بعد توجيهات من الإمام الخامنئي بعدم التعاطي مع أي دعوة أمريكية، لأنها دعوات واهية وفارغة وتهدف للسيطرة على المنطقة بذريعة مكافحة "داعش"، محذراً الأمريكيين من شن هجمات جوية على سوريا والعراق، على غرار ما تفعله في باكستان دون التنسيق مع حكومتي هاتين الدولتين، وإلا سيلاقون نفس المصير الذي لاقوه خلال عشر سنوات من احتلالهم للعراق. كان بارزاً استهزاء الإمام الخامنئي بالتصريحات الأمريكية بالقول إنه خلال الأيام الماضية، وأثناء تواجده في المستشفى، كان يتسلى بالتصريحات الأمريكية لأن محتواها كان سببا للتسلية، وذلك بعد العملية الجراحية الناجحة التي خضع لها سماحته مؤخراً. في هذا السياق، أعادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية التأكيد على رفضها الانخراط في أي تحالف دولي تحت أي مسمى كان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ دخلت القيادة العسكرية على خط توضيح الموقف الإيراني المشكك بالجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب، حيث اعتبر قائد الحرس الثوري الإسلامي اللواء محمد علي جعفري بأن الهدف من هذا التحالف هو ضرب سوريا والعراق والسيطرة العسكرية على المنطقة، موضحاً بأن الجمهورية الإسلامية كانت السباقة في المشاركة في الحرب على الإرهاب. الأروقة السياسية والجهات العسكرية الإيرانية وصفت ما يجري في المنطقة بالمسرحية، محذرة كافة الأطراف في التحالف الدولي الأمريكي من مغبة المس بالسيادة السورية وعدم شن أي هجوم جوي بدون التنسيق مع دمشق. الأهداف الأمريكية ومحور المقاومة يسعى الأمريكيون إلى تعويض خسائرهم الإستراتيجية في المنطقة، أو في الحد الأدنى، سلب محور المقاومة مكاسبه الإستراتيجية. على الأرجح، إن أضلاع هذا المحور سيكونون سعداء لتصفية "داعش"، إلا أن الشكوك عميقة في النوايا الأمريكية والتساؤلات كثيرة. فهل الهدف إضعاف "داعش" أم احتواؤها؟ وماذا عن المجموعات الإرهابية الأخرى؟ وما هو الثمن الذي تنتظره السعودية مقابل حماستها للانخراط في حرب ضد أصحاب فكر هو أساساً فكرها؟ لن تقبل طهران بأي شكل من الأشكال بوجود جندي واحد على حدودها، وقد خاضت حرباً شرسة سابقاً لإخراج أمريكا من العراق، وهي الآن جاهزة لإعادة الكرة، فيما تؤكد موسكو دعمها غير المحدود للرئيس بشار الأسد. قياساً على هذه المواقف، لن يسمح هذا المحور للتحالف الجديد تبديد مكتسباته، أو على الأقل هو سيعمل بكل إمكانياته للحد من خسائره. ما هي الخطوة التالية؟ التصريحات الأخيرة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي عن رفضه شخصياً عرضاً أمريكياً عن بحث التعاون ضد "داعش" كان مؤشراً مهماً على استعداد هذا الفريق للذهاب إلى المواجهة إذا اقتضى الأمر. على الأرض، بدأ الإيرانيون منذ الهجوم على الموصل العمل على استيعاب المد "الداعشي". فالخطوة الأولى تمثلت في توحيد موقف التحالف الوطني من الأزمة، ومن ثم السعي سريعاً إلى صياغة موقف عام يشمل الأكراد وبقية مكونات السلطة، الأمر الذي عجل بتشكيل حكومة جديدة مع تنازل طهران عن نوري المالكي في رئاسة الحكومة العراقية. سمع الأمريكيون بوضوح، عبر قنوات عديدة، أن مسار الأمور منذ قمة الحلف الأطلسي في وييلز، مروراً باجتماع جدة وصولاً إلى مؤتمر باريس، بأن هذا المسار المتشنج سيطيح بأمور كثيرة في مقدمها المفاوضات النووية والتقارب السعودي الإيراني الأخير، مع ما له من تداعيات يمنية وعراقية ولبنانية، وفي أماكن أخرى. مع بدء الاتصالات الدولية لتشكيل التحالف ضد "داعش"، أبلغ الإيرانيون والروس الجهات المعنية عربياً وغربياً بأن تجاوز الأطر الرسمية للدول في هذه المواجهة سيعقد الأمور كثيراً، وقد يجعل من الصعب حصر الأزمة في سوريا والعراق، مقترحين آلية تنسيق تخصص لهذين البلدين لإدارة هذه الحملة، وهو ما فسره دبلوماسيون غربيون بأنه اقتراح إيراني بتولي بغداد التنسيق مع دمشق، إذا كان التحالف يرفض التعامل مع النظام السوري. موسكو وطهران حذرتا من ابتعاد هدف العمليات الغربية عن " داعش "، خصوصا مع موجة الترويج لتسلم المعارضة المعتدلة المناطق التي تخضع لسلطة هذا التنظيم الإرهابي. يعلم الأمريكيون تماما أن روسيا قد رفعت مستوى الدعم العسكري للجيش السوري، وأن الشعار في موسكو اليوم هو ملئ خزائن الجيش السوري بكل حاجاته التسليحية. هل يعني ذلك أن المواجهة حتمية؟ قد تكون هناك إمكانية للتفاهم ولو غير المباشر، بما في ذلك تقديم ضمانات بأن الحملة لن تستهدف النظام السوري وعدم إبقاء قوات أمريكية على الحدود الإيرانية، أو إقامة منطقة عازلة ضمن الأراضي العراقية تحول دون التواصل بين طهران وحلفائها، وأنها لن تحقق مكاسب نوعية لتركيا والسعودية. العسكريون الأمريكيون يريدون من البيت الأبيض أجوبة عن ممرات للطيران، لن يكون تأمينها ممكناً من دون التنسيق مع السوريين والروس والإيرانيين. هناك مؤشرات على أن اتصالات تنسيقية بدأت بالفعل بين السوريين والأمريكيين عبر السفارة النرويجية في دمشق. مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض زار الرئيس الأسد مبعوثاً أمريكياً أكثر منه عراقياً. الطلعات الأخيرة للطيران السوري واستهدافاته الأخيرة لمواقع "داعش" تشير إلى تنسيق واضح مع الأمريكيين ولو عبر طرف ثالث. إن من شأن مستوى معين من التنسيق، ولو غير المباشر، أن يبدد كثيراً من المخاوف لدى الفريق الآخر. التمويل الأمريكي والمعارضة السورية إن موافقة مجلس النواب الأمريكي على قانون تمويل المعارضة السورية "المعتدلة" لن يغير في الوقائع الميدانية كثيراً. يدرك الأمريكيون في قرارة أنفسهم ضعف هذه المعارضة وأن كل ما يصلها من عون عسكري ومادي سيصبح بعد فترة وجيزة في أيدي المنظمات المتطرفة، سواء عبر السيطرة المباشرة لهذه المنظمات عليها، أو عبر انضمام مجموعات كاملة إليها، بسبب يأسها من الأداء العسكري والسياسي لما يسمى المعارضة المعتدلة التي لا تستطيع أن تحارب النظام السوري بمفرده، فكيف لها أن تحارب النظام والمنظمات المتطرفة التي أثبتت أنها أكثر قوة وفعالية منها؟ تضع بعض العواصم الأوروبية شروطاً صعبة للانضمام إلى التحالف، كوجود قرار دولي لشن الحرب، وهو أمر متعذر بسبب الفيتو الروسي والصيني المتوقعين. إن مؤتمر باريس الذي حضره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والذي دعيت إيران لحضوره، على الرغم من اعتراضها، هو مؤشر على وجود أكثر من رؤية داخل الدول الغربية حول التعاطي مع الإرهاب. إن ما يثير الغضب هو تنامي الدور الإسرائيلي في الأزمة السورية، وهو دور بقي مستترا حتى وقت قريب، إذ إن ما يجري في الجولان المحرر من عمليات عسكرية بالتنسيق مع إسرائيل هو مؤشر على تورط إسرائيلي متصاعد في هذه الأزمة. هناك معلومات تفيد أن حركة المسلحين في الجولان المحرر تتركز بمعظمها في المنطقة الفاصلة بين الأرض السورية المحررة والأرض السورية المحتلة، وتحديداً في مناطق تمركز قوات الإندوف الدولية، حيث لا تستطيع الدبابات السورية الوصول إليها بسبب اتفاق الفصل بين القوات المعمول به منذ العام ١٩٧٤ بين سوريا وإسرائيل وأن هذه القوات قد أخلت فعلاً الجزء الجنوبي من الخط الفاصل بين الأرض السورية والأرض المحتلة والتي ما زال المسلحون يتسللون منها. إن وراء هذه التطورات الميدانية ما هو أبعد من المشاركة في الحرب الدائرة في سوريا، وهو يتصل بمشروع إسرائيلي يريد إقامة حزام أمني يمتد من الجولان إلى منطقة العرقوب في الجنوب اللبناني، الأمر الذي يشكل ـ بالنسبة لإسرائيل ـ إقحاماً للبنان في الحرب السورية، بعد أن تعثرت محاولات إقحامه من المناطق المحاذية لسوريا في البقاع وعكار. في هذا الإطار، يخشى من أن تكون إسرائيل، التي ما زالت حكومتها تعاني ارتدادات هزيمتها في غزة، تلعب بالنار على حدودها الشمالية، فلا سوريا ولا لبنان، ولاسيما حزب الله، يسمحون بوصول المجموعات المسلحة المتعاونة مع إسرائيل إلى الأرض اللبنانية، بل ربما يكون للبلدين ردهما بما قد يشعل الجبهة الشمالية التي يدرك الإسرائيليون أكثر من غيرهم خطر إشعالها. يجب مراقبة ما يجري في القنيطرة وجوارها، حيث إن المسلحين في تلك المناطق يهربون من قصف الجيش السوري ويتركون الرد عليه للمدفعية الإسرائيلية، فتختلط حينها القضية السورية بقضية النزاع العربي الإسرائيلي، وهو أمر سيترك انعكاساته على المستوى العربي والإقليمي، فإيران مثلاً، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التورط الإسرائيلي، وكذلك مصر التي تعتبر أن أمنها القومي مرتبط بأمن سوريا، فستتجه أكثر نحو الاقتراب من إيران، وهذا ما تلوح بشائره في الأفق هذه الأيام. قد تشهد الأيام المقبلة مشهدا أكثر تعقيدا في سوريا كما في العراق، مما يزيد من ارتباك أعضاء التحالف الإقليمي ـ الدولي المرتبكين أصلاً. لن نكون كالخراف ثمة مثل أيرلندي يقول: "الذئب ما كان ذئباً لو لم تكن الخراف خرافاً". لم يعد الوقت ملائماً للحديث عن شرف المواجهة، وعن المواقف النبيلة في الحروب، وعن الأمثال العربية التي أتخمتنا بحديثها الممل عن العفو عند المقدرة، وعن الالتزام بالعهود والمواثيق. فلنستبدل الأمثال العربية كلها بهذا المثل الأيرلندي الذي يبدو وكأنه فصل على قياسنا. وإذا لم نخرج اليوم قبل الغد من الحظيرة تلك فمصيرنا الموت ذبحا كالخراف. رب سائل: ولماذا الإغراق في التشاؤم. هذا ليس تشاؤما بل هو مجرد تحذير من هذا الحصان الطروادي الجديد الذي سموه "داعش". هل باستطاعة عاقل واحد أن يصدق أن تنظيما نشأ بهذه السرعة وهذه القوة دون أن تكون خلفه دول تدعمه وتسلحه وتبرمج له؟ وهل يستحق "داعش" فعلاً هذا الحشد الدولي كله وتلك المؤتمرات للقضاء عليه، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ هل باستطاعة واحد من هؤلاء الملوك والأمراء العرب أن يطالب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها بتفسير مقنع عن نيتهم محاربة "داعش" في العراق وعدم محاربتهم لها في سوريا؟. قبل عقود، غض هؤلاء الملوك والأمراء الطرف عن حصان طروادة في فلسطين، فسمحوا بتأسيس الدولة اليهودية، ونجحوا في وضع اليد على ثروات العالم العربي وفي تحويل البحر المتوسط إلى بحيرة أمريكية. وفي نهاية القرن الماضي، صنع هؤلاء تصميماً فريداً لا شبيه له وضعوا في جوفه مسلحين متطرفين وأرسلوه إلى أفغانستان ومن ثم إلى العالم كله. اليوم، تحاول أمريكا أن تعود من خلال " داعش " إلى البحر المتوسط لتكرس أحاديتها عليه وتلزم الروس بمغادرته، لاسيما بعدما أثبت الجيولوجيون وجود كميات هائلة من النفط والغاز على الشاطئ السوري. أمريكا تريد العودة إلى العراق لتغطي انسحابها أولاً من أفغانستان، ولتكون آبار النفط والغاز ومنابع المياه أيضاً تحت سيطرتها. وهذا الضجيج المفتعل لمحاربة "داعش" سيجعل الدول العربية أكثر قابلية للعب دور الخراف، فتدخل أمريكا وخلفها إسرائيل إلى كل منزل وإلى كل عقل، ويعلن العرب استسلامهم للشروط الإسرائيلية وترتفع الرايات البيض مرسوما عليها صورة خروف، وتعود دول الممانعة والمقاومة إلى بيت الطاعة بفتاوى من الخلفاء الجدد!. هذا ما تريده أمريكا، ولكن ليس كل ما تريده أمريكا يتحقق. إن وجود الإرادة الصلبة والعقيدة الراسخة والرغبة العارمة بالاستشهاد كي تبقى الحياة وقفة عز فقط، هي صراع من أجل البقاء، وعادة لا يبقى إلا الأقوياء. |
||||||