|
|||||||
|
لم تستطع كل المواقف والتصريحات والاستعراضات والمؤتمرات التي نظّمت على شرف الحرب المزمع شنها ضد تنظيم "داعش"، ولا النشاط المكثف الذي بذله وزير الخارجية الأمريكية جون كيري لترجمة سياسة وتوجهات وإستراتيجية الولايات المتحدة التي يقوم، شقها العلني، علىِ مجموعة من الخطوات والإجراءات منها: دعم حكومة وفاق وطني في العراق تضطلع بترتيب الأوضاع الداخلية والتصدي لتنظيم "الدولة الإسلامية"؛ وشن هجمات متواصلة على مواقع "داعش" في العراق وربما سورية!؛ ونشر قوات برية أمريكية لا مهام قتالية لها، كما أكد الرئيس أوباما، فضلا عن تجميع المعلومات الاستخبارية عن "داعش"، وتجفيف مصادر تمويله، وكشف طبيعته الإجرامية، ومنع تدفق المقاتلين الأجانب إليه، وأشياء أخرى تتعلق بتعزيز دور الحلفاء. لم يستطع كل ذلك حجب أكوام التعارضات والتناقضات المطعَمة بنكهة المصالح الخاصة ما بين العديد من دول المنطقة، وبين بعضها وواشنطن، رغم تفويض هذا البعض قراره السيادي لأجندة الولايات المتحدة التي تسعى، وتحت عباءة محاربة "داعش" الذي يجب "تحجيمه" و"إعادة ترويضه"، إلى إعادة فرض سيطرتها وزيادة وتعزيز نفوذها في العالم العربي الذي ينبغي تجزئته، وتقسيم بعض دوله إلى دويلات وكيانات مذهبية طائفية تدور في الفلك الأمريكي- الإسرائيلي. ماذا عن التنسيق مع دمشق..؟! وقبل الوقوف على اللوحة الإقليمية وتناقضاتها عشية محاولات استكمال بناء المحاور والأحلاف تحت ذريعة محاربة "داعش" الذي شدد دبلوماسي روسي رفيع المستوى أن محاربته في العراق وسوريا لا يحتاج إلى حلف دولي، وأن القوات السورية والعراقية قادرة على هزيمته إذا أغلقت الدول المجاورة حدودها، وأوقفت تدفق السلاح والمرتزقة والأموال على الساحتين السورية والعراقية، لا بد من التنويه بأن الارتباك والتذبذب والتلعثم والغموض الذي ما زال يلف شكل وطبيعة التحالف الدولي- الإقليمي الذي بلورته واشنطن، لم يحل دون انتظام التقديرات بشأن إمكانية مد واشنطن، ومن خلفها معظم العواصم الأوروبية، جسور التعاون والتنسيق مع سوريا، في إطار هذا التحالف، على الرغم من التصريحات والمواقف المتشددة المعلنة حيال الانفتاح على دمشق، في اتجاهين اثنين: الأول، يجزم باستبعاد هذه الإمكانية التي من شأنها وأد مشاريع تفتيت المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وإثنية وإدخالها في أتون الحرب المستدامة، والمساهمة، تالياً، في فتح آفاق تحقيق انتصار سياسي لسوريا والعراق وإيران وروسيا؛ والثاني، يعتقد بأن الولايات المتحدة قررت، فعلياً، التنسيق مع دمشق في عمليات قصف "داعش"، وأن ما يجري تسويقه من نفي أمريكي وأوروبي لهذا التنسيق الذي يشكل شرطاً واجب الوجود لنجاح أية عمليات عسكرية ضد هذا التنظيم الإرهابي، ليس أكثر من مجرد وسيلة لتجنب الحرج من قبل واشنطن وبقية العواصم الأوروبية التي طالبت منذ بداية الأزمة السورية برحيل الرئيس الأسد. أصحاب التقدير الأول الذي يستبعد هذه الإمكانية، يستندون إلى طيف واسع من الأسباب والحيثيات والمعطيات والمؤشرات والدلائل التي تتجاوز حقائق صناعة ورعاية وتوظيف الإرهاب والإرهابيين من قبل مراكز صنع القرار في واشنطن، وتصب كافة خيوطها في بوتقة الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة. ويبدو أن الأبرز فيها هو التالي: عدم ممارسة أي ضغط أمريكي على الحلفاء الذين ما زالوا يقدمون مختلف أشكال الدعم للإرهابيين؛ غياب أية أدلة عملية على التزام الولايات المتحدة بالقرار الأممي 2170، والإصرار على التصرف بصورة منفردة تتيح فتح حرب مديدة لحسابها في كل من سوريا والعراق تحت عباءة "محاربة الإرهاب"؛ استحضار الرئيس أوباما ما أسماه "المعارضة السورية المعتدلة" التي سبق وأن وصف الرهان عليها بالفنتازيا، وتبشيره بـ "معارك سنية- شيعية" في حال لم يتم الامتثال لضغوط وأوامر واشنطن وتنفيذ أجندتها المتعلقة بفك وتركيب الأنظمة السياسية والحكومات في المنطقة. أما الحيثية الأساسية التي يتم الاستشهاد بها، في هذا السياق، فهي أن مشروع الكيان "الداعشي" غير ضار بالمصالح الأمريكية انطلاقا من أن إنشاء محمية "مخيفة" في قلب الشرق الأوسط يمكنها المساهمة بفعالية في تقسيم كل من العراق وسوريا أو إضعافهما إلى الحد الذي يجبرهما على بلورة تفاهمات واشنطن، يصب مباشرة في خدمة هذه المصالح، ناهيك عن أن التقدير الأمريكي، في أحد مفاصله الأساسية، يستبعد أي مخاطر مباشرة يمكن أن يشكلها "داعش" على الولايات المتحدة وأوروبا، انطلاقاً من أن هذا التنظيم، وبخلاف "القاعدة"، هو تنظيم إقليمي محلي، وليس أممياً، وأحد الخلافات الرئيسة بينه وبين المنظمة الأم، هو إصراره على أولوية مقاتلة ما يسميه "العدو القريب"، ثم على إقامة الدولة والخلافة في جغرافيا سياسية معينة تضم مناطق قبلية- سنية تمتد عبر البادية السورية وحولها. واستكمالا، يشدد متأبطو هذا التقدير على أن التدخل الجوي المباشر من جانب القوى الغربية الداعمة لتدمير الدولة السورية هو السر في خطورة ما تحدث عنه أوباما من تسليح وتدريب ما يسمى "المعارضة السورية"، فهذه القوى من خلال إعادة إحياء شبكة المقاتلين، من كل الأطياف، ستحاول التأثير على المجريات الميدانية للازمة السورية، أي العمل على مسارين متوازيين: الأول، استهداف مواقع للجيش السوري في نقاط حساسة إستراتيجية مفصلية قريبة من المدن الرئيسية التي تقع في غالبيتها تحت السيطرة شبه الكاملة للجيش السوري وبشكل أساسي، نقاط سيطرة الجيش في محيط العاصمة دمشق. والثاني، محاولة خلق مناطق حظر جوي داخل جيوب في الجغرافيا السورية بحجة تخفيف عبء مسألة اللاجئين السوريين عن الدول المجاورة، وإعادتهم تدريجياً إلى بلداتهم، لكن، هذه الجيوب الهدف منها، هو أن تتحول إلى نقاط انطلاق آمنة بعيدة عن ضربات القوات الجوية السورية، لحماية المجموعات، ناهيك عن التركيز على بناء "جدار طيب" مع الاحتلال الصهيوني تعمل "جبهة النصرة" وحلفاؤها على تمهيد تربته المناسبة. أي، بكلام آخر، تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام الدخان الكثيف المتعلق بـ"التحاف الدولي ضد الإرهاب" لإطلاق موجة إرهابية جديدة في سوريا، من شأنها: أولاً، استنزاف القوة السورية.. ثانياً، إظهار الجيش السوري كقوة عاجزة عن مكافحة الإرهابيين.. ثالثاً، الضغط على السوريين وحلفائهم للتفاوض حول حل يستبعد الرئيس بشار الأسد في سياق صفقة يبقى فيها النظام ويغدو عضوا في التحالف الأمريكي ضد الإرهاب. في الضفة الأخرى، يستند من يرى أن واشنطن بصدد التنسيق مع دمشق على قراءة مغايرة للمعطيات والمؤشرات والدلائل التي تشكل سلسلة مترابطة الحلقات تتوكأ على التالي: عدم قدرة الأمريكيين على تجاوز دمشق وحلفائها من أي تحالف دولي بعد تلاشي إمكانية إسقاط النظام السوري وتمكن الأخير ليس فقط من الصمود، وإنما تحقيق انتصارات عسكرية وسياسية عديدة؛ خسائر واشنطن الإستراتيجية في أوكرانيا عقب نجاح حلفاء موسكو في تحقيق رزمة من الانتصارات العسكرية على القوات النظامية الأوكرانية؛ نجاح العراق في الخروج من مأزقه الحكومي، واستيعابه الغزوة الداعشية والانتقال إلى تحقيق إنجازات ميدانية كبيرة وإستراتيجية، ناهيك عن اضطرار الأمريكيين وحلفائهم إلى البحث عن حل سياسي في اليمن بعد مظاهرات وانتصارات "أنصار الله" الميدانية النوعية. كل ذلك وسواه، أجبر واشنطن على التوجه إلى مجلس الأمن واستصدار القرار 2170 الذي يتحدث عن تعاون "جميع الدول"، بما في ذلك سوريا، وعلى اعتبار نحر الصحافي جيمس فولي بمثابة إعلان حرب من قبل "داعش"، ليلي ذلك انطلاق حملة في الصحف الأمريكية والأوروبية تدعو إلى التعاون والتنسيق مع سوريا. ومع أنه سيكون على دمشق، وفق ما يرجح أصحاب هذا الرأي، أن تخوض معركة صعبة للغاية للحفاظ على وحدة البلاد، كون السيناريو الانقسامي الذي بدأته "داعش" هو ذاته الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تنفيذه، ولكن بواسطة تنظيمات تسميها "معتدلة"، غير أنه لا توجد خشية جدية على مستقبل الدولة للنظام السوري في المدى المنظور، ذلك أن الجيش السوري متماسك وقوي ويعمل على الأرض انطلاقاً من خطة وطنية تؤكد حضوره في كل مفاصل البلاد، بما يحول دون التقسيم الواقعي أو السياسي؛ ناهيك عن أن دمشق تتمتع بحليفين ثابتين يدعمانها استراتيجياً، روسيا وإيران اللتين تعدَان، وفق العديد من المؤشرات، على بلورة رد فعاّل على الهجوم الأمريكي على المنطقة، والذي يهدد نفوذهما في العمق، لا بل ويهدد أراضيهما بالعصابات التكفيرية الإرهابية التي ستتوجه، إذا ما سقطت الدولة السورية، إلى التمدد نحو الساحتين الإيرانية والروسية. مقدمات هذا التطور بدت جلية في المواقف والتصريحات والمواقف المتدحرجة تباعاً، فموسكو التي غابت عن الحراك الأمريكي- الغربي- الإقليمي، في جولته الأولى، على الرغم من أنها كانت أول المحذرين من مخاطر التحالف واستهدافاته وخرقه للقانون الدولي، دعت بوضوح، على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إلى بدء "مناقشة مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط بشكل شامل في مجلس الأمن الدولي"، مؤكدة دعمها للعراق. وقال لافروف، على هامش مؤتمر باريس، إنه يجب بحث مكافحة الإرهاب بشكل شامل، من دون استبعاد عوامل مهمة تؤثر في تفاقم المشكلة، بما في ذلك تمويل النشاط الإرهابي وتدفق الأسلحة. وأشار الوزير الروسي إلى ضرورة مناقشة قضية بيع المنظمات الإرهابية النفط من الحقول التي تسيطر عليها لتمويل نشاطها، لافتاً إلى أنه يجب على المجتمع الدولي أن يستخلص دروساً من الماضي ويتخلى عن استخدام أي معايير مزدوجة في مكافحة الإرهاب، فيما دخلت إيران سريعا وبقوة على الخط، حين اعتبر رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، أن "أمريكا تلعب بالنار في المنطقة، وعليها ان تدرك انه لا يمكنها مهاجمة سوريا بحجة محاربة "داعش"، وذلك قبل أن يتعمد مرشد الثورة السيد علي خامنئي نفسه الكشف عن ان أمريكا عرضت التعاون وان إيران رفضت، ويتهم واشنطن بمحاولة العودة عسكريا إلى المنطقة. أما سوريا، من جهتها، فقد قالت بوضوح، على لسان مستشارة الرئيس الدكتورة بثينة شعبان "إننا سنقاتل كل من يعتدي علينا". مخاوف وتناقضات وتضارب مصالح في كل الأحوال، ومنذ الساعات الأولى لإنشاء التحالف ظهر تباين المواقف جلياً، أولاً، في منظومة الدول الغربية نفسها، وثانياً، في صفوف دول إقليم المشرق العربي، فبريطانيا، الحليف الأطلسي الأول للولايات المتحدة في القارة العجوز، والتي ستعيد قريباً جداً سفيرها إلى طهران، كانت أول المعترضين، حيث أعلن وزير خارجيتها فيليب هاموند، من برلين، إن بلاده لن تشارك في ضربات جوية في سوريا، مستنداً في ذلك إلى تصويت سابق للبرلمان البريطاني ضد هذه الضربات، فيما رفضت ألمانيا التي تعتبر الأثقل وزناً في أوروبا، أية مشاركة في ضرب "داعش"، واكتفت بتقديم معونات عسكرية لإقليم كردستان. أما فرنسا التي استضافت مؤتمر باريس حول "السلام والأمن في العراق"، فقد حرصت، وعلى الرغم من إعلان مشاركتها في الضربات الجوية، على إرسال رئيس لجنة الدفاع في البرلمان باتريسيا آدم إلى طهران للقاء رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية علاء الدين بروجوردي. أما بخصوص مؤتمر باريس الذي يفترض أنه ناقش مهام الدول التي أعلنت مشاركتها في "التحالف" وآليات عملها في المعارك العسكرية والسياسية والدبلوماسية والأمنية التي ربما تمتد لعامين أو ثلاثة أعوام، وفق ما يبشّر الأمريكيون، فإن بيانه الختامي لم يحمل سوى عبارات إنشائية عامة تضمنت تعهد المشاركين بدعم بغداد في حربها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) التي "تشكل تهديداً للعراق ولمجموع الأسرة الدولية" بـ"كل الوسائل الضرورية" وضمنها العسكرية"، وتشديدهم على "ضرورة القضاء على التنظيم في المناطق التي يسيطر عليها في العراق"، دون نسيان التنويه إلى ضرورة احترام "القانون الدولي وأمن السكان المدنيين". غير أن الأكثر أهمية في هذه المشهدية التي شارك فيها حوالي 30 بلداً، هو تلك الأدوار الفعلية الممكنة التي تعهد بها المشاركون في ظل رزمة الأسئلة المطروحة حول موقف روسيا التي يرتفع منسوب حصارها من قبل الغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية، والغياب اللافت لطهران، وتحت وطأة ضبابية المواقف الحقيقية للمشاركين في هذه "الحرب الأممية"، واختلاف الرؤى وتضارب المصالح التي تحاول إدارة أوباما ليَ عنقها، وإعادة تشكيلها لتصب في المجرى الأمريكي. ومع أن من الخفة والخطأ الفاحش التقليل من أهمية ومخاطر مساعي واشنطن التي تندرج في إطار الصراع الأمريكي المحتدم ضد روسيا وحلفائها لإعادة رسم وتنظيم الخرائط الدولية والإقليمية، إلا أن الارتباك والتردد والتلعثم وعدم الثقة، ليس فقط بنوايا الولايات المتحدة التي تحولت إلى إمبراطورية الكذب والرياء في العالم، وإنما أيضاً بقدرتها على جسر الهوّة ما بين الشعارات والأهداف والوقائع الملموسة التي تدب على الأرض، وخصوصاً في ظل معارضة روسيا والصين وإيران وبقية "منظومة شنغهاي" و"دول البريكس" والعديد من دول العالم الأخرى للمقاربات والخطط الأمريكية ومراميها وأهدافها، ناهيك عن تنازع قوى الإقليم ومحاوره على المكانة والدور في عالم المستقبل، كما هو حال التنازع ما بين أنقرة والرياض والذي لم تكتمل صورة عناصره بعد، والإعلان الإسرائيلي الواضح عن استعداد تل أبيب للتدخل فوراً في حال تهديد "داعش" للأردن. كل ذلك ساهم في دفع بعض الدول، كمصر مثلا، إلى إعلان رفضها التموضع العسكري في إطار "تحالف واشنطن"، كما وضع بعضا آخر، وبالتحديد نظام أردوغان الذي يعتبر، ودولة قطر، المتضرر الأكبر من ضرب "داعش"، في موقف حرج دفع أنقرة إلى عدم توقيع البيان الختامي لاجتماع جدّة بذريعة الحرص على الرهائن الأتراك لدى "داعش" في الموصل، ورفض التعهد بإغلاق حدودها مع سوريا وفقا للقرار الأممي 2170. في السياق ذاته، وعلى الرغم من تعويل إدارة أوباما على الأردن للعب دور بارز وحيوي في جمع المعلومات الاستخبارية، والإشراف على شبكات الجواسيس، وتجنيد المخبرين في العراق وسوريا، ولاسيما بعد أن أثبتت مديرية المخابرات العامة الأردنية، وكما يفيد تقرير ليومية "فورين بوليسي"، عمق علاقتها كشريك لصيق بوكالة الاستخبارات المركزية، فضلا عن توفير دعم مهام لوجستية لسلاح الطيران الأمريكي باستخدام قواعده الجوية، وتدريب صحوات عشائر عراقية في منطقة الرويشد (شرق شمال)، بإشراف أمريكي ومشاركة مدربين من المملكة والولايات المتحدة، فإن ثمة معارضة شعبية واسعة لهذا الدور المعدَ للحكومة الأردنية، لا تقتصر على التنظيمات الإسلامية، بشقيها "الإخواني" و"السلفي الجهادي" والتي يصعب على حكومة عمَان تجاهلها عند تعاطيها مع "داعش"، وإنما تمتد، وإن كان من موقع مغاير، لتطال معظم القوى الوطنية والقومية واليسارية، فيما يبقى موقف الحكومة اللبنانية التي لا تستطيع، وعلى رغم الرشاوى الكلامية الأمريكية بـ"دعم استقرار البلد" وإمكانية تزويد الجيش اللبناني بما يلزم من سلاح وذخائر وأعتدة "في حربه ضد الإرهاب"، القفز فوق موازين القوى الداخلية، وتجاوز عتبة المشاركة الفولكلورية في الحرب المفتوحة التي تقودها الولايات المتحدة ضد منطقة المشرق العربي تحت عباءة "داعش". بانتظار التصدّع.. والفشل؟! ما هو مهم وأساسي، في هذا السياق، وبصرف النظر عن التحضيرات والترتيبات وتقاسم الأدوار والمهام المتعلقة بإدارة المعارك على أرض العراق وفي أجوائه، هو أن التناقضات واختلاف الرؤى وتضارب المصالح ما بين الدول الإقليمية الوازنة تثير أسئلة جدية وشكوكاً مرشحة للتصاعد حيال إمكانيات تحقيق إنجازات فعلية للتحالف وزعمائه في واشنطن الذين يعملون على حصر مسألة الإرهاب في تنظيم "داعش" على الرغم من وجود الكثير من المنظمات الإرهابية الفاعلة في العديد من الدول العربية، وينوون انتهاك "سيادة الدول" دون أي تفويض من مجلس الأمن الدولي. ولا يقتصر الأمر هنا على طهران التي رفضت التعاون مع الأمريكيين بسبب "ازدواجية المعايير" في محاربة الإرهاب، وعدم قدرتها على "التغاضي عن سيل المساعدات العسكرية من واشنطن وحلفائها للإرهاب والتطرف في سوريا"، بل يمتد إلى مصر التي يرى رئيسها عبد الفتاح السيسي أن "الحرب على الإرهاب يجب أن تكون شاملة، ولا تقتصر على تنظيم بعينه"، كما يمتد، وإن من موقع آخر، إلى تركيا التي يبدو أنها ترى في "داعش" حليفاً رئيسياً لأنقرة، ليس فقط في إطار توفير مبالغ طائلة للمسؤولين والشركات التركية من خلال تهريب النفط السوري والعراقي، وإنما أيضا في كونه الحامل الرئيس لطموحاتها الإقليمية المستندة إلى التقسيم الطائفي لسوريا والعراق؛ ناهيك عن إسرائيل التي استقبل مسؤولوها السياسيون والعسكريون، مؤخراً، الجنرال الأمريكي المتقاعد جون ألن الذي تم تعيينه، وبعد أيام على الزيارة، قائدا للتحالف الدولي ضد "داعش". وعلى ذكر إسرائيل، فإن اللافت أنها كانت الأكثر حماساً وسعادة بتشكيل التحالف الدولي ضد "داعش"، على الرغم من عدم مشاركتها الرسمية فيه، وعلى الرغم من إعلانها أن هذا التنظيم الإرهابي، وسواه، لا يشكل خطراً ماثلاً على أمنها في هذه المرحلة. ومرد ذلك، وفق التقديرات والمعطيات، يعود إلى التالي: الرغبة في استثمار تجنّد العالم لمحاربة الإرهاب للربط بين "داعش" وحركة "حماس"، ودفع الموقف الدولي إلى مستوى التعاطي مع بعض تنظيمات المقاومة باعتبارها منظمات إرهابية ينبغي محاربتها، أو على الأقل تفهَم قيام إسرائيل بمهاجمة قطاع غزة والتنكيل بمواطنيه، لاسيما وأن الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية تعتبر "حماس" تنظيماً إرهابياً؛ تقدير حكومة العدو بأن انشغال العالم بـ "داعش" سيصرف النظر عن موضوع الصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية؛ تقدير هذه الحكومة بأن الفرصة مؤاتية الآن لقيام تحالف عربي- إسرائيلي تحت يافطة "مواجهة الإرهاب"، يبدأ بتعزيز العلاقات الأمنية والاستخبارية مع الدول العربية، وهو ما بدأ فعلياً مع بعضها، بغض النظر عن إيجاد حل للصراع، أي تجاوز الخطوط التي رسمتها المبادرة العربية للسلام التي تحدثت عن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ العام 1967 وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ومقابل ذلك وبعده تقوم جميع الدول العربية بإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، بصرف النظر عن ملف الصراع وسياسة الاستيطان وتهويد الأرض الفلسطينية التي تجري على قدم وساق، بما في ذلك فرض أمر واقع لتقسيم الحرم القدسي، واللعب على تناقضات الوضع الفلسطيني والفوضى التي تعم مناطق كثيرة في العالم العربي. كاتب فلسطيني(*) |
||||||