السنة الثالثة عشر ـ العدد 154 ـ (ذو الحجة 1435 هـ) تشرين أول ـ 2014 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

خريف المسافات

زهرة الرّوحِ أفاضتْ‏ في ربوع القلبِ تفّاحاً‏ أضاءَ الهيكلَ الطينيّ بالأشواق‏.. خلاّني زماناً‏ عاشقاً أجتازُ‏ ما شئت‏.. فمن يومي‏ كتبتُ الوجدَ ديواناً جميلا‏ً وفرشتُ القلبَ بالنعناعِ‏ للآتين إن يوماً أرادوا‏ غبطة الأرواح‏ أو شدّوا رحال الشوق‏ للأفراح‏ فاستلوا وميضاً‏ يبعث الذكرى‏ ويجلو ظلمةً مسّت عقولاً..‏

عاشقاً كنت‏ُ.. وأبصرت ممّراً واحداً‏ يوصل الشمس إلى كهف الغروب‏ وطريقاً يوصل النفس‏ إلى ظلٍ بعيد‏ حيث لا تحيا إذا شاءت‏ كما تهوى‏ فتمضي في أتون الصمت‏ يُدمي قيدها حتى تموت..‏ هكذا شبّهت نفسي‏ مثل غيري‏ فالهوى فينا جميعاً‏ وبنا شوقٌ لأن نحيا‏ كما شئنا‏ بلا حزن على ما فات‏ أو خوفٍ من الآتي‏.. فكنْ يا خوفَنا أمْناً رحيماً‏ وابتعد عنّا قليلاً‏.. لا تزْرنا في ليالينا الطويلة‏ حيث نشوي الوقتَ‏ فوق النار‏ نحكي عن بطولاتٍ حفظناها‏ وأخرى لم نزل نبني لها‏ جسراً طويلاً فابتعد عنّا قليلاً‏ لنرى فصلاً جديداً‏ من فصولٍ قد كتبناها‏ ومثّلنا بها الأدوار‏ كلٌّ يبتغي دوراً بديلا‏.. فكأنَّ اللعبةَ الحمقى استمالتنا‏ وشدّتنا إليها‏ ومدّت نحوناً سراً حبالاً‏.. وكأنّا ما شبعنا من قراءاتٍ‏ تراءت تكشف الغيب‏ وتستجلي الخيالا‏.. فتواصَلْنا وراءَ الليل‏ نجري خلفه‏ حتى أضعنا في الممّرات الدليلا‏..

وبنا شوق‏ لنبقى فترةً أخرى‏ نسوّي ما بنينا من خيالاتٍ‏ وما بالوهم أصْعَدْنا نفوساً‏ للعلى تمشي بريش الكبرياء..‏ ثم حطت في وهاد الصمت‏ تستفتي الظّنونا‏.. وترى في الشك برهاناً‏ يدير النّور في الأعماق‏ علّ الشك يسقينا اليقينا..‏ فابتعد يا شكنا‏ عنا قليلا‏ لم نصلْ آخر ما نرجوه‏ أو حتى بدايات التّمني‏.. فالبدايات جعلناها‏ بلا سقفٍ فطارت‏ في دخان الأفق‏ واستعصت علينا‏.. والأماني تشتهي لمَّ الأماني‏ من جهاتٍ بعثرتنا‏ في جهاتٍ لا نرى حدّاً لها..‏ مثلنا ضاعت‏ وضيَّعْنا إلى الشوق السبيلا‏..

فلكي نمشي بشوقٍ‏ فابتعد يا قاتل الأشواق‏ عن أبوابنا شيئاً قليلاً‏ إنها الأبواب‏ تفضي نحو دربٍ‏ يوهن الخطو‏ ولا يدني إلى ركنٍ‏ يقينا.. شر أفعى تتلوّى‏ في ثقوب النفس‏ تأتينا إذا نمنا ككابوسٍ‏ يهدّ النّوم في أحداقنا‏ فيظل السّهد في الأقفاص‏ يشكو لحظةً ألقت علينا‏ موتها‏ والذي من تحتها موتٌ‏ ينادي في اصفرار الوقت‏ سراً قد تنامى في عذابات التراب‏ إنّه الماشي إلينا‏ ليساقينا العذاب‏ أو لينهي آخر المشوار‏ في بحر تساقطنا به صرعى‏ فلا ندري‏ أكنّا قاتلي الأحباب‏ أمْ أحبابنا كلٌ مضى‏ يبكي قتيلا‏ فلمنْ نشكو إذن!‏ ولمنْ نزرع في البحر‏ بساتين المحار‏؟.. ولمنْ نَفتح في الآفاق أبوابا‏ لدهشات العيون‏؟.. ولمن نشعل من أجسادنا‏ شمعاً‏ ونجني من خلايا الجرح‏ أزهار السنين‏؟!.. ولمن نترك حزن الناس‏ إن غبنا‏؟.. ومَنْ مِنْ بعدنا‏ يبكي على أيامنا‏؟.. سوف لن تحمل أرضٌ مرةً أخرى‏ وفي أحشائها حملٌ ثقيلٌ‏ كان يوماً فوقها‏ حملاً ثقيلا‏.. فابتعد عنا قليلا‏ أيها الموت الذي فينا تنامى‏ منذ أن كنا صغاراً نرسم الدنيا طيوفاً للأماني‏ ونرى في الغيم أشكالاً‏ نسوّيها كما شئنا‏، أُسُوداً‏ أو حمائم‏ أو جبالاً من ثلوجٍ‏ تنزف الأبيض‏ للأرواح بشرى‏ أو غنائم‏ والرؤى من حولنا تكبر‏ أشجاراً‏ وأحجاراً‏ وذكرى‏ لم نكن ندري بأن الموت يرعى‏ في دمانا‏ هائجاً.. يأكل ما نأكل‏ يمشي إن مشينا‏ ويظل الليل سهراناً‏ إذا نمنا‏ ويبقى حارساً دوماً علينا‏.. يرقب الساعات سراً‏ حول أيدينا‏.. ولا يبعد عنا‏ كخيالٍ لا يُرى‏ لكن يرانا‏.. دائماً نرجوه أن يمضي‏ فلا يمضي بعيداً‏.. دائماً نرجوه أن ينسى‏ فلا ينسى وعوداً‏.. يعبر الأمصار يومياً‏ بلا إذنٍ‏ ويجتاز الحدودا‏.. لا ينام الليل‏ أو يهوى المقيلا‏.. يشحذ السكين في الأجساد‏ حصَّادٌ لأشتالٍ‏ وقاماتٍ‏ حسودٌ يشتهي ذبح البيوت‏ الواقفة‏ ليرى في كل عينٍ‏ غيمةً بالملح‏ تبقى نازفة‏.. دائماً نبغي له موتاً‏ فيحيا‏ حينما يمضي بنا للموت‏ جيلا يقتفي بالصمت جيلا‏.. لا يبالي‏ أيّنا يغتال‏ ليلاً أو نهارا‏ حيث أعطى حرفة القتل‏ لمن في قلبه البركان‏ بالأحقاد يغلي‏ مرةً يقذف سُمّاً‏ ثم مراتٍ يصب الحقد نارا‏.. ولأنّا قد رجوناه كثيراً‏ عله يبعد عنا لو قليلا‏.. فأبى واشتد قرباً‏ وغروراً‏ ولذا ندعوه منذ الآن‏ أن يدنو قليلا‏.

اعلى الصفحة