|
|||||||
|
تعتبر مخيمات اللاجئين شاهداً قائماً على ما حاق بالفلسطينيين، من اقتلاع، وتشريد، فإذا كانت تمثل رمزاً لمعاناتهم اليومية، ونتاجاً للظلم الذي لحق بهم، فهي إلى كل ذلك تمثل بؤرة الثورة، وساحة الصراع اليومية، ليس بمعنى الدفاع عن المكان، فحسب، بل بمعنى الدفاع عن استمراره وبقائه. ما يقود إلى التحرر والانعتاق، والى استعادة الأرض السليبة، وامتلاك الهوية، ولذلك ليس غريباً أن تخوض المخيمات منذ وجدت معركة بقائها، إذ أن تصفيتها هي الخطوة الأولى في تصفية القضية الفلسطينية ككل وحسم الصراع لصالح المغتصب. وإذا كان ذلك لا ينطبق على المخيمات عموما فانه في مخيمات قطاع غزة الثمانية يتجلى في أوضح صوره. فهنا كتلة كبيرة جدا من اللاجئين على مساحة محدودة في المكان والإمكانيات، استحوذت على مكانة مميزة في مجرى الصراع، كساحة اشتباك يومي مع المحتل الغاصب وساحة اشتباك يومي مع ظروف المعاناة القاسية. نشأة مخيمات غزة استقبل القطاع جزءاً كبيراً من النازحين "اللاجئين" الذين توزعوا في مختلف مدن وقرى القطاع، في المساجد والمدارس والكنائس، أو لدى المعارف والأقارب، وفي ثكنات سابقة للجيش البريطاني (البريج). وحتى في الأرض الفضاء (العراء) إلى أن عملت جمعية الأصدقاء الأمريكية (الكويكرز) على إنشاء المخيمات في مناطق تواجدها الآن وأعطيت أسماء المدن المجاورة لها، وقد قامت الجمعية المذكورة بتوزيع الخيام على اللاجئين، واستمرت في الإشراف على مخيماتهم حتى تشكيل وكالة الغوث الدولية، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم( 302) الصادر في 6 كانون الأول/ عام 1949م. وباشرت الوكالة عملها رسمياً في أيار "1950 كما سلف في موضع آخر، وعرفت اللاجئ الذي ستقدم إليه المساعدة على انه "الشخص الذي كان موطنه الأصلي فلسطين لسنتين على الأقل قبل حرب عام 1948. والذي نتيجة لهذه الحرب فقد بيته ووسائل معيشته، وأصبح لاجئاً عام 1948. في إحدى الأقطار التي تمنح فيها وكالة الغوث الدولية مساعدتها وأعانتها". ومع بدء الوكالة أعمالها، كان اللاجئون يقيمون في الخيام التي وزعتها جمعية الكويكرز، وشهد القطاع عام 1950 شتاء قارساً عاصفاً لم تصمد أمامه الخيام. فاقتلعتها الرياح تاركة سكانها بلا مأوى. وعندها رأت الوكالة عدم جدوى استخدام الخيام، ورأت ضرورة إسكان اللاجئين في بيوت مبنية من الطوب والحجر بدل الخيام، ونظرا لأنها لم تكن بيوتا أو منازل بالمعنى الدقيق للكلمة فقد أطلق عليها اسم "مأوى" وزودت الوكالة اللاجئين بالغرف أو المواد اللازمة لإقامتها حسب حجم كل أسرة وحاجتها في ذلك الوقت، وقد كانت المساحة المعطاة لكل أسرة تقدر بحوالي (150م2)، منها (110م2) على شكل غرف وأسوار بنيت حول الغرف وتضم الغرف داخلها مساحة فارغة لوضع ممتلكات الأسرة وحاجتها (حوش)(114). وقد بنت وكالة الغوث في ذلك الحين حوالي "48 ألف" مأوى في ثمانية مخيمات ومع زيادة عدد ا فراد اسر اللاجئين، والذي استدعى مساحة اكبر للمعيشة، ساعدت الوكالة في بناء 5835 غرفة إضافية في بيوت اللاجئين وداخل المساحة المقررة، والتي لا تزيد عن 150م2، في المواقع الثمانية التي أطلق عليها اسم "مخيمات اللاجئين". على أثر نكبة عام 1948، وصل متشرداً، ومهجراً ما يقارب من 250 ألف فلسطيني من أراضيهم الأصلية إلى قطاع غزة، لينضموا إلى جانب السكان الأصليين البالغ عددهم آنذاك حوالي80 ألف نسمة، ما أدى إلى اكتظاظ سكاني شديد في هذه المنطقة الضيقة التي يبلغ طولها نحو (40 كم) وعرضها من (6-12كم). ورغم عمليات التهجير، ونزوح عام 1967 بعد احتلال قطاع غزة، وسياسة القمع والبطش العسكري الإسرائيلي ومجمل ممارساته: سواء النفي، الأبعاد، أو الطرد وغيرها من ممارسات، فقد تزايد عدد اللاجئين تزايداً طبيعياً داخل وخارج المخيمات خلال هذه السنوات الطويلة ليصل مثلاً حسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني، عام 1992م (716.200) ليرتفع عام 1993م إلى 748.000 عدد السكان عموما، وقدر مرة أخرى عام 1995 وحسب نفس المصدر بحوالي (905) ألف نسمة، ويرتفع أيضا عام 1996 إلى حوالي (963.062) ألف نسمة وقد بلغت التقديرات لعام 1998م بحوالي (1.004.498) منهم حوالي (766.124) ألف لاجئ مسجل وقدروا مرة أخرى في منتصف عام 2000م بحوالي (1.138.498) نسمة في قطاع غزة، ويقدر عدد اللاجئين بينهم بحوالي (824.622) ألف لاجئ، ومنهم حوالي (451.86) ألف لاجئ يقيمون داخل مخيمات اللاجئين الثمانية في القطاع(116)، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هامش الخطأ في التقديرات وإحصاءات الواردة بالنسبة لمخيمات القطاع، والتعداد العام محدود، إذا افترضنا وجوده، فليس علينا إضافة الكثير إلى الأرقام المعطاة حول تعداد السكان، وهذا يعني أن ما نسبته حوالي 50-55% من لاجئ القطاع يسكنون داخل المخيمات، وتبقى هذه النسبة مهمة إذا أخذنا بعين الاعتبار ظروف الخنق والمحاصرة التي تتعرض إليها المخيمات من ناحية درجة الاكتظاظ العالية في داخلها مع ضعف الخدمات، وعلمياً، فإنه لا توجد نسبة محسوبة لكثافة السكان في كل مخيم، ولكن الكثافة العامة للسكان في قطاع غزة تبلغ حوالي 1800 نسبة للكيلومتر الواحد، وهذه واحدة من أعلى النسب في العالم. الظروف المعيشية تعاني مخيمات قطاع غزة من التضخم الهائل في عدد السكان، ففي الأيام الحالية، ما يزيد عن ثلاثة أرباع سكان القطاع هم من اللاجئين، وقد تضاعف عدد السكان واللاجئين منذ عام 1950م، ولم يعد بالإمكان توسيع مساحة المخيمات، فعلى سبيل المثال فإن سكان مخيم الشاطئ يتمركزون في مساحة طبيعية جدا حوالي 0.747كم2، وفي مخيم جباليا الذي يقارب من 100 ألف نسمة في مساحة 1.403 كم2، ومعظم العائلات لا زالت تعيش في بيوت صغيرة مكونة الغالب من غرفة واحدة أو غرفتين أو نشأت بواسطة الانروا منذ عام 1950م، وهي أن طرأ عليها بعض التغيير الطفيف، في الغالب تأوي من 9-12 فردا، أما الأثاث فهو في الغالب معدوم ويقتصر على بعض الفرش الأرضية والأغطية وأدوات المطبخ ومعظم منازل المخيمات قديمة وآيلة للسقوط، علاوة على الظروف الغير صحية أو الملائمة للعيش من الرطوبة وقلت التهوية، كما أن أدوات الصرف الصحي قليلة ومعظم البيوت لا تحوي مرافق صحية جيدة أو حمام وفي بعض الأحيان دورات مياه مشتركة، كما أن هذه البيوت لا توفر الحماية الكافية سواء من الحر في الصيف أو برد الشتاء مما يزيد من مخاطر الأمراض, وقد ساهمت الانروا في تأهيل عدد من المنازل في قطاع غزة في الفترة ما بين 98-1999م. وفي الماضي كان البناء متعدد الأدوات ممنوعاً منعاً باتاً من قبل السلطات الإسرائيلية وذلك لأسباب أمنية ليتمكن الجنود الإسرائيليين من السيطرة على المخيم والسكان بالإضافة إلى هدم المنازل السكنية بحجج وذرائع أمنية، وهي سياسة قديمة جديدة ويتجلى ذلك بوضوح في الأحداث الجارية "انتفاضة الأقصى (2001/2002). فلا زالت تواصل حكومة إسرائيل تنفيذ مخططها العنصري بهدف خلق واقع ديموغرافي جديد ومشوه، وتمثل سياسة هدم المنازل السكنية الفلسطينية أداة رئيسية من أدوات قوات الاحتلال التي تبرر فيها جرائمها بحق البيوت الفلسطينية بدعوى عدم الترخيص، أو لأسباب أمنية، وقد بلغ عدد المنازل التي دمرت حتى 31/ديسمبر 2001 نحو 7130 منزلاً ومقراً حكومياً ومنشاة خاصة منها حوالي (1154) منزلاً تضررت كلياً، ومنها أيضاً حوالي 500 منزل في قطاع غزة عام 2001. الأوضاع التعليمية اتجه أبناء المخيمات نحو التعليم بكثافة، وتشهد الأرقام المتوفرة على هذا الاتجاه، الذي بدا سياقه المعتاد بالارتفاع عاماً وراء عام، وان تعرض لاختلال نسبي أحياناً، ويمكننا إعادة ذلك إلى الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي منعت البعض من الاتجاه إلى الدراسة، أو مغادرة مرحلة التعليم مبكرا، وإذا كانت معدلات الالتحاق بالمدرسة، ومتابعة الدراسة لا زالت مطمئنة نسبياً، إلا أن ذلك لا يعني الركون إليها، وإنما يتوجب البحث الجاد في ضرورة إيجاد الوسائل اللازمة لمنع التسرب من المدارس خاصة في المراحل الأولى. واقع الحال أن الوكالة تشرف على التعليم الابتدائي والإعدادي للاجئين في المخيمات وخارجها، فيما يتابع بعض أبناء اللاجئين دراستهم الإعدادية في المدارس الرسمية، والتعليم الثانوي مقتصر على المدارس الرسمية، ذلك أن الوكالة لا تغطي هذه المرحلة من التعليم. وتشغل الأنروا حوالي 168 مدرسة ابتدائية وإعدادية في قطاع غزة، وهو العدد الأكبر الثاني بعد ا لأردن، وتوفر فرص التعليم لحوالي 60.000 طالب وطالبة(117). والأخذ بعين الاعتبار الزيادة الطبيعية لإعداد الطلبة فما زالت هناك حاجة ماسة لبناء المزيد من المدارس رغم عدم وجود الدعم المالي لذلك. ونتيجة للزيادة المضطردة من تزايد عدد التلاميذ، فقد زادت حدة الاكتظاظ في مدارس الانروا في القطاع، حيث بلغ معدل عدد التلاميذ، في الصف الواحد خلال السنوات1994/1995م من 47-50 تلميذا، وهي أعلى نسبة من نوعها في الأقاليم الخمسة لعمليات الانروا. وكانت مدارس عديدة تشغل أبنية من الأسمنت والأجر، يعود تاريخها إلى سنوات الخمسينات والستينات، وكانت قد أنشئت أصلا كأبنية مؤقتة. واضطرت عدد من المدارس للعمل بنظام الفترات الثلاثة، بعد أن أصبحت أبنية مدرسية أخرى غير آمنة وتوجب إخلاؤها لإعادة التأهيل. والأولوية العليا التي أعطتها الانروا لتحسين الأوضاع في مدارسها، كانت موضع مشاركة من البلدان المتبرعة، التي قدمت بعض الأموال عام 1995م من خلال برنامج تطبيق السلام لتوسيع وتطوير البنية الأساسية التعليمية ومشاريع أخرى لدى الانروا في غزة. وقد تم إنشاء عدد من المداس الجديدة، وتحديث عدد من الغرف الدراسية المتخصصة، والصفوف الدراسية. هذا إذا علمنا أن عدد المدارس التي تعرضت للأضرار والإجراءات الإسرائيلية في الوضع الراهن، فقد تم إغلاق عدد 6 مدارس بأوامر عسكرية، وتعرضت حوالي 137 مدرسة إلى القصف الإسرائيلي بالرشاشات الثقيلة والقذائف الصاروخية، وتم تعطيل الدراسة في أكثر من 150 مدرسة جراء العدوان الإسرائيلي على المناطق، وتحولت في لحظات معينة عدد من المدارس إلى ثكنات عسكرية حوالي 7 مدارس، وقد سقط المئات من بين الطلاب بين شهيد وجريح وعدة آلاف من المعاقين والمصابين من الهجمة الإسرائيلية الشرسة على المناطق. بالإضافة إلى إجراء صيانة وتأهيل شامل لعدد من المدارس وإقامة عدد من الملاعب في مواقع مختلفة. وتم توفير التدريب المهني والتقني لعدة مئات من المتدربين والمتدربات في مركز غزة للتدريب وقد وفر عدد من الدورات التدريبية المهنية ومدتها سنتين، في أشغال الكهرباء، والبناء، والميكانيكا، إضافة إلى دورات شبه فنية، مدتها سنتين في العلاج الطبيعي والإلكترونيات الصناعية، والأعمال التجارية والمكتبية، والترتيبات مستمرة لعقد دورات جديدة مستحدثة في الرسم المعماري، والفندقية والإيواء، ومراقبة الأبنية وغيرها بما يلبي الحاجة المحلية المتنامية للعمال المهرة في قطاع البناء، كما وينظم المركز دورات مهنية مدتها حوالي 12 أسبوعاً في صناعة الألمونيوم، وأعمال الجبص وتشكيل الأسمنت، والسمكرة. وقد أثر الإغلاق والإضرابات ومنع التنقل بين الضفة وغزة، على الطلاب المتدربين حيث واجه المتدربون الوافدون صعوبات كبرى في الحصول على تصاريح من السلطات الإسرائيلية بمراكز التدريب التابعة للاونروا في الضفة، ولطالما أفاد طلاب غزة من مرافق التدريب في الضفة، لان عدد من أماكن التدريب في مركز غزة للتدريب غير كاف لتلبية الحاجة المحلية. واستوعب برنامج الوكالة للتدريب أثناء الخدمة عدد من المعلمين ومدراء المدارس وموجهين تربويين ومدربين حوالي 162 موظفاً، هدفت هذه الدورات الارتقاء بمؤهلات المشتركين، ومساعدتهم في تطبيق التغييرات المنهجية وتحسين طرائقهم التعليمية وتعزيز مهاراتهم في الإدارة التربوية، وقدمت أيضا بعضا من المنح الجامعية لحوالي 220 طالباً لاجئاً فلسطينياً بينهم 102 طالبة، كانوا قد تفوقوا في الامتحانات العامة للمرحلة الثانوية. ولكن هناك عدد من الكادر التعليمي في المدارس هم من الموظفين بعقود (بطالة) تنتهي بانتهاء الفصل الدراسي وتجدد بابتداء السنة الدراسية التالية، حيث لم تستطع الوكالة توظيف طاقم إضافي منذ العام 1995م لتلبية الحاجة الناتجة عن تزايد عدد الطلاب المستمر سنة تلو الأخرى. الأوضاع الصحية ليس ثمة شك في سوء الأوضاع الصحية للمخيمات الفلسطينية حيث تزداد الأوضاع سوءاً يوماً بعد يوم نتيجة الكثافة السكانية المتزايدة إلى جانب تناقص الخدمات المقدمة من الجهات الرسمية، من جهة أخرى وتساهم الحالة العامة للمخيمات الفلسطينية بشكل مباشر في تردي الوضع الصحي عند اللاجئين حيث الأزقة الضيقة والمياه الآسنة التي تمر بين الطرقات يعبث بها الأطفال ما يسبب انتشار الأمراض والأوبئة التي تنتقل بين السكان عن طريق المخالطة. معروف أن الإشراف على الأوضاع الصحية في المخيمات تتحمل الجزء الأكبر والأساسي منه الانروا، وكما تعرضت الخدمات الأخرى إلى التقليص، فان هذا التقليص قد طال الخدمات الصحية أيضاً. فلا تلبي الوكالة كل ما يتعلق بحاجات اللاجئين على هذا الصعيد. وفي واقع الحال تمتلك الوكالة شبكة تضم أكثر من 18 مركزاً أو عيادة صحية، توفر الرعاية الطبية الشاملة، بما فيها رعاية الأم والطفل. وفي كل مخيم من مخيمات القطاع تمتلك الوكالة عيادة/ مركز صحي، ما عدا مخيم الشاطئ، الذي يتلقى سكانه الخدمات الطبية من عيادتين تابعتين للوكالة في مدينة غزة وكانت تشرف الوكالة أيضا مع سلطات الاحتلال، على مستشفى الأمراض الصدرية في مخيم البريج الذي تحول فيما بعد إلى مدرسة ثانوية تابعة للسلطة. لقد قدمت الانروا خدمات الرعاية الصحية الأولية لمجموع اللاجئين في القطاع من خلال مراكزها وعيادتها المنتشرة في القطاع، ومن بين هذه المرافق، قدم 14 مرفقاً خدمات تنظيم الأسرة، و11 مرفقاً اشتملت على مختبرات، والرعاية بالأسنان، ورعاية خاصة لمكافحة أمراض ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب، والأمراض النسائية، والقبالة، وطب العيون وطب الأطفال، بالإضافة إلى عيادات للعلاج الطبيعي، بالإضافة إلى عدد من الوحدات للرعاية بالأمومة والطفولة تحتوي على ما مجموعه 60 سريراً، وتقدم خدمات الاستشفاء خلال ترتيب تعاقدي مع مستشفى غير حكومي فقد حجز 50 سريراً لمعالجة اللاجئين، أو عبر مساعدات مالية لتغطية نفقات علاجية في مستشفيات القطاع العام. ونظرا للتزايد المستمر والطلب الملح على خدمات الانروا، وعلى الرغم من التحسينات والتطويرات الكبرى في توسيع مرافق الرعاية الأولية، فقد استمرت مبقية على الترتيب الخاص بتشغيل العيادات فترة مسائية في معظم مرافقها، وهو ترتيب بدا كإجراء مؤقت عام 1992م. لمواجهة عبئ العمل على الموظفين والحاجة لذلك. فقد كان لإغلاق قطاع غزة أثر سلبي على الخدمات المتوفرة للاجئين فقد منع وصول الحالات إلى المؤسسات الصحية الموجودة في أماكن أخرى، والتي تقدم خدمات صحية غير متوفرة حالياً. إن الانروا بما لديها من بنية أساسية راسخة موظفين مدربين بشكل جيد وخبرة طويلة في تقديم الرعاية الصحية وتنفيذ المشاريع، ملتزمة بهدف إقامة نظام موحد للرعاية في المناطق، بالوسائل المتاحة لها، ولبلوغ هذا الهدف، عملت الانروا على إقامة علاقة وثيقة مع السلطة الفلسطينية، التي تولت المسئولية عن نظام الرعاية الصحية والعامة في القطاع في أيار/ مايو 1994، كما في الضفة الغربية، وعملت الوكالة أيضا على تطوير وتوسيع بناها الأساسية لمرافق الرعاية الصحية، وإعداد برنامج يستهدف في النهاية إقامة نظام دائم وذي جدوى للرعاية الصحية. لقد أسهمت الانروا في إجراء استطلاع شامل لمرافق الرعاية الصحية الأولية، التي تديرها السلطة الوطنية، يهدف إلى تحديد احتياجاتها من التطوير والترميم، وقدمت الدعم اللوجستي لتسهيل عمل موظفي منظمة الصحة العالمية ومستشاريها الذين يزورون المناطق "القطاع" لتقييم الاحتياجات، ومساعدة السلطة في إعداد برنامجها الصحي الوطني، وبفضل تبرعات خاصة، مدت الوكالة تجهيزات طبية لتطوير مستشفى الشفاء الذي تديره السلطة واشترت مواد طبية بمبالغ أخرى لمرافق مختلفة في قطاع غزة، وساهمت كذلك في التخليص الجمركي لشحنات متعددة من التجهيزات والمواد الطبية المقدمة كتبرعات عينية للسلطة. وفي إطار مشروع خاص، تواصل الوكالة تقديم الخدمات الصحية للمدارس التي أصبحت تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، بقصد تحقيق التناغم فيما بين تلك الخدمات، وهناك طواقم للصحة المدرسية، تقوم بإجراء الفحوصات وتطعيم الأطفال في مدارس السلطة. وقد شملت التحسينات في البنية الأساسية للنظام الصحي، بناء وتجهيز مراكز صحية إضافية في مخيم الشاطئ وتل السلطان، وبناء عيادة جديدة لرعاية صحة الأم والطفل في منطقة الفاخورة وعيادة طب الأسنان في مخيم المغازي، وقد تم إنجاز أعمال الترميم والتطوير للمراكز الصحية في رفح وخان يونس. الأوضاع الاقتصادية الأوضاع الاقتصادية لبلد ما، تشكل الأساس الموضوعي الذي يتحكم بأوضاعه السياسية والاجتماعية والسكانية..الخ، وأن أية محاولة لقراءة هذه الأمور، وفهمها هي أولا وبالدرجة الأساسية قراءة وفهم للأوضاع الاقتصادية. وحين يستعصي علينا فهم ظاهرة ما، فإننا نجد تفسيراً لها في الأوضاع الاقتصادية، ويوماً بعد يوم، تتأكد وجهة النظر القائلة بأن السياسة هي التعبير المكثف عن الاقتصاد. فالبحث في السياسة، بالدرجة الأولى، يجب أن يكون بحثا في الاقتصاد. تقول هذا، ونحن لا نفتقد الأدلة المؤكدة سواء القريب منها أم البعيد. وغني عن البيان، أن الاقتصاد الفلسطيني عموماً عانى طوال العقود الماضية في ظل الاحتلال الإسرائيلي أقسى صور الركود والتآكل، فقد عملت سلطات الاحتلال على فرض القيود والمعيقات التي أدت إلى بناء تشوهات واختلالات هيكلية في الاقتصاد. وأدى الإهمال المتعمد من الإدارة المدنية للمناطق الفلسطينية إلى إهتراء شديد في البنية الداخلية التي تعتبر الركيزة الأساسية للنشاط الاقتصادي وازدهاره. ما أدى بدوره إلى حدوث اكتظاظات مالية حادة في الهيئات والمؤسسات والأنشطة، وفرضت سلطات الاحتلال مجموعة من الرسوم والضرائب التي أرهقت الشركات والمصانع، وأثقلت كاهل المواطنين، وأحبطت مشاريعهم الإنتاجية، وتضاءلت كافة الخدمات، وبررت هذا بعدم كفاية المخصصات المالية نظراً لتهرب المواطنين من دفع الضرائب. يمكننا القول بأنه، من خلال ما سبق عرضه عن أوضاع اللاجئين المختلفة، قد ارتسمت ملامح مشهد لمعاناة المخيمات، بيد انه واستكمالاً لما أشير إليه، يفترض الحديث عن النشاط الاقتصادي لأبناء المخيمات في القطاع، وهو نشاط من الصعب تناوله بانفصال تام عن النشاط الاقتصادي للقطاع بشكل عام، ولما كان هذا أمراً غير متيسر في هذا المقام، فإننا سنكتفي بتسجيل ملاحظات سريعة، نظرا لإمكانيات القطاع المحدودة بالأساس اقتصاديا، وهي إمكانيات تضاءلت مع الزيادة العالية في عدد السكان، وخطوات تدمير الاقتصاد المنهجية التي عمدت إليها سلطات الاحتلال منذ عام 1967. ومع ذلك، فليس من قبيل المبالغة القول بأن لأبناء مخيمات اللاجئين في القطاع حصة من معاناة إضافية، حتى قبل خضوع القطاع للاحتلال في عام 1967م، ففي عام 1960 كانت البطالة في صفوف اللاجئين قد طالت 83% من مجموع قوة العمل(123). راهنا، يتركز الجزء الأساسي من قوة العمل، في نشاطات بالمشاريع الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث يشكل القطاع مستودعا للأيدي العاملة. ويتركز عمال القطاع (جلهم من اللاجئين) في إسرائيل، في الأعمال والوظائف الدنيا التي لا تحتاج إلى مهارات خاصة، الأعمال الموسمية المؤقتة في الزراعة والبناء والتشييد، وتم استقطاب أغلبية هؤلاء العمال من بين صفوف العاطلين عن العمل أو الذين لا يحصلون على قدر كاف من استخدام في قطاع الزراعة المحلية. فلما كان نشاط البناء والتشييد في إسرائيل هو الرئيسي، وجد العديد من عمال القطاع أن المصلحة تقتضي اكتساب المهارات الأساسية التي تؤهلهم للانخراط في ذلك النشاط(125). وهذا بالضرورة لا يعني عدم وجود عمال مهرة يعملون في بعض الورش والأنشطة الاقتصادية البسيطة داخل القطاع، أو في المصانع التي تقوم بالعمليات النهائية لبعض الصناعات الإسرائيلية وتحديدا، قطاع النسيج ، وقد أقام العديد خريجي معهد التدريب المهني ورشاً خاصة بهم في داخل القطاع وخارج المخيمات. ويبقى الحديث بأنه لا يمكن الحديث عن صناعة بالمعنى الكامل للكلمة في قطاع غزة عموما، ولذلك فإن النشاط يتوزع ما بين الزراعة، والعمل في الأراضي المحتلة عام 1948، وبعض الورش الصناعية في القطاع، وتصل إلى نتيجة مفادها وجود نسبة بطالة مرتفعة، تتزايد بتزايد الأعداد التي تدخل إلى سوق العمل نتاج لمجموعة من الظروف المتشابكة (لتحول الفلاحين الذين يفقدون أراضيهم إلى عمال، هجرة الأرض بسبب سياسة التضييق الإسرائيلي على الزراعة، وندرة المياه، الخ). نستطيع أن نفهم بوضوح أن هناك معضلة اقتصادية في الأراضي الفلسطينية عموماً ومخيمات قطاع غزة خصوصاً، فالقيود التي فرضت على حرية الحركة والتنقل عند توقيع اتفاقية أوسلو، فصلت بشكل مطلق قطاع غزة عن الضفة الغربية، وأيضاً فإن الإغلاق التام المحكم على سكان الضفة الغربية والقطاع والتحكم في حرية الحركة بشكل كامل منذ العام 1993 أدى إلى فصل تام بين المجتمع الفلسطيني. هذا العزل وهذا التراجع في الأوضاع المعيشية ترافق مع تراجع في الخدمات المحلية وأدى إلى انخفاض أسعار المنتجات المحلية، هذا طبعاً إلى جانب الانخفاض الحاد في دخل العائلة، وضعف وقلة فرص العمل، أما بالنسبة إلى تصاريح العبور التي يصدرها الاحتلال الإسرائيلي فتعتبر امتياز يتمتع به القليل، القليل من العمال الغزيين (أغلبيتهم من اللاجئين). وبقيت إسرائيل تسيطر على حرية الحركة والتنقل حتى بعد فتح الممر الآمن ما بين قطاع غزة وترقوميا "الخليل" فهي الجهة الوحيدة التي تصدر تصاريح المرور لمن تريد وتمنعها عمن تريد. هذه القيود أفرزت الكثير من الأوضاع الاقتصادية الصعبة بسبب عدم سهولة تنقل البضائع والمنتجات من والى غزة وأدت إلى زيادة نسبة البطالة بين السكان. باحثة في علم الاجتماع السياسي(*) |
||||||