الحرب الأمريكية على (داعش)
صحوة ضمير أم ابتزاز جديد لدول الخليج ؟!

السنة الثالثة عشر ـ العدد 154 ـ (ذو الحجة 1435 هـ) تشرين أول ـ 2014 م)

بقلم: غياث الشامي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تزعم الولايات المتحدة الأمريكية أنها بصدد شن حرب شاملة على تنظيم "داعش" بدعم من قوات الناتو وفقاً لخطة شبيهة بحرب الخليج ضد نظام صدام حسين، أرسلت أمريكا وزير خارجيتها "كيرى" لدول الخليج محاولة منها لإشراك هذه الدول في هذه الحرب خصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة والكويت والأردن وحتى لبنان؟!

وتريد الولايات المتحدة شن الهجمات على "داعش" عبر الطائرات وترك المجال البري لقوات حلف الناتو وقوات الدول العربية المشاركة معها والمتجاوبة مع اقتراحها.

ولكن قراءة متأنية لواقع المنطقة ومجريات الأحداث فيها تؤكد أن ما تفعله أمريكا ليس هدفه القضاء على طفلها المدلل "داعش"، ولكنها تريد جر الدول العربية في الحروب وإنهاك قواها، وكذلك الاستفادة من شراء أسلحتها وترويجها داخل الأوساط الخليجية بهدف الربح وهى لن تستغني عن خدمات هذا الوحش المتطرف فهو الشوكة التي زرعتها في ظهر العرب، ومن خلالها ستكون قادرة على أن تسلب أموالهم لشراء السلاح وتشتيت شملهم وتخويف أنظمتهم المتهالكة... حتى لو انقلب السحر على الساحر..

إدعاءات أمريكا بمحاربة الإرهاب لا تنطلي على أحد، فدولة قامت على الإرهاب وقتل مالا يقل عن 3 ملايين من الهنود الحمر وإبادتهم لا تقوى ولا تستمر إلا على دعم وصنع الحركات الإرهابية في العالم، ولا يخفى على أحد من صنع تنظيم داعش وأخواته ومن دعم ومول الجماعات التكفيرية الإرهابية في منطقه الشرق الأوسط لإشاعة الفوضى، وعدم الاستقرار، وترويع البشر، وتقسيم الدول، وإثارة الفتن والنعرات المذهبية في كل بقعة من بقاع عالمنا العربي، تارة باسم الحرية، وتارة باسم إقامة دولة الخلافة الإسلامية.

باختصار الولايات المتحدة الأمريكية هي الأم التي تلدهم واحده تلو الأخرى وتؤمن لهم الدعم المالي واللوجستي من خلال وكلائها في المنطق.

وهنا يطرح السؤال نفسه هل يمكن أن تكون أمريكا بالفعل تريد القضاء على طفلها في مرحلة النضوج ومرحلة تحقيق جميع الأهداف التي تسعى لها جميع المخططات الغربية؟

داعش البداية.. والنهاية

الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" هي كلمه اختصار لهذا الاسم الذي سرعان ما انتشر بين الأوساط الإعلامية وتناولته العديد من المحافل السياسة، بل وصل أيضاً إلى مائدة السياسيين داخل منازلهم، إنه تنظيم قديم ولكن ظهوره على الساحة حديث فبداية داعش من العراق في عام 2004، تم تأسيسها كتنظيم جهادي ضد الاحتلال الأمريكي في العراق، وسرعان ما انتشر داخل العراق وانتسب له العديد من شباب العراق الرافضين لاحتلال بلدهم، ولكنه لم يكن بهذه القدرة التي يظهر بها الآن فكان وما زال تنظيماً مسلحاً صغيراً يعمل في مدن العراق وله تاريخ دموي والعديد من العمليات الانتحارية هناك.

انتقل "داعش" إلى سوريا عند اندلاع الأزمة السورية تحت غطاء نصره السنة في سوريا ولكن كان له مخطط خفي، وهو احتلال جزء من سوريا ومحو الحدود بين سوريا والعراق وإقامة الدولة "الإسلامية" المزعومة بينهم وسرعان ما حقق انتصاراته داخل سوريا واحتل جزءاً كبيراً منها وتوجه مره أخرى إلى العراق ليمحو الحدود بين البلدين ويعلن إقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهنا تظهر لنا الصورة الواضحة كاملة.

إن تنظيم "داعش" الدموي من بداية نشأته وحتى هذه اللحظة هو تنظيم موجه ضد المسلمين فهو يقتل مئات المسلمين يومياً، ولم يكن يوماً ضد أمريكا فجميع ضحاياه من الجانب الأمريكي لم يتخط عدد أصابع اليد وإذا تطرقنا لجميع عملياته في العراق سندرك أن جميعها كانت ضد الشعب العراقي وجيشه وشرطته وحكومته وعندما دخل سوريا كانت الدموية بينه وبين ما يسمى بالجيش الحر، هناك أكثر من حروبه مع جيش بشار الأسد نفسه!!!!!

ومن هنا ظهرت معالم هذا التنظيم الخطير الذي حاول بكل وحشية تنفيذ المخططات الغربية لتقسيم الدول على أساس طائفي وهذا ما يخدم مصالح أمريكا في الشرق الأوسط والدول النفطية ولم يتوجه يوماً للجهاد ضد إسرائيل المحتلة لفلسطين والقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي الأمين.

فليس من المنطق بعد ما توصلت له الولايات المتحدة الأمريكية من مكاسب في العراق وسوريا وخصوصاً على صعيد تقسيم الدولتين، أن تستغني عن هذا التنظيم المربح بهذه السهولة وتحاول إجهاض مخططاتها في مرحلة الولادة.

باختصار إن ما تسعى له أمريكا الآن يشوبه الكثير من التشويهات فهي تريد محاربة "داعش"، ولكنها تمده بالأسلحة، وهذا ما يفضحه الكاتب السياسي الأمريكي دانيال بايبس حيث يقول: إن القادة الأتراك والأمريكان يدعمون حركة الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش)، لأن سوريا أصبحت تمثل لهم ورطة مزدوجة، فالرئيس بشار الأسد لا يزال في منصبه والكيان الكردي يزداد قوة، مؤكداً على أن أنقرة قدمت لـ"داعش"، أكثر من مجرد ممرات حدودية آمنة، بل وفرت التمويل والخدمات اللوجستية والتدريب والأسلحة والعلاج بالمستشفيات التركية.

أصبحت المسرحية السمجة التي تريد أمريكا عرضها على مسرح الشرق الأوسط أكثر تشويها فتنظيم "داعش" بدأ في محاولة إغضابها من خلال بث فيديوهات لنحر صحفيين أمريكيين، وهذا ما دفعها لطرح فكرة محاربة التنظيم فهي تريد الخروج بأقل الخسائر الممكنة فليس في مقدورها الاستغناء عن خدمات التنظيم لكن لا بأس من ضبطه وتأديبه حتى لا يخرج عن الحدود المرسومة له.

ربما ستحاول أمريكا أن تتخلص من أمير التنظيم" أبو بكر البغدادي"، لذلك روجت في كثير من المواقع الإليكترونية صورة له تحت عناوين كثيرة تفيد بمقتلة في غاره أمريكية جوية شنتها في العراق ولكنها أخبار غير أكيدة حتى الآن، فإذا كان قتل بالفعل لماذا لم يعلن التنظيم حتى الآن خبر مقتلة ولمَ لا يتم عرض فيديو لجثمانه على جميع وسائل الإعلام حتى يكون الخبر صحيحاً!!.

إن خبر مقتل "أبو بكر البغدادي" أمير تنظيم "داعش" يصب في مصلحة أمريكا فهي تريد أرضاء شعبها الذي غضب لنحر الصحفيين الأمريكيين على يد التنظيم، وكذلك دفن كل ما لدية من أسرار تأسيس هذا التنظيم و تمويله، وهنا تكون قد تخلصت من مشكلتين تؤرقانها في الوقت الراهن.

إن الحرب ضد إرهاب "داعش" التي يجري التحضير لها الآن تكاد تكرر تجربة الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة ولم ينس أحد وقائعها، لكن يبدو أن الجميع ـ بمن فيهم واشنطن ـ نسوا درسها.

ومن المفارقات ذات الدلالة أن الاجتماع التنسيقي لإعلان الحرب ضد "داعش" تم في جدة يوم 11 سبتمبر، في ذكرى غارة القاعدة على برجي مركز التجارة العالمي في منهاتن (عام 2001) الذي دفع واشنطن إلى إعلان حربها ضد إرهاب القاعدة. ومن ثم احتلال أفغانستان وغزو العراق في عام 2003.

لقد كان السلاح هو الوسيلة الأساسية التي استخدمت لمواجهة القاعدة، وظن الرئيس الأمريكي آنذاك ـ جورج دبليو بوش ـ أن المهمة قد اكتملت وأنه انتصر في المعركة. وفي المواجهة تم تجاهل البيئة الاجتماعية والثقافية التي خرجت منها القاعدة وانتهت بتحالفها مع حركة طالبان. كما وظفت بعض الأنظمة حينذاك شعار الحرب على الإرهاب لقمع وتصفية وحركات المعارضة على أراضيها بمباركة من الجميع.

وانتهى الأمر بسقوط نظام طالبان وضرب تنظيم القاعدة وقتل بن لادن، لكن الإرهاب لم يتوقف، وتحولت القاعدة من تنظيم جرى إضعافه إلى فكرة انتشرت في أماكن عدة وترددت أصداؤها في آسيا وأفريقيا ودول المغرب العربي، التي لم يتوقف فيها العنف المسلح تحت مسميات عدة كان الجهاد أبرزها. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن البذرة وجدت بيئة وتربة مواتية في العراق، فاستنبتت جماعة داعش، التي غدت نموذجا أسوأ وأكثر شراسة وأبعد طموحاً من القاعدة ومن طالبان.

داعش صناعة أمريكية

وكما قالت العرب: لا ينبؤك مثل خبير.. وبالاستناد إلى شهادة المسؤول السابق في تنظيم القاعدة والخبير في الجماعات الإسلامية الشيخ نبيل نعيم، فان التنظيم المتشدد المعروف بـ"الدولة الإسلامية" والذي تسيطر عناصره على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق صناعة أمريكية.

ففي حديث لقناة الميادين فجر القيادي السابق في "القاعدة" قنبلة من العيار الثقيل، عندما تحدث عن دور دول بعينها في نشأة وتدريب تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي عرف منذ نشأته باسم "داعش"، متهما دولا عربية بفتح المجال لتدريب التنظيم على يد قوات المارينز الأمريكي، والسماح بتسريب أفراده إلى سوريا، حيث فشل التنظيم هناك فاتجه إلى العراق لقتل السنة والشيعة على حد سواء. حسب قوله.

وأضاف الشيخ نبيل نعيم القيادي السابق في القاعدة أن الجهاد في القاعدة انحرف عن مساره وتحول إلى إراقة دماء المسلمين والتنكيل بهم، كما أن بوصلته انحرفت عن الدول الغربية، وأصبح التنظيم يتبنى الفكر التكفيري بعد استبعاد أصحاب الفكر الإسلامي الجهادي الصحيح.

وأشار العضو السابق في القاعدة إلى أن تنظيم داعش صناعة أمريكية، وأن "أبو بكر البغدادي" الذي نصبه التنظيم خليفة قبل أشهر، كان معتقلاً في السجون الأمريكية بالعراق قبل إطلاق سراحه وأنفق أكثر من 30 مليوناً لتكوين التنظيم وأقام معسكرات للمجموعات "الإرهابية"، مشيراً إلى أن أكثر من 1500 داعشي يعالجون في المستشفيات الإسرائيلية بتل أبيب.

وأضاف أن داعش تنفذ الأجندة الأمريكية في تفتيت الدول العربية لحماية الدولة العبرية، وخلق الفتنة في الدول عبر إتباع طريقة "جنكيز خان" بإفراغ المدن من أهلها بعد بث الرعب في المناطق المجاورة ومن ثم السيطرة على ممتلكاتهم بالقوة والتنكيل.[موقع قناة الميادين -11/8/2014]

وهذه الشهادة الحالية تعيدنا إلى المعلومات والخلفيات التاريخية، التي تذكرنا ب "زبيكنيو برجينسكي" مصمم مشروع "الأفغان العرب"، كمشروع أمريكي ناجح قاد إلى النمو المتفاقم للبنى التحتية للتنظيمات الإرهابية المتطرفة في العالم العربي.

الفيروس الذي زرعه برجينسكي، مفتخراً بأنه أحد أهم الإنجازات التي تمت خلال توليه مسؤولية مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، بعد اجتثاث نفوذ الإمبراطورية السوفيتية في أوروبا سرعان ما تحول إلى مرض فتّاك مزمن.

لم يمضِ الوقت طويلاً حتى أخذ فيروس برجينسكي يحصد أرواح المواطنين في البلاد العربية حتى وصل لحصد أرواح الأمريكيين في أحداث أيلول 2001 م، التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى وهذه المرة مع الجيش الأمريكي الاحتلالي الذي دخل إلى أفغانستان مكان الجيش الأحمر لمواجهة العدو الذي صنعته أمريكا نفسها – سبحان الله إنّها مفارقة عجيبة غريبة.

يومذاك كان لمشروع مكافحة الإرهاب تحت الشعار المعروف: "من ليس معنا فهو ضدّنا" إصدارات وأجيال جديدة من فيروس التطرف والإرهاب ، ظهرت هذه الإصدارات في العراق بعد الغزو العسكري الأمريكي له تحت عنوانين الجهاد ضد المحتلين والكفّار، حيث قتل عشرات آلاف العراقيين الأبرياء، وهجّروا الملايين منهم  في كل إنحاء المعمورة.

الإصدارات الجديدة من فيروس الأصولية الإسلامية المتطرفة خطيرة جداً أكثر من السابقة، ويكفي أن نقارن إصدار نسخة "أبو مصعب الزرقاوي" مع إصدار نسخة "أيمن الظواهري"، عندها سندرك كم تحول وتطور هذا الفيروس بعد دخوله إلى العراق إلى فيروس فتّاك مزمن متنقل بحريّة، وما يجري في العراق من تفجيرات إرهابية بشكل يومي خير دليل على ذلك، وكيف فعّلت وتفعّل الاستخبارات السعودية والتركية أدواتهما في الداخل العراقي نكاية بإيران ونفوذها وأدوارها، ونكاية بالأمريكان وسعيهم للتفاهم مع إيران كدولة إقليمية لها مجالها الحيوي.

طبعاً يجب الاعتراف أن مشروع المجاهدين العرب، حاول امتطاء القوالب الفكرية المتجذّرة عميقاً في التاريخ الإسلامي، لشخصيات تكفر "الشيعة" وتراهم أخطر من "المسيحيين" واليهود وتحكم عليهم بالموت!. أليست هي النغمة ذاتها - تكفير الشيعة - التي تسمع من فقهاء الوهابية السعودية، الذين يعلنون أن قتل الشيعة والمسيحيين والعلويين أمر مباح، وأنّ المجاهدين الذين يقتلون في هذا الطريق يصبحون جلساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الجنة!؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم – اللّهم اهدي قومي فهم لا يفقهون ولا يعلمون.

وبحسب التقارير المتعددة خلال الآونة الأخيرة، والتي تتحدث عن تحول سوريا إلى قبلة رئيسية لعناصر القاعدة والتيارات التكفيرية، فقد دخل إلى سوريا المئات من المقاتلين المتطرفين العرب من دول مختلفة مثل السعودية، العراق، ليبيا، اليمن، السودان، الجزائر، الشيشان، برفقة عدد كبير من العرب الأوربيين، وذلك عن طريق تركيا ولبنان، حسب ادعائهم ليقاتلوا الجيش العربي السوري بالأسلحة التي تزودهم بها السعودية وقطر، عن طريق جهاز الاستخبارات التركية(ميت)، الذي يقوم بدوه بتوزيع السلاح وتدريب هذه العناصر على القتال، و"حسب ادعائهم" فإن أجر وثواب مقاتلة الجيش السوري هو الحور العين في الجنة – لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

الحرب على داعش رؤية إيرانية

إيران شككت في جدية النية الأمريكية بالقضاء على تنظيم "داعش"حيث رأى قائد قوات حرس الثورة الإسلامية اللواء محمد علي جعفري أن "داعش" صنيعة أمريكا والكيان الصهيوني، موضحاً أنه عندما أدرك الغربيون عجز هذا التنظيم عن تحقيق أهدافهم قرروا تشكيل تحالف ضده لئلا ينقلب عليهم يوماً. 

وبالمتابعة والاستقراء نجد أن هذه القراءة الإيرانية هي قراءة دقيقة للواقع وتعبر عن حقيقة الأمور. لأن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية الآن هو أكبر تلفيق وكذب ونفاق دولي في ادعائها بأنها تريد مقاتلة "داعش". والحقيقة هي أن أمريكا تتخذ من "داعش" جسر عبور لعودتها للمنطقة ووسيلة لإعادة جمع ما تفرق مما سُمي "أصدقاء سوريا" سابقاً. وبالتالي هي قسمت الإرهابيين في سوريا قسمين: قسم ادعت أنها تلاحقه وهو من منتجاتها وهو "داعش" وقسم وعدته أن يحل مكان "داعش" وينشر الإرهاب في سوريا. لذلك فإننا نعتبر هذه القراءة الإيرانية من الوجهة العسكرية والسياسية والإستراتيجية قراءة دقيقة تعبر عن حقيقة الموقف.

وفي الأساس لا أحد يصدق أن أمريكا تحارب الإرهاب. لأن الجميع يعرف بأن أمريكا هي التي اخترعت وأنتجت الإرهاب ولا يمكنها أن تحارب الإرهابيين. ثم أنه من المضحك جداً أن تأتي أمريكا بالأدوات التي استعملتها من أجل إنتاج الحالة الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وهي تقول إن هذه الأدوات هي نفسها التي تحارب الإرهاب.

ومن جهة أخرى نعلم جميعاً أن هناك قاعدة عسكرية تقول: إن النار يمكن أن تؤثر على الجهاز لكن السلطة والسيطرة لا يمكن أن تكون إلا للقوى التي تدوس الأرض. فالسلطة على الأرض لمن يدوس الأرض.

بالتالي طالما أن أمريكا لم تتعاون مع القوى الحقيقية المعنية بمحاربة الإرهاب خاصة إيران وسوريا وطالما أن أمريكا لم تقدم للقوى المناهضة للإرهاب الوسائل والأدوات اللازمة للمكافحة فإن كل ادعاءاتها وكل وعودها هي إدعاءات ووعود كاذبة.

الحرب على داعش صحوة ضمير أم ابتزاز جديد

أمريكا ترفع اليوم يافطة محاربة الإرهاب وتعمل من أجل تحقيق شعارات أخرى. لهذا فإن حملة أوباما "الداعشية" هي حملة منافقة كاذبة، لن تستطيع أن تؤثر على مجريات الأحداث إلا إذا شاءت أمريكا أن تغير هذه السياسة وتتعاون مع القوى الحقيقية المعنية بمحاربة الإرهاب. ولكن هذا الأمر نراه بعيداً عن التحقيق.     

والكل يعلم أن ركائز السياسة الأمريكية في المنطقة تتلخص في أمرين:ضمان تفوق الكيان الصهيوني ووضع اليد مباشرة على منابع النفط.وكل ما يخدم هذين الهدفين الأساسيين هو الأساس والباقي تفاصيل لا قيمة لها.

وإذا رجعنا إلى ما يطرحه الباحث في مركز دراسات الأمن القومي الصهيوني ميخائيل ميلشتاين "إن تفوق إسرائيل يحتاج إلى معركة صبورة استنزافية مديدة السنين لا ترتكز فقط على كسر القوة العسكرية لقوى المقاومة وإنما تسعى أيضا لتقويض المراكز التي تتبلور فيها الأفكار ومنها تنغرس في وعي الجمهور. "[ أنظر مقالة للباحث الإسرائيلي في مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين تحت عنوان "صعود تحدي المقاومة وأثرها على نظرية الأمن القومي الإسرائيلي" جريدة السفير اللبنانية العدد 11495 الصادرة بتاريخ 18/1/2010 ].

ومن يتابع ما تنفذه أمريكا اليوم عبر ائتلافها الجديد لمحاربة إرهاب داعش يرى بأن الإدارة الأمريكية تعمل وفق خطة منسجمة وشاملة ومتوازية على 3 خطوط:

أ ـ الخط الأول يقوم على دعم الجماعات المسلحة الإرهابية.

ب ـ الخط الثاني الذي بقي طي الكتمان فيتضمن العمل على دعم التيارات والشخصيات السياسية المعارضة من داخل أنظمة نفسها في المنطقة، هذا الدعم قد لا يكون منسقا مع هذه التيارات والشخصيات المعارضة، لأن هدفه زج هذه التيارات والشخصيات في معارك داخلية لتدمير وكسر الثقة مع أركان الأنظمة.

ت ـ الخط الثالث يقوم على دعم شبكات شبابية وافتراضية على الإنترنت لتشويه سمعة الأنظمة ورموزها ورفع شعارات معادية وبث إشاعات وأخبار مزورة. وتخويف المنطقة من الخطر الذي ينتظرها.

من هنا فإنه يمكننا أن ندرك أن إنتاج أمريكا لمعركة جديدة وعدو جديد في المنطقة يخدم هذه الرؤية لسنوات ويبعد العرب عن المعركة ألأساس مع العدو الصهيوني ويجعله بمأمن من أي تفكير ولو نظري بمقاتلته ويجعله يستفرد بالفلسطيني واللبناني والسوري كلاً على حدة.

وفي المحصلة نستطيع القول باختصار.. إن أخطر ما يمكن أن تحسب حسابه أمريكا، في موضوع الإرهاب، هو خطر ارتداده عليها، كونه يتعلّق بأمنها القومي الداخلي …أو أن يرتد على ربيبتها وطفلها المدلل في المنطقة الكيان الصهيوني ..

من هنا، يمكننا أن نقرأ الوجهة الحقيقة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإرهاب… وأن نستشرف الانعطافة الكبرى للإستراتيجية الأمريكية فيما خص الإرهاب، والتي تعتمد على استغلاله واستثماره على حد سواء..

من هنا فإن العزم الأمريكي على حرب داعش هل يعني أن أمريكا قلقة اليوم من ارتداد إرهابي على أراضيها للانقضاض على أمريكا من الداخل؟ وهل أن أمريكا التي حددت بدقة أعداد الأمريكيين الذين شجعتهم على الانطلاق نحو "أرض الجهاد" الجديدة في سوريا، وأمنت لهم الوصول الآمن إليها، وذلك عبر شركائها من الدول الحليفة لها في الجوار السوري، وسمحت بشكل أو بآخر بتدريبهم وتسليحهم، ونفثهم في كل من سوريا، ولاحقاً في العراق، هي اليوم أمريكا نفسها العاجزة عن اكتشاف الوسيلة لمنع ارتدادهم إليها.

باختصار لم تتأخر داعش عن طمأنة صانعيها وبالذات الولايات المتحدة ، وعبر أكثر من وسيلة، بإعلانها أن "قتال اليهود ليس بأولوية اليوم.. إنما الأولوية في القتال، تنحصر في هذه المرحلة على الروافض، والطغمة الحاكمة من الحكام الطغاة في العالم الإسلامي.."

وكل ما تفعله داعش اليوم، لا يتعارض أو يتعاكس مع المخطط الصهيوـ أمريكي في المنطقة، وذلك لتعويم مشروع يهودية الدولة …. فلماذا إذاً تقضي عليها أمريكا وتتراجع أمام "أعدائها"، فهل تحولت هذه الإمبراطورية الهرمة إلى كاريتاس سياسي؟ لا يمكن التفكير بذلك.

خلاصة القول، وحتى نبقى في إطار الواقعية والمنطق، فإن "صحوة" أمريكا في مواجهة الإرهاب ما هي إلا استلحاق، يصاحبه العديد من المحاذير والأفخاخ.. فطريق محاربة الإرهاب والقضاء عليه واضحة وجلية في خطابي سوريا وإيران محاربة الإرهاب الحقيقية تقتضي تجفيف منابعه وتقديم الدعم الفعلي لمن  يعاني منه.. فهل فعلاً ستسلك أمريكا هذا الطريق لاشيء يدل على ذلك.. وواقع التصرفات الأمريكية يقول بخلاف ذلك.

 باختصار ما تريده أمريكا اليوم بعد فشل تخويفها بالخطر الإيراني والشيعي.. تخويفها بعدو جديد واقعي ربي في المحاضن الأمريكية في المنطقة وبالتالي تشغيل مصانع الأسلحة الأمريكية وشركات الأمن كبلاك ووتر وغيرها لعقود طويلة والمستفيد الأول والأخير هو الولايات المتحدة وحلفها الشيطاني من جديد .. فهل من يعي ويدرك؟!

وفي الختام لا يمكن لعاقل أن يدافع عن الإرهاب أو يبرره. خصوصاً إذا تم التعامل معه في حدود كونه عملا يتوسل بالعنف والتخويف لفرض الرأي بالإكراه على الآخرين. لكن لابد ابتداءً من إتباع أفضل السبل وأنجحها لمقاومة الإرهاب.

والكل يعلم بان داعش ومشروعها وأي مشروع آخر من جنس ما تنادي به وتتبناه لا يقضي عليه أي تحالف عسكري، لكنه يمكن أن يختنق ويموت في بيئة ديمقراطية من شأن قيمها أن تذوب وتهذب حدة التجاذبات والتقاطعات الاجتماعية والطائفية وحتى السياسية والثقافية.

إن طريق السلامة بيِّن وطريق الندامة أبين، وعلينا أن نختار: إما أن نواجه الإرهاب بالإصلاح السياسي والديمقراطية والتعاون الجاد والوحدة الإسلامية بين دول المنطقة، أو نواجهه بالصواريخ والمدرعات والطائرات المدعومة من الخارج وما أدراك ما كلفة الدعم الخارجي وشروطه الباهظة والقاسية. وسالك الطريق الأول يذهب ويعود سالماً وغانماً، أما سالك الطريق الثاني فهو ذاهب إلى مغامرة لا نعرف كيف سيعود منها.

اعلى الصفحة