|
|||||||
|
كبقعة زيت على مستنقع الدول العربية والإسلامية تتمدد حدود "دولة داعش"، فلا حدود جغرافية تعيق زحفها ولا مكونات اجتماعية تبدل حساباتها. على خارطة الدول ترسم "داعش" خارطة دولتها المزعومة، فتكسر الحدود وتحطم السيادات وتقترب بخطرها من حدود الجميع. من حلب السورية إلى ديالا العراقية وصلت حدود هذا التنظيم التكفيري، ومن حلب إلى ديالا سالت دماء وانتهكت أعراض آلاف المواطنين العزل وفق نصوص حكم "الدولة الداعشية". لكن دائرة خطر هذا الحكم ترسم على نحو أوسع من ذلك لتطاول مساحات دول أخرى، حيث تمتد من لبنان إلى سوريا والعراق، فالأردن وفلسطين وحتى تركيا والسعودية، لتطبق فيها أيضا أحكامها الدموية على الشعوب. إنه نموذج لصورة يعممها "تنظيم داعش" أينما حل، صورة إذا أرفقت بمخطط التنظيم التمددي باتجاه دول المنطقة وكسر حدودها، فإن أحدا لن يكون خارجها. "دولة داعش" تقاتل جيوشاً وتكتسح أراضي، وتفتك بجماعات، وتبيد أقليات، وتنشئ إمارات وخلافة، وتتمدد بفتوحات بسرعة غير مسبوقة. من ينظر إلى خارطة معاركها سيجد أن لديها جيوشاً لا جيشاً، وأساليب قتال لا يتفوق عليها أحد في اعتمادها، فمن أراد أن يهزمها عليه أن يكون أكثر توحشاً منها. "داعش" تقاتل وحدها ويقاتلها كثيرون، فالجيش السوري يقاتلها، أو بالأحرى هي تقاتله، يحيط بها من جهة فتحيطه من جهات، آخرها في ما بعد القصير ويبرود على امتداد الجبال والمغاور في القلمون. جيش البشمرغا يقاتلها، هذا الجيش الذي أفرحه انفراط الجيش العراقي، فأقدم على احتلال كركوك، خرّ على قدميه خوفاً عندما بلغت "داعش" تخوم أربيل، فاستنجد بالعالم فهب الغرب جواً وتسليحاً ودعماً لإنقاذه من "داعش". "داعش" تقيم دولة كاملة الأوصاف : سلطة وخلافة وأمراء وقادة جيوش وقضاء بتشدد وتفقه إجرامي واستئصالي. لديها جباية من أنفال وغزوات وغنائم وجزية ونقوش ونفط وتجارة. ومن بيت المال هذا، تنفق على أجهزة الدولة وإدارتها وتسليح جيوشها. إنها خطر وجودي لا يوازيه خطر آخر، "إما أنا وإما أنت" ، فالأرض لا تحتمل اثنين، لا تحتمل، برأيهم، داعشياً ونصرانياً وشيعياً ودرزياً ويزيدياً وعلوياً ومسيحياً ولا أي كائن تحت أي تسمية. لا خطر يضاهي خطر "داعش"، فهي ضد الإنسان والأديان والأنظمة والدول والأقليات، هي خطر على الجميع، ولكن الجميع، وهم أكثر منها أضعف منها إذا لم يتحدوا. فهل من خريطة طريق لقوة أقوى منها من أجل التغلب عليها؟.. من يوقف الجماعات الإرهابية المتوحشة؟. خلال بضعة أسابيع ومن دون أن يرتقب أحد هذا التسارع في التاريخ، ولاسيما أجهزة الإستخبارات المعنية، تمكنت ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" من اختراق العراق إلى درجة تهديد كردستان المستقل وبغداد وحتى وجود العراق كدولة، وكذلك قلب التوازنات في المنطقة. البغدادي لا ينوي التوقف عند هذا الحد، فبعد هيمنة جهادية على شمال العراق، خلال حملة وحشية اعتمدت القتل والذبح والاغتصاب والتنكيل والتهجير، وخصوصاً في صفوف اليزيديين والمسيحيين، فإن تعطشه إلى الهيمنة تحت شعار "التكفير" يتجاوز حدود العراق إلى الشرق الأوسط وأبعد من ذلك، ليفرض مفهومه لإسلام متطرف، إذ يكفي النظر إلى ما فعله في المناطق التي سيطر عليها في شمال العراق من تنكيل بأهله، يعكس درجة من الهمجية والظلامية التي قل نظيرها في التاريخ. إن "الدولة الإسلامية" تنظيم إرهابي يتجاوز في قوته وأمواله وخططه تنظيم القاعدة، حيث يتمتع بأموال هائلة استولى عليها من المناطق التي هيمن عليها في العراق ولاسيما من بنوك الموصل، وهو يتحكم بالإدارة والبترول. البغدادي مهتم الآن بالفتوحات التي يحققها في العراق، ولكن لا شيء يمنعه غداً من نقل حربه إلى الدول المجاورة، وبالتالي، يجب القضاء عليه قبل أن يستفحل خطره. إن طبيعة المشروع المقاوم للخطر الداعشي الجديد هو الامتداد الثابت الذي يبدأ من طهران إلى العراق وسوريا، ومن ثم إلى حزب الله وفلسطين، فقد أنهت "داعش" قرع الأبواب وبات لها قاعدة ثبات في العراق وسورية، وهي في طريقها إلى تحقيق مشروعها الأكبر في بلاد الشام والعراق، وربما في مناطق أخرى. إن الإدارة الأمريكية لم تقدم أي دعم فعال يمكن أن يصب في مصلحة الحكومة العراقية السابقة برئاسة نوري المالكي، فقد تلكأت في إرسال الأسلحة إلى الجيش العراقي، مشترطة تقديم الدعم بتشكيل حكومة عراقية جديدة ترضى عنها وتعيد التوازنات إلى ما كانت عليه أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق. إن هذه الحقيقة هي التي تفسر حتى الآن عدم وجود أسلحة كافية تمكن الجيش العراقي ومئات آلاف المتطوعين من استعادة المناطق التي خضعت لسيطرة "داعش". المشهد السياسي العراقي إن العراق طوى أخيراً صفحة الخلاف حول رئاسة الوزراء، بموافقة نوري المالكي، في نهاية الأمر، على التخلي عن السلطة، باعثاً الأمل في سرعة تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على التصدي لهجوم تنظيم "داعش". إن الإجماع الذي حصل عليه رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي هو دليل على أن المرحلة فرضت على الجميع انتظار فرصة لإعادة النظر، معتبرين أن تنحي المالكي بداية لحسن النية، ليس داخلياً فقط وإنما إقليمياً أيضاً وقبل ذلك دولياً. إن التجربة العراقية اليوم تمر بمنعطف مهم للغاية، في ظل الهجوم الداعشي والخلافات السياسية، إضافة إلى دعوات للتقسيم بعناوين الأقلمة أو تقرير المصير، الأمر الذي يجعل مهمة رئيس الوزراء المكلف صعبة للغاية، في سبيل إعادة الأمن إلى البلاد والوصول إلى توافقات بين الفرقاء السياسيين. إذا كان قرار المالكي بالتنحي وتكليف حيدر العبادي بتشكيل حكومة جديدة قد لقيا ترحيباً واسعاً داخلياً وإقليمياً ودولياً، فإن ذلك، وإن دل على توفق ورغبة في إخراج العراق من مأزقه المصيري، فإن مستقبل العراق يبقى غامضاً حتى في ظل حكومة جديدة، حتى وإن كانت حكومة وحدة وطنية قوية وموسعة ولا تستثني أحداً وتشمل كل شرائح ومكونات الشعب العراقي، فمثل هذه الحكومة تواجه جملة تحديات وتركة ثقيلة من الأزمات والمشكلات المزمنة، وأهمها خطر تنظيم داعش، الذي وضع اليد على أجزاء واسعة من غرب ووسط العراق واحتل محافظات ومدناً وقام بعملية تطهير عرقي وديني ومذهبي وارتكب فظائع ومذابح خارج كل القيم الدينية والإنسانية، وهو يهدد بالتوسع والتمدد، فكيف سيتم التعامل مع هذا الخطر الممتد على مساحة واسعة من أرض العراق؟ إن عودة العراق واحدا آمنا مستقرا تبدو ممكنة، إذا تم تغليب المصالح العليا للوطن على المصالح الضيقة. من جرائم "داعش" تتوالى جرائم "داعش" ما بين سوريا والعراق وتتزايد غرائب أفعالها. أكثر من ٨٠ شخصاً من الأقليات اليزيدية ذبحوا بعد خطف النساء في قرية كوجو في قضاء سنجار غرب الموصل. وبدا أن "داعش" تلجأ إلى الجرائم لتخويف الناس، ما يؤدي إلى الهروب من أمام مسلحي التنظيم في كل المناطق. من هذه الجرائم، ادعاء "داعش" بأن خطف النساء اليزيديات هو لاستخدامهن في إنجاب سلالة جديدة، باعتبار أن الأقلية اليزيدية تحتفظ ببشرة أكثر بياضاً وتتميز بالشعر الأشقر والعينين الزرق. ومن غرائب "داعش" أن التنظيم دعا عدداً من مديري ومدرسي المرحلتين الابتدائية والإعدادية إلى اجتماع لتحضير منهج إسلامي في مدارس الرقة وريفها. الأهم من ذلك هو منع تدريس مادتي الكيمياء والفلسفة بحجة عدم اعتماد المادتين على الله تعالى!. في ظل التشتت العائلي قرر العديد من الأهالي العودة إلى جبال سنجار في العراق للبحث عن أعزائهم الذين أجبروا على تركهم خلفهم، وهم لا يطيقون انتظار القوات الأمريكية أو البشمارغا لمساعدتهم، فيما تصارع عائلاتهم من أجل البقاء. مجلس الأمن يصدر قراراً بشأن الجماعات الإرهابية إن مرور ٣ سنوات على الحرب في سوريا وما تسببت به من قتل ودمار، لم تكن كافية لاستحصال قرار أممي يدين المجموعات الإرهابية ومموليها. ولكن، مع تحسس الدول الإقليمية والغربية رقابها، خوفا من تمدد خطر هذه المجموعات إليها، كان لا بد من قرار في مجلس الأمن الدولي يمنع تمويل الإرهابيين وتجنيد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق. قرار مجلس الأمن الجديد الذي يحمل رقم ٢١٧٠ يقع ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة مما يسمح باللجوء إلى العقوبات وحتى إلى القوة من أجل تطبيقه. يكلف القرار الهيئة المشرفة على تطبيق عقوباته بإعداد تقرير خلال ٩٠ يوما عن التهديد الذي يشكله تنظيم "داعش" و "جبهة النصرة" على منطقة الشرق الأوسط وعن مصادر عديدهما وعدتهما. إن هذا القرار هو مجرد إنذار لم يدعم "داعش"، وهو رسالة ملتبسة إلى رعاة "النصرة" و"داعش" لوقف عمليات التجنيد والتمويل، وهو أيضاً رسالة تعني بشكل مباشر بلدان الجوار كالأردن وتركيا بشكل خاص والأجهزة الإستخبارية التي قامت وتقوم بتسهيل عمليات العبور إلى الأراضي السورية. على الرغم من أن القرار يزعم استهداف "داعش"، إلا أنه لا ينال منها إلا عبر المتحدث باسمها السوري صبحي طه فلاحة، المعروف باسم "أبو محمد العدناني". يتجاهل القرار قيادات " داعش " العسكرية الكبرى، فضلا عن نسيانه الخليفة إبراهيم البدر السامرائي البغدادي. صحيح أن هذا القرار يقع تحت الفصل السابع الشهير، لكنه لا يمتلك ما يكفي من الأنياب لإعلان الحرب الأممية على الإرهاب، ولا يشير إلى أي تحالف دولي ضد "داعش" في العراق أو سوريا، ولا يبشر بأي عملية عسكرية للقضاء على هذا التنظيم. كذلك، فإن هذا القرار لا يملك آليات تطبيقية تهدد الدول التي تسهل التمويل والتجنيد، لاسيما تركيا. إن اقتصار القرار على أسماء محددة يعكس رغبة أمريكية في عدم الذهاب بعيداً في مواجهة البيئة الخليجية الحكومية والشعبية الحاضنة والمسهلة للإرهاب في سوريا والعراق من السعودية إلى قطر فالكويت. بيد أن القرار بنصه على منع التجنيد والتمويل، يتضمن جوانب إيجابية، إذ يصيب بشكل محدود ومباشر دول العبور القريبة إلى سوريا كتركيا والأردن. تنظيم "داعش" ودول الإتحاد الأوروبي تنادت دول الإتحاد الأوروبي مؤخراً لاجتماع طارئ في العاصمة البلجيكية بروكسل، لمناقشة سبل مجابهة خطر تنظيم "داعش" الإرهابي، وخاصة بعد التطورات الأخيرة التي شهدها العراق. ليس أدل على جدية هذا الخطر الداهم من تصريحات ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الأخيرة، حيث قال محذراً من أن هذا التنظيم المتطرف "قد يستهدفنا في شوارعنا إذا لم يتم وقف تقدمه". عندما كان الإرهاب يضرب وبعنف سوريا، لم يحركوا ساكناً كقادة أوروبيين، إذ وصفوا الإرهابيين عندها بـ"المعارضة المعتدلة" و "مقاتلي الحرية" وقدموا لهم شتى أنواع الدعم السياسي والإعلامي، والبعض وفر لهم الأسلحة والدعم اللوجستي، على الرغم من أنهم كانوا يقومون بما يقوم به تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق، من قتل وتدمير للبشر والحجر والاعتداء على الأماكن المقدسة وقتل وذبح واختطاف رجال الدين المسلمين والمسيحيين على حد سواء. ها هم يجتمعون كدول في الإتحاد الأوروبي ليقرروا فيما بينهم كيف يمكن السيطرة أو احتواء هذا الوحش الكاسر الذي خرج عن الطاعة، وأصبح يصول ويجول في البلاد فيخترق الحدود ويعبر القارات ويهدد أسياده، واستثمارات شركاتهم الكبرى النفطية والإستراتيجية التي رسمت للعراق ومنطقة الشرق الأوسط ، وبات يهدد أيضاً الدول الأوروبية، وخصوصاً إذا ما تمكن من إقامة دولة الخلافة وعودة الإرهابيين الذين يعدون بالآلاف ممن يحملون الجنسيات الأوروبية إلى بلدانهم. هل سنرى جحافل من الجنود المدججين بالسلاح والعتاد من حلف الناتو الجديد الموسع، يجوبون المنطقة للتدخل تحت مظلة شرعية دولية كاذبة، من أجل أغراض دفينة وأجندات خفية وبتمويل خليجي؟ لقد باتت داعش كالوباء، حيث استنفرت جميع بلدان العالم وحتى أولئك الذين أنشئوها، فقد خافوا أن يأكلهم الوحش الذي ولدوه وربوه وغذوه. كبر هذا التنظيم فجن جنونه، وقام يقاتل ويقتل، لكنه ظل أقل بكثير من حزب، إذ أنه لا دستور له ولا قيمة فكرية. كل آخر يرى فيه التنظيم الداعشي عدواً، فهو ضد السنة الذين لم يبايعوه حيث قتل منهم الكثير، وضد الشيعة، بعدما ذبح منهم المئات مؤخراً، وضد المسيحيين حين أجبرهم على الهروب بعدما وضعهم بين الذل والذل، وضد اليزيدية بل ضد العالم أجمع من المحيط المتجمد الشمالي إلى الجنوبي وعلى امتداد خطوط الطول والعرض. بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي بمنع تمويل "داعش"، سواء عن طريق البنوك أو حتى عن طريق شراء النفط الإرهابي، يجب تنفيذ القرار فيتجمع العالم بأسره لمقاتلته، فإذا لم يفعل ذلك فليساعد العراق وسوريا على التصدي لهذه الظاهرة التي من المفترض ألا تستمر طويلاً. أشارت مصادر دبلوماسية أن تنظيم "داعش" الإرهابي طلب الحصول على أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ وقذائف هاون ودروع واقية ووسائل اتصال من دول في أوروبا، أبرزها تركيا، إضافة إلى رومانيا وبلغاريا وكرواتيا وأوكرانيا. لقد كان تدفق الأسلحة يتم بدعم من حلف الناتو، وقد سهلت أجهزة الإستخبارات التابعة لهذا الحلف عملية شحن الأسلحة من أوروبا تحت ستار المساعدات الإنسانية للشعب السوري. لقد بدأ التنظيم بطلب الحصول على أسلحة ومعدات عسكرية في مطلع عام ٢٠١٣، حيث وردت له كرواتيا مدرعات لنقل الجنود وقاذفات صواريخ، بينما كانت رومانيا تبيعه الدبابات، وبلغاريا الذخائر، فيما وردت أوكرانيا عربات القتال للمشاة. وقد لعبت تركيا دورا رئيسيا في تسليح ما يسمى تنظيم " دولة العراق والشام الإرهابي"، إضافة إلى أنه تم دعم التنظيم أيضا من خلال تجنيد إرهابيين في صفوفه من البوسنة وبلغاريا وكوسوفو، ليشاركوا في العمليات الإرهابية التي تشهدها سوريا والعراق. أسرار ليلة ٨ آب في واشنطن الليلة التي غيرت وستغير الكثير من الحسابات الأمريكية في المنطقة هي ليلة السابع والثامن من آب، عندما رن الهاتف الذي يربط غرفة العمليات في البنتاغون الأمريكي في البيت الأبيض، كما يقول مصدر دبلوماسي روسي رفيع. كان المتحدث الجنرال طوني أبو زيد يطلب محادثة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قائلاً: " كل شيء بنيناه ينهار سيدي الرئيس، "داعش" يدخل أربيل ومحطتنا المركزية لإدارة الأسلحة ومجموعات التدخل والعمليات الخاصة وغرف المتابعة والتنصت ستقع بأيديهم، ولا غنى عن قرار فوري بتحريك الحاملة "يو أس" وطائراتها النفاثة لمنع دخول داعش إلى أربيل مهما كلف الثمن، نحن أمام ١١أيلول أخر وننتظر القرار". خلال دقائق، كان قرار الرئيس الأمريكي بالتدخل السريع والمستمر لمنع "داعش" من دخول أربيل. كان مقاتلو "داعش" قد دخلوا شوارع أربيل، التي أضحت خلال ١٠ أعوام بفنادقها وشققها المفروشة شبيهة بجينيف، حيث يقيم رجال الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية بكل راحة، مزودين بكل وسائل الرفاهية والترف والشعور بالاطمئنان، وحيث الشركات الأمريكية الكبرى وظفت رساميل هائلة كبديل عن دبي وعاصمة للاستثمار في الشرق الأوسط، بنصائح من الاستخبارات الأمريكية لجعلها عاصمة لشركات النفط العالمية وشركات التنقيب والتكرير والصيانة ومد الأنابيب وهي بالمئات، وقد اتخذت من أربيل مقراً رئيسياً لنشاطها في الشرق الأوسط . لقد حدث ما لم يكن متوقعاً، فأصبح القتال لحماية أربيل مهمة أمريكية مباشرة، حيث صدرت مجموعة من القرارات لكن المهم منها لم يصدر بعد ولا يزال قيد النقاش، وهو قرار التحدث مع الدولة السورية، بعدما بات التعاون مع إيران أمراً محسوماً. لا يزال في واشنطن من يقول يمكن لـ"داعش" أن يستنزف سوريا فلماذا لا نقاتله في العراق فقط؟ كما لا يزال في واشنطن من يقول إن الوقت لا يرحم وعلينا التحدث فوراً مع سوريا ورئيسها، لأن الحرب والمنطقة يدخلان مرحلة حاسمة، وما تستطيعه الطائرات الأمريكية هو منع التقدم الداعشي إذا بقيت في الأجواء كما هو الحال، لكن هذا مستحيل، فلا بد من رجال يقفون للتصدي لقوات "داعش" الذين يثيرون الرعب في نفوس جنود الجيش العراقي والبشمارغا على حد سواء، لكن الجيش السوري ومقاتلي حزب الله وحدهم لا يأبهون لتلك القوات. الغرب في ورطة يجد الغرب نفسه في ورطة، وهو يتعامل مع ظاهرة الإرهاب التكفيري الذي ساهم في صناعته ورعايته وتوظيفه في ما يخدم أجندته السياسية. هذا الإرهاب الدموي تجاوز كل الحدود المرسومة له من قبل مخططيه، حيث بدأ ينصب خيامه وسط ديارهم، ما أوقع ساستهم في حيرة من أمرهم وتخبط في خياراتهم وتصريحاتهم ومواقفهم. لقد ارتكزت إستراتيجية الغرب في منطقتنا على الحفاظ على مصالحه البترولية وعلى أمن الكيان الصهيوني، وكل ما عدا ذلك هو تكتيكات ذات طابع مؤقت ومخادع. من هنا، جاء التركيز على تغيير الأولويات السياسية لدول المنطقة في إطار من هو العدو ومن هو الصديق. كان الاشتغال الأمريكي الصهيوني يتركز حول نقطة جوهرية وهي : كيف نحول العداء الشعبي ضد الكيان الصهيوني إلى عداوات داخلية بين أبناء الشعب الواحد، أو عداوات بين شعوب المنطقة ودولها بحيث يشعر الجميع أن الخطر هو في الداخل وليس من خارج الحدود. هذه الإستراتيجية الجهنمية اشتغلت عليها وصرفت عليها عشرات المليارت من دول البترو دولار، وتم تجنيد العشرات بل المئات من أجهزة الإعلام والمنابر الدينية والثقافية لبث ثقافة منحرفة، تتحول مع الزمن إلى سلوك إجرامي من خلال هذه الموجة الهائلة من الإرهاب العابر للحدود، والذي أصبح يطيح بالبنية الوطنية والاجتماعية لدول المنطقة وشعوبها ومجتمعاتها. إننا اليوم أمام خطر وجودي وتاريخي، مطلوب من الجميع شعوبا وحكاما وقوى سياسية مواجهته والتصدي له وهزيمته. هذا يتوقف على مدى وعي وإدراك طبيعة ذلك الخطر والقناعة الحقيقية بأهدافه وتداعياته وآثاره الكارثية، ما يستدعي من الجميع استجابة سريعة وحاسمة، تتضافر فيها الجهود والإمكانات العسكرية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية الكفيلة بهزيمته وتخليص المنطقة والعالم من شروره وآثاره الكارثية. |
||||||