|
|||||
|
قراءة هادئة لأسئلة قلقة في فكرنا المعاصر
"تجديد التفكير: قراءة هادئة لأسئلة قلقة في فكرنا المعاصر" هو عنوان الكتاب الجديد الذي أصدره أستاذ الأدب العربي والشّاعر والإعلامي سالم المساهلي. وقد خرج متزامناً مع ديوان شعر تحت لافتة "كبرياء التراب". يمتد الكتاب على 272 صفحة من الحجم المتوسط، وينقسم إلى 10 فصول وتوطئة وخاتمة، وهي: - سؤال التجديد - لماذا التراث؟ - أيّ معنى للإعجاز اليوم؟ - التسامح بأيّ معنى؟ - هل الشّورى نظام؟ - اتّساع معنى الحقيقة في القرآن - إنها مسألة فهم - غائيّة الوجود - التفكير والتكفير - مصطلحات وقضايا لقد سعى الكاتب من خلال المواضيع المطروحة على امتداد فصول الكتاب أن يطرق قضايا ضاغطة، تفرض نفسها بإلحاح على الفكر العربي الإسلامي في لحظة حضاريّة وتاريخيّة وسياسيّة حرجة أصبح فيها العامل الديني أداة للتّغيير والتّثوير والمقاومة حيناً، وسبباً للفرقة والتّنازع أحياناً. وقبل هذا وبعده تحوّل البحث في هذا المجال إلى مدعاة للتشنّج بعيدا عن الموضوعية والجدّيّة. لعلّ ما يميّز هذا الكتاب عن غيره من الإصدارات التونسيّة التي تعاطت مع مبحث الهوية في السنوات الأخيرة، تلك الجرأة الهادئة التي تحفر في النصّ الديني والتراثي وقضايا الراهن الإسلامي دون محاذير إيديولوجية مسبقة، معتمدة كل مناهج البحث الملتصقة تاريخيا بالعلوم دون إهمال ما وفّرته العلوم الإنسانية الحديثة من آليات للتفكيك والنقد والحجاج. فأصبحت مواضيع "حسّاسة" كالتسامح والشورى والتكفير والعولمة وحرية الفكر مجالات خصبة يطؤها قلم الكاتب دون ازدراء للذات أو شعور بعقد ذنب غير مبررة، ودون إقصاء للآخر الحضاري ورفضه، ودون تهوين للمسألة ولا إغفال لإشكالية طرحها لأن الكتابة في هذا الموضوع الملتهب "هي مخاطرة منهجية واجتماعية" وحتى عندما يتّخذ الكاتب الموقف الوسط بين الآراء المتصارعة حول إشكاليّات الفكر الإسلامي، فإنه لا يفعل ذلك طلبا للسلامة ولا وقوفا على الرّبوة ولا درءا لمتاعب الاختلاف، بل يتّخذه عن قناعة وبعد بحث وتروّ واستقصاء وعملا بالرّأي البنّاء الذي يرى أن الكثير من قضايانا اليوم ليست سوى ملهاة وترفا لشغل المسلم – فرداً وجماعة- عن التفكير في المعيقات الحقيقيّة التي تحول دون تحقيق شروط النّهضة. ولا أدلّ على ذلك من شغل السّاحة على امتداد العالم الإسلامي بقضيّة التكفير كدلالة على غياب رحابة الصدر وقبول الآخر. إذ نجد الكاتب يركب المركب الصعب في هذه القضيّة ليحسم بأن "حساب الكافر على الله" وليذكّر بأن "على الغيورين المتحمسين أن يتوجهوا إلى البناء وتعمير الأرض وتطوير الفكر واستعادة المبادرة عوضا عن التفتيش في قلوب النّاس والبحث عن نواياهم" دون أن ينسى – أو يتناسى- توجيه سهام نقده إلى معسكر التّطرّف المقابل ليعلن في إشارة إلى النّخب التي تتعامل بعداء مرضي مع موضوع الهويّة "أن الحرص على سلامة النفوس والأعراض يجب ألا ينسينا التنبيه إلى أن تجاوز الحدّ والاستهتار بالقيم والاستخفاف بمشاعر الناس تحت أيّ عنوان، هو مدعاة لإثارة نوازع الخلاف والتّوتّر، وتهميش للقضايا الجادّة وتوسيع لدائرة الفرقة". وتتوالى فصول الكتاب تباعاً بهذه المنهجيّة البحثيّة الصّارمة التي تغوص في أتون قضايا ملتهبة دون أن تتّخذ مواقف تقليدية مستهلكة ومستسهلة ولا مواقف انتهازّية نفعية طفيليّة اعتادها بعض أفراد النّخبة التونسية في طرحهم لموضوع الهوية طرحا عدائيا تحوّل في كثير من المناسبات إلى حالة مرضيّة وفوبيا هستيريّة. ختاماً، يمكن أن نعتبر – من خلال قراءة عجلى لكتاب تجديد التفكير- أن سالم المساهلي استطاع أن يثبت نفسه في معسكر المثقفين الذين يركبون المراكب الصعبة، وأن معاشرته لقوافي الشعر وبحور الخليل ليست موهبته الوحيدة.
|
||||