|
|||||||
|
إن وضع أمتنا العربية والإسلامية، دعاني إلى التفكير بالكتابة بشكل يكون في متناول عموم الناس وليس للنخبة فقط. لأن ما نعانيه كعرب مسلمين ومسيحيين على اختلاف المذاهب التي ننتمي إليها من أوضاع أمنية تنعكس على الأوضاع الاجتماعية والسياسية هو بسبب عدم وجود الوعي السياسي لما يجري في المنطقة عند الجميع. وكان الناس قد استقالوا من مسؤولياتهم وسلّموا أمورهم والشأن العام لما يسمى بالنخبة التي إما ورثت الزعامة وإما كانت من تربية من استعمروا بلادنا أو من عملوا للوصول إلى السلطة تحت شعارات برّاقة وعندما وصلوا نسوا كل ما نادوا به. إن الوعي السياسي يمنع الغرق في الوصول إلى الطائفية التي تؤدي إلى التمزق والتفتت، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التعاضد والوحدة لحفظ بلادنا ودرء الخطر الصهيوني الغربي المحدق بالأمة بعد زرع الغدة السرطانية "الكيان الإسرائيلي". إن ما نمتلكه لبناء أمة تحفظ مكانتها بين الأمم يكفينا لو عرفنا كيف نستثمره في عملية البناء لها. وأهم الموانع من ذلك هو عدم الإحاطة بما نملك وربما يحاك ضدنا، وما الذي تفعله معظم الأنظمة من إلهاء للشعوب عن القضايا الأساس لمداراة الدول الكبرى وذلك لحفظ بقائها في السلطة ولو على حساب الأمة ومستقبلها. وهنا أشير إلى ضرورة التعرف على أشكال العملية السياسية ومتطلبات العمل السياسي من متابعة وتحليل ومعارف وثوابت. وعلى استراتيجيات الغرب الماكر والمخادع إلى البحث عن السبل التي يمكن إتباعها لتشكيل أنظمة حرة تعمل لصالح شعوبها وقضاياهم وعن كل متطلبات ذلك. وهذه مسؤولية النخب من أساتذة وعلماء ورجال الدين وقيادات حزبية وغيرهم. لقد وضعت الأنظمة ومن ورائها، بين الناس وبين السياسة حواجز كثيرة تحت عناوين متعددة فخلا لهم الجو في بت ما يتناسب مع مصالحهم. واستغلوا تعلّق الناس بالدين فعملوا على بث أفكار متطرفة، وجعلوا العدو الأساس ما ليس أساساً. فكانت الحرب على القومية وعلى الشيوعية تحت شعار الخوف على الدين، في الوقت الذي أشاعوا الفواحش وساهموا في الإكثار من أساليب اللهو ليبقى الناس بعيدين عن قضاياهم الأساس. فتراجعت الأمة ونبت فيها ما يحولهم إلى وحوش لا علاقة لهم بالإنسانية تحت اسم الدين. وذلك بدعم واضح بدأ يتكشف بوضوح من قبل الأوروبيين والأمريكيين الطامعين في بلادنا وخيراتها، وليمنعوا واقعاً من ارتقاء الدين بمفاهيمه الإنسانية السمحاء. الدين الذي يبني أمة الإنسان ويبث روح التآخي والتكافل والرحمة ومواجهة الباطل المتمثل بالظلم. بلادنا تعتبر مهبط الأديان ومسرح الأنبياء وبلاد الحضارات الإنسانية القديمة التي أسست لمفاهيم وقوانين تنظم حياة الإنسان عندما كانت حياة الغاب تسود بلاد الآخرين. وكانت منبعاً للعلماء والحكماء والفلاسفة حيث كان الجهل يسود الغرب. بلادنا التي كانت "خير أمة أخرجت للناس". أين هي اليوم؟ من الذي يحسب لها حساباً؟ من الذي يحترمها فيعطيها حقوقها؟ أليست منهوبة الخيرات ومستعبدة الشعوب، تسيّرها وزارات خارجية الأوروبيين والأمريكيين؟ لقد ربطوا النخب الواعية من أساتذة جامعيين وعلماء ومثقفين بمصالح شخصية من خلال ربط لقمة عيشهم بالتبعية، وقليلٌ من كان حراً ليخرج من دائرة الأنظمة ومديريها من الأجانب. ومن كانوا أحراراً التفتوا إلى تربية النخب ورفع مستوى وعيهم تحت شعارات قومية أو وطنية فأخطأوا في جعل الدين خصماً لهم. وبدل أن يتوجهوا لمواجهة الأنظمة ومن ورائهم، دخلوا في متاهات الفتن الداخلية. فبدل أن يكونوا سبباً من أسباب القوة، أصبحوا سبباً من أسباب الوهن والضعف، حيث واجهوا الناس بمعتقداتهم وعاداتهم. ومعظم علماء الدين بالمقابل بدل أن يعطوا الأولوية لمواجهة الظالم والمحتل، جعل منهم الأعداء الأساس. وهذا ما دفع الناس للذهاب إلى الأمريكي "الحامي للأديان" ليؤسس منهم جماعات يقاتلون عنه السوفييت عندما احتلوا أفغانستان. وهكذا ليصبحوا مجندين في مشاريعه مع أنه العدو الأساس والخطر الأكبر وذلك بحمايته للكيان الإسرائيلي. ألم يكن الغرب مسؤولاً عن تفتيت المنطقة من خلال سايكس بيكو وصناعة الكيان الإسرائيلي ليكون بمثابة السرطان المانع من تقدم الأمة؟. ألم يكن الغرب مسؤولاً عن إنشاء الوهابية التي كانت أرضية لنشأة الحركات السلفية الجهادية وضرب المقدسات وتفتيت المسلمين، وإيجاد شرخ بينهم وبين الأديان الأخرى وعلى رأسها المسيحية؟. والأمريكي الذي ورث الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية مسؤول عن كل الجرائم التي تجري في المنطقة من دعم للكيان الغاصب الذي هجّر شعب فلسطين مسيحيين ومسلمين. وارتكب الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية منذ ما يزيد عن سبعين عاماً. وأمّن الدعم لمعظم الأنظمة في المنطقة لأنها تعمل ضمن دائرة مصالحه الإستراتيجية. هذا الأمريكي اليوم بنظر الكثيرين صديق يلجأ إليه البعض للحماية. وبشكل خاص في الموضوع الفلسطيني. حيث نرى زعماء عرب وقادة فصائل فلسطينية تناشده للوصول إلى حق الشعب الفلسطيني وكأنه على الحياد، مع أنه هو الداعم والحامي الأساس للكيان الغاصب ومنع خلال عشرات السنين أي إدانة له على الجرائم التي ارتكبها في فلسطين ومصر والأردن وسوريا ولبنان وتونس والعراق والسودان... ولم يفرض عليه تطبيق أي قرار دولي منذ احتلال فلسطين وإعلان دولة إسرائيل عام 1948 وإلى يومنا هذا. مع أنه لم يحترم لا مؤسسات الأمم المتحدة ولا مراكز اليونيفيل. وأشير إلى أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي والذي لم يكن بعيداً عن سياساتهم لم يقبلوا بالتمديد له في الأمانة العامة لسبب واحد وهو أنه أصدر بياناً يدين المجزرة الإسرائيلية في مركز اليونيفيل في قانا والتي ذهب ضحيتها أكثر من مئة مدني كانوا قد لجأوا إلى المركز لحماية عوائلهم وأنفسهم. الأمريكي الذي يدير الغرب وبالتالي كل المناطق التي كانت تابعة له، عمل على تفكك الإتحاد السوفيتي وعلى نشر الفوضى في العالم تحت عنوان الفوضى الخلاّقة أو البنّاءة. فعاث فساداً في لبنان وعمل على تقسيم السودان، واستوعب الصحوة العربية فضرب بذلك دول عربية ودفعها باتجاه الفوضى والخراب بدءاً من تونس إلى ليبيا ومصر واليمن. ثم عمل تحت عنوان الثورة في سوريا مستغلاً وجود معارضة تطالب بتغيير النظام للعمل على دعم الإرهاب فيها وخلق فيها وحشاً أمعن بالقتل والسبي والتهجير بالشعب السوري دون تفريق بين طائفة وأخرى. وليمتد هذا الوحش إلى العراق تحت عنوان الدولة الإسلامية في الشام باسم الخلافة. وبعد أن أمّن له الدعم من خلال فتح حدود الدول التابعة له في المنطقة أمام الجحافل التي هاجرت إلى سوريا والعراق. ثم عمل على تأمين موارد مالية من خلال شراء النفط والغاز منه حيث استولى على بعض منابعها في سوريا والعراق، في الوقت الذي فرض قيوداً على دول معترف بها وعضو في هيئة الأمم المتحدة لبيعها النفط تحت عنوان مساندة الإرهاب. الأمريكي الذي لم ير تهجير المسيحيين من الموصل وسبي نسائهم وبيعهم إماءً في سوق للرقّ ابتدعوه بعد إقفاله منذ مئات السنين، ولم ير قتل الأيزيديين بعد تهجيرهم وبيع نسائهم أيضاً ودفن المئات منهم أحياءً. الأمريكي الذي أحرج فظهر في مظهر الحريص على وضع حدّ لداعش فقام ببعض الغارات البسيطة لإيقاف مدّ داعش في العراق. والصحيح أن التدخل الأمريكي كان لخروج داعش عن الخط الذي رسم لهم على ما يبدو، لأنهم بهجومهم على أربيل يضرون بالمصالح الأمريكية. الأمريكي وإن يعمل الآن على تحالف دولي لمواجهة داعش، لأن داعش خرجت عن الحدود المرسومة لها. وباتت تشكل تهديداً لكل العالم ومنهم الغربيون. ولم يتعلم من تجربة أفغانستان حيث دفع ثمناً غالباً بعد خروج الطالبان عن الخطوط الحمر. إنه المسؤول عن صناعة الحركات الإرهابية باسم الإسلام ليعيش العالم الإسلامي والعربي الفتن المذهبية بعد أن عجز عن ترويضه وبعد نشوء محور لمقاومة مشاريعه في المنطقة. الأمريكي الذي بات بوضوح أنه حريص في منطقتنا على أمرين: الأول، الإمساك بمنابع الطاقة من نفط وغاز، والثاني، أمن الكيان الإسرائيلي لتبقى المنطقة في وضع غير مستقر وكي لا تعرف الدول العربية أي نوع من أنواع التكامل باتجاه التقدم والتطور والوحدة الحقيقية. بالعموم هناك سؤال يطرح نفسه بقوة وهو: ألم يئن للشعوب المغلوبة في المنطقة أن تعي حقيقة ما يجري؟ إن الجميع من سنّة وشيعة ودروز ومسيحيين وغيرهم يعانون اليوم من السياسات الغربية. في السابق كانت المعاناة منحصرة في الشعب الفلسطيني ومن حولهم من دول الطوق بشكل أساسي. والباقون كانوا يتفرجون. اليوم أكثر من نصف الشعب الفلسطيني يعاني والباقي يتفرج. وغداً سيعاني كل العرب ومن بعدهم المسلمون. ونرى من يسمّون بالنخبة من شخصيات حاكمة كانت أو معارضة، يساهمون عن قصد أو عن غير قصد في إنجاح السياسات الأمريكية والغربية والتي لا تخدم أحداً منهم. مقابل مراكز ومواقع ينعمون فيها كأشخاص. وللأسف نرى الناس المتضررين من هؤلاء الأشخاص أو نتيجة عدم الإلمام الكافي باحتياجات الناس وطرق العمل أو عدم الوعي الكافي للاستنهاض. لذلك كان لا بد من شحذ الهمم لكل إنسان في منطقتنا قادر على العمل في عملية الاستنهاض وكلٌ بحسبه ومن خلال موقعه يمكنه أن يلعب دوراً مهماً. لتتكامل الجهود من قبل الجميع لتحصين المجتمع وبناءه بالشكل الذي يصمد في مواجهة الحروب الصلبة والناعمة من خلال تأمين كل مستلزمات النهوض. ولنتموقع جميعاً للعمل في مسار واحد على اختلاف طوائفنا وأعراقنا بعيداً عن الحساسيات والخلافات الفكرية والاجتماعية، لأن الأولوية اليوم للمواجهة بكل أشكالها وعلى رأسها السياسية والفكرية والعسكرية والثقافية مبتعدين عن الغرب الذي لم نر منه ما يفيدنا. |
||||||