|
|||||||
|
في كل مرّة يحصل عدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، تتعالى الأصوات العربية، لاسيما من أوساط شعبية، ومن أحزاب سياسية وطنية تندد بهذا العدوان الصهيوني أو ذاك، لكنها تظل ردود أفعال يائسة لا تغير من الأمر شيء في واقع الصراع العربي-الصهيوني، حتى بعد أن انطلقت ما بات يعرف في الخطاب السياسي العربي "ثورات الربيع العربي"، إذ إن هذه الثورات لم تطرح قضية تحرير فلسطين ومجابهة العدو الصهيوني على برنامج جدول أعمالها. ويأتي هذا العدوان الصهيوني على غزة في ظل مناخ جيوسياسي وإقليمي موات لإسرائيل أكثر من أي وقت مضى، حتى منذ إنشائها في عام 1948، فمصر أكبر دولة عربية المقيدة بمعاهدات كامب دافيد تعتبر معركتها الرئيسة مع الإخوان المسلمين، وسورية كدولة مواجهة أصبحت منشغلة بالحرب التي تدور رحاها على أرضها منذ أكثر من ثلاث سنوات. "إسرائيل" واقع استعماري لقد أجمع المثقفون العرب من اليمين واليسار أن"إسرائيل" هي جزء من "الظاهرة الاستعمارية" الأوروبية. وقد تبنى هذا الموقف العالم الثالث على أوسع نطاق. ويحار المرء في الانتقاء من بين التأكيدات العربية. فها هو عبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة" يحكي أفكاره كضابط في الثلاثين من العمر عند عودته من حرب فلسطين عام 1948: "لقد كان ذلك كله على توافق طبيعي مع الرؤيا التي رسمتها في ذهني التجربة.(فالمشرق العربي) يشكل منطقة واحدة تعمل فيها الظروف نفسها والعوامل نفسها و حتى القوى نفسها المتألبة عليها جميعا.ومن البديهي أن تكون الإمبريالية أبرز هذه القوى. ولم تكن"إسرائيل" ذاتها سوى نتيجة من نتائج الإمبريالية"(1). "إسرائيل" في نظر العرب قاعدة امبريالية أقامتها في الشرق الأوسط الإمبريالية البريطانية بالاتفاق مع الإمبرياليات الأخرى. وهي جزء من النظام الإمبريالي العالمي.ونشاطها في العالم هو منذ وجودها مرتبط بالنشاط الإمبريالي سواء أكان لمصلحتها الخاصة أو لحساب الإمبرياليات الأوروبية والأمريكية.هذا هو على الأقل التصور الأكثر شيوعاًً في العالم العربي. ويشعر العرب من محيطهم إلى خليجهم بالمهانة من جراء فرض عنصر غريب في قلب أمتهم تسانده قوى العالم الأوروبي – الأمريكي. إن مأساة الشعب الفلسطيني كانت نتيجة لمعطيات وأهداف الاستعمار الأوروبي الذي خطط وباشر في تنفيذ خططه في الاستيلاء على المنطقة العربية، وفي إقامة دولة "إسرائيل"، على أرض فلسطين. ومن هنا، فإن أوروبا لا تفهم قضية شعب فلسطين أكثر من غيرها فحسب، بل لابد وأن تستشعر بما مارسته من أعماق المأساة للشعب الفلسطيني. وقد بدأت فكرة الكيان الصهيوني عندما كانت الإمبرياليتان الفرنسية والبريطانية تصارعان من أجل اقتسام تركة الرجل المريض عامة بينهما، والعالم العربي خاصة، وترعرعت مع ازدياد النفوذ الاستعماري وقوته. وأعلن قيام "دولة إسرائيل" بعد الحرب العالمية الثانية، وخروج الحلفاء منتصرين على المحور. وجاء قيام الكيان الصهيوني عام 1948 ضمن مخطط استعماري استهدف المنطقة كلها بما فيها فلسطين. وكان الوجود الصهيوني في فلسطين جزءاً منه، إذ قام المخطط الاستعماري على تجزئة العالم العربي، وضمان تخلفه، وتنصيب فئات رجعية قيادات في كل "دولة" من دوله. وهدف الوجود الصهيوني الحفاظ على هذه الفسيفساء. وظل الكيان الصهيوني مرتبطاً بحركة الرأسمالية العالمية عندما كان مركزها في أوروبا، وأصبح جزءاً من المخطط الإمبريالي الأمريكي حين انتقل مركز هذه الرأسمالية العالمية إلى أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أصبحت سياسة المذابح الجماعية ضد العرب، السياسة الرسمية للدولة اليهودية الجديدة. وتحولت "إسرائيل" منذ ظهورها إلى عش للعدوان والتطهير العرقي والحرب، ضد البلدان العربية. وما أن تأسست الدولة الصهيونية، حتى أعلن بن غوريون رئيس وزراء الحكومة الصهيونية في الأيام الأولى لرئاسته، أن تأسيس "إسرائيل" ليس سوى بداية للنضال من أجل تأسيس الدولة اليهودية" من النيل إلى الفرات" ولم ينكر أن دولة "إسرائيل" ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الهدف. إن تشكيل دولة "إسرائيل" على أرض فلسطين العربية هو نتيجة لتطور يمكن إدراجه تماماً في حركة التوسع الاستعماري الأوروبية والأمريكية في القرنين التاسع عشر والعشرين للسيطرة الاقتصادية والسياسية والعسكرية على الأمة العربية. فقد تم إسكان اليهود الصهاينة على أرض فلسطين من ناحية، وتم إجلاء السكان الأصليين أي الفلسطينيين الذين أُجبِروا بقوة السلاح الأوروبي على الارتحال، والتشرد من ناحية أخرى. إن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، هو اقتطاع ظالم لأرض شعب فلسطين، حصل بقوة ودعم القوى الاستعمارية الأوروبية. فخلق "إسرائيل" إنما كان إهانة للعرب كشعب، فضلاً عن أن الدول الاستعمارية الأوروبية بررت وجودها كأداة قمع لحركة التحرر الوطني العربية. ثم إن وعي الطبيعة الاستعمارية لدولة "إسرائيل" هو البدء الحقيقي في يقظة الوعي الأوروبي من سباته العميق. القضية الفلسطينية كقضية قومية عربية ما هي الأسباب التي تدفعنا إلى اعتبار القضية الفلسطينية من القضايا التي تتيح في نظرنا تقييم كرامة الخطاب السياسي العربي ومسؤوليته؟ إن القضية الفلسطينية قضية قومية عربية وإسلامية وكونية. "إسرائيل" ـ إحدى أقوى الدول عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط، وصاحبة التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة والحائزة أفضل تشكيلات الحرب الحديثة ووسائلها ـ قامت في عام 1948، وشنت حرباً على الشعب الفلسطيني،وطبقت خططها البعيدة المدى للتطهير العرقي. بينما يزعم المؤرخون "الإسرائيليون" في قراءتهم المتناقضة مع الحقائق التاريخية، بمن فيهم "المؤرخون الجدد"، أن الحرب قد شنها العالم العربي ضد دولة "إسرائيل" لكي يقضي عليها، وأنها أسفرت عن عمليات طرد للفلسطينيين، علماً أن العالم العربي حين حاول أن يمنع ذلك التطهير العرقي، كان ممزقاً مشتتاً غارقاً في شؤونه الداخلية، وغير قادر على وقف اقتلاع نصف سكان فلسطين من وطنهم، وتدمير نصف قرى فلسطين وبلداتها وقتل الألوف من سكانها الذي كانت تقوم به القوات الصهيونية. ولما كان ذلك التطهير العرقي قد طبق بنجاح في ما يقارب 80% من أرض فلسطين دون أن يكون لذلك أي أصداء عالمية أو إقليمية، فإن "إسرائيل" تواصل تطبيق هذه السياسة منذ سنة 1967 على مساحة الـ20% الباقية من البلاد. ولا يزال خلق دولة يهودية خالصة في فلسطين التاريخية المطهرة من الفلسطينيين، هو البنية التحتية الأيديولوجية التي تقوم عليها "إسرائيل". ولا يزال اليوم أكثر من ثلث الفلسطينيين يعيشون لاجئين تعساء في غالب الأحيان من دون أن تقر لهم دولة الكيان الصهيوني بأي حق في العودة، على الرغم من صدور القرار 194، ومن دون أن تقدم الدول العربية على استيعابهم ومنحهم حقوق المواطنة الفعلية، مخافة من التوطين. الشعب الفلسطيني أكسبته الكارثة التاريخية الجماعية التي حلت به منذ نكبة 1948، وهزيمة 1967، وعياً وطنياً وهو ينتظر أن يفي المجتمع الدولي بوعده لإيصاله إلى الاستقلال ضمن دولة قابلة للحياة. ولم يكن أحد ليتخيّل أن الدولة الصهيونية ستستمر في احتلال الأراضي العربية التي سيطرت عليها خلال تلك الحرب الثالثة 1967، وأنّها ستتواجه بشكلٍ عنيفٍ مع المقاومة الفلسطينية طيلة العقود الأربعة الماضية. كان انبعاث السياسة الفلسطينية، الذي تكلّل بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964،والعمليات العسكرية الأولى لحركة فتح التي انطلقت في 1 كانون الأول / يناير عام 1965، بمنزلة أول إعادة نظر في انتصار "إسرائيل" في عام 1948-1949، واعتبرته "إسرائيل" فعلاً إعلان حرب.وقدّم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي وصل إلى السلطة في سوريا سنة 1963، في راديكاليته اليسارية، الدعم للفلسطينيين، واعترض بدوره على الأمر الواقع الذي كان الأكثر هشاشةً،لأنه الأقل قبولاً من المجتمع الدولي: أي سيطرة "إسرائيل" على المنطقة المجرّدة من السلاح بين البلدين(2). في حرب 1967الخاطفة حققت "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية نصراً كبيراً على الزعيم الراحل عبد الناصر والحركة القومية العربية. كانت "إسرائيل" هي التي اتخذت المبادرة بتدمير الطائرات المصرية وهي جاثمة في المطارات. هكذا بدأت "حرب استباقية" احتلّت "إسرائيل" في نهايتها أربعة أضعاف مساحة أراضيها، في الضفة الغربية والقدس الشرقية وسيناء والجولان. وتم تشريد 400 ألف لاجئ فلسطيني جديد. ورفضت "إسرائيل"إعادة الأراضي المحتلة، وأبقت تحت سلطتها شعباً فلسطينياً مقاوماً معتبرة أن اللجوء إلى القوة وحده يحلّ المشاكل؛ وهذا ما أغرقها في أزمة سياسية وأخلاقية عميقة، ليست فضائح الفساد المتكرر سوى واحدة من ظواهرها. ويجب انتظار اجتياح لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا عام 1982، ومن بعدها انتفاضة الحجارة ابتداء من 1987، كي يتخذ الفرنسيون مسافة من "إسرائيل" ويدعون إلى قيام دولة فلسطينية مستقلّة مجاورة تكون عاصمتها القدس الشرقية. ولا يزال العالم العربي يلملم الشظايا المتناثرة لتلك الهزيمة المدوية.. وحين نتذكر هزيمة حزيران /يونيو 1967، نتذكر ثلاثة أمور متلازمة: أولها: من المؤكد أن الذي استعار عبارة "النكسة" من عالم الطب لينقلها إلى عالم السياسة، كان يقصد يومها أن التحدي السياسي والحضاري والمعنوي والاقتصادي الذي كان يقوده عبد الناصر (في مواجهة كل الضغوط الخارجية والتحالفات الداخلية، من أهل البيت العرب)، كان يلاطم الأمواج، ويحقق إنجازات مؤكدة (كسر احتكار السلاح، بناء السد العالي، تأميم قناة السويس، رفع حجم الأمة العربية في المحافل الدولية إلى أعلى مستوى في التاريخ العربي المعاصر في كتلة عدم الانحياز والقارات الثلاث إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وإطلاق حركة توحيدية لم تشعر الجماهير العربية يوماً، قبلها أو بعدها، بوحدة مصيرها ومستقبلها ومصالحها)، لكن كل هذه المسيرة تعرضت بعد كل هذه الإنجازات للتهديد بعد الهزيمة العسكرية المدوية في يونيو/حزيران،1967 بسبب تراكم أخطاء مؤكدة، تحمل عبد الناصر في خطاب التنحي مسؤوليتها كاملة دون تنصل، فأدت الهزيمة العسكرية، إلى انتكاس الخط البياني الصاعد في عقدي الخمسينات والستينات(3). ثانيها: هزيمة "المشروع القومي العربي" بشقيه الناصري والبعثي، وهي هزيمة تاريخية عادلة. والواقع أن "المشروع القومي العربي" كان يعاني من تأخر الوعي الإيديولوجي السياسي للبلدان العربية التي رفعت لواء الحركة القومية العربية في مصر والمشرق العربي. إذ إن هذا التأخر التاريخي كان عاملاً حاسماً في استمرار الوعي المحافظ الامتثالي والتقليدي الذي يرفض تجسيد القطيعة المنهجية والمعرفية مع كل نزعة ماضوية وتقليدية في تطور مستقبل المسألة القومية العربية على أسس ديمقراطية، عقب الهزيمة العربية أمام الإمبريالية الغربية والكيان الصهيوني. علماً أنه من الناحية السياسية والتاريخية،كان العالم العربي من محيطه إلى خليجه منجذباً بحماسة عاطفية لأهداف الحركة القومية العربية في التحرر والاستقلال والوحدة. وكانت مصر الناصرية في مرحلة الستينيات من القرن الماضي مركزاً إقليمياً طليعياً من الناحيتين السياسية والتاريخية، ومرجعية قومية موثوقًاً بها وقادرة على تفعيل الحيوية الشعبية الكامنة، إذ حوّلت هزيمة حرب حزيران التلقف الطوعي، الذي ارتآه الرئيس عبد الناصر تعاطفاً دافئاً مع رغبة في المشاركة في التعدد وتصحيح الثغرة التي من خلالها حصل النزف ومهد لمراجعات تبلورت في الصمود وحرب الاستنزاف. فما الذي حدث، منذ حزيران/يونيو 1967وحتى الآن؟. على العرب أن يعترفوا بخطورة المشروع الصهيوني في المنطقة وأهدافه التي تتكشف كل يوم من تفكيك للمنطقة وعزلها وتجزئتها.ومنذ هزيمة 1967، انكفأت الدول العربية كل منها على ذاتها، وظهرت تيارات انعزالية تسيطر على تفكيرها، بحيث التفتت كل دولة لذاتها، وأسهم في ذلك ما يسمى بالعولمة التي ترمي في مصالح المخطط الأمريكي - الصهيوني، أبرزها المصالحة مع الكيان الصهيوني، بحيث تحول الأمر إلى أن بعض الدول أصبحت تابعة لـ"إسرائيل". لقد انتصر المشروع الصهيوني في حرب حزيران 1967، ونجح في إحداث الفرقة بين العرب، إذ بات يتصور بعضهم أن البعض الآخر يسرق ثروته. وباتت مفردات "النكسة" تعني الهزيمة في وجه "إسرائيل"، لكن أيضاً – وخصوصا ً- نهاية قاسية للمشروع القومي العربي بإقامة دولة عربية تقدّمية قوميّة وحديثة كان ينادي بها جمال عبد الناصر(1918-1970) الذي تسلم الحكم في مصر في العام 1952، مع الضبّاط الأحرار، وأصبح الداعي إلى الوحدة العربيّة. وكان لحزب البعث، الذي أُسّس في العام 1947 تحت شعار "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، نفوذ في صفوف العسكريّين وأوساط الطبقات الوسطى، إذ تمكّن هذا الحزب الذي يتمتّع بـ"فروع" تابعة له في الدول العربية كافة، من تسلم السلطة في سوريا والعراق في مرحلة الستينيات. غير أنّ العلاقات السيئة والخلافات بين دمشق وبغداد، ولاسيما داخل الحركة القومية العربية ستحول دون أيّ تحقيق لوحدة عربيّة. وقد بلغ هذا المشروع ذروته مع إعلان قيام الجمهورية العربية المتحّدة بين مصر وسوريا (1958-1961). فخلال نحو عقديْن من الزمن، بين العاميْن 1950 و1967، أمل العرب في الحصول على فرصة ثانية للـ"تعويض" عن "النكبة" الأساسية في خسارة فلسطين بين العاميْن 1948-1949. ومع العام 1967، أصبح وجود الدولة العبريّة حقيقة لا رجوع عنها، في حين كان يتّضح في "إسرائيل" الخطاب حول اللاّرجوع عن احتلال الأراضي، وهكذا تغيّرت معالم اللعبة السياسيّة في المنطقة . كما أن المشروع الصهيوني انتصر أيضاً في حرب أكتوبر، 1973. وكان الصراع دائراً بين مشروعين متناقضين، فـ"إسرائيل" ترى أنها دولة معترف بها من هيئة الأمم المتحدة، بينما يعتبر المشروع القومي العربي أن"إسرائيل" دولة دخيلة ولا يمكن الاعتراف بها. وهو التناقض الذي أدى إلى حروب ومعارك متتالية، انتهت باعتراف دول عربية بوجود "إسرائيل"، وبالتالي قد انتصر المشروع الصهيوني، الذي يستوجب مقاومته من قبل الشعوب العربية والإسلامية بروح من الصمود في وجهه ولا بديل أمامها إلا بالالتفاف حول المقاومة. قضية فلسطين من المنظور القومي إن قضية فلسطين قضية قومية عربية، لا قومية سورية أو فلسطينية. وهذا يعني أن احتلال فلسطين، ليس اعتداء على فلسطين حدود سايكس ـ بيكو، ولا على سكان فلسطين الذين صورتهم خريطة الاحتلال البريطاني. إنه اعتداء على العالم العربي كله، إذا اعتبرنا العالم العربي واحداً، والأمة العربية واحدة،رغم حدود ساكيس ـ بيكو وكل حدود الاحتلال الاستعماري. والمشروع الصهيوني لم يقم من أجل فلسطين، بل قام فيها ليحقق أهدافه العربية، ومنها تثبيت التقسيم الإمبريالي، وحفظ المصالح الإمبريالية،ومنع تحقيق الوحدة القومية والتحرر السياسي والاجتماعي. وبالتالي، فإن تحرير فلسطين ليس شأناً فلسطينياً،إنه شأن عربي. إلا إذا اعتبرنا خريطة سايكس ـ بيكو حدود وطن. فإذا ما وصلنا إلى هذه القناعة، لم تكن هناك حاجة للحديث عن معركة قومية عربية، ولاعن علاقة جدلية وغير جدلية، وبات معنى الكفاح المشترك، مثل معنى الكفاح المشترك بين العرب والهنود والكوبيين. فهل هذا هو معنى الكفاح المشترك بين الوطني الفلسطيني والقومي العربي؟ ولقد كان من صلب المشروع الإمبريالي ـ الصهيوني، أن تتعامل قيادات الأقطار العربية مع كل قطر باعتباره وطناً، وأن تتعامل قيادات الطوائف كل باعتبار طائفتها "وحدة تامة"، فإذا ما انسجمنا مع هذا المطلب، انسجمنا مع المخطط الامبريالي ـ الصهيوني. ولما كانت فلسطين لا تحرر فلسطينياً، فإن تغليب القطري، يعني فقط البحث عن تسوية مذلة. وهذا ما تفعله القيادة الفلسطينية الرسمية اليوم. وإذا ما طرح الفلسطيني في مواجهة الصهيوني، أثارت القضية الشفقة العالمية، لأن الصهيوني المشرد، يشرد الفلسطيني المسكين. وما دام الفلسطيني لا يستطيع هزيمة الصهيوني هزيمة ساحقة وحده، لأن المشروع الصهيوني جزء من المشروع الإمبريالي، ولأن المعركة هي معركة هزيمة الإمبريالية الأمريكية أساساً، والكيان الصهيوني باعتباره جزءاً من الهيمنة الإمبريالية، ولأن المستوطنين الصهيونيين في أرض فلسطين أكثر عدداً من عرب فلسطين الباقين في أرضهم، وبسبب التفوق الصهيوني العسكري إلخ.. فإن الحل، بالنسبة للعالم لا يعدو أن يكون "تسوية" في أحسن الأحوال،إذا أصبح النضال الفلسطيني جدياً إلى درجة، تسمح بفرض تسوية، وإذا ساعد الوضع العربي والدولي في ذلك. أما عندما تطرح القضية على أنها قضية مائتي مليون عربي، وسنة 2000 قضية ثلاثمائة مليون عربي، وهكذا، فإن الأمر يختلف، ويصبح التحرير وارداً، والانتصار حتمياً. ولذلك فإن الحل الصحيح هو الحل القومي، والحل القومي يجب أن يغلب، لأنه الحل الوطني الوحيد. أما الحل القطري فهو التصفية، وهو ليس حلاً وطنياً. فما معنى أن يتغلب الحل القومي؟.. إن هذا يعني: أولاً: إن تحرير فلسطين مهمة قومية، وإنه من مسؤولية كل مواطن عربي، وكل حزب عربي قومي، وكل قوة قومية. وإن هذا يعني أن يوضع التحرير في موقعه من المهمات القومية، وباعتباره هدفاً رئيساً، لا يعلو عليه أي هدف آخر، من حيث الأهمية. وأن كل الإمكانات يجب أن تسخر لتحقيقه. ثانياً: إن أي عمل في فلسطين لتحرير فلسطين، يجب أن يكون جزءاً من هذا العمل الكبير، لا خارجه، ولا بموازاته، حتى يأخذ بعده القومي، وقوته القومية، وحتى لا يتحول إلى عمل طفولي أخرق، أو استسلامي ضائع. إذن.. فما الذي حصل، خلال سنوات الصراع مع العدو الصهيوني؟. لقد حصلت مفارقتان: الأولى: تعثر العمل القومي لتحرير فلسطين، لأن الأنظمة المرتبطة والتابعة للغرب، كانت تنفذ المخطط الامبريالي،الحريص على وجود الكيان الصهيوني وقيام دولة صهيونية، ولذلك عملت على أن يفشل الجهد القومي في تحقيق التحرير،كما حدث قبل عام 1948 وخلاله وبعده. وعلى الرغم من دخول الجيوش العربية حرب 1948، فإنها عملياً كرست وجود الكيان الصهيوني وقيام دولته، وظل هذا الموقف موقف القوى العربية الرجعية المرتبطة والتابعة، حتى يومنا هذا... الرجعية العربية، تنفذ المخطط الامبريالي ضد الوحدة القومية والتحرر السياسي والاجتماعي، وتهادن الكيان الصهيوني. أما القوى القومية التي حكمت، فقد قبلت، ومنذ أواخر الخمسينات، عودة صيغة العمل الوطني الفلسطيني، بمبررات مختلفة، وأنشأت م. ت.ف. التي نراها، وتبنت حركة فتح وقوات العاصفة، وكل القوى الأخرى التي نشأت فيما بعد. ويثير الانتباه ما يلي: 1- إن القوى القومية، تبنت صيغة العمل الفلسطيني الراهن، عندما رأت هذه القوى، أنها ليست في وضع يسمح لها بخوض معركة التحرير مباشرة، وأن الرّد المباشر الهجومي على العدو الصهيوني، يهدد الأنظمة القائمة. ولذلك اختير أسلوب المجابهة المحدودة، عبر إنشاء م.ت.ف. بقيادة أحمد الشقيري، لتكون هذه المنظمة إطاراً سياسياً، بلا قوة، أو عبر تبني حركة التحرير الوطني الفلسطيني(فتح) الناشئة، المحدودة العدد، القليلة الخبرات السياسية والعسكرية، والخاضعة لقيادة غير قومية الاتجاه أساساً، وأن المنظمة وفتح تطورتا، بعد هزيمة الخامس من حزيران، لأن القوى القومية احتاجت إلى هذا النوع من العمل، لتنتظر ظروفاً أكثر مواتاة لخوض الحرب. ولذلك حدثت حرب الاستنزاف، على جبهة السويس، ثم حدثت حرب تشرين، ضمن إطار محاولة إزالة آثار العدوان. ومع ذلك، فإن هذه المحاولات قد أخفقت. 2- إن القوى الفلسطينية التي تبنتها القوى القومية وغير القومية، من المنظمة إلى فتح، ومن الشعبية إلى الديمقراطية، أثبتت، على اختلافها، واختلاف برامجها وتناقضها في قضايا كالتسوية إلخ... إلخ أنها تتسم بما يلي: أ- العجز عن بناء القوى القادرة على قيادة الشعب نحو التحرير. وهذا العجز واضح بعد حوالي أربعين عاماً وضوحاً لا لبس فيه. ولا نظن أن هناك من ينكر ذلك، وإن كان كل ذي علاقة يبرره. ب- استعداد القوى الرئيسة، كما هي حال فتح، أن تكون قوة تسوية، وأن تجمعها قوى أخرى وقطاعا ً من المستقلين. الثانية: بروز قطرية فلسطينية، تحاول أن تجعل الفلسطينية "هوية قومية"، وأن تتحدث عن حدود فلسطين باعتبارها حدود وطن، وسمات الفلسطينيين باعتبارهم أمة. ولذلك يطرح الفلسطيني مقابل العربي، وتطرح قضية فلسطين خارج قضايا العرب وفوقها، ويكرس الشعور بتفرد الفلسطينيين وعزلتهم، وترفع بعض القيادات صيحة "يا وحدنا"، وتعتبر بعض القيادات أن المشكلة الرئيسة للفلسطينيين هي مشكلة الوصاية العربية، هكذا ودون تفريق! وهذه الظاهرة نتاج عوامل عدة، منها: 1- حرص أصحاب المصالح القطرية على الدفاع عن مصالحهم. 2- حرص القوى العربية القطرية على تنمية القيادة القطرية الفلسطينية للوقوف في وجه المد القومي. 3- وحرص الامبريالية والصهيونية على ضرب الحركة القومية، وتنمية كيانية صغيرة قابلة للتكيف. 4- وفشل الأنظمة والقوى القومية في انتهاج أسلوب صحيح وفعال في التعامل مع القضية الفلسطينية والفلسطينيين. إن هذه القطرية، تريد أن تكرس الفلسطينيين شعباً، بالمعنى الرسمي التونسي، مثلاً، وأن تكرس قيادة لهذا الشعب، تمثله في كل المحافل العربية والدولية، كما تمثل قيادات الأقطار العربية أقطارها. ولقد نمت هذه القطرية، منذ تكوين م. ت. ف.، وقفزت قفزات سريعة، منذ 1974. وهي لتؤكد دورها،أخذت تتضخم عمداً من الدور الفلسطيني، حتى وهي لا تعد الفلسطينيين لمقاومة متطورة. وأخذت أيضاً تحاول إلغاء الدور العربي القومي، باسم استقلالية القرار الفلسطيني، واستثمار هجمات القوى العربية الرجعية التي ترتبط بوحدتهم وتفردهم، ولتدفعهم إلى حل فلسطيني! لقد بات شاغل هذه القطرية إنشاء كيان فلسطيني، مثل أي كيان عربي، من موريتانيا إلى قطر. ولما كانت الأرض محتلة، والشعب مشرداً، وكانت القوى الفلسطينية العاملة، من أجل فلسطين غير قادرة على التحرير، وغير مستعدة لانتظار الزحف العربي، أو العمل لقيامه، صارت محاولة إقامة الكيان عبر"التسوية السياسة" هي الهدف الوحيد. وهكذا صارت "القطرية" الفلسطينية طريقاً إلى سياسة التسوية، وعائقاً أمام استنفار الجماهير العربية للإسهام في تحرير فلسطين. إن القطرية الفلسطينية، تخلق الظروف الملائمة لانكفائها داخل قوقعتها، لأنها تخشى المد القومي، ولأنها تريد أن تكون مثل أية قطرية عربية أخرى، إلا أن هذه القطرية، تتجاهل بمسلكها هذا ما يلي: 1 ـ أنها تضع العقبات أمام تحرير فلسطين، بمحاولة رفعت راية الكيان الفلسطيني، في وجه الكيانات العربية الأخرى، وبالتشديد على أهمية الدور الفلسطيني، والتشكيك بأهمية الدور العربي القومي أو ضرورته، ويطرح التسوية بديلاً للتحرير. 2 ـ أنها بخطها هذا لا تحقق تسوية، لأن أية تسوية مع العدو الصهيوني، تتطلب امتلاك القوى اللازمة لهزيمته، وأن هذه الظروف تتطلب مشاركة عربية فعلية، تتجاوز التضامن. وبالتالي،فإن هذا الخط الذي يجعل التسوية سياسته، سيقود إلى التصفية الأكيدة، إذا ترك الأمر له، وأصبح سيد الساحة، وتحقق له ما يريده من تحويل الصراع من صراع عربي ـ صهيوني ـ إمبريالي، إلى صراع "فلسطيني ـ إسرائيلي"، ولكن هذا لن يتحقق، لأن العدو الإمبريالي ـ الصهيوني يرى الصراع صراعاً إمبريالياً صهيونياً من جهة وعربياً في الجهة الأخرى، ولا يرى حلاً لهذا الصراع إلا بتفكيك العالم العربي وإخضاعه. وهكذا يقود هذا "الخط الوطني" إلى مأزق كبير، تتنازل فيه قيادة المنظمة عن قضيتها، باسم الوطنية والاستقلال. نخلص من هذا كله إلى ما يلي: 1- إن فلسطين جزء من العالم العربي، من حيث الجغرافية الطبيعية والبشرية، ومن حيث الجغرافية التاريخية والإستراتيجية. ولا تستطيع فلسطين هذه أن تكون دولة وكياناً مستقلاً، إلا ضمن خرائط الاحتلال، كما حدث بعد 1917. ولذلك فإن فلسطين لم تكن يوماً دولة أو حتى ولاية مستقلة. وحين احتل الفرنجة فلسطين حررتها جيوش عربية ـ إسلامية، انطلقت من حلب ودمشق والقاهرة والموصل وصنعاء، ولم تنطلق من فلسطين. وما زالت فلسطين جزءاً من العالم العربي، وستظل كذلك. وسيظل تحريرها مهمة قومية عربية. 2- إن هذا لا يعني أن أبناء فلسطين، ليس من واجبهم العمل لتحريرها، فهذا من واجبهم، ولكن باعتبارهم جزءاً من قوى الثورة العربية، لا باعتبارهم قوة مستقلة، تعمل وحدها، وتتحدث عن الكفاح المشترك مع "حركة التحرر العربية"، وكأن حركة التحرر العربية، لا تربطها بفلسطين علاقات غير علاقات الكفاح المشترك، وستسهم المقاومة العربية في فلسطين، في عملية التحرير، بمقدار ما تغلب القومي على القطري، وتشد جماهير عربية أوسع إلى المعركة. في ظل هزيمة الحركة القومية العربية و تقهقر الحركة الاشتراكية على اختلاف تياراتها، وتعمق الطلاق التاريخي بين المجتمعات العربية والأنظمة القائمة، برزت إلى الواجهة السياسية والنضالية الحركات الإسلامية، التي قدمت توجها إسلامياً جهادياً "ثورياً". وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، انتشرت في "إسرائيل" انتشاراً كبيراً القناعة الإيديولوجية التالية أن الدولة الصهيونية أصبحت تمثل"خطّ تماس دامٍ" بين الغرب والشرق، بين الحضارة "اليهوديّة المسيحية" - وهذا اختراع غريب إذا ما اطّلعنا على تاريخ الديانتيْن...- والحضارة الإسلاميّة. ولقد اعتبرت التيارات الأصولية المسيحية والصهيونية أن "إسرائيل" هي "موقع أماميّ للعالـم الحرّ. وإذا كانت "إسرائيل" قد اكتسبت هذا المكان المميّز في الغرب، فذلك لأنّ الدولة الصهيونية تُعتبَر إرادة إلهية. وقد تحوّل ذلك الصراع العربي- "الإسرائيلي"، الذي كان في البدء ميدانياً وسياسياً، إلى مواجهة ثقافية ودينية بين الغرب والإسلام.. إنه خطرٌ داهمٌ على العالم أجمع، انتشار نهج "صدام الحضارات" الذي يمتص طبيعة المشكلات المتعلقة بالأرض والسيادة والمواطنية والاستيطان والتحرر والثروة والفقر والتنافس بين الأديان والفجوة الثقافية، ويحوّر فيها، وكلها مجسَّدة في الصراع العربي – الصهيوني. استمرار خيار المقاومة لتحرير فلسطين من هنا يأتي الإصرار والتأكيد على الخيار الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية والعربية، والإبقاء على الأمة حية تقاوم، وتطالب بحقها الطبيعي والقانوني والتاريخي والديني في أرض فلسطين، باعتباره المحور الذي يبقي القضية الفلسطينية حية. أما خيار التسوية بشروط "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، فهي الهزيمة بعينها للأمة. في الواقع العربي، هناك خياران يتصارعان، خيار المقاومة وبناء ذات الأمة الديمقراطية بالمعني العصري لهذه الكلمة، وخيار التسوية الذي يرجح عند البعض من العرب والفلسطينيين، أن ينتج حلاً تقبل به الشرعية الدولية. خيار التسوية هذا، لم يعط للشعب الفلسطيني سوى أوسلو، حتى أن كل المشاريع الأخرى للسلام، بما فيها المبادرة العربية تدور حول هذا المحور. و"إسرائيل" لن تقبل السلام، لأن السلام هو النقيض التاريخي لوجودها كبنية مجتمعية إيديولوجية وسياسية وعسكرية تقوم بدور وظيفي في منطقة الشرق الأوسط. إن القضية الفلسطينية هي قضية الصراع العربي مع المخططات الإمبريالية الغربية, وللحركة الصهيونية في فلسطين دوراً وظيفياً تؤديه في هذا المجال. ولذلك يجب أن يبقى الصراع دائرًا,وألا يجزأ,لأن تجزئته في فلسطين, ومحاولة الفصل بين الإمبريالية الغربية و"إسرائيل", قاد الحركة الفلسطينية إلى الضلال, وأضاع فلسطين, وأية محاولة لاعتبار حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حكماً,سيقود إلى الضلال والضياع. ثم إن أية محاولة لاعتبار المشكلة فلسطينية – صهيونية, سيقزم المسألة, وسيجعلها مثل مئات قضايا اللاجئين في العالم, وستطرح الحلول الإنسانية لمشكلة اللاجئين. إن "إسرائيل" كانت مصلحة إستراتيجية أمريكية بامتياز ولا تزال، وستظل كذلك في منطقة الشرق الوسط. ويكمن مصدر قوة هذه الإستراتيجية، في قدرة "إسرائيل" على كسب حروبها مع العرب في السابق. بيد أن نجاح إستراتيجية حزب الله الذي تفوّق على "زبائن الولايات المتحدة العرب الذين وقّعوا اتفاقات سلام للحفاظ على أراضيهم"، وأحرج موقعها، أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغير من موقفها المنحاز "لإسرائيل" إلا إذا أصبح العرب قادرين على تحرير أرضهم من طريق المقاومة وبناء ذات الأمة على أسس حديثة. هل يمكن للتحرر من الهيمنة الإمبريالية ومن شروط التبعية، وهل يمكن تحرير الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها فلسطين، من دون أن تحرز الأمة العربية تقدماً ملموساً، وتقدم الأمة العربية مشروط بوحدتها ونهضتها؟ وبالمقابل هل يمكن إحراز التقدم من دون أن تحرز الأمة استقلالها وسيطرتها على مقدراتها؟ إن هذا يطرح علينا علاقة التحرر ببناء مقاومة عربية تحمل في سيرورتها التاريخية مشروعا نهضوياً فكرياً وسياسياً، يضع تحرير فلسطين كمهمة قومية وإسلامية. وقد أثبتت هذه التجربة،من جملة ما أثبتته من حقائق واقعية، حقيقتين أساسيتين أولاهما أن الوحدة العربية هي المسألة المركزية في المشروع القومي الديمقراطي،وهي شرط ضروري لتحرير الأرض وإن لم يكن كافياً. وثانيهما تلازم النضال من أجل الديمقراطية والنضال ضد الإمبريالية و"إسرائيل". فلا تقدم يرجى في ظل التبعية والاحتلال. ولا يمكن أن نحرز تحريراً في ظل وجود مقاومات عربية تستند في أساسها إلى النزعة "العسكريتارية" المحضة خارج عالم الفكر والثقافة والسياسة، وغير ديمقراطية في بنيانها الداخلي وتستند أيضاً إلى الطوائف أو المذاهب. وحتى لو كان صعود حركة "حماس" بالمعنى التاريخي متواصلاً كجزء من صعود التيارات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، فإنه من الصعب جداً في ظل تمزق المقاومة الفلسطينية بين سلطتين عاجزتين عن مواجهة "إسرائيل"- ومسؤولية ذلك تقع أساساً على فريق أوسلو الذي كاد يودي بالقضية الفلسطينية، استبداداً وفساداً وتنازلات(أمام "إسرائيل" وأمريكا لا أمام الشعب الفلسطيني)، لكنها تقع أيضاً على اليسار الفلسطيني المفكك والمهمش، فإنه من الصعب جداً على حركة "حماس" بعدما تماهت تماماً مع مرحلة التحرير الوطني، وضاقت طعم السلطة،أن تكون قادرةً على استمرار الاحتفاظ بديناميكيتها كحركة مقاومة وطنية. فالحركة الوطنية الفلسطينية على اختلاف مرجعياتها الفكرية والسياسية، التي ولدت من رحم الهزيمة لعام 1967،تعاني من أزمة بنيوية عميقة، بل تعاني ما يبدو أنه وهن تاريخي بعد سنوات الصعود التي استمرت حتى انسحاب الجيش الصهيوني من غزة في أيلول/سبتمبر 2005. فليس فقط حركة "فتح" - حسب المشهد السياسي الفلسطيني- هي التي تعاني إنهاكاً تاريخياً، بل أيضاً الحركة الإسلامية الفلسطينية التي تنتمي إلى مدرسة صعود الحركات الإسلامية بعد نجاح الثورة الإيرانية في عام 1979، والانتصار التاريخي الذي حققه حزب الله اللبناني في حرب تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في 25 آيار 2000. إن تحرير فلسطين ليس مشروعاً بونابرتياً لحاكم عربي، ولا هو مشروع لأي حزب، أو حركة إسلامية، أو طبقة اجتماعية، إنه في جوهره جزء من المشروع القومي الديمقراطي والإسلامي النهضوي الذي يشمل تيارات الأمة كلها، وجزء من تقدم الأمة العربية ووحدتها. والنضال من أجل تحرير فلسطين هو الاندماج في المشروع القومي والإسلامي المتصادم جِدياً وفِعلياً وراديكالياً مع المشروع الإمبريالي – الصهيوني، والمستند إلى قوى الشعوب العربية، وإلى جماع الأمة، ولا إلى فئة، أو طبقة، أو حزب، أو حركة إسلامية، مهما ادعت تلك الحركة أنها ممثلة للأمة، ونائبة عن أكثريتها، وإن كان ذلك لا ينفي حقيقة أن الدولة الوطنية العربية المتقدمة، ستكون مسؤوليتها أكبر وتأثيرها أعمق، ولكن لن تكون أبداً بديلاً عن الكل، أو نائبة عن الأمة العربية وشعوبها. هوامش (1)- مكسيم رودنسون ،"إسرائيل"، واقع استعماري؟ ترجمة إحسان الحصني، منشورات وزارة الثقافة 1967، (ص5). (2)- تم توقيع هدنة بين"إسرائيل" و سوريا في 20 تموز/يوليو 1949، وحددت منطقتين منزوعتي السلاح بين الدولتين. وأبقت السيادة على هاتين المنطقتين معلقّة. (3)- إلياس سحّاب، الآن اكتملت النكسة فأصبحت هزيمة، مقالة منشورة بصحيفة الخليج الإماراتية تاريخ 5 حزيران 2007 |
||||||