|
|||||||
|
في خضم غفلة المجتمع الدولي وسبات الأنظمة العربية عن القضية الفلسطينية، جراء انشغالها بتسعير الحروب وإيقاد الفتن، مجزرة جديدة ارتكبها العدو الصهيوني في غزة بحق خمسة أطفال لا تتجاوز أعمارهم سنوات عشر. أطفال لاذوا للهو على شاطئ غزة، لعل ذلك يبعد شبح العدوان وضجيج الطائرات وأزيزها، لكن سياسة اللهو بالقتل كانت الأقوى، بعدما باغتتهم قذائف الغدر لتحول بسمة الطفولة وبراءتها إلى جريمة أردت الأطفال الأخوة أشلاء مضرجة بالدماء. مجزرة ليست الأولى من نوعها بحق الأطفال، إذ إن العدو لطالما عمد إلى استهداف الطفولة في لبنان وفلسطين. كل ذلك والمجتمع الدولي لم يحرك ساكناً إزاء هذه الجرائم. وفي معرض الحديث عن الجرائم الإسرائيلية، فإن نسبة الشهداء الأطفال في غزة فاقت الـ٤٠ %، دون أن يرعوي الصهاينة عن المضي قدما في استهداف الطفولة، بسبب القرصنة الأمريكية للقرارات الدولية وضرب الجانب الإنساني عرض الحائط، الأمر الذي يقطع شكوك بعض الأنظمة العربية والغربية بيقين مفاده أن المقاومة هي السبيل الأنجع لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه. حرقة عائلات الأطفال عليهم أبكت ملايين البشر. ما كان هذا التعاطف ليحصل لولا عدسات صحافيين أجانب كانوا يقطنون فندقا قريبا، حيث صورت العدسات المشهد كله. فكم من مجازر ارتكبت منذ بدء الحرب من دون أن يشاهدها أحد؟ إنها مجازر تعكس وحشية وهمجية جيش بنى مجده كله على دماء الأبرياء. هل تكسب المقاومة حرب غزة ؟ لا شك أن المقاومة الفلسطينية سوف تكسب حرب الرعب الدائرة في غزة، فقد وصلت صواريخها إلى مطار تل أبيب بعد حيفا، وأن نصف مساحة فلسطين المحتلة باتت تحت رحمة صواريخ المقاومة على تواضعها. لا يخشى أبناء القطاع ومقاومته تهديدات نتنياهو بالحرب البرية، بل لا مبالغة إذا قلنا إنهم ينتظرونها ويستعجلونها، فقد خاضوها في الماضي وسيخوضونها في الحاضر ويستعدون لها في المستقبل، فطالما استمر الاحتلال سوف تستمر الحروب بأشكالها كافة، والزمن في صالح أصحاب الحق وإن طال. إنها حرب عض الأصابع، وقدرة أهل فلسطين، وقطاع غزة بالذات على التحمل، أكبر بكثير من قدرة أعدائهم الإسرائيليين. فلتطل الحرب وسنرى من سيصرخ أولاً ويستنجد بالوساطات لوقفها، مثلما حصل في حرب " عامود السحاب " في عام ٢٠١٢، وقبلها في "الرصاص المصبوب". فها هو أيهود أولمرت قائد تلك الحرب في السجن، وها هي تسيفي ليفني تتلاشى سياسياً. الفلسطينيون لم يعودوا يعولون على العرب، ولا يبالون بتصريحات أمين عام الجامعة العربية ولا يرجون خيراً منه ولا من جامعته، أو حتى من وزراء خارجيتها واجتماعاتهم غير المجدية، وهم يرون في لاعبي الجزائر الذين أهدوا إنجازهم الكروي في مونديال كأس العالم وتبرعوا بمكافآتهم المالية لأبناء القطاع المحاصر، عنوانا للشرف والبطولة ويقدرون مبادرتهم الرجولية أكثر من جميع مبادرات الزعماء العرب، بما في ذلك مبادرة الهوان المسماة " مبادرة السلام العربية ". لم نسمع عن أي رسالة تضامن من أصدقاء الشعب الفلسطيني أو دعوة لاجتماعهم، أو أي حديث عن أسلحة نوعية أو غير نوعية، ولم نقرأ عن أي دعوة للجهاد لنصرة أهل غزة من بعض الدعاة. إن الشعب الفلسطيني يتعرض للمذابح لكنه يقاوم، وعرب التآمر ومجتمع النفاق الغربي يتعمدون تجاهل المذابح. لكن المقاومة التي دكت عمق مستوطنات العدو لن تسمح بأن تكون نهاية العدوان في مصلحة العدو. المبادرة المصرية لوقف العدوان وتطورها كان من المعروف أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تكون مقبولة من الطرفين، والتي لها تجربة في بلورة اتفاقيات سابقة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل هي مصر لأسباب جيو/إستراتيجية. لكن مصر هذه المرة مختلفة عن السابق، فهي ليست مشغولة بنفسها فحسب، وإنما باتت على عداء مع حركة حماس. وهناك في هذه الحركة من بات ينظر بريبة إلى كل ما يصدر عن مصر اتجاه غزة. لذلك، فإن موقف حركة حماس من المبادرة المصرية كان متشككا من اللحظة الأولى ومنفعلا، بعدما تبين لها أن المبادرة تمت دون أي اتصالات فعلية معها. إن ما زاد الطين بلة لدى المقاومة هو أن تلك المبادرة أنجزت بالتشاور مع إسرائيل من دون التشاور معها، إذ إن إسرائيل نقلت إلى جهاز الإستخبارات العامة المصرية موافقتها على الإعلان المصري. وكان هناك تفاهم على أن يتم هذا الإعلان في لقاء الجامعة العربية في القاهرة، بحيث تكن دول الجامعة ضامنة اتجاه إسرائيل للحفاظ على الهدوء في غزة. لقد راهنت حماس بأن المواجهة مع إسرائيل ستحقق لها حلاً لعدد من مشكلاتها دفعة واحدة، وبالطبع، فإن هذا الحل لن يتحقق إلا عبر اتفاق لوقف إطلاق النار. وقد رأت الحركة أن مثل هذا الاتفاق ينبغي أن يلحظ، ليس فقط العودة إلى تفاهمات حرب "عامود السحاب" عام ٢٠١٢، وإنما يجب أن يشمل أيضاً تنفيذ أمور عدة، من بينها رفع الحصار البري والبحري عن غزة. وكان في صلب مراهنة حماس أن المواجهة ستحل مشكلتها مع السلطة الفلسطينية في رام الله، ويمكن أن تكسر الجليد بينها وبين مصر. لكن المبادرة المصرية، وفق حماس، لم تذكر شيئاً من ذلك بل تنتقص من تفاهمات "عامود السحاب". حرب غزة تدخل مرحلة ما بعد المبادرة المصرية في مزيج من التصعيد العسكري والوضوح السياسي، وليس فيها باعتراف الذين يخوضونها مباشرة، والذين يوظفونها من بعد، مجال للحسم بالنسبة إلى أي طرف. فلا الغارات الجوية للعدو الإسرائيلي تؤدي إلى احتلال أرض أو تحقق أوهام جنرالاته، لدى شعب صامد صابر قدم ولا يزال كل أنواع التضحيات، ولا رد المقاومة بالصواريخ يقود إلى تحرير أرض محتلة، وإن كان يسجل أهدافاً ويثير الرعب لدى الإسرائيليين ويربك نمو حياتهم. ليس على الطاولة سوى المبادرة المصرية التي طلبها أو انتظرها الجميع منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة ورد المقاومة عليه من أمريكا وأوروبا والجامعة العربية والسلطة الفلسطينية وإسرائيل إلى حركة حماس والجهاد الإسلامي، بل إن زعيم هذا التنظيم الأخير رمضان عبد الله شلح قال بوضوح "إنه لا قيمة ولا دور لأي مبادرة إن لم تكن مصرية". اللعبة تدار في الكواليس الآن لمراجعة المبادرة المصرية لكي تصبح مقبولة، فهي اللعبة الوحيدة على الساحة ما دام استمرار الحرب لوقت طويل صعباً وخطيراً ومربكاً للإسرائيليين والقوى الإقليمية والدولية، وكذلك بالغ الكلفة على الشعب الفلسطيني، فالحسابات دقيقة بالنسبة للجميع. إسرائيل تستثمر المبادرة المصرية لتوسيع العدوان بعد ساعات من موافقة المجلس الوزاري المصغر على الاقتراح المصري لوقف النار، توعد بنيامين نتنياهو بالبدء بمرحلة جديدة من العدوان، مهددا حركة حماس بأنها ستدفع ثمن رفضها لاتفاق التهدئة. وأضاف نتنياهو في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير حربه موشيه يعلون إلى جانب رئيس أركان جيشه أن حماس اختارت الحرب وستدفع الثمن لقاء ذلك . لقد برر نتنياهو موافقته على المبادرة المصرية بالقول بأنه كان يفضل حل المسألة بوسائل سياسية. لقد سوق عدوانه على غزة كما لو أنه دفاع عن النفس، مستغلاً المظلة السياسية التي وفرتها المبادرة المصرية. وقدم نتنياهو موقف إسرائيل كما لو أنه لم يعد أمامها خيار آخر سوى مواصلة المعركة وتصعيدها بقوله "حماس لم تبق أمامنا خيارات إلا توسيع الحرب ضدها"، مشدداً على "أننا هكذا سنعمل حتى تحقيق أهدافنا وتحقيق الهدوء وتوجيه ضربة نوعية للتنظيمات الإرهابية"، في إشارة إلى فصائل المقاومة. وكان نتنياهو قد أعلن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الألماني أن الاقتراح المصري لوقف النار سيمنح شرعية دولية لإسرائيل، لتوسيع عدوانها ضد قطاع غزة، مشيراً إلى "أننا قبلنا بالمبادرة المصرية من أجل إعطاء فرصة للتعامل مع نزع الصواريخ والقذائف الصاروخية والأنفاق في قطاع غزة بطرق سياسية. من جهته، شدد يعلون على أن إسرائيل ستواصل ضرب حماس كما ينبغي في الجو والبحر والبر. حيرة الاحتلال وجريمة الشاطئ تسرعان الوساطة المصرية في اليوم التاسع لحرب "الجرف الصامد"، وجدت إسرائيل نفسها وجها لوجه أمام نفسها، تقتل أطفالاً يلهون على الشاطئ على مرأى العالم وسمعه، مستخدمة أشد الأسلحة فتكا وأكثرها تقنية. في اليوم التاسع لهذه الحرب، تجد إسرائيل نفسها محرجة أكثر من أيام حرب "عامود السحاب" قبل أقل من عامين، التي انتهت خلال ثمانية أيام في نقطة البداية، عاجزة عن السير، لا في اتجاه وقف إطلاق نار مؤكد ولا معركة برية مضمونة النتائج. لقد فشلت مساعي إسرائيل الجديدة بالضغط على المقاومة، عبر منهج ترحيل السكان جماعيا من أحياء ومناطق إلى أماكن أخرى، كما فشلت في إضعاف حدة نيران المقاومة، فوصلت الصواريخ إلى تل أبيب وديمونا. أقدمت القوات الإسرائيلية على اغتيال خمسة أطفال من عائلة واحدة على شاطئ مدينة غزة، وطفل سادس في خان يونس، لترفع عديد الشهداء من الأطفال إلى حوالي خمسين، ليشكلوا ربع شهداء غزة في هذه الحرب الذين بلغ عددهم أكثر من ٢٦٠ شهيدا. أمام أنظار مراسلي الصحافة الأجنبية في فندق قريب من الشاطئ، أطلقت البحرية الإسرائيلية على الأطفال الخمسة قذيفتين على الأقل، إحداهما بهدف التحقق من القتل. وقد اعترف عسكريون إسرائيليون بأن قتل الأطفال على الشاطئ يعادل أثره بنظر العالم أثر مجزرة قانا في حرب لبنان الثانية. ربما كان هذا من بين الأسباب المركزية التي حدت بالحكومة الإسرائيلية للاستجابة فورا لمطلب الأمم المتحدة لعقد هدنة إنسانية، لإيصال المعونات إلى السكان لفترة خمس ساعات. وقد ادعت إسرائيل أنها تحقق في كل أحداث استهداف المدنيين الفلسطينيين، لقطع الطريق على أي لجان تحقيق دولية مستقبلاً، ومع ذلك، أقرت لجنة مكلفة من الجيش الإسرائيلي أن ما لا يقل عن نصف عدد الشهداء في غزة هم من غير "الضالعين" في المعارك، لكن ذلك لا يغير من المنطق الذي يحكم السلوك الإسرائيلي الذي يواصل التهديد بشن عملية عسكرية برية وشاملة في كل قطاع غزة. على الرغم من الصدمة، لا يزال في إسرائيل من يراهن على أن الأمر مسألة وقت وعلى أن حركة حماس ستقبل المبادرة المصرية وأن الجيش الإسرائيلي سيساعد بذلك من خلال موجات القصف للضغط على قيادة حماس. ثمة عدة ملاحظات على هامش العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أبرزها : ١- نجاح المقاومة الفلسطينية بعد مضي حوالي أسبوعين في أن تحافظ على قدرتها بإطلاق الصواريخ على إسرائيل بوتيرة يومية شبه ثابتة بما في ذلك إطلاق الصواريخ نحو مدن الوسط، رغم تكرار إسرائيل أنها دمرت عددا كبيرا من المنصات. ٢- بعد مدينتي تل أبيب والقدس اللتين دخلتا في مرمى صواريخ المقاومة خلال الحرب الإسرائيلية السابقة ضد القطاع في تشرين الثاني ٢٠١٢، أصبحت مدينة حيفا أيضا في مرماها أثناء الحرب الراهنة. وعمليا، فإن المقاومة الفلسطينية أفلحت في أن تشوش حياة نحو ٥ ملايين نسمة من سكان إسرائيل، إلى جانب تهديد عدة منشآت استراتيجية مثل المفاعل النووي في ديمونا ومطار بنغوريون الدولي. ٣- رسوخ اقتناع لدى المسؤولين الإسرائيليين السياسيين والعسكريين، بأن أي نهاية سياسية للحرب يجب ألا تكتفي بالتوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، كون ذلك من شأنه فقط أن يهيئ لجولة مقبلة من القتال. وفي ضوء ذلك، أعلنت إسرائيل أنها تنوي من الآن فصاعدا، أن تبذل جهودا في الحلبة السياسية الدولية من أجل الدفع قدما بخطة تقضي بتجريد القطاع من منصات إطلاق الصواريخ وبناء الأنفاق. ٤- لدى المقاومة مفاجآت على غرار هجمات الأنفاق والتسلل من البحر، واستخدام طائرات من دون طيار، الأمر الذي يعني أن بوسعها ألا تعتمد فقط على إطلاق الصواريخ. إن الاستنتاج الأهم من هذه الملاحظات، هو أن الدرس الذي يجب أن يكوي الوعي في الجانب الإسرائيلي بعد هذه الحرب هو أن قوة الجيش الأعظم في الشرق الأوسط باتت محدودة. لا تتورع إسرائيل في أغلب الأحوال اليوم عن تحميل مصر جانبا من المسؤولية عن عدم القدرة على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ويذهب بعض الإسرائيليين إلى حد القول إن مشاكل حماس مع مصر، والصراع بين مصر وقطر، بل والصراع بين حماس وفتح هو ما يعيق التوصل إلى اتفاق. ويعترف بعض الإسرائيليين بأنه من المستحيل دفع حماس لقبول وقف إطلاق النار من دون أحد أمرين: ضربة شديدة وقاسمة، أو تقديم جزرة لها. الضربة الجديدة تتمثل بعملية برية محدودة لأنها غير معنية بإطالة أمد الأزمة الحالية. أما الجزرة، فهي تلبية بعض شروط حركة حماس. عدوان بري على غزة عدوان بري محدود أشبه بمحاولة مستميتة للضغط على المقاومة منه باجتياح بالمعنى المألوف إسرائيلياً. إنها خلاصة تؤكدها الوقائع الميدانية والسياسية. إنها محاولة لن تبصر النور بفعل الصمود الميداني للمقاومة، الذي أجبر العدو على القبول بصيغة التفاوض تحت النار. انتقلت وفود السلطة الفلسطينية وإسرائيل والمقاومة إلى القاهرة، حيث تولى الوسيط المصري مهمة التنقل بينها. أجواء إيجابية سادت خلال ساعات النهار، جعلت الوفد الإسرائيلي يغادر لنقل شروط حماس والجهاد. حاول أبو مازن والمصريون دفع وفد غزة للقبول بالمبادرة المصرية، في وقت بدا فيه أن تل أبيب وجدت أن سقف المقاومة لا يزال مرتفعاً. صمود ميداني وسياسي، لم يكن بالإمكان مواجهته إلا باللجوء إلى درجة عالية من التصعيد، فكان أمر بعملية برية محدودة بأهداف متواضعة لعلها تغير من واقع الأحداث على الأرض. المقاومة الفلسطينية تدرك جيداً المنهك منذ ثماني سنوات جراء الحصار الخانق، وثلاثة حروب في ستة أعوام، لا يتحمل الفشل لبلوغ الشروط اللازمة في هذه الحرب، وأنه لا مجال بعد أكثر من عام لخوض مواجهة أخرى مع استمرار الاستنزاف. ثمة محاور ثلاثة للتفاوض في القاهرة: المحور الأول: هو فلسطيني ويمثله خط التسوية السياسية وعلى رأسه محمود عباس، والذي لا يخفي أنه يعارض إعطاء إنجازات ملموسة لحركة حماس، رغم أنه كان قد تصالح معها، لأنه عجز عمليا عن تحقيق جزء بسيط من الشروط التي طالبت بها الفصائل الفلسطينية لتحسين ظروف الحياة في غزة. المحور الثاني: في المواجهة هو بين حماس والحكم الجديد في مصر، حيث إن القاهرة، في أحسن الأحوال، تلعب دور الناقل لما تسلمه الوفود أكثر من كونها وسيطاً. المحور الثالث: الأنظمة العربية والإسلامية التي تنقسم إلى قسمين: الأول يتمثل بقطر وتركيا الداعمتين لأغلب مطالب حماس، ومن بعيد الجمهورية الإسلامية التي بادر رئيس مجلس الشورى فيها علي لاريجاني، إلى الإتصال برئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، بمجرد إعلان إسرائيل الحرب البرية. لكن القسم الثاني المتمثل ببعض أنظمة الدول العربية، لم يكن على الحياد، فهو مع إتمام حصار غزة بل إخضاعها، إلى حد باتت فيه تلك الأنظمة تلعب دور المحامي عن المطالب الإسرائيلية، مما دعا قيادياً في الجهاد الإسلامي إلى وصف المشهد بالقول: "إن الأنظمة العربية باعت غزة". إن معطيات الصراع عادت إلى المربع الأول، بعد أن تعرقلت المفاوضات في القاهرة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. فميدانياً، اشتدت الغارات والقصف الإسرائيلي على غزة في إطار ما أعلن أنه عملية برية، في حين ارتفعت وتيرة انطلاق الصواريخ الفلسطينية. وقد تميز رد المقاومة باندفاعة هجومية ضد القوات الإسرائيلية، سواء عبر هجوم النفق إلى كيبوت صوفا، أو عبر إرسال طائرة استطلاع ثانية. بدأت إسرائيل بالتمهيد المدفعي لما أعلن بعدها أنه عملية برية. وحسب التقديرات، فإن هذه العملية قد تبدأ محدودة، لكن ليس هناك ما يحول دون أن تغدو متدرجة، لتمتد نحو المناطق المأهولة. هناك نقاشات وتساؤلات في داخل إسرائيل، ولاسيما عبر وسائلها الإعلامية، تحمل هذه النقاشات انتقادات لنمط التفكير الظاهر لدى قادة العدو. فالبعض اعتبر أن الفرضيات التي انطلقت منها الإستخبارات العسكرية وتبنتها القيادة السياسية اتجاه حركة حماس كانت في الأصل خاطئة، وفي إسرائيل من يسأل: ماذا أفادنا حصار غزة، وهل الوساطة المصرية ممكنة؟ إن المحرقة التي تنفذها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في غزة ليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة. فثقافة المحرقة هي كل ما يتحكم بالسلوك الصهيوني ضد كل ما هو عربي بشكل خاص وكل ما هو مسلم بشكل عام ومع كل أساليب الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد فلسطين بعد أن نجحت بتقسيمها بفعل التواطؤ الأمريكي والغربي أرضاً وشعباً إلى ضفة غربية وغزة، فإن حركة التاريخ بالمحصلة لا تصب في مصلحة الكيان الصهيوني، على الرغم مما يحدثه من خسائر في الأرواح والممتلكات والبنى التحتية والحياتية. إن ما تقوم به إسرائيل من مجازر وجرائم ضد الإنسانية هو، للأسف، تحت أنظار العالم المتحضر والمتشدق بالحريات العامة وحقوق الإنسان، في حين أن الإنسان في غزة هو تحت الحصار ويفتقر إلى أبسط مقومات الحياة اليومية وحق الاستشفاء والتعلم والعمل والتقدم. |
||||||