المتغيرات الإقليمية وانعكاساتها على الكيان الصهيوني

السنة الثالثة عشر ـ العدد 152 ـ (شهر شوال 1435 هـ)آب ـ 2014 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في ضوء المتغيرات الإقليمية التي باتت تحيط بالكيان الصهيوني, تسعى مجموعة من الباحثين الصهاينة لإجراء تعديل جوهري في العقيدة الأمنية الصهيونية. وتستند التوصيات التي يتحدث عنها هؤلاء الخبراء إلى التحولات التي حدثت في الشرق الأوسط والميزات الجديدة للواقع الأمني في المنطقة، بما في ذلك التطورات التكنولوجية في مجالي السايبر والفضاء.

وتقترح وثيقة التعديلات المقترحة بحسب صحيفة هآرتس العبرية أربعة عناصر جديدة تتألف منها العقيدة الأمنية المحدثة هي: الإحباط والمنع، التحالف مع الولايات المتحدة، التحالفات الإقليمية والتأقلم.

ويشدد واضعو الوثيقة على أهمية العلاقات الخاصة بين الكيان والولايات المتحدة بوصفها عنصراً أساسياً في العقيدة الأمنية. ويرون في هذه العلاقات "الذخر السياسي والأمني الأكثر أهمية بالنسبة إلى الكيان على الساحة الدولية"، لذلك يشددون على أهمية أن تعطى الأولوية لتنمية هذه العلاقات بأكبر قدر ممكن. وتشير الوثيقة إلى ثلاثة مجالات إستراتيجية ينبغي للكيان أن يدفع فيها باتجاه بلورة تحالفات رسمية وغير رسمية هي:

1- مبادرة السلام العربية بوصفها أساساً للتعاون الإقليمي مع السعودية ودول الخليج.

2- العلاقات مع دول شرق أفريقيا ذات السكان المسيحيين، وفي مقدمها إثيوبيا وكينيا وجنوب السودان وأوغندا.

3- دول الحوض الشرقي للمتوسط، ومن بينها قبرص واليونان ودول البلقان.

وبحسب الوثيقة تحتاج إسرائيل إلى بلورة وضعها على تغيير الواقع في الشرق الأوسط مع تطوير آليات تعلم ووسائل لصناعة القرار خلال مدة زمنية قصيرة تسمح بتقليص الأضرار على دولة الكيان.

المخاوف الصهيونية

ما من شك بأن نشأة الكيان الصهيوني جاءت بقرار أممي ينطوي على تقارب حضاري وثقافي مشترك مع الغرب لكن المحيط الجيو/استراتيجي وعلى مدى العقود التي تلت إعلان دولة العدوان اعتبر مصدراً مستمراً للتهديد بالمعنى الوجودي, وبالتالي بنت إسرائيل على الدوام سياساتها الأمنية والدفاعية وفقا لتغيرات البيئة الإقليمية.‏

لقد تميزت المرحلة الأولى من إعلان إسرائيل بتحديات أمنية ذات طابع وجودي تمثل بتبني عدد من الدول المحيطة عقيدة إزالة هذا الكيان الصهيوني كحل نهائي للصراع العربي الصهيوني، استمرت هذه المرحلة إلى ما بعد حرب تشرين عام 1973 إلى أن جاء الخرق المصري لهذه العقيدة وتبني الخيار الآخر وذلك بقبول وجود هذا الكيان وعقد اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة ما بين الدولة العربية المحورية في الصراع وما بين الكيان الصهيوني العنصري، وقد استمرت هذه الحالة حتى نهاية القرن الماضي في أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي رأينا مرحلة جديدة تمثلت بظهور وتنامي المقاومة اللبنانية الإسلامية وحركات التحرر الإسلامية الفلسطينية داخل الأراضي العربية المحتلة "حركة حماس والجهاد الإسلامي".‏

عمدت هذه المقاومات على محاولة إنهاك "إسرائيل" بعمليات نوعية أدت إلى تقويض الأمن اليومي للمواطن "الإسرائيلي" معتمدة بذلك على المعطيات الجديدة على الصعيد الإقليمي وعلى تنامي دور (سورية وإيران) التي لم تتخل يوماً عن شعار إزالة الدولة العبرية من الوجود.‏

وإذا كانت "إسرائيل" استطاعت أن تتعامل مع مصادر التهديد الأولى وتمكنت من انتزاع اعتراف منها بحقها في الوجود فإن مصادر التهديد الثانية طرحت بشكل متواتر تحديات أمنية صعبة على دولة العدوان قادتها إلى حربين خاسرتين مع حركة المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان ممثلة بحزب الله.‏

إن تنامي الحس المقاوم لدى حركات المقاومة في المنطقة وتزايد احتمالات المواجهة مع هذا الكيان بناء على المتغيرات الإقليمية في المنطقة يجعل الكيان الصهيوني يتخبط شمالاً ويميناً خوفاً وقلقاً وتوتراً لجهة الحفاظ على أمن وبقاء "إسرائيل".‏

يأتي هذا مع حصول بعض التنظيمات الإسلامية على شرعية وجودها على الشارع والداخل المصري والذي من شأنه أن يتماهى مع الدعم الإيراني والسوري لحركات المقاومة داخل الأراضي العربية المحتلة وخارجها.‏

أمام هذه المتغيرات كان لابد للكيان الصهيوني من نظرة جديدة، وقد لاحظنا ذلك جلياً في الموقف المتخبط لدولة العدوان وغير المسبوق ومع فشل وإخفاق توقعاتها الاستخباراتية في توقع اندلاع الحراك الشعبي المصري، وجاء ذلك في تحذير نتنياهو من مغبة السماح بهزيمة مبارك لأن ذلك لا يخدم "إسرائيل" ولا العرب من وجهة نظره.‏

هناك شعور عارم يسود الداخل الصهيوني مفاده أن "إسرائيل" خسرت وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة كثيراً من المواقع المهمة خسرت إيران الشاه كحليف استراتيجي وكادت أن تخسر تركي بعد التحولات في السياسات الخارجية التركية مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة والانفتاح على المنطقة وما حصل تغييراً جذرياً في مصر وهو بالفعل ما حصل، وجاء نظام يمثل موقف الشارع المصري الحقيقي من "إسرائيل" فإنها ستعاني من عزلة ويجب عليها بناء سياساتها الجديدة على استنتاج إن خشبة "إسرائيل" من الشارع العربي أمر قائم وهي تدرك بأن الدول الديمقراطية لن تفرط بالحقوق العربية الفلسطينية لأن الجماهير العربية برمتها تقف وراء هذه الحقوق.‏

مما لاشك فيه أن منطقة الشرق الأوسط تشهد تغيراً سريعاً يضع "إسرائيل" أمام تحديات صعبة من أهمها اضطرارها للتعامل مع اللايقين الغالب على السيناريوهات المنتظرة الأمر الذي يحتاج إلى ديناميكية في التعامل ورسم استراتيجيات متوافقة مع معدلات تغيير كثيفة وسريعة.‏ إلا أن حالة التخبط والانقسام داخل مواقع صنع القرار في الكيان الصهيوني تضع قيوداً كبيرة أمام التعامل مع شرق أوسط يحتوي على تنافس مشروعات مختلفة غير متوافقة ولا متوائمة مع مستجدات العصر.

حالة من الإرباك الصهيوني

 إن وتيرة الأحداث المتلاحقة في المنطقة تجعل من الصعب على الجانب الصهيوني بناء استراتيجيات محددة في مواجهة هذه الزلازل المتلاحقة، ما إن تستكين لبناء مخططاتها حتى تنهار تلك المخططات مع كل إشراقه شمس فقد جاء في صحيفة التقديرات الاستخبارية التي حملت توقيع قائد قسم الاستخبارات في الجيش الجنرال" افيف كوخافي" أن دولة الكيان ستواجه خلال العام القادم حالة من عدم الاستقرار في المنطقة التي يتوقع أن تواصل توترها ووضعا يميل نحو الاتجاه الإسلامي ما سيخلق سلسلة من الأزمات الإقليمية والداخلية وتزيد من حساسية اللاعبين الأساسيين في المنطقة ما قد يؤدي إلى اندلاع مواجهات غير مخطط لها سلفاً.

وأشار رئيس الاستخبارات المعروف صهيونياً باسم "المتوقع القومي" للتهديدات المركزية إضافة للفرص التي قد تلوح من أجواء التغيرات مركزا حديثه عما اسماه بمحور الشر المتمثل بإيران، سوريا، حزب الله وحماس وفقا لما قاله موقع "والله" العبري.

بلا شك فإن الكيان الصهيوني يعيش حالة صعبة هذه الأيام لأنه يفقد لاعبيه في الشرق الأوسط لتقف في وسط الملعب تتأمل وتدرس الفريق المقابل في اللحظات الأخيرة قبل سماع صفارة البدء، هذا يصعب الأمور ويربك القيادات الصهيونية في تقدير الموقف وتوزيع المهام، بعد أن كانت في السابق تتوقع نتيجة أي مباراة تخوضها مع أي دولة سلفا بفضل حلفائها، وما كان عليها إلا أن تحصد النتائج دون عناء.

الأحداث في مصر تسير بشكل غريب وغير متوقع ومتسارع، وصول الإسلاميين لسدة الحكم بصلاحيات محدودة وبين ليلة وضحاها يمتلكون كل الصلاحيات وكل دوائر صنع القرار، ثم تتغير الأمور, إيران الهاجس النووي وسيرة إلى المجهول بالنسبة إلى دولة الكيان وحليفها الأول في حزب الله وما يمتلك من ترسانة صاروخية تهدد امن دولة الكيان، الأوضاع غير السوية في سوريا والخوف من تطورات الأحداث فيها، وغزة العدو الأزلي والخفي الذي يعمل بصمت وعيونه ترتقب وتتأمل وتشخص من بعيد لعودة الأرض والمقدسات، ولا ننسى الأردن فهي الجمر تحت الرماد وأطول حدود تطل على دولة الكيان فلو سقطت ستنكشف دولة الكيان لكل من يحلم بالمقاومة والتحرير وسيكون من الصعب تأمين 360 كم من التسلل والعبور لداخل فلسطين المحتلة.

إنها معضلات جسام على دولة الكيان تحتاج منها التفكير العميق قبل اتخاذ أي قرار لان التسرع سيؤدى بها إلى نتائج غير محمودة عقباها فهي تحتاج إلى التدبر في الأمور التالية:

أولاً: إلى أين تسير هذه التغيرات في الشرق الأوسط والي أين ستصل بعد من الدول؟.

ثانياً: من هم حلفاؤها الجدد بعد أن سقط حلفاؤها ومن هم أعداؤها الذين يتربصون بها؟.

ثالثاً: مع من ستكون الحرب القادمة ومن سيشارك فيها ومن سيستنكر ويترقب عن بعيد؟.

رابعاً: ما هي اسلم الطرق في مواجهة هذه التغيرات المتسارعة؟.

أسئلة مبهمة تقض مضجع دولة الكيان وتجعله يقف في خضم هذا البحر اللجي من الأحداث يقدم قدم ويؤخر أخرى خوفاً من الانحدار إلى المجهول، دون أن تخوض غمار المجازفة لأن ما سيكسر لن يعود ليلتئم من جديد وعندها لن ينفع الندم.

تحديات الأمن القومي الإسرائيلي

على مدى ثلاثة أيام (8 – 11 حزيران 2014) ناقش مؤتمر هرتسليا "الإسرائيلي" الاستراتيجي للعام الرابع عشر على التوالي الذي يقيمه "المعهد الإسرائيلي متعدد المجالات" مؤتمر هرتسليا الذي انصبت مداولاته هذا العام على بحث تداعيات "التقارب" الإيراني الغربي. ويأتي هذا المؤتمر في إطار سلسلة مؤتمرات سنوية انطلقت منذ سنة 2000 يتم خلالها قياس "ميزان المناعة القومية الإسرائيلية" وتأثير التغييرات الإقليمية والعالمية على أمن الكيان الصهيوني، من خلال تقييم الخبراء السياسيين وأصحاب القرار، من الكيان والعالم، وأحيانا يسجل المؤتمر مشاركة عربية، يصاحبها جدل، بين رفض وقبول.

وفي هذا المؤتمر قدّم رئيس أركان جيش العدو الصهيوني في كلمته، التي جاءت ضمن محور "تحديات الأمن القومي الإسرائيلي"، استعراضا واسعا عن الوضع بالشرق الأوسط، محلّلا الأخطار المحتملة من مصر وسيناء وسوريا وغزة والضفة الغربية، وقال: "لقد طرأت عدة تغييرات جذرية على هذا التهديد الذي تواجهه إسرائيل. من جهة، لم يختف التهديد العسكري، وإن هدأ نسبياً.. ولكن ظهرت عدّة تهديدات أخرى"، وذكر على سبيل المثال التهديد من صواريخ أرض أرض، وصواريخ أخرى أكثر دقة. وأكد أنه "على الرغم من أن السوريين منشغلون حالياً في قضاياهم الداخلية الخاصة، فإن الخطر العسكري الذي يمثلونه على إسرائيل لا يزال قائماً ولا يمكن تجاهله"، وانتهز غانتس أيضاً الفرصة لمناقشة خطر تضخّم الحركة الجهادية التي لا يمكن تحديد عدد أعضائها، بحكم “لامركزية” قواتها المنتشرة في كل أنحاء العالم.

وحول ما يجري في سوريا قال غيتس: "هناك ظاهرتان إشكاليتان جداً في سوريا، من ناحية يتعاظم المحور الراديكالي، حيث تستثمر سوريا في حزب الله وإيران تستثمر في سوريا، وهكذا يتعاظم المحور الراديكالي. في المقابل فإنّ الجهاد العالمي يتعاظم هناك. وهاتان الظاهرتان سيئتان لإسرائيل. لدينا ربما 4 – 5 دول تملك قوة نارية أكثر من حزب الله. هذه قوة نارية هائلة تغطي كل إسرائيل".

الملف الإيراني في المقدمة

تصدّر الملف النووي الإيراني مناقشات المؤتمر وتوصياته التي أكّدت على ضرورة مراجعة قواعد اللعبة مع إيران، بعد التقارب الذي سجّل بين طهران والغرب. وقد تم على هامش المؤتمر تنظيم منتدى بحضور خبراء من "إسرائيل" وأوروبا وروسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، تباحثوا خلاله مسألة المفاوضات الجارية بين إيران والدول الست الكبرى. وطرح المؤتمر، ونوّه الباحث "الإسرائيلي" تومي شتاينر، خلال مشاركته في المنتدى، بأن "طهران وواشنطن تتقدّمان نحو اتفاق وتسوية. وهذه التسوية، رغم أن ملامحها لم تتجلّ بوضوح بعد إلا أنها تفرض طرح سؤال جوهري هو: ماذا سنفعل غداة ذلك؟".

وشدد عاموس جلعاد، مدير المكتب العسكري السياسي التابع لوزارة الدفاع على أن إيران هي التحدي الأكبر وقال "إنهم عازمون على إفناء إسرائيل وهم يعنون ما يقولون ويجب تصديقهم"، وأوضح في هذا الصدد أنه من غير مقبول السماح للنظام الإيراني بامتلاك السلاح النووي لأنه إذا أصبحت إيران نووية ستجهز الدول المؤثرة نفسها بهذا السلاح وبذلك ستصبح كامل المنطقة عبارة عن جحيم، وختم بالقول "إن علاقات إسرائيل الأمنية الجيدة مع الأصدقاء والحلفاء مكسب مهم جدا للأمن القومي الإسرائيلي ومستقبل إسرائيل وقوة الردع لديه والقدرة على المحاربة باستقلالية دون التعويل على جنود أجانب، لكن بدعم من الشركاء من كل العالم".

مستقبل العلاقة بالولايات المتحدة

وحول مستقبل علاقة الكيان بأمريكا، المتحدثون الرئيسيون، وفي مقدمتهم المدير العام لوزارة الخارجية السابق، ألون لوئيل، والمستشار الاستراتيجي، ميخائيل هرتسوغ، والنائب في الكنيست، رونين هوفمان، أجمعوا على أنه في ظل الوضع القائم، واستناداً إلى كون الكيان جزءاً من المنظومة الأمريكية والغرب بشكل عام، فإنه لا يمكن التفكير بالخروج من معسكر التحالف مع الولايات المتحدة لصالح خيارات أخرى، رغم تقاطع المصالح مثلاً في بعض الحالات والأماكن بين الكيان وروسيا، أو نسج أسس تعاون جديدة مع الصين وحتى الهند أو اليابان.

كما أكد ماثيو سبانس، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي المكلف بسياسة الشرق الأوسط إن الولايات المتحدة تبقى ملتزمة، بل شديدة الالتزام بالمنطقة. وملتزمة شديد الالتزام بأمن الكيان الصهيوني، وقال إن الولايات المتحدة منحت الكيان هذه السنة فقط تمويلات عسكرية تقدر بـ 3.1 مليارات دولار، وهو أكبر مبلغ في تاريخ الولايات المتحدة، كما أعطت الكيان التكنولوجيات الأكثر تطورا فقط للمحافظة على القدرة العسكرية النوعية لديه. وأوضح أن تعهد أمريكا بأمن الكيان لا يخدم فقط مصلحة الكيان بل مصلحة أمريكا كذلك. وفي ما يتعلق بحضور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لاحظ أن واشنطن "لديها 35 ألف موظف عسكري في المنطقة، كما يوجد مقر قيادة الأسطول الخامس مع أكثر من خمسين سفينة حربية في البحرين، والطائرات المقاتلة أف22 وبعض أكثر التكنولوجيات العسكرية تطورا والدفاعات الصاروخية". وأضاف قائلاً: "إن كمية المعدات العسكرية التي لدينا في المنطقة لا ترسي سياسة أو استراتيجيا، لكن مجرد الكمية عندما تجمعها مع بعضها تعطي فكرة معبرة عن حجم الردع والدفاع اللذين تعهدت أمريكا بهما تجاه الصراع والتهديدات في المنطقة".

وحول الدور الأمريكي في العالم قال الخبير الأمريكي أنتوني كوردسمان إن إدارة أوباما لم تقم بالانسحاب من مواقعها ومكانتها العالمية، بل عززت من وجودها حيث يجب، على الرغم من أن التراجع الذي ظهر للعيان كان مردّه نكوص الشركاء في حلف شمال الأطلسي، وتراجعهم عن قسم كبير من دعمهم المالي للحلف، فيما وجدت واشنطن نفسها تتحمل قسطاً أكبر من مصاريفه.

وخلافاً للانطباع العام، وعلى الرغم من أنه يبدو أن روسيا تدخل بقوة وزخم كل مكان تتركه الولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة لم تتخلَّ عن منطقة الشرق الأوسط ولا عن دورها فيها، كما عززت من انتشارها العسكري في منطقة الخليج، حيث أبرمت صفقات أسلحة بنحو 70 مليار دولار تبعاً لدرجة التهديد الإيراني لدول الخليج العربي.

واعتبر كوردسمان أن التحدّي الأكبر للولايات المتحدة على المستوى الاستراتيجي هو الصين، فهي دولة عسكرية عظمى وجادة، وإيران مرتبطة بها، وهناك فروق في الموازين والموازنة بين الشرق الأوسط وبين الشرق الأقصى كمّاً ونوعاً. ولخّص تقديره لإدارة أوباما بأنها تتمثّل بكثرة الخيارات وقلّة القرارات.

الخبير الأمريكي إدوارد لتووك، اعتبر أن التحديات التي تشكلها الصين، كانت وراء سلسلة تحالفات متناقضة وواسعة في دول شرق آسيا وجنوبها، تبدأ بتحالف اليابان مع الهند، مروراً بضم ماليزيا واندونيسيا. لكنه أشار إلى أن الفارق بين التحدّيين الصيني والروسي، يكمن في كون الصين تفتقر إلى البعد الاستراتيجي في عملها، خلافاً لروسيا. مع ذلك أقر بأنه لا يمكن العمل على إفقار الصين، لأننا "سنصبح نحن أكثر فقراً منها كتحصيل حاصل لذلك".

مستقبل المشروع الصهيوني

يرى العديد من الباحثين العرب في العلوم السياسية والإستراتيجية ومنهم الباحث (وليد محمد علي) بأن المشروع الصهيوني في المنطقة العربية آخذ في الانحسار والتقوقع ويستند هؤلاء إلى الحقائق التالية:

1- الواقع الديموغرافي الآخذ في التحول لصالح العرب في فلسطين، فقد أشار الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2012 بأن الفلسطينيين في القدس بلغ عددهم (397) ألف نسمه، بينما المستوطنون (262) ألف نسمه، كما أن تقارير الأمم المتحدة ترى أن عدد العرب في فلسطين عام 2050 سيصل إلى 11,8 مليون نسمه بينما اليهود 10.1 مليون نسمه.

2- تنامي القدرة النوعية للمقاومة سواءً على مستوى المقاومة الشعبية الآخذة في الاتساع داخل فلسطين، أو على المستوى العمل العسكري،ولعل هزيمة حرب تموز شكلت نقطة تحول في نمط تفكير العرب والمنطقة بشكل عام.

3- عدم استقرار القيادة السياسية في إسرائيل وغياب القادة التاريخين، وانتهاء حقبة زعامة الحزبين العمل والليكود. فقد أكدت الانتخابات الأخيرة والتي سبقتها على تراجع دور وتأثير هذان الحزبان في الحياة السياسية الإسرائيلية بعد الانشقاقات التي عصفت بهما في الآونة الأخيرة، بالمقابل أكدت هذه الانتخابات أيضاً صعود الأحزاب القومية والدينية الأكثر تطرفاً مما يعني أن المجتمع الإسرائيلي يتجه نحو مزيد من العنف والتطرف، ناهيك عن فقدان الكيان حالة الاتزان السياسي التي كان يتمتع بها في الماضي.

4- تراجع الهجرة إلى فلسطين من قبل (يهود الشتات) في العالم. فقد اعتمد الكيان ومنذ نشأته على الهجرات المتكررة ليهود العالم، وكان أخرها هجرة يهود الفلاشا في ثمانينيات القرن الماضي وهجرة اليهود من الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي. بل الأخطر من ذلك على الكيان الصهيوني هو الهجرة المعاكسة، فالأجيال الحالية وارتباطها بما يسمونه أرض الميعاد آخذه في التراجع تدريجياً.

5- الانسحاب من مستوطنات غزة وبعض مستوطنات الضفة يشير إلى التراجع والتقوقع في المشروع الصهيوني والعودة إلى ما كان يطلق علية سابقا "العودة إلى حدود آمنة يمكن الدفاع عنها".

6- من المتوقع أن يؤدي تقليص المعونات الاقتصادية والعسكرية المقدمة من الولايات المتحدة للكيان الصهيوني خلال السنوات المقبلة – جراء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي- إلى إضعاف قدرة هذا الكيان على شن حروباً جديدة في المنطقة، وخصوصاً تلك الحروب عالية التكلفة وطويلة الأمد.

تؤكد هذه المعطيات وغيرها بأن وهج الكيان الصهيوني أخذ يخبو تدريجياً، فلم يعد حامي الحمى كما أريد له ذلك، وأن دوره المحوري لم يعد كما كان سابقاً، وأصبح بقاءه واستمراره في المنطقة العربية مرهون بالتغيرات الدولية والإقليمية والعربية بالتأكيد.

إن الصهيونية العالمية عندما أنشأت مشروعها في فلسطين، والذي هو أرث استعماري أوروبي تقليدي عكس العقلية الاستعمارية القائمة على الكراهية والعنصرية والحقد على الشعوب، إلا أن الفارق بين الكيان الصهيوني والاستعمار القديم هو أنه أريد لهذا الكيان أن يعيش في المنطقة العربية إلى الأبد، لكن الأسس التي بني عليها هذا المشروع وكان منها قتل الشعب الفلسطيني وتهجيره وتوطين شعب آخر مكانه، وممارسة العنصرية والعدوانية ضد شعوب المنطقة.... كل ذلك جعل من بقاء هذا الكيان واستمراره أمراً مشكوكاً فيه. فشعوب المنطقة لم تتقبل وجود هذا الكيان حتى بعد أكثر من (60عاماً) على إقامته، وعاش الكيان في حالة من العزلة الكاملة من شعوب المنطقة، وكانت الشعوب العربية التي أقامت حكوماتها اتفاقيات سلام مع إسرائيل هي أكثر الشعوب رفضاً للتطبيع معه.

هوامش

1- خليل اندراوس، دروس الحرب العالمية الثانية والعهد الامبريالي الأمريكي المعاصر، الحوار المتمدن، ع3831، 26/8/2012.

2- ريم مطلق وشاحي، نظرية الصراع الدولي والصراع العربي الإسرائيلي، 2011.

3- موسوعة مقاتل، الاتحاد السوفيتي وعلاقته بأطراف الصراع، 2008.

4- حسين عطوي، الأزمة الاقتصادية الأمريكية وانعكاساتها ونتائجها على الكيان الصهيوني، الوحدة الإسلامية، نيسان 2012.

5- وليد محمد علي، ماهية المشروع الصهيوني ومستقبل الصراع، باحث للدراسات، 2004.

6- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، كتاب القدس الإحصائي السنوي، 2012.

7- محمد داود، المشروع الصهيوني إلى أين، الأسرى للدراسات والبحوث الإسرائيلية، 2007.

8- الموقع الالكتروني: فلسطينيو الداخل أو عرب 48 داخل الخط الأخضر، بتاريخ 17/6/2011.

9- عبد الوهاب سعيد شاكر، دور يهود الولايات المتحدة الامريكية في دعم الحركة الصهيونية، دار "هلا" للتوزيع والنشر، 2012.

10- عبد الوهاب المسيري، مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، دار الفكر، دمشق،2002.

11- الموقع الالكتروني: مصطفى صايج، تحليل النزاعات الدولية، 2008.

12- محسن محمد صالح، المشروع الصهيوني والكيان الإسرائيلي، مركز باحث للدراسات،2002

13- أبو علي حسن، المشروع الصهيوني الاستعماري إلى أين، نشرة صادرة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 22/2/2012.

14- مستقبل المشروع الصهيوني، المركز العربي للمعلومات، 2008.

15- تقارير ومقالات عن مؤتمر هرتسيليا الرابع عشر.

باحث في القضايا الإقليمية(*)

 

اعلى الصفحة