|
|||||||
|
للمرة الأولى ستكون تركيا أمام مرشحين إسلاميين (رجب طيب أردوغان وأكمل الدين إحسان أوغلو) لخوض الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى مرشح الأكراد صلاح الدين ديمرطاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطية الذي تأسس مؤخراً. وللمرة الأولى سيتم التصويت في هذه الانتخابات بالاقتراع المباشر من قبل الشعب وليس من خلال البرلمان كما جرت العادة منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، وفي التوقيت فان هذه الانتخابات ستكون بمثابة التصويت على الخيار السياسي وعلى الموقف من التطورات والمتغيرات الدراماتيكية الجارية في المنطقة ولاسيما سوريا والعراق، وموقع تركيا منها، وكيفية التعاطي مع القضايا المثارة، وسياسة تركيا في الداخل ولاسيما إزاء القضية الكردية التي تدخل مع هذه الانتخابات منعطفا جديدا في تاريخ تركيا والمنطقة، وعليه فان لهذه الانتخابات أهمية خاصة، لاسيما أنها تأتي في ظل مساع قوية لتغير النظام الرئاسي في البلاد، وجعله قويا على غرار النظام الرئاسي في الولايات المتحدة، لا أن يكون الرئيس رمزياً وشرفياً كما هو الآن، ومثل هذا التغير المنشود يشكل جوهر طموح أردوغان لقيادة تركيا في المرحلة المقبلة كما خطط لها من قبل، على الرغم من قناعة العديد من المفكرين الأتراك بأن مثل هذا الأمر سيضع تركيا أمام مخاطر كثيرة في ظل النزعة الفردية لأردوغان في الحكم وممارسة التفرد في السلطة. أوغلو في مواجهة أردوغان إذا كان مفهوماً ومنطقياً أن يرشح حزب العدالة والتنمية مؤسسه وزعيمه التاريخي رجب طيب أردوغان للانتخابات الرئاسية المقررة في العاشر من آب/أغسطس المقبل، إلا أنه لم يكن يتوقع أحد في تركيا أو خارجها بأن تلجأ المعارضة التركية إلى ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو، فترشيح رجل معروف بتاريخه الإسلامي وهو الرئيس السابق لمنظمة التعاون الإسلامي وأبن رجل الدين الشهير محمد إحسان أفندي، شكل صدمة ليس في الشارع التركي فحسب، بل حتى داخل حزب الشعب الجمهوري الذي رشح أوغلو بالاتفاق مع حزب الحركة القومية. إذ كيف لحزب الشعب الجمهوري وهو الحزب العلماني والذي يمثل إرث مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك أن يقدم على مثل هذه الخطوة؟ هل هو تقديم أولوية إسقاط أردوغان على أي شي أخر؟ أم لغياب أي مرشح مقبول من قبل المعارضة؟ أم أنه انقلاب أيديولوجي ومحاولة تصالح مع التاريخ بعد أن قامت أيديولوجية هذا الحزب على محاربة البعدين الديني والقومي لصالح الأسس التي شيدت عليها الجمهورية التركية باسم (العلمانية)؟ دون شك، ثمة عوامل تقف وراء اتفاق الحزبين على ترشيح أوغلو لهذا المنصب، لعل أهمها: 1- عدم وجود مرشح قوي من المعارضة أو قريب منها، يتمتع بكاريزما سياسية في مواجهة أردوغان، ويحظى بالتوافق من قبل أحزاب المعارضة، كما حصل عام 2000 عندما اتفقت الأحزاب التركية على ترشيح الرئيس السابق أحمد نجدت سيزار عندما كان يشغل منصب رئيس المحكمة الدستورية العليا. 2- قناعة الحزبين بأن ترشيح أوغلو سيغير من المعادلات الحسابية التي تسود الشارع التركي، فحزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة عام 2002 فاز بسلسلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية التي جرت، وكانت نسبة أصواته تتراوح بين 40 و50% تقريباً، وعليه فإن ترشيح أوغلو له علاقة بقناعة الحزبين أهمية خلط الأوراق، إذ أن ترشيحه قد يؤثر على رصيد أردوغان من خلال جلب أصوات الأحزاب الإسلامية والمحافظة مثل حزب السعادة والوحدة الإسلامية الكبرى، فضلاً عن حركة الخدمة بزعامة غولن، ويرى الحزبان أنهما بهذه الخطوة قد يحققان نسبة أكثر من 50% من الأصوات لمرشحهم الرئاسي، أو على الأقل قطع الطريق أمام أردوغان للفوز من الجولة الأولى. 3- محاولة حزب الشعب الجمهوري تحسين صورته في ظل موجة التدين التي تجتاح الشارع التركي، حيث تقول التقارير إن كتلة تقدر بأكثر من 40% من المجتمع التركي باتت إسلامية الهوية والتفكير، ولعل هذا ما يفسر حديث زعيم حزب الشعب كمال كيلجدار أوغلو عن عدم وجود تعارض بين الكمالية والتدين، مع أن أيديولوجية الحزب قامت تاريخياً على محاربة الدين والتدين، فهو الحزب الذي ألغى الأذان بالعربية وكذلك التعليم الديني وعارض تولي عبد الله غل رئاسة الجمهورية لمجرد أن زوجته محجبة. 4- وعلى غرار الانفتاح على الجماعات المتدينة ثمة محاولة مماثلة للانفتاح على القضية الكردية، إذ زار كليجدار أوغلو مدينة ديار بكر العاصمة التاريخية لأكراد تركيا، ومن هناك خاطبهم بالقول إن حزبه لم يعد الحزب الذي تم إنشاؤه في الثلاثينيات من القرن الماضي وأنه يدعم الحريات وحقوق الإنسان ويعمل على إيجاد حل سياسي للقضية الكردية. 5 – قناعة المعارضة بأن أوغلو الذي ولد في مصر وعاش فترة في السعودية وعمل رئيسا لمنظمة التعاون الإسلامي وله علاقات جيدة مع مصر والسعودية وأندونيسيا وغيرها من الدول الإسلامية سيحظى بدعم وتأييد هذه الدول، خاصة وأن علاقة بعض هذه الدول ليست جيدة بأردوغان، ولعل قبول أوغلو بمثل هذا الترشيح يؤكد تأييده لما ذهبت إليها المعارضة. ولكن بغض النظر عن هذه الملاحظات التي تبدو أيديولوجية، فإن ترشيح المعارضة لأوغلو شكل نقلة نوعية في الصراع الجاري بين المعارضة وحكم حزب العدالة والتنمية. فأكمل إحسان أوغلو يسجل قصة نجاح مزدوجة، لحزب العدالة والتنمية أولاً عندما رشحته لرئاسة منظمة التعاون الإسلامي ولتركيا ثانياً، وعليه فإن من شأن اختياره من قبل المعارضة خلط الأوراق ومحاولة التأثير في المعادلة الانتحابية السابقة التي كانت تصب دوماً في صالح العدالة والتنمية على الرغم من فضائح الفساد وممارسة القمع والصدام مع فئات واسعة من المجتمع التركي والتورط في الشؤون الداخلية لدول الجوار الجغرافي. في مقارنة بين أوغلو وأردوغان يسجل للأول أنه الرجل الذي مارس دوراً مرموقاً لعقد من الزمن في رئاسة ثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة وهي منظمة التعاون الإسلامي، وقد اكتسب أوغلو من خلال هذه التجربة احترام الدول العربية والإسلامية، فضلا عن العديد من القادة في الشرق والغرب، كما أكسبته التجربة فهماً دقيقاً للسياسة الدولية وللعلاقات بين الدول وكيفية ممارسة السياسة والتوازن المطلوب، وكل هذا لا يتوفر في خصمه أردوغان الذي يمارس السياسة من منطلق أيديولوجي وحزبي أقرب إلى حركات الأخوان المسلمين، وهو ما جعله في صدام مباشر، سواء في الداخل أو مع العديد من الدول والقوى والأحزاب في الخارج ولاسيما في العالم العربي وتحديدا مصر وسوريا والعراق ودول الخليج باستثناء قطر، بما يعني ما سبق أن في حال فوز أوغلو فإن العلاقات التركية الخارجية ستشهد انطلاقة جديدة عكس أردوغان الذي لن تزيد سياسته سوى من وتيرة الصدام مع هذه الدول في ظل أجندته المعروفة والمعلنة . على مستوى الداخل، ثمة من يصنف أوغلو على أنه رجل التوافق والتصالح والحوار والقدرة على الجمع بين القوى والمكونات السياسية المختلفة في البلاد، فالرجل وعلى العكس من أردوغان لم يعش حالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي التي تفاقمت في البلاد خلال السنوات الأخيرة، وهو بفضل شخصيته الوسطية قادر على الحد من هذا الاستقطاب والدفع نحو أجواء المصالحة والتعاون لصالح هوية وطنية بعيدا عن الأيديولوجية الحزبية الضيقة التي كرسها أردوغان في الحياة السياسية للبلاد. كما أن أوغلو الذي يمتلك خاصية الأكاديمية والعلمية، قادر على جمع الكفاءات العلمية والحد من السياسة البيروقراطية في مؤسسات البلاد في حال فوزه. وعلى المستوى السياسي لم يعرف عن أوغلو أي مواقف متشنجة إزاء القضايا المزمنة في تركيا كالقضية الكردية والأرمنية وقضية الطائفة العلوية وغيرها من القضايا التي لم تعد تقبل التأجيل وباتت بحاجة إلى حل سياسي، وربما المطلوب من أوغلو بلورة برنامج سياسي واضح اتجاه من يمثل هذه القضايا والتفاعل معها من أجل خلق حالة إيجابية من التفاعل والمشاركة بحثا عن الحل. لكن مقابل هذه النقاط الإيجابية يسجل نقاط لصالح خصمه أي أردوغان، فمقابل تتمتع الأخير بكاريزما سياسية طاغية وجمهور حزبي له عمق شعبي وأيديولوجي وحزبي، أي حزب العدالة والتنمية وما يرتبط به من أوساط اجتماعية وتجارية ودينية ، فإن أوغلو يفتقر إلى مثل هذا العمق، وهو ما يبرز أهمية عامل الوقت والبرنامج السياسي لأوغلو وقدرته على التواصل مع مختلف قطاعات الشعب التركي استعدادا للمواجهة الحاسمة مع أردوغان على رئاسة الجمهورية والوصول إلى قصر شنقايا الرئاسي في أنقرة. حسابات وتداعيات في الواقع، على الرغم من الحسابات السابقة التي انطلقت منها المعارضة التركية والتي تقوم على معادلة خلط الأوراق، فأنها قد تجلب لها تداعيات كارثية خصوصاً إذا فاز أردوغان من الجولة الأولى وبنسبة كبيرة، فإذا كان الأمر مبرراً بالنسبة لحزب الحركة القومية الذي كان أوغلو قريباً منها في فترة السبعينيات وهو يمثل بشكل أو أخر أيديولوجيته القومية، فانه بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري أثار جدلاً وانقساماً حاديين، إذ أن التقارير تشير إلى أن 32% فقط من أعضاء الحزب وافقوا على ترشيح أوغلو بينما رفضه 68%، كما أن 44 نائبا فقط من أصل 123 نائبا وافقوا على ترشيحه حسب المؤسسة التركية للأبحاث، بما يعني كل ذلك أن إمكانية حصول انشقاق في الحزب بعد هذه الانتخابات باتت قوية ومرجحة خاصة إذا فاز أردوغان كما قلنا.
استطلاعات الرأي تشير في حدها الأقصى إلى أن أردوغان سيحصل على 55% إلى 56% فيما سيحصل أوغلو على 39%، وفي الحد الأدنى سيحصل أردوغان على نسبة 46% فيما في أوغلو سيحصل على 34%، وفي الحالتين فإن النسب المتبقية وهي تتراوح بين 6 إلى 8 إلى المرشح الكردي صلاح الدين ديمرطاش، لكن ما ينبغي قوله هنا، هو أن هذه النسب قد لا تكون دقيقة خصوصاً وأنها صادرة عن مراكز دراسات قريبة من حكومة حزب العدالة والتنمية، كما أن التحالفات السياسية المحتملة قد تغير من النسب إلى حد ما، بما يعني احتمال عدم فوز أي من المرشحين من الجولة الأولى، وفتح الطريق أمام عقد تحالفات سياسية جديدة في الجولة الثانية والتي ستكون فيها المعركة الحاسمة بين أردوغان وأوغلو باعتبار أن المرشح الكردي ديمرطاش يخوض هذه الانتخابات من باب أثبات الصوت الكردي وإيصاله إلى المشهد السياسي التركي استعداداً للمرحلة المقبلة. في البعد السياسي، تكمن أهمية الانتخابات بالنسبة لأردوغان في كيفية الوصول إلى قصر شنقايا الرئاسي وكيفية إعداد البيت الداخلي التركي للاستمرار في قيادة تركيا خلال العقد المقبل كما خطط له حزب العدالة والتنمية خلال مؤتمره العام الأخير، بينما بالنسبة لأوغلو تكمن في طرح مقولة كسر احتكار حزب العدالة والتنمية للسلطة وبناء تركيا من الداخل من جديد في إطار نوع من التوافق السياسي بين المكونات السياسية بعيدا عن حكم حزب العدالة والتنمية الذي ينحو نحو حكم الحزب الواحد والأقرب إلى الاستبداد والشمولية، فيما بالنسبة لديمرطاش هو القول إن للأكراد صوت في هذه البلاد، سماه بصوت المحرومين والمهمشين كما جاء في بيان ترشحه للانتخابات. برنامجياً، ينطلق أردوغان من برنامج قديم - جديد يطمح من خلاله إلى تحقيق رؤيته في جعل تركيا دولة قوية مركزية مؤثرة ناهضة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً في الداخل والخارج، وهي رؤية وضعها أردوغان خلال المؤتمر العاشر الأخير لحزب العدالة والتنمية تحت عنوان: نحو عام 2023. في المقابل يبدو خصمه الذي يمتلك ثقافة أكاديمية راقية يحاول صوغ برنامج سياسي يقوم على مفاهيم كسر الاحتكار السياسي وبناء التوازن الاجتماعي على أساس الحوار والمصالحة ومشاركة الجميع في العملية السياسية، وعليه يسعى بقوة إلى مد الجسور مع الأوساط الاقتصادية والعلمية والاجتماعية، والتواصل مع الحركة الكردية، وبناء تحالفات مع الأحزاب السياسية الصغيرة بشقيها اليساري والمحافظ والديني. مهما يكن، فإن تركيا ستكون للمرة الأولى أمام مرشحين إسلاميين كانا حتى وقت قريب يعملان معاً، إذ أن حزب العدالة والتنمية هو من رشح أوغلو لرئاسة منظمة التعاون الإسلامي كما قلنا، وكانت العلاقة جيدة بين أردوغان وأوغلو قبل أن يختلف الرجلان إزاء ما حصل في مصر بسبب الموقف من الأخوان المسلمين وقضايا أخرى ولاسيما العلاقة مع مصر والسعودية. وعليه فإن الانتخابات الرئاسية التركية ستكون مثيرة بالسجالات السياسية الساخنة حتى النهاية، سواء حسمت من الجولة الأولى أو اقتضت الأمور خوض جولة ثانية في الرابع والعشرين من شهر آب/أغسطس كما هو مقرر. الصوت الكردي (بيضة القبان) يدرك المرشح الكردي صلاح الدين ديمرطاش مسبقاً استحالة فوزه في هذه الانتخابات بسبب الأغلبية التركية والمعادلات السياسية القائمة في البلاد، لكنه يدرك في الوقت نفسه أن الصوت الكردي سيكون مؤثراً وقوياً وربما حاسماً، خصوصاً إذا اقتضت الأمور خوض جولة ثانية من الانتخابات، وعليه يمكن القول إن الأكراد أرادوا من ترشيح ديمرطاش تحقيق هدف سياسي له علاقة بتحقيق حقوقهم القومية من خلال الاعتراف بهويتهم عبر عملية سياسية وجدت طريقها إلى البرلمان بعد جولات من المفاوضات السرية والعلنية بين الحكومة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، ويبدو أن أردوغان نفسه أدرك مسبقاً أهمية الصوت الكردي في هذه الانتخابات، لذلك سارع إلى تقديم مشروع حل القضية الكردية إلى البرلمان تزامناً مع بدء الحملة الانتخابية الرئاسية. وهو مشروع يقر للمرة الأولى بحزب العمال الكردستاني محاوراً رسمياً عن الأكراد مع الحكومة التركية بعد أن كانت هذه الحكومة تصفه بالإرهاب وتجرم أي اتصال معه، بل إن المشرع التركي ذهب بعيداً عندما أقر بتأمين الحصانة لأي مسؤول تركي يحاور الحزب المذكور، وهو ما يشير إلى صفقة سياسية حصلت بين عبد الله أوجلان ورئيس الاستخبارات التركية حقي فيدان الذراع القوي لأردوغان والمكلف من قبله بالتواصل مع أوجلان في السجن، واللافت انه بمسار هذه الصفقة التقارب الكبير في علاقة أنقرة بأربيل ومحاولة نسج تحالف سياسي لأهداف داخلية وإقليمية يسعى أردوغان من خلالها إلى الإمساك بالملف الكردي في المنطقة ومحاولة استثماره لزيادة الدور الإقليمي لتركيا في المنطقة على وقع التطورات الدراماتيكية الجارية حيث صعود نفوذ داعش في العراق وسوريا. الثابت أن الأكراد لا يثقون بالمعارضة التركية كثيراً، ولاسيما حزب الحركة القومية الذي ينكر في الأساس وجود قضية كردية، فهو الحزب الذي بنى تاريخيا أيديولوجيته على أساس العرق التركي إلى درجة التطرف حيث شعاراته الطورانية المعروفة، كما أن حزب الشعب الجمهوري الذي يمثل إرث أتاتورك هو الحزب الذي شكل الذراع السياسي للمؤسسة العسكرية التركية تلك المؤسسة التي مارست سياسة الإقصاء والإنكار والعنف وصل إلى حد ارتكاب المجازر بحق الأكراد خلال العقود الماضية، فيما يبدو بنظر الأكراد أن أردوغان وعلى الرغم من عدم إقدامه على خطوات كبيرة وملموسة وعملية لحل قضيتهم إلى الآن، إلا أنه يبدو بنظرهم هو وحده القادر على اتخاذ خطوات لحل هذه القضية الكردية سلمياً، مع أنهم يشعرون في العمق بأن تقربه من الأكراد في هذه اللحظة الانتخابية الحساسة هو لأسباب سياسية تتعلق بحسابات أردوغان السياسية والانتخابية وأن الأمر لا يخلو من المناورة السياسية، ومثل هذا الرأي متجذر لدى قيادة الحزب الكردستاني في جبال قنديل بكردستان العراق. ولكن على الرغم من ذلك فإن الأكراد ومن منطق محض براغماتي يحاولون استثمار الصوت الكردي في هذه الانتخابات سياسياً لصالح قضيتهم، فهم يرون أن صوتهم في هذه الانتخابات يشكل ثروة ثمينة لا تقدر بثمن لإجبار أردوغان إلى القيام بخطوات حقيقية لحل القضية الكردية سلمياً والاعتراف بهويتهم وبشكل من أشكال الحكم المحلي في مناطقهم، وهو ما يلقى رفضاً شديداً من قبل المعارضة التركية ولاسيما حزب الحركة القومية الذي وصف خطوات أردوغان في هذا المجال بالخيانة وتقسيم تركيا من أجل الوصول إلى الرئاسة. في الواقع، يدرك أردوغان نفسه أن الحصول على الصوت الكردي لن يكون سهلاً ودون ثمن أو تنازلات، وعليه يمكن تفسير توقيت تحويل مشروع الحل السلمي للقضية الكردية إلى البرلمان تزامناً مع بدء الترشيح للانتخابات الرئاسية، والمشروع المطروح يشكل منعطفاً لحل هذه القضية حسب زعيم حزب العمال الكردستاني عبد أوجلان نفسه، إذ أنه للمرة الأولى يشرع باب الحوار بشكل قانوني بين الحكومة التركية والحزب الكردستاني، ويعترف بالأخير ممثلاً ومحاوراً عن الأكراد بعد عقود من وصفه بالإرهاب وزعيمه بقاتل الأمهات والأطفال والتأمر على تقسيم البلاد. إذا صحت تقديرات المعارضة بأن مرشحها أوغلو سيحصل على قرابة 45% من الجولة الأولى مقابل نسبة مماثلة تقريباً لأردوغان، فحينها سيكون الصوت الكردي المقدر بنحو سبعة ملايين ناخب الجسر الحقيقي لمن يصل إلى قصر شنقايا الرئاسي في الجولة الثانية، ولعل حسابات المعارضة هنا تقوم على أساس نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في شهر آذار/مارس الماضي، ففي هذه الانتخابات حصل حزب العدالة والتنمية على قرابة 45% من الأصوات فيما حصل حزبا الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية معاً على نفس النسبة تقريباً، وإذا سارت الأمور على هذا النحو، فان السؤال أو التحدي الكبير أمام المرشحين (أردوغان وأوغلو) هو من سيحصل على الصوت الكردي؟ وكيف؟ وبأي ثمن؟ مخاوف ما بعد الرئاسة إذا كانت مهمة أوغلو في حال فوزه هو إعادة ترتيب البيت الداخلي التركي وإتباع سياسة متوازنة في الداخل والخارج ولاسيما تجاه دول الجوار الجغرافي من خلال وضع حد لنهاية سياسة التورط في الشؤون الداخلية التي اتبعها أردوغان، فإن ثمة مخاوف تتضافر من تداعيات وصول أردوغان إلى قصر شنقاي الرئاسي، ولعل أولى هذه المخاوف تكمن في كيفية الفصل بين سياسة أردوغان الحزبية والأيديولوجية وممارسة سياسة متوازنة حين وصوله إلى سدة رئاسة الجمهورية، فالدستور التركي يقضي باستقالة أردوغان من حزب العدالة والتنمية في حال وصوله إلى الرئاسة، لكن ما هو ملاحظ حتى الآن، هو أن أردوغان يريد إبقاء سيطرته على الحزب، سواء بشكل مباشر أو من خلال وضع شخص مقرب منه في رئاسة الحزب والحكومة معاً ليبقى هو الحاكم الفعلي على الجميع، إذ ليس خافياً على أحد أن أردوغان سعى خلال الفترة الماضية إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية وإيصال مقربين منه إلى سدة قيادة الحزب وتهميش القادة الذين اختلفوا معه سياسياً أو أبدو التذمر من تفرده في قيادة الحزب وسياسته. الأمر الثاني يكمن في مصير حزب العدالة والتنمية، إذ أن التجربة التاريخية في تركيا تشير إلى إمكانية انهيار الأحزاب التركية الكبرى حين تفتقد إلى الزعيم التاريخي أو حال وصوله إلى رئاسة الجمهورية كما حصل مع الرئيس سليمان ديميريل وومن قبل الرئيس الراحل تورغوت أوزال عندما انهار حزبيهما بعد وصولهما إلى الرئاسة، ولعل ما يزيد من خطر هذا الأمر على حزب العدالة والتنمية هو القوانين الداخلية للحزب ولاسيما القانون الذي يمنع شغل أي قيادي منصبه لأكثر من ثلاث دورات متتالية، إذ انه وفقاً لهذا البند فإن أكثر من تسعين من كبار أعضاء الحزب سيخرجون من حلبة الحياة السياسية مع حلول موعد الانتخابات البرلمانية في صيف العام المقبل، وهو ما يفتح الباب أمام هؤلاء للانضمام إلى أحزاب أخرى أو الانشقاق عن حزب العدالة والتنمية وتشكيل حزب سياسي أخر. الأمر الأخر الذي يتخوف منه المراقبون يتعلق بالمخاوف من التحول إلى حكم الفرد والحزب الواحد في ظل رئاسة أردوغان للبلاد، فالرجل المحمول إلى حد الهوس بالطموحات السلطوية الجامحة والنزعة العثمانية والأيديولوجية الاخوانية، لا يتوقف عن السعي إلى اختصار الحياة السياسية التركية بشخصه، وعليه يحاول بكل ما أمكن تعديل النظام الدستوري في البلاد ليصبح رئاسيا بصلاحيات مطلقة وعلى الأقل على الطريقة الأمريكية أو الفرنسية، وهو الأمر الذي يعني سحب السلطات والصلاحيات من رئيس الوزراء، ولعل هذا سيثير مشكلة جديدة في البلاد عندما يحين موعد تحديد من سيتولى رئاسة الحكومة، وسط ترجيح البعض إمكانية تكرار السيناريو الروسي مع أردوغان – عبد الله غل على غرار ما جرى بين فلاديمير بوتين - ديمتري ميدفيديف، على الرغم من أن البعض يستبعد مثل هذا السيناريو انطلاقاً من أن أردوغان يريد رئيس وزراء ضعيف يأتمر بأمره. المخاوف من وصول أردوغان إلى رئاسة الجمهورية لا تتوقف على السياسة الداخلية فحسب، وإنما تشمل السياسة الخارجية أيضاً، إذ ثمة من يرى أن وصول أردوغان إلى هذا المنصب سيعمق من سياسة الصدام مع الخارج ولاسيما مع دول الجوار الجغرافي وتحديداً سوريا والعراق في ظل السياسة المعلنة لأردوغان واستناداً إلى تجربته في الحكم خلال السنوات الماضية. * ملاحظة: الجدول الخاص بالاستطلاعات/من مركز الجزيرة للدراسات – 10 تموز 2014 كاتب وباحث متخصص بالشؤون التركية(*) |
||||||