القتل الصهيوني المتعمد للأطفال: النظرية والتطبيق

السنة الثالثة عشر ـ العدد 152 ـ (شهر شوال 1435 هـ)آب ـ 2014 م)

بقلم: ازدهار معتوق(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

لقد مارس الصهاينة وحشيتهم العدوانية ضد كل ما هو عربي: ((فالعربي الجيد هو العربي الميت)). وبلغت هذه الوحشية فظاظتها المجرمة في قتل الأطفال، لذلك قاموا باعتدائهم على مدرسة بحر البقر المصرية في نيسان 1970، وأصروا على قتل الطفل محمد الدرة وهو يلوذ في حضن أبيه، وقتل الرضيعة إيمان حجو ذات الشهور الثلاثة، وقتل أطفال قانا وداعل وقبية ودير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وجنين ونابلس وغزة.. كل ذلك تنفيذاً لتعاليمهم التوراتية التي تقول: ((وتحطم أطفالهم أمام عيونهم)).

إنه القتل والإبادة المنطلقة من تعاليم التوراة، والتي لم يضف إليها القادة الصهاينة جديداً عندما قالوا: ((العرب حشرات ضارة يجب التخلص منها)).

وحقيقة يتساءل المرء كيف استطاع إرهابيو الصهيونية أن يسكبوا نظرية العنف هذه؟ ألم يقفوا مرة ليسألوا أنفسهم: ((لماذا نستبيح دماء الأبرياء، أما يكفينا ما قمنا به؟..)).. ولا بد أن الجواب سيكون سريعاً وحاسماً: إننا شعب الله المختار ولنا الحرية في أن نفعل ما نريد ونقتل من نشاء. وهذا ما عبر عنه الإرهابي أرئيل شارون بقوله: ((لا يحق لأحد في العالم أن يحاسب إسرائيل)).

وتزداد نظرية العنف القائمة على قتل الآخر والأطفال تحديداً، تزداد تطوراً نظرياً وعملياً ولا يبخل عليها منظرو الصهيونية بما يغذيها ويزيد ويؤجج من أحقادها.

وهكذا.. بدم بارد وبروح عدوانية لا تعرف الرحمة يسقط الأطفال معطرين بدمائهم. يسقطون وتنهي نور حياتهم أقدم نظريات الإرهاب والعنف وأكثرها دموية وسادية.

القتل المتعمد للأطفال

كما هو معروف فإن الشواهد التوراتية على نظرية الإبادة لدى اليهود والتي ترتقي إلى موقع العبادة أكثر من أن يجمعها موضوع واحد، فقد جاء في سفر العدد (9: 31-10) حرفياً: ((وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم وأخذوا كل الغنيمة، وكل النهب من الناس والبهائم وتم ذلك بعد أن قتلوا كل الرجال والملوك))(1).

أما قتل الأطفال كموضوع محدد فقد جاء ذكره في التوراة أيضاً في أكثر من موضع، مرتبطاً بشكل مباشر بنظرية الإبادة، وأن حمل نزعه أكثر إجراماً، فقد جاء في سفر أشعيا، (12:13-18): ((واجعل الرجل أعز من الذهب الإبريز، والإنسان أعز من ذهب أوفير، لذلك أزلزل السماوات وتتزعزع الأرض من مكانها في سخط رب الجنود وفي يوم حمو غضبه، ويكونون كظبي طريد وغنم بلا من يجمعها، يلتفت كل واحد إلى شعبه ويهربون كل واحد إلى أرضه، كل من وجد يطعن وكل من انحاش يسقط بالسيف، وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم، وتفضح نساءهم))(2).

وفي السفر التوراتي نفسه (21: 14-23) يأتي ذكر الأطفال ((هيئوا لبنيه قتلاً بإثم آبائهم فلا يقوموا ولا يرثوا الأرض ولا يملؤوا وجه العالم مدناً، فأقوم عليه يقول رب الجنود وأقطع من بابل اسماً وبقية ونسلاً وذرية يقول الرب، وأجعلها ميراثاً للقنفذ))(3).

أما في سفر العدد (17:31) فهناك أمر صريح بصيغة الأمر بقتل الأطفال ((فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها))(4).

وفي سفر صموئيل الأول (12: 15-4) يتكرر الأمر ولكن بشكل أكثر وحشية ودموية ((فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ماله ولا تقف عنهم بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً وغنماً وجملاً وحماراً))(5).

ويعتمد اليهود في جميع مجالات حياتهم على التلمود وأقوال الحاخامات، كميزان للتعامل مع الكون والإنسان والحياة: ((التلمود وجد قبل الخليقة ولولاه لزال الكون، ومن يخالف حرفاً منه يمت))(6). لقد كانت التعاليم التلمودية وأقوال الحاخامات اليهود عبر مئات السنين هي محور سلوك اليهود تجاه غيرهم من شعوب الأرض، وذلك على الأصعدة العقدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن الفكرة المسيطرة على يهود العالم والتي تقول بأنهم شعب الله المختار قد أخذت تحدد علاقاتهم وارتباطاتهم مع الناس في أي مجتمع كانوا فيه، ولذلك نراهم يعيشون في أحياء خاصة بهم (الغيتو) منعزلين عن المجتمع الكبير مشكلين مجتمعاً خاصاً بهم.

يقول التلمود بهذا الصدد: ((إن اليهود أحب إلى الله من الملائكة فالذي يصفع اليهودي يصفع العناية الإلهية سواء بسواء، وهذا يفسر لنا استحقاق الوثني، وغير اليهودي، الموت إذا ضرب يهودياً))(7).

واليهود بتكوينهم النفسي مُسْتَعلون مُسْتَكبرون، ويرون أن غيرهم من الشعوب قد خُلقوا لخدمتهم، وذلك بسبب توجيهات التلمود المنحرفة.. ((خلق الله الناس باستثناء اليهودي من نطفة حصان وخلق الله الأجنبي على هيئة إنسان ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم. إن اليهود يشكلون جزءاً من العزة الإلهية، لذلك تكون الدنيا وما فيها ملكاً لهم، ولهم عليها حق التسلط))(8).

لقد استندت قوانين القتل والذبح والإبادة الفردية منها والجماعية إلى قوانين تعد شرطاً من شروط الانتماء اليهودي، وهي تستند إلى إيديولوجية عنصرية تعتمد على مجموعة من الطقوس، منها ما يستند إلى الشريعة المزورة طبعاً، ومنها ما اعتمد على السحر والشعوذة، وهم يعترفون بذلك ولكنهم يمارسون الأخيرة أكثر من الأولى وهي التي تدعو إلى المزيد من سفك الدماء، واعترفت التوراة بذلك صراحة حيث جاء فيها: ((أما أنتم فتقدموا إلى هنا يا بني الساحرة نسل أولاد المعصية نسل المتوقدين إلى الأصنام تحت كل شجرة خضراء، القاتلون الأولاد في الأودية وتحت شوق المعاقل))(9).

كما اعترف المؤرخ اليهودي برنارد لازار في كتابه ((اللا سامية)) بأن عادة ذبح الأطفال ترجع إلى استخدام دم الأطفال من السحرة اليهود في الماضي.

((إن حوادث الدم البشري مفاهيم انتشرت بين عامة الشعب وهي ليست خرافة، والحقيقة أن جيل الشباب من اليهود يهتم كثيراً بعلوم السحر والشعوذة، والتلمود يبحث عن السحر والشياطين بغموض كبير، ولهذا فمن الطبيعي أن تستعمل الدماء خلال طقوسهم الدينية، ومن المؤكد أن يكون سحرة اليهود قد ذبحوا أطفالاً من غير اليهود ليستفيدوا من دمائهم، وهكذا فإن تلك الروايات تعتمد على هذا الأساس))(10).

يقول التلمود: ((عندنا مناسبتان دمويتان ترضيان إلهنا يهوه إحداهما عيد الفطائر الممزوجة بالدماء البشرية والأخرى مراسيم ختان أطفالنا))(11).

ولليهود عيدان مقدسان لا تتم الفرحة فيهما إلا بتناول الفطير الممزوج بالدماء البشرية، الأول,((عيد البوريم))، والثاني ,((عيد الباسوفير))، الأول في آذار من كل سنة، والثاني في شهر نيسان، وذبائح عيد البوريم تُنتقى عادة من الشباب البالغين، حيث يُؤخذ دم الضحية ويُجفف على شكل ذرات تُمزج بعجين الفطائر، ويُحفظ ما يتبقى للعيد المقبل.

ضمن هذا السياق التوراتي المزعوم والممارسة الوحشية، والتي تستند إلى جملة من الأوهام الخرافية، يمكننا فهم دوافع قيام القادة الصهاينة بقتل الأطفال العرب في مصر وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين. فها هي غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة تقول بشكل وقح: ((لا أستطيع النوم كلما سمعت بميلاد طفل عربي)).

جريمة اغتيال حاقدة

عندما يحاول الدارس استعراض جرائم إسرائيل لقتل الأطفال فإنه لن يتمكن من حصرها والإحاطة بها كلها، ولكن كمثال على هذه الجرائم فإننا نورد الحادثة التالية(12):

لا عمر الطفولة البريئة ولا حرمة شهر رمضان المبارك، كعادتها أضافت إسرائيل جريمة بشعة إلى سجل جرائمها الكبير ضد الشعب الفلسطيني عندما سقط خمسة من تلاميذ المدارس شهداء وهم في طريقهم إلى مدرستهم إثر انفجار عبوة ناسفة في الطريق المؤدي إلى المدرسة، وتتراوح أعمار الطلاب الخمسة بين ست سنوات وأربع عشرة سنة، اصطدموا بالجسم المشبوه الذي زرعه الجيش الإسرائيلي، وتحولت أجسادهم الطاهرة إلى أشلاء مبعثرة عقب ذلك.

ووصف كل من رأى مشهد الأجساد المتناثرة بالفظيع والذي يعبر عن مدى الحقد الإسرائيلي حتى على الأطفال الذي لم ينجوا من الألغام الإسرائلية00

إن الشهداء الخمسة الذين وصلوا إلى مستشفى ناصر بخان يونس ينتمون إلى عائلة واحدة وهم محمد نعيم الأسطل 14 عاماً وشقيقه أكرم 6 سنوات وعمر إدريس الأسطل 14 عاماً وشقيقه أنيس 10 أعوام إضافة إلى الجريح أحمد ديب الأسطل 10 أعوام والذي استشهد في المستشفى.

إن عملية استشهاد الطلاب الخمسة جريمة اغتيال حاقدة، فما ذنب هؤلاء الأطفال وأين هي اتفاقية حقوق الطفل التي تدعو إلى حماية الطفل وضمان حقه في التعليم؟. لقد رصدت وكالة فرانس برس في تقرير لها حالة الصدمة والذهول التي انتابت أبناء الشعب الفلسطيني بعد مقتل التلاميذ، وقالت في تقريرها أن أشلاء التلاميذ الخمسة اختلطت بأشيائهم الصغيرة من كتب ودفاتر وحقائب مدرسية وتحولوا إلى رذاذ من الدماء في موقع الحادث.

وصعقت الصدمة الطفل الفلسطيني محمد الأسطل لدرجة عجز معها عن التصديق بأن الأشلاء التي تناثرت بعد انفجار كبير قرب منزله القريب من مستعمره صهيونية في خان يونس جنوب قطاع غزة هي أشلاء أبناء أعمامه الخمسة الذين مروا به قبل دقائق وهو واقف أمام المنزل. وأكد محمد أن ما حدث أمر مريب جداً خاصة أنه شاهد أشياء تتطاير في السماء بعد سماعه مباشرة انفجاراً هائلاً.

أما بشير عبد الكريم الأسطل عم الأطفال الشهداء الخمسة فقد فوجئ لدى عودته من عمله الليلي بأطفال يطلبون منه المساعدة لنجدة طفلين استشهدا بالانفجار وجثتهما بين الدفيئات الزراعي في المكان. وأكد الأسطل أنه لم يتمكن من التعرف على الشهيدين بسبب تناثر الجثث وتفحم بعضها موضحاً أن الأشلاء كانت متناثرة فوق الأشجار وعلى أسطح المنازل ووصف المشهد بأنه فظيع ومروع.

وقال مصدر في مشفى ناصر أن عدداً من الأطفال يرتدون الزي المدرسي أتوا إلى المستشفى قبل أن يتوجهوا إلى بيت العزاء يحملون بقايا كتب ودفاتر مدرسية كانت بحوزة التلاميذ الشهداء لدى ذهابهم إلى مدرستهم إضافة إلى بعض بقايا ملابس وأحذية أتت عليها النيران.

وهكذا تتطاير أشلاء الأجساد الطاهرة، ويختلط الدم بالحبر والورق، واللحم بالقلم والحقيبة، ويحاول المارة التعرف على الأطفال من خلال الأسماء الموجودة على كتبهم ودفاترهم.

تبرئة قتلة الأطفال

برأت المحكمة العسكرية في قيادة المنطقة الجنوبية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في يوم الثلاثاء الموافق 15 نوفمبر 2005 الضابط المتهم بقتل الطفلة الفلسطينية إيمان الهمص، وأسقطت عنه تهماً بالقتل والاستخدام غير المشروع للسلاح، وتعطيل العدالة بعد أن طلب من جنوده تغيير إفاداتهم المقدمة للتحقيق العسكري(13).

الطفلة الفلسطينية إيمان سمير الهمص، 13 عاماً من مدينة رفح، كانت قد لقيت مصرعها في صباح يوم 5 أكتوبر 2004، بعد أن أطلق جنود الاحتلال المتمركزون في الموقع العسكري الإسرائيلي المقام على الشريط الحدودي، وهي تحمل حقيبتها المدرسية القريبة من الموقع العسكري. وقد أثيرت القضية في حينه، على خلفية اعتراف أحد جنود الوحدة العاملة في الموقع العسكري المذكور بأن قائد السرية نفذ عملية "تأكيد القتل" وأفرغ أكثر من عشرين رصاصة في جسد الطفلة من مسافة قريبة، بعد إصابتها وسقوطها على الأرض.

وعلى إثر ذلك، أعلن المدعي العام العسكري عن فتح التحقيق في القضية. وفي حينه قبل موشيه يعلون، رئيس الأركان الإسرائيلي رواية الضابط، الذي ادعى أن عملية إطلاق النار على الطفلة تزامن مع إطلاق مسلحين فلسطينيين النار على الموقع العسكري. وفي أعقاب نشر الصحف الإسرائيلية تفاصيل أكثر عن القضية، اعتقل الضابط بتهمة التورط بالإدلاء بشهادات كاذبة. وبتاريخ 22 نوفمبر 2004 قدمت النيابة العسكرية لائحة اتهام ضد الضابط ومددت المحكمة العسكرية فترة اعتقاله لمدة شهرين في معسكر مفتوح. وبتاريخ 23 نوفمبر نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، شريطاً مسجلاً، يوضح مشهد الضابط الإسرائيلي وهو يقترب من الطفلة المصابة وهي ملقاة على الأرض ويفرغ عدة رصاصات في جسدها. وفي جلسة 9 ديسمبر وجهت للضابط تهمة الاستخدام غير القانوني للسلاح. وقد أفرجت المحكمة العسكرية عن الضابط بتاريخ 6 فبراير 2005 بعد تراجع شاهد الإثبات وجنود آخرين عن شهاداتهم بأنهم رأوا الضابط يطلق النار على الطفلة، وادعى أنه كذب في التحقيق هو وجنود آخرون بهدف إبعاد ضابط الوحدة عن وحدتهم.

إن قرار المحكمة العسكرية هذا يقدم دليلاً آخر على انعدام العدالة في النظام القضائي الإسرائيلي، خاصة القضاء العسكري. وتجرى التحقيقات في جميع هذه الحالات من قبل الجيش الإسرائيلي، وتحال إلى القضاء العسكري، مما يفقد هذه التحقيقات والقرارات الصادرة بشأنها مصداقيتها. فمنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في سبتمبر عام 2000، قتل 2908 فلسطينياً على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، بينهم 651 طفلاً فلسطينياً.

وعلى الرغم من مئات الشكاوى التي تقدمت بها منظمات حقوق الإنسان بما فيها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، نيابة عن الضحايا، إلى المحاكم الإسرائيلية، إلا أنه يتم تجاهلها، ولا يتم التحقيق النزيه والجدي سوى في بعضٍ منها. وفي هذا الإطار، فقد أوردت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بيتسيلم" في 27 يونية 2005، إحصائية توضح أن من بين آلاف الضحايا الذين سقطوا على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ بدء الانتفاضة وحتى منتصف العام 2005، فتحت الشرطة العسكرية الإسرائيلية تحقيقاً في 108 حالات تتعلق بقتل وإصابة فلسطينيين في الأراضي المحتلة على أيدي قوات الاحتلال. من بين هذه القضايا، تم توجيه لوائح اتهام في 19 حالة، وفي حالتين فقط تم إدانة جنود بقتل فلسطينيين.

ومن بين الأمثلة البارزة على عدم جدية التحقيق في مقتل وإصابة مدنيين في الأراضي المحتلة على أيدي قوات الاحتلال، قرار القاضي العسكري الإسرائيلي في أبريل 2005 بإسقاط التهم عن الجندي الإسرائيلي المتهم بقتل الصحفي البريطاني جيمس ميللر، بسبب ما وصفه القاضي "بنقص في الأدلة التي تربطه مباشرة بجريمة القتل". وكان الصحفي البريطاني جيمس ميللر قد لقي مصرعه في مدينة رفح في مايو 2003، جراء إطلاق النار عليه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء قيامه بعمله الصحفي.

وسبق ذلك القرار، تبرأة الجندي الإسرائيلي في العام 2003 المتهم بقتل الناشطة الأمريكية راشيل كوري، التي سحقتها جرافة إسرائيلية في مدينة رفح في آذار 2003، أثناء تصديها لعمليات تجريف وهدم منازل فلسطينية. وكانت نتيجة التحقيق العسكري الإسرائيلي في حينه قد توصلت إلى أن راشيل كوري قتلت "بينما كانت تعرقل العمليات التي كانت تجريها جرافات...وأن راشيل أصيبت بينما كانت تحاول تسلق تلك الجرافة". وخلص التقرير إلى أن "وفاة كوري ليست نتيجة عمل مباشر للجرافة وليست بسبب سحقها لكنها نجمت عن كتلة ترابية دفعتها الجرافة!!. ولذا، ليس هنالك أسباب لاتخاذ تدبير تأديبي بحق الجنود المتورطين".

وتعطي القرارات سابقة الذكر مؤشراً واضحاً على الحصانة التي يحظى بها جنود الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وتشجعهم على اقتراف المزيد من جرائم الحرب بحق المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم، وتعطيهم حرية التصرف دون أن يعاقبوا.

 وكانت آخر هذه الجرائم قد وقعت في جنين بتاريخ 3 نوفمبر 2005، حين أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على الطفل أحمد الخطيب، 11 عاماً، بينما كان يلهو مع أقرانه في أول أيام عيد الفطر. وقد توفي الطفل في 5 نوفمبر، بعد أن قضى ثلاثة أيام في مستشفى إسرائيلي جراء إصابته برصاصتين في رأسه، وأخرى في بطنه. وادعت مصادر في قوات الاحتلال أن الطفل قُتل بطريقة الخطأ، وإن جنودها أطلقوا الرصاص عليه نتيجة حمل الطفل لبندقية بلاستيكية بدت للجنود كأنها بندقية حقيقية، الأمر الذي نفاه والد الطفل، مؤكداً أن ابنه لم يكن يحمل بندقية بلاستيكية كما يزعم جنود الاحتلال. ولم ترد معلومات حتى هذه اللحظة عن قيام قوات الاحتلال بفتح تحقيق جدي ونزيه في ظروف مقتل الطفل.

الشهيد محمد أبو خضير

لا فارق بين إجرام وآخر ولا بين إرهاب همجي من هنا أو من هناك…فالإجرام والإرهاب يبقى واحداً سواء ارتكب من قبل تنظيمات إرهابية تتخذ من التطرف الأعمى مصدراً لإجرامها وإرهابها أو ارتُكب من قبل دولة عنصرية متطرفة تحظى بغطاء ما يسمى المجتمع الدولي…

لذلك لا فارق أبداً بين الإجرام الإرهابي الذي يرتكب على يد عصابات الإرهاب العالمي… والإجرام الإرهابي الذي يرتكبه الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وآخر أوجه هذا الإرهاب الهمجي لإسرائيل تمثل في الجريمة البربرية التي ارتكبها الصهاينة  بحق الفتى الفلسطيني الشهيد محمد أبو خضير. حيث كشف طبيب فلسطيني شارك في تشريح جثمان الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير (17 عاماً)، أن نتائج عملية التشريح تشير إلى أن الأخير تم حرقه وهو على قيد الحياة، وأن ذلك هو سبب الوفاة.

وقال صابر العالول مدير معهد الطب العدلي (التشريحي)، المكلف من النيابة العامة الفلسطينية بمشاركة الجانب الإسرائيلي في تشريح جثمان أبو خضير، في اتصال هاتفي مع وكالة "الأناضول" التركية: "تبين خلال التشريح وجود مادة شحبار في المجاري التنفسية بالقصبات والقصيبات الهوائية في كلتا الرئتين، مما يدل على استنشاق هذه المادة أثناء الحرق وهو على قيد الحياة". وأشار العالول إلى أن "جسم أبو خضير أصيب بحروق من مختلف الدرجات، بالإضافة إلى تعرض الرأس إلى إصابة برضوض”، موضحاً أنه تم “اخذ عينات من سوائل وأنسجة جسم أبو خضير لفحصها مخبرياً ونسيجياً، للوصول إلى تقرير قضائي نهائي".

وأكد النائب العام الفلسطيني محمد العويوي أن التشريح الأولي لجثمان الفتى أبو خضير أظهر أنه "أحرق حياً"، وأن السبب المباشر للوفاة هو الحروق ومضاعفاتها.

وقال العويوي في بيان، إنه "تبين من خلال التشريح وجود مادة شحبار بمنطقة الرغامى (المجاري التنفسية) بالقصبات والقصيبات الهوائية في كلتا الرئتين، مما يدل على استنشاق هذه المادة أثناء الحرق وهو على قيد الحياة".

وأوضح العويوي أن التشريح أظهر أن "الحروق تغطي 90% من سطح جسم الفتى، وأن منطقة الرأس تعرضت لإصابة بجرح رضي، وأخذت عينات ومسحات من سوائل وأنسجة الجسم لفحصها مخبرياً، لإعداد تقرير طبي نهائي"، مؤكداً أن المهم حالياً هو الوصول إلى الجناة ومعاقبتهم أشد عقوبة.

وكان الفتى المقدسي محمد حسين أبو خضير مع بزوغ الفجر قد تناول سحوره ، ثم استأذن والديه للصلاة وغادر قاصدا مسجد شعفاط القريب، لكن أيادي المستوطنين كانت أقرب من عتبات المسجد.

وتفيد روايات سكان الحي المقدسي، حيث منزل عائلة الشهيد، بأنه تعرض للخطف من قبل خمسة مستوطنين بعد مغادرته المنزل. وقالوا إن الخاطفين غادروا به الحي متوجهين للقدس الغربية، فتبعهم السكان إلا أن محاولات اللحاق بهم باءت بالفشل.

وفي ساعات الصباح أعلنت شرطة الاحتلال العثور على جثة محروقة عليها آثار تعذيب، وسرعان ما تبادر إلى ذهن الأهالي وعائلة أبو خضير أن الضحية هو الشاب الوسيم محمد، وهو ما كان. وتظهر صور نشرت على الإنترنت وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي تمثيلا بشعا بالجثة، وآثار طعنات تنزف منها الدماء.

ويقول والد الشهيد إن الأخبار السيئة توالت وإنه استدعي بعد العثور على الجثة للتعرف عليها، لكن شرطة الاحتلال منعته من رؤيتها، واكتفت بإجراء فحص الحمض النووي للتأكد من هوية محمد، وواصلت احتجاز الجثمان ليومين بحجة إجراء التشريح.

من جهته يعلق ناشط مقدسي على التمثيل بالشهيد وحرقه بالقول إن اليهود اتخموا العالم حديثاً عن المحرقة ومعاناتهم، واليوم استخدموا أداة التعذيب نفسها بحق طفل لم يتجاوز سن البلوغ. ومنذ العثور على جثامين ثلاثة مستوطنين اختفت آثارهم قبل ثلاثة أسابيع، تزايدت بشكل ملحوظ حدة التحريض على العرب والدعوات للقتل والانتقام والثأر من خلال شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، شارك فيها جنود وكتاب وحاخامات إسرائيليون، رغم عدم إعلان أي جهة فلسطينية مسؤوليتها عن قتلهم(14).

هوامش:

1- سفر العدد (31: 9 -10).

2- سفر اشعيا (13: 12 -18).

3- سفر اشعيا ( 14: 21-23).

4- سفر العدد (31: 17).

5- سفر صموئيل الأول (12: 15-4).

6- عبد الله التل، جذور البلاء، المكتب الإسلامي، بيروت، 1970،  ص83.

7- الخوري بولس حنا مسعد، همجية التعاليم الصهيونية ـ المكتب الإسلامي، بيروت، 1970، ص 52.

8- عبد الله التل، جذور البلاء، مرجع سابق، ص 79.

9- سفر اشعيا ـ الإصحاح (57: 3-5) النص موجه هنا إلى الذين هادوا.

10- البرميل الأبري (ايفلي فيجي) للجنرال جواد رفعت، عن كتاب السلام في المنظور التوراتي، حرب شاهين، دمشق، 2001، ص 48.

11- (اليهود ـ النور ـ الإسلام) السير ريتشارد بورتون نشر عام 1898م ص 73.

12- تقرير لوكالة ((فرانس برس))

13- المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة, الخميس 16/11/2005.

14- الأنباء 13/7/2014.

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*)

 

اعلى الصفحة