|
|||||
|
حين تدلهم الخطوب بالمسلمين وتدور عليهم الدوائر، وتفرق الأهواء شملهم، ما الموقف المطلوب؟ قد يرى البعض أن الدعوة للوحدة الإسلامية في هذه الظروف ـ بلحاظ ما يجري في بلدان المسلمين المتعددة ـ لا جدوى منه. ولكن ما هو الموقف الإسلامي والإنساني المطلوب لمنع التشظي والاختلاف؟ وكيف تبرأ الذمم عندما يقف المسلم أمام ربه ويواجه بالآية الكريمة: ﴿وقفوهم إنهم مسؤولون﴾. ما مسؤوليتنا إزاء هذا الوضع؟ هل يرضى الله الذي يقول في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾. من الذي يصنع الموقف ويعيد مسار التاريخ إلى مجراه الصحيح عندما ينحرف؟. انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية الشرعية بضرورة نفرة فريق من المؤمنين لاستيعاب الموقف وتبليغه للأمة، عقد منتدى الوحدة الإسلامية في بريطانيا مؤتمره السابع في الفترة 13- 15 يونيو (حزيران) تحت شعار: "خطوات على طريق لم شمل المسلمين" شارك في المؤتمر نخبة من العلماء والمفكرين من دول إسلامية عديدة، من بينها مصر والسودان والعراق وإيران ولبنان والجزائر والبحرين واستراليا، إضافة إلى المملكة المتحدة (بريطانيا). وبعد افتتاح المؤتمر مساء الجمعة 13 يونيو على قاعة "دار الإسلام" في العاصمة البريطانية لندن، تواصلت أعماله طوال يومي السبت والأحد بجلسات حيوية تطرقت للمحاور التالية: ـ التصدي لفتنة التكـفير والتطرف بلغة الحوار والتواصل والحب. ـ دور العلماء في استبدال ثقافة التكـفير ونبذ الآخر بثقافة التفـكير والاعـتراف بالآخر. ـ أين هي النخبة التي تمارس دور التوجيه والتوعية لمواجهة الفتنة؟ ـ التكـفير وخطره على تماسك ووحـدة أمة المسلمين. ـ الصمت الذي لا يمكن تبريره حين يعم الخلاف. ـ دور الطائفية في استهداف ثورات الربيع العربي. ـ خطوات عملية من أجل لمّ شمل المسلمين. المشاركون يدركون بوعي ظروف الأمة وتعقيداتها وما أصاب علاقات أبنائها من تصدعات، ويعلمون أيضاً أن الطائفية أزمة مفتعلة تهدف لإضعاف الأمة ولذلك انبروا، مدفوعين بالشعور العميق بالمسؤولية، يبتغون بذلك وجه الله، لإعادة قراءة المشهد وما يمكن عمله من اجل لم الشمل وتوحيد الموقف والكلمة. ولاحظ المشاركون ما يلي: أولاً: إن المسلمين في جوهر عقيدتهم، أمة واحدة، كما حدد القرآن الكريم، وأنّ عليهم أن يستعيدوا تلك الوحدة التي يعتبر تحقيقها واجبا قرآنيا لا مناص منه ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾. فالولاية الإيمانية شرط لإبعاد الفتنة. ثانياً: أن علماء المسلمين يتحملون مسؤولية كبرى في احتواء الفتنة ومنع تفاقمها، ويستطيعون توضيح الموقف المسؤول بشكل متواصل، فيتصدون للأساليب التي تحول دون ذلك ومنها التكفير المؤسس على الجهل بالآخر وعلى عدم استيعاب الضوابط الدينية التي تمنع ذلك، فمناط الإسلام شهادة (أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله) ولا يحق لأحد تكفير أهل الشهادة أبدا. ثالثاً: إن الطائفية سلاح يستخدمه حكام الاستبداد لإشغال المواطنين ببعضهم، وتحويل الاختلاف إلى القطاعات المجتمعية بدلا من أن يكون بين نظام الحكم والمواطنين. ويهدف أعداء الأمة لإبقائها مهمشة وغير فاعلة ليستطيعوا قطف ثمار ذلك وإبقاء الأمة بعيدة عن الدور الإلهي المنوط بها كأمة وسط. رابعاً: أن هناك اختلافات بين المسلمين حول المسائل السياسية، وهذه الاختلافات يجب أن لا تؤثر سلبا على العلاقات الثنائية بين أهل القبلة، لأن إضفاء الطابع الديني عليها يحولها إلى خلاف يرتبط بالوجود أو عدمه. خامساً: إن المؤتمرات التي تعقد لإشاعة ثقافة الوحدة والتفاهم والحوار بين أبناء الأمة عمل مشكور، ولكنه لا يكفي لخلق رأي عام ينشر روح التقريب. والمطلوب أن ينبري دعاة الوحدة بأنفسهم لإقناع الأمة بأولوية هذه الوحدة، وأنها تسبق الوظائف الإسلامية الأخرى نظراً لما تنطوي عليه من أبعاد اجتماعية وذات صلة بمتانة الأمة وصلابة موقفها. فالوحدة ليست شعارا بل نهج ومشروع ونظام حياة وتوجه فكري وفلسفي. سادساً: إن دعاة الوحدة ـ وإن كانوا قليلين ـ فإنهم سيواصلون عملهم بعون الله دون يأس. خصوصاً عندما تتمكن الدعوات الشيطانية من النفوس، ولا يؤمن بها إلا من تعمقت في نفسه مشاعر الخير وحطم شياطين الإنس والجن في داخله، وآمن حقا بان حب الله لا يتحقق إلا بالتراص مع من آمن بالشهادتين: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾. سابعاً: بعد أكثر من ثلاثة أعوام على ثورات الربيع أصبح واضحا كالشمس أن القوى الشيطانية استرجعت قواها، ووحدت صفوفها لمنع التغيير في المنطقة العربية وتمنع صعود أصحاب المشروع الإسلامي للحكم، ولجأت لوسيلتين خطيرتين للنيل من وحدة الأمة وأمنها: الطائفية والإرهاب. ويرى المؤتمر ضرورة التصدي للطائفية بالإيمان والعقل والإخلاص وصدق النوايا ومد الجسور مع بقية المسلمين. ومن جهة أخرى فإنهم مطالبون بالتصدي للإرهاب الذي أصبح رديفا للتطرف والتكفير. ومطالبون كذلك بدعم جهاد الشعوب من أجل الحرية والعدالة وضد الاستبداد والظلم. ثامناً: إن دعاة الوحدة واضحون ومعروفون بسيماهم، فلنكن معهم، ولا نأبه بالإعلام وقوى الثورة المضادة. كما إن مصادر التكفير والإرهاب معروفة، تستقوي بصمت أهل الإيمان، وبثروات الأمة، وما توفره لها من أبواق ووسائل تزييف وتضليل. فليكن صوت أهل الإيمان مرتفعاً دائماً، ضمن ما يقرره العقل والحكمة، لمنع فتنة الناس في دينهم وأمتهم، ولتكن الأهداف التوحيدية النبيلة مانعة لهم من الانجرار وراء أصوات الزيف الإعلامي البترودولاري. تاسعاً: في جميع الظروف والأحوال، مطلوب من أهل الإيمان والمبدأ التمسك بتحرير فلسطين هدفاً مقدساً ونقطة اجتماع جاذبة. ولقد أصبح واضحاً أن الفتن المفتعلة إنما صرفت الأنظار بعيدا عن العدو الحقيقي للأمة، فليحرص دعاة الوحدة على استحضار القضية دائماً، وتوجيه أنظار الشعوب العربية والإسلامية نحوها، وتشجيع أهل فلسطين على النأي عن الصراعات التي تضعف الصف وتلهي الأمة عن قضية التحرير المقدسة. عاشراً: يؤكد المؤتمرون مبدأ الحفاظ على وحدة المسلمين ومنع تمزقهم حفاظا عليهم كأمة وعلى بلدانهم التي أصبحت الطائفية والإرهاب من أكبر ما يهدد وحدتها. فبعد السودان الذي قسمه أعداء الأمة، أصبحت بقية البلدان الإسلامية الكبرى مهددة بالتقسيم أيضاً، وما تشهده المنطقة من صراعات دموية تحركها أياد خفية وعلنية، يؤكد ضرورة استعادة الوعي ورفض دعوات الفرقة لأنها تؤدي إلى المزيد من الشتات والتقسيم.
|
||||