|
|||||||
|
لم يستجب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان و وزير خارجيته أحمد داود أوغلو للتحذيرات التي أطلقها مراراً العديد من الكتاب والمفكرين وقادة المعارضة التركية خلال الفترة الماضية من انتقال خطر الجماعات الإسلامية المتشددة في سوريا إلى تركيا، بل إن أحمد داود أوغلو ظل يصف تنظيمات القاعدة في سوريا بالجماعات الراديكالية حتى قبل فترة قليلة. ولم تصنف الحكومة التركية هذه الجماعات (جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة بداعش) في خانة الإرهاب إلا قبل فترة قليلة وذلك عندما لاح خطر هذه الجماعات على الداخل التركي من جهة، ومن جهة أخرى بسبب حصول أزمة صامتة بين الإدارة الأمريكية وحكومة أردوغان على خلفية دعم الأخيرة للجماعات الإرهابية حيث أضطر الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى طرح هذا الموضوع على أردوغان خلال أخر لقاء بينهما في البيت الأبيض. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا دعمت تركيا هذه الجماعات؟ في الواقع، ثمة سببان رئيسان لهذا الدعم. الأول: إن تركيا ومنذ انطلاقة الأزمة السورية سعت إلى استخدام هذه الجماعات كأداة لإسقاط النظام السوري، وعليه جعلت من أراضيها مأوى وممراً لها، كما تورطت الاستخبارات التركية في دعمها من خلال التغاضي عن قدوم المقاتلين من مختلف مناطق العالم للدخول إلى سوريا عبر الأراضي التركية وما ترتب على ذلك من إيصال شحنات أسلحة لها، بل إن التقارير التركية تشير إلى وجود قرابة ثلاثة آلاف تركي منخرطين في تنظيم داعش وحده حسب صحيفة مللييت التركية. الثاني: محاربة أكراد سوريا من خلال هذه الجماعات، إذ أن تركيا التي تعيش فوبيا القضية الكردية في الداخل والخارج وجدت نفسها مع إقليم كردي في شمال شرق سوريا يديره حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي القريب من حزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان المعتقل في سجن إيمرالي منذ نحو 15 عاماً، إذ كشفت معارك رأس العين وتل أبيض بين المقاتلين الأكراد وتنظيمي داعش وجبهة النصرة عن تورط تركي مباشر في هذه المعارك، حيث قدمت العديد من المجموعات المسلحة من داخل الأراضي التركية وسط قصف مدفعي تركي للقوات الكردية التي أسرت أشخاص كانوا يحملون الجنسية ويحاربون في صفوف النصرة وداعش. اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على الأزمة السورية لم تتحقق الأحلام التركية، فالنظام السوري صمد وأدار الأزمة على الرغم من حجم الدمار والقتل والتدمير والضحايا، كما أن أكراد سوريا باتوا قوة حقيقية على الأرض ولم يعد بمقدور احد تجاهلهم. في المقابل فان تركيا التي استخدمت التنظيمات الإرهابية كأداة لها باتت في أزمة حقيقية تهددها خطر هذه التنظيمات وسط ازدياد موجة الانتقاد في الداخل التركي لسياسة حزب العدالة والتنمية التي انقلبت على سياسة صفر المشاكل وحولتها إلى تعميق المشاكل في كل الاتجاهات. ما بعد معركة الموصل الهجوم الذي قام به تنظيم داعش في الموصل شكل انعطافة جديدة في المعادلات الأمنية والسياسة ليس في العراق وحده بل على المستوى المنطقة بكاملها، فقد سمح هذا الهجوم بإقامة ما يشبه دولة داعش الممتدة من منبج بالقرب من حلب على الحدود السورية التركية إلى قرب بغداد التي تشكل موقعا حيويا لأمن دول الخليج وإيران معاً، كما ان هذا الهجوم أدى عمليا إلى سيطرة قوات البيشمركة الكردية على مدينة كركوك الغنية بالنفط بعد انسحاب القوات العراقية منها، بما يعني أن دولة داعش أصبحت على حدود إقليم كردستان، وهو ما يفتح باب المواجهة بين الجانبين في ظل التطلعات الجامحة لتنظيم داعش وعدم اعتراف إيديولوجيته بالخصوصية القومية للشعوب والقوميات. في الواقع، ما حصل في الموصل شكل صدمة للحكومة التركية خصوصاً بعد اعتقال داعش لأكثر من ثمانين تركيا بينهم القنصل التركي في الموصل، ومعيار الصدمة هنا له علاقة بسياسة الحكومة التركية التي بدت وكأنها لا تعرف هذا التنظيم على الرغم من أن وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو أعلن قبل ساعات من دخول داعش للقنصلية التركية أن الدبلوماسيين والموظفين الأتراك بأمان وليس هناك ما يستدعي مغادرتهم العراق، كما أن طريقة تعامل السياسة التركية بعد اعتقال هؤلاء كشفت هشاشة هذه السياسة وخوفها من تداعيات الإقدام على خطوة للإفراج عن المعتقلين الأتراك، إذ أن تفجيرات الريحانية وباب الهوى، بل وتهديد داعش بنقل المعركة إلى داخل الأراضي التركية و وصفه الحكومة التركية بالكفر، كلها باتت في حسابات أردوغان السياسية الذي يخشى في العمق من يؤدي الصدام بينه وبين داعش إلى كشف المزيد من الفضائح عن التورط التركي في دعم هذه الجماعات، ومثل هذا الأمر قد يشكل ضربة قاضية لأردوغان الذي يستعد الخوض للانتخابات الرئاسية المقررة في العاشر من آب/أغسطس المقبل حيث ستجري هذه الانتخابات للمرة الأولى في تاريخ تركيا عن طريق الاقتراع المباشر. ولعل مخاوف أردوغان مرتبطة أيضا بما حذره العديد من الكتاب الأتراك من أن الجماعات الإسلامية المتشددة ترى في تركيا دولة مغرية، نظراً لأنها دولة حافلة بالرموز الغربية حيث العلاقات التركية – الأمريكية القوية والتي تصل إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، ووجود قواعد عسكرية أمريكية على الأراضي التركية، ونشر الدروع الصاروخية الأمريكية وصواريخ باتريوت على الأراضي التركية، فضلاً عن أنها دولة عضو في الحلف الأطلسي، ذلك الحلف الذي قاد الحرب ضد أفغانستان والعراق وليبيا. وحقيقة فان صرخة هؤلاء الكتاب تبدو أكثر من معقولة بعد ان تحولت الحدود التركية السورية إلى أشبه بالحدود الأفغانية الباكستانية، ولعل ما يزيد من خطر هذه الجماعات هو قدرتها على استقطاب المواطنين الأتراك وانتشارها في البيئة الاجتماعية التركية التي لا تختلف عمليا عن بيئة دول المنطقة، وأمام هذه المخاطر المنتظرة، يرى هؤلاء الكتاب أن تركيا عملياً باتت جارة لدولة داعش التي تمتد من الشمال السوري إلى داخل العراق بعد أن كانت الحدود مع سوريا أمنة، والتجارة التركية تنساب كنهري الفرات ودجلة، وعليه طالب هؤلاء الحكومة التركية مراراً بضرورة مراجعة سياستها إزاء الأزمة السورية ووقف دعم الجماعات المسلحة، ومع إصرار تمسك أردوغان وأوغلو بالسياسة السابقة باتت المطالبة باستقالتهم لسان حال المعارضة التركية. في محاولة لفهم ما جرى، ترى هذه الأوساط أن أسباب ذلك يعود إلى المعطيات التالية: 1- أن أردوغان هو السبب الأول والأساسي في ذلك، فهو الذي فتح الأراضي التركية أمام هذه الجماعات بل وصل الأمر إلى حد استقبالهم في المطارات التركية، وتحويل الأراضي التركية إلى مقر وممر لهم إلى الأراضي السورية، فضلاً عن تأمين المعسكرات والسلاح لها والتغطية النارية كما حصل خلال معارك كسب في شمال سوريا، ومن قبل في رأس العين شرق سوريا. 2- إن أردوغان يتصرف على هذا النحو تحت وهم أحلامه الإمبراطورية، فهو يعتقد أنه يستخدم هذه الجماعات كأدوات لتحقيق مشروعه هذا، عبر زجها في معركة إسقاط النظام السوري وبالتالي فتح الطريق أمام حلفائه أي الأخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في دمشق، بما يعني كل ذلك التحكم بالسياسة السورية في المستقبل وتحويل سوريا إلى ممر لسياسات أردوغان تجاه عموم منطقة الشرق الأوسط على الرغم من الضربة التي تلقتها بسقوط حكم حليفه محمد مرسي في مصر وقدوم السيسي إلى سدة الرئاسة المصرية وهو ما يعني قطع الطريق على الأحلام التركية تجاه المنطقة العربية وكذلك أفريقيا. 3- إن مثل هذا الدور جعل أردوغان من تركيا من حيث يدري أو لا يدري إلى أداة وظيفية بيد السياسية الأمريكية التي تريد إغراق المنطقة في حالة من الفوضى والتفكك والحرب الطائفية بغية إعادة صوغها من جديد في ضوء المصالح الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية. في الواقع، إن أردوغان بسياسته هذه لتحقيق أحلامه الإمبراطورية لا يغامر بدفع المنطقة إلى حروب مركبة ومتداخلة ومفتوحة فحسب، بل يغامر أيضاً بمستقبل تركيا نفسها وربما لن نحتاج إلى وقت طويل كي تظهر مخاطر نار الجماعات المتشددة والتي أوقدها أردوغان في الداخل التركي نفسه. فالثابت ان هذه الجماعات لا تعترف بالحدود الجغرافية وديدنها هو استخدام القوة دون أي اعتبار سوى إيديولوجيتها القروسطية المغلقة. اليوم وبعد معركة الموصل تجد تركيا نفسها أمام استحقاقات جديدة تشكل تحديا لسياستها، ولعل من أهم هذه الاستحقاقات: 1- وجود دولة داعش التي لها بعد إيديولوجي يعبر عن مكون اجتماعي تشترك فيه تركيا، لكنه بعد إيديولوجي مختلف وبات يهدد النموذج التركي السياسي في الحكم خصوصاً وأنه يخونه ويصفه بالكفر. 2- إن توسع خطر داعش بات يهدد حلفاء تركيا في العراق ولاسيما إقليم كردستان التي تشهد علاقاته مع تركيا تطورات غير مسبوقة، وكذلك تركمان العراق التي رفعت تركيا لواء الدفاع عنهم طوال العقود الماضية، وهو ما يجعل مصالحها النفطية والتجارية مع إقليم كردستان مهددة. 3- إن تعاظم نفوذ داعش يجعل منه قوة مهددة لتركيا وليس مجرد أداة بيدها، كما سعى أردوغان، خصوصاً وأن المناطق التي يسيطر عليها داعش هي غنية بالنفط والغاز وهو ما يعني إمكانية شراء المزيد من الأسلحة بما في ذلك المتطورة بما يشكل كل ذلك ندا قويا ومهددا حقيقيا لحكومة حزب العدالة والتنمية في المستقبل. دون شك، دعم تركيا لداعش جاء في إطار الطموحات التركية الدفينة تجاه سوريا والعراق، وهي انطلقت في هذا الدعم انطلاقا من. 1- إحساس تركيا بفائض القوة بحكم التغييرات الإقليمية والدولية التي جرت عقب الغزو الأمريكي للعراق، ومحاولة إتباع الحرب الناعمة والقوة الدبلوماسية والأبعاد الإيديولوجية لتحقيق أهدافها تجاه المنطقة. 2- الدور الوظيفي الذي تقوم به تركيا في الإستراتيجية الغربية الأطلسية كما هو واضح من نشر صواريخ باتريوت ومن قبل الدروع الصاروخية على أراضيها في استمرار لسياسة الارتباط بالغرب والتبعية له كما كان في عهد الحرب الباردة. 3- حضور البعد الطائفي في هذه السياسة والذي لخصه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في وقت سابق ببداية عهد (الإحياء السني) ونهاية عهد (الإحياء الشيعي). 4- النزعة الإمبراطورية النابعة من مرحلة العهد الاستعماري العثماني، وهي نزعة محملة بالتطلعات التاريخية والجغرافية والمصالح والسياسات. 5- ممارسة الحرب الناعمة عبر الدبلوماسية والاقتصاد والأمن والثقافة مستفيدة من عوامل التاريخ والجغرافية... وغيرها لتفجير الدول العربية من الداخل، بغية التأثير فيها وتشكيل مشهدها السياسي من جديد في ضوء المصالح التركية. في الواقع، مجمل الدوافع السابقة تشكل الأسباب الحقيقية للتوتر الجاري بين أنقرة من جهة وبغداد ودمشق من جهة ثانية، وأدوات أردوغان في ذلك، هي وضع الأكراد في مواجهة العرب، السنة في مواجهة الشيعة، الشمال والغرب في مواجهة الجنوب والوسط. لكن الثابت أن هذه السياسة وصلت إلى طريق مسدود في سوريا، وأصبحت عند مفترق الطرق في العراق، فلا أحد يستطيع منع خطر داعش عن تركيا بعد توسع نفوذه وازدياد قوته وتحديه لنموذج حزب العدالة والتنمية في الحكم، بما يشكل كل ذلك انهياراً للسياسة التركية في الداخل والخارج. إستراتيجية ضمان النفط صعَّد تصدير إقليم كردستان النفط إلى الخارج عبر ميناء جيهان التركي من الأزمة السياسية المتفاقمة بين بغداد وأربيل من جهة، وبين أنقرة وبغداد من جهة أخرى. فبغداد رأت في الخطوة الكردية خرقاً للسيادة الوطنية وسرقة للموارد، فيما تؤكد أربيل أن خطوتها دستورية وقانونية وحق طبيعي لها، وأن زمن إصدار القرارات من بغداد انتهى كما قال رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان البازراني. لكن بغض النظر عن هذا الجدل وأبعاده فإن قضية تصدير النفط من الإقليم الكردي دون موافقة بغداد وضعت العلاقة بين بغداد وأربيل عند مفترق طرق، خصوصاً مع تزايد أهمية دور موارد الطاقة من نفط وغاز في استقلال الدول وحياة الشعوب وسط ارتفاع حدة المطالبة الكردية بتقرير المصير. في الواقع، لم يكن قرار إقليم كردستان بتصديره للنفط للخارج بعيداً عن الموافقة التركية المسبقة. وهو قرار يرى المتابعون أنه ينبثق من جملة عوامل قانونية وسياسية واقتصادية، لعل أهمها: 1- البعد القانوني: عدم انجاز قانون النفط في العراق رغم مرور سنوات على تقديم مشروع القانون إلى البرلمان، وفي ظل تراكم الخلافات بين بغداد واربيل، لجأت الأخيرة إلى المادة 112 التي تعطي للأقاليم المنتجة للنفط حق الإدارة والتصرف بالحقول المستقبلية. وعليه فتح الإقليم خلال السنوات الماضية أبوابه على مصراعيه أمام الشركات النفطية العالمية للاستثمار في كردستان وأنجز عشرات العقود مع هذه الشركات، حيث تشير التقارير إلى إنتاجه الحالي من النفط بلغ قرابة 400 ألف برميل يوميا على أن يبلغ مليون برميل نهاية العام المقبل ومليوني برميل بعد ذلك بخمس سنوات، وعليه لا يمكن النظر إلى قرار الإقليم تصدير نفطه إلى الخارج دون النظر إلى إستراتيجية الإقليم لتعزيز قدراته النفطية في إطار التطلع إلى المزيد من الاستقلال المالي والسياسي مستفيداً من غياب قانون للنفط. 2- البعد السياسي: في حقيقة الأمر يتجاوز الخلاف بين بغداد وأربيل قضية الخلاف النفطي إلى الخيار السياسي، وبهذا المعنى يمكن القول إن الخلاف النفطي هو جزء من خلاف أكبر يتعلق بطبيعة ومصير العلاقة بين الجانبين، وبالجهود المتعلقة بخيار الاستقلال الكردي وتوفير البنية التحتية لهذا الاستقلال، خصوصاً إذا حسم مصير كركوك لصالح ضمها إلى إقليم كردستان ونضجت الظروف الإقليمية المتعلقة بإعلان الدولة الكردية، وعليه فإن الصراع على النفط بات في جوهر خيارات إقليم كردستان، وعلى هذا الأساس ينبغي النظر إلى التصريحات المتكررة لرئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني عن حق تقرير المصير وإقامة الدولة الكردية والتلويح الدائم بفك العلاقة مع بغداد ما لم تستجب الأخيرة لمطالب الإقليم. 3- البعد الاقتصادي: وله علاقة بوقف الحكومة العراقية لرواتب ومستحقات موظفي الإقليم وتعليق إرسال ميزانية الإقليم، إذ شكل ذلك حافزاً لذهاب الإقليم إلى تصدير نفطه درءاً لأزمة مالية واقتصادية وربما احتجاجات شعبية ضد الحكومة المحلية إذا بقي موظفي الإقليم من دون رواتب لفترة طويلة وتوقف العديد من المشاريع الخدمية والاقتصادية والعمرانية التي باتت سمة للتجربة الاقتصادية اللافتة للإقليم. ففي النهاية يرى الإقليم أن قرار قطع الرواتب ووقف الميزانية تعبير عن احتكار السلطة من قبل بغداد ويشكل مصدر خشية مستقبلية له. هذه الأسباب وغيرها تقف وراء قرار الإقليم تصدير النفط إلى الخارج دون موافقة بغداد، لتنتقل المعركة بين الجانبين إلى مرحلة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات. لكن بغض النظر عن الأسباب التي دفعت الإقليم إلى اتخاذ هذا القرار فإن بغداد ترى أن قرار أربيل تصدير النفط إلى الخارج غير دستوري وغير قانوني وأنه يشكل تهريباً عبر الحدود وسرقة للثروة الوطنية، كما أنها ترى أنه من الناحية القانونية يجب أن يكون تصدير النفط إلى الخارج حصراً من خلال شركة النفط الوطنية (سومو)، وعليه فور الإعلان عن تصدير إقليم كردستان للنفط إلى الخارج عبر تركيا قدمت الحكومة العراقية شكوى تحكيم ضد الحكومة التركية وشركة بوتاش التركية لتشغيل خطوط الأنابيب إلى غرفة التجارة الدولية بباريس. لكن ذلك لم يمنع إقليم كردستان من تأكيده المضي في تصدير النفط إلى الخارج، كما لم يمنع تركيا من وضع الكرة في مرمى العراق بالقول إنها انتظرت كثيراً حل الخلافات بين أربيل وبغداد، وأنها غير معنية بهذا الخلاف الداخلي. لكن حقيقة الأمر يتجاوز الموقف التركي هذا التبرير إلى سياسة مدروسة تتعلق بالحسابات الاقتصادية والمصالح الإستراتيجية التي تتعلق بتأمين النفط في ظل ازدياد حاجتها له وتوفير خيارات أوسع لجهة تأمين مصادر الطاقة التي تواجه صعوبات خصوصاً لجهة المورد الروسي والاختلاف مع إيران على سعر الغاز. وعليه في زحمة صعود معركة النفط إلى الواجهة بين بغداد واربيل، ثمة سؤال جوهري عن حقيقة موقف تركيا، بوصفها الدولة التي تشكل أراضيها المعبر الأساسي لتصدير النفط من كردستان، والسؤال هنا، يتعلق بمدى تفضيل أنقرة مصالحها الاقتصادية مع إقليم كردستان على احتمال تفكك العراق وولادة دولة كردية وانعكاس ذلك على تركيا في المستقبل؟. في الواقع، يمكن القول إن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تقف وراء موافقة تركيا على تصدير النفط الكردي عبر أراضيها. 1- العلاقة المتوترة بين الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان والحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، لأسباب سياسية تتعلق بالاصطفافات والصراعات الإقليمية الجارية على خلفية الأزمة السورية، ولعل تركيا تجد في تطوير العلاقة بإقليم كردستان خياراً لسياسة عراقية مختلفة في المرحلة المقبلة وقدوماً لحكومة جديدة لا يكون المالكي رئيسها. وبما يقوي كل ذلك من موقف السياسة التركية تجاه العراق. 2- التطلعات الاقتصادية التركية من وراء توطيد العلاقة بإقليم كردستان الناهض، فالتقارير تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين تجاوز عشرة مليارات دولار، كما أن هناك آلاف الشركات التركية التي تعمل في مختلف المجالات في الإقليم الذي أصبح عمليا سوقا مهما للمنتجات التركية، ولعل خطوة تصدير النفط عبر تركيا ستنقل هذه العلاقة إلى مرحلة جديدة، لعل من أهم ملامحها وأخطرها معاً، هو تحول تركيا إلى رئة اقتصادية للإقليم، وبما يجعل من تركيا قوة مهيمنة على الإقليم بالمفهوم الاقتصادي وبالتالي السياسي. 3 – ابعد من قضية النفط والمصالح الاقتصادية ترى تركيا في علاقتها مع إقليم كردستان حلاً أو مساراً لحل قضيتها الكردية في الداخل، إذ تسعى تركيا إلى الاستفادة من دور إقليم كردستان في إقناع حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن السلاح وإيجاد حل سياسي للقضية الكردية في الداخل، وبالتوازي مع هذا السعي ثمة محاولات مشتركة للجانبين تنصب على إمكانية تشكيل أحزاب سياسية كردية في تركيا تشكل بديلا لحزب العمال الكردستاني اعتماداً على النفوذ القومي للزعيم الكردي مسعود البارزاني. مجمل هذه المصالح الاقتصادية والسياسية ترى أنقرة أنها مهمة وحيوية، ولعل ما يشجعها أكثر هو أن ما سبق يتفق مع سياسة حكومة إقليم كردستان، لكن ما سبق لا يلغي المخاوف الدفينة لدى العديد من المحللين السياسيين الأتراك، فهؤلاء يرون أن هذه الخطوات التدريجية هذه ستمكن الإقليم الكردي من الاستقلال، وأن مثل هذه الخطوة ستنعكس على الأجزاء الأخرى من كردستان خاصة وان التطلعات الكردية في إقامة دولة قومية في هذه الأجزاء متقدة، فالأكراد في العراق وسوريا وإيران وتركيا والذين يشكلون جغرافية واحدة متصلة مع بعضها البعض على الرغم من تقسيمها بين هذه الدول بعد الحرب العالمية الأولى يعتقدون أن التغيرات الجارية في المنطقة جعلت منهم لاعباً إقليمياً بعد أن كانوا ورقة في يد القوى الإقليمية والدولية، كما يعتقدون أن هذه التطورات وفرت الظروف لتغيرات سياسية وربما جغرافية لإقامة نظام إقليمي جديد يفضي إلى الاعتراف بالأكراد رسمياً على المستوى الإقليمي والدولي بعدما حرمتهم الاتفاقيات والمصالح الدولية منها عقب الحرب العالمية الأولى. وهذه إستراتيجية تتناقض وإستراتيجية تركيا وربما تثير لها الكثير من المشكلات الإقليمية، خاصة إذا ما لجأت بغداد إلى التصعيد على الأرض ضد إقليم كردستان في حال تفاقمت الخلافات بين الجانبين وقد سبق وأن أعلن المالكي أن صفقات النفط مع كردستان قد تؤدي إلى إشعال حروب، ومثل هذا الأمر قد يضع تركيا في مواجهة مع إيران الحليفة الأساسية لبغداد. مهما يكن، فإن خطوة تصدير إقليم كردستان للنفط وضعت العلاقة بين بغداد وأربيل أمام امتحان استراتيجي، أما أن يكرس استقلالية الإقليم اقتصادياً ومالياً وسياسياً أو يفتح الباب أمام الجانبين للاتفاق على القضايا الخلافية، كما أنها عمقت من أزمة العلاقة بين بغداد وأنقرة. خلاصة القول، سيطرة داعش على الموصل، وسماح تركيا لإقليم كردستان بتصدير النفط عبر أراضيها دون موافقة الحكومة العراقية، أحييا السجال داخل تركيا وخارجها عن السياسة الخارجية التركية، والتداعيات الخطرة التي تركتها هذه السياسة ليس على المنطقة فقط، بل وعلى الداخل التركي أيضاً، وسط تحميل الجميع المسؤولية لرجب طيب أردوغان شخصياً. كاتب وباحث متخصص بالشؤون التركية(*) |
||||||