|
|||||||
|
مركز أبحاث الأمن القومي - شلومو باروم في 2 حزيران 2014 أدت حكومة الوحدة الفلسطينية في رام الله اليمين الدستورية وفقاً لأمر رئاسي أصدره الرئيس عباس بعد توافق فتح وحماس على تشكيل وزرائها. ويدور الحديث عن حكومة تكنوقراط وزراؤها ليسوا ممثلين رسميين لفتح أو حماس، وإن كان معظمهم بمن فيهم رئيس الحكومة، رامي حمد الله، رئيس الحكومة السابقة، وكذلك نائبه مقرّبَين من فتح. فضعف حماس الكبير أجبرها على القبول باتفاق المصالحة بصيغته الحالية وهذا الأمر يتجسد من خلال شروط وتركيبة الحكومة. كذلك على سبيل المثال وزير الخارجية السابق، رياض ملكي، بقي في وزارته على الرغم من معارضة حماس خلال النقاشات حول تشكيل الحكومة. لقد اضطرت حماس إلى التنازل أيضاً في موضوع حقيبة الداخلية كما أنها وافقت للمرة الأولى على وجود قوات السلطة في القطاع. في المقابل، أوضح عباس ورئيس الحكومة الجديد أن الحكومة المشتركة ملتزمة بشروط الرباعية الثلاثة - مقاومة العنف، قبول الاتفاقيات القائمة واعتراف بإسرائيل، وكذلك بالتعاون الأمني مع إسرائيل. على أن الإنجاز الرئيسي الذي حققته حماس في المفاوضات حول الحكومة هو حفظ قوتها العسكرية في القطاع (وهكذا مواصلة وجود وزارة الأسرى دون تعيين وزير مسؤول لها عن منظمة التحرير الفلسطينية كما أراد عباس)، وذلك على الرغم من انتقال المسؤولية الأمنية إلى صلاحية حكومة الوحدة. تطبيق اتفاق المصالحة، بما فيه أيضا انتخابات رئاسية وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (برلمان السلطة الفلسطينية) بعد حوالي 6 شهور وكذلك انضمام حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية، أصبح ممكنا بسبب الأزمة التي تعاني منها حماس منذ سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر. فتغيير النظام في مصر كانت له انعكاسات سياسية، مالية/اقتصادية وعسكرية خطيرة بالنسبة لحماس. إذ أنها بعد أن عملت على تبريد علاقاتها مع أعضاء محور المقاومة (المسمى أيضا المحور الشيعي)، إيران وحزب الله وقطعت علاقاتها مع سوريا تحت ضغط الشارع الإسلامي السني، خسرت حماس أيضا قاعدة الدعم السياسي الرئيسية المصرية. وقد كانت لهذا الأمر أيضاً انعكاسات مالية/اقتصادية شديدة لأن مصر تسيطر على مسار الوصول الرئيسي إلى قطاع غزة عبر سيناء ومنظومة الأنفاق على الحدود معها. فحكومة السيسي تعتمد سياسة صارمة تتجسد بمحاصرة قطاع غزة، هجمات ضد حماس والسعي إلى إضعافها، بما في ذلك إغلاق الأنفاق. وقد خسرت حماس مصدر استيراد رئيسياً، ووقع القطاع في أزمة اقتصادية تدفع مقابلها حماس ثمنا من خلال هبوط الدعم الشعبي. حتى الجهات الإقليمية التي لا زالت تدعمها، مثل قطر وتركيا وجهات غير حكومية، تجد صعوبةً في مدّها بمساعدة مالية بسبب إغلاق مسارات التهريب. كذلك ثمة صعوبة في تهريب سلاح إلى القطاع ما اضطر حماس إلى الاكتفاء بشكل خاص بالإنتاج المحلي. وكل هذه الأمور أدت إلى تكوّن وضع حيث السيطرة المدنية في قطاع غزة وخصوصا المسؤولية المباشرة والحصرية المشتقة منها لرفاهية سكانها تحولت إلى حد كبير إلى عبء. فعدم قدرة حماس على دفع أجور وتأمين وضع اقتصادي معقول وخدمات مناسبة للسكان قد أضرّت بها. من جهة أخرى، فشل المفاوضات بوساطة وزير الخارجية الأميركية، كيري، سحب من عباس ومن فتح ذريعة أن التقدم في تحقيق المصالحة سوف يؤدي إلى نسف المحادثات مع إسرائيل. في جميع الأحوال، كانت النتيجة أن الطرف القوي في محادثات المصالحة خلال مرحلتها الأخيرة كانت فتح، حيث اضطرت حماس إلى التنازل في معظم المجالات. في الجولة الحالية كان من المهم بالنسبة لحماس بشكل خاص أن تتحمل حكومة رام الله مسؤولية دفع الأجور في غزة وأن تهتم بتقديم الخدمات للمدنيين. إلى ذلك، فإن الرغبة تجنّب المس بالعلاقات مع المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة كان عاملاً رئيسيا في صياغة الاتفاق. فالحكومة هي حكومة تكنوقراط لا تضم أعضاء من حماس ولذلك يمكنها القبول بشروط الرباعية الثلاثة، دون أن تقدم ذريعة لمقاطعتها ولإيقاف تدفق أموال المساعدة. كما أن عباس اهتم بالحصول على التزام من دول الجامعة العربية بالتعويض عن أي تقليص في تدفق الأموال إلى السلطة. لقد تشكلت حكومة الوحدة أيضاً في ظروف سياسية مريحة بالنسبة للفلسطينيين. لقد تجمدت المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين وفي الحديث الدولي يتم توجيه الاتهام بفشلها إلى إسرائيل ورئيس حكومتها، نتنياهو. فاللاعبون الدوليون يفضلون رؤية الجانب الإيجابي في الاتفاق الفلسطيني والإدعاء بأن أولا، الوحدة الفلسطينية ضرورية في حال وجود رغبة بالتوصل إلى اتفاق دائم يمكن تطبيقه، ثانياً، الحكومة الجديدة ملتزمة بشروط الرباعية. هكذا يمكنهم الإدعاء بأن في الحقيقة الحكومة الجديدة مدعومة من حماس التي لا تقبل بشروط الرباعية، لكن في الجانب الإسرائيلي الوضع أسوأ بكثير، لأن في الحكومة الإسرائيلية ذاتها يشترك حزب يعارض الحل الدولتين ومفاوضات تؤدي إلى تطبيقه. لذلك، تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية أدى إلى اعتراف دولي جارف بها تشارك فيه الولايات المتحدة، الإتحاد الأوروبي ودوله الرئيسية، وكذلك دول عظمى يتم عرض العلاقات معها من قِبل الحكومة الإسرائيلية كبديل للعلاقات السياسية مع دول الغرب - روسيا، الصين والهند. الحكومة الإسرائيلية التي تعارض بشدة المصالحة الفلسطينية وحكومة الوحدة لا تملك آليات حقيقية لمواجهة الخطوة الفلسطينية. فهي تجد صعوبة في استخدام الوسيلة الفعالة التي بيدها، إيقاف نقل أموال الضرائب التي تجبيها لصالح الفلسطينيين، لأن سواء ستقوم الدول العربية بالتعويض على السلطة، أم لن تلتزم بتعهداتها، فإن السلطة قد تنهار، وهذا الأمر سوف يضر بإسرائيل أيضا، لأن مسؤولية تأمين الخدمات للسكان الفلسطينيين سوف تلقى على عاتقها، وفي جميع الأحوال سوف تتعرض إسرائيل نتيجة لذلك لانتقادات على الساحة الدولية. إسرائيل تكتفي بخطوات عقابية ضد شخصيات السلطة وتُعتبر تافهة، ويأتي في أساسها سلبهم تصاريح "شخصية مهمة جداً". كذلك سوف تمنع إسرائيل عبور وزراء فلسطينيين بين المنطقتين ومشاركة أعضاء حماس في اجتماعات المجلس التشريعي الفلسطيني. كما يمكن لإسرائيل تخريب الانتخابات، وخصوصا عرقلة مشاركة حماس في الانتخابات. لكن هذه السياسة قد تجعل إسرائيل بنظر العالم والمنطقة كجهة ليست ذات صلة. من الصعب تقدير عمر اتفاق المصالحة وحكومة الوحدة. حتى الآن ثمة عوائق كثيرة في الطريق إلى تطبيقه. لكن الطرفين قررا تخطيها عبر تأجيل المفاوضات حولها إلى ما بعد تشكيل حكومة الوحدة. على سبيل المثال، حماس تأمل بأن تعيدها الانتخابات إلى سلطة شرعية، لكن عباس قرر تغيير قانون الانتخابات وتحويلها إلى انتخابات بأسلوب نسبي كامل، مما يحول دون حصول حماس على أغلبية مطلقة. فتح ليست متحمسة لإدخال حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية وتطمح إلى تبديد وتأجيل هذا البند. هدف الطرفين لا زال المس بالطرف الثاني والتغلب عليه من خلال الاتفاق، وعندما سيتضح لأحد الطرفين بأن يده هي السفلى فثمة فرص جيدة بأن يعمل على إسقاط الاتفاق. الحذر في تطبيق خطوات عقابية ضد السلطة الفلسطينية لا زال يتيح لإسرائيل دراسة إجراء تغييرات في سياستها تجعلها لاعباً أكثر ذا صلة. لا إمكانية لديها لإيقاف الانجراف الدولي. فهي بإمكانها تبني سياسة الإدارة الأميركية، التي تتمحور حول التعامل مع الحكومة الجديدة وفقا لأعمالها. إذا كانت سياستها حيال إسرائيل ستكون استمراراً لسياسة الحكومة السابقة، وخصوصا في عملية متواصلة لكبح محاولات تجديد البنية التحتية للإرهاب ونشاطه في الضفة، عندها يجب على إسرائيل إقامة منظومة علاقات طبيعية معها وأيضاً محاولة استئناف عملية سياسية فعالة تعتمد على دمج قنوات مختلفة - مواصلة المفاوضات حول التسوية الدائمة، تطبيق تفاهمات واتفاقات سابقة وأيضا خطوات أحادية الجانب مع جهد لتنسيقها. وفي حال لن تتصرف الحكومة الفلسطينية وفقا لالتزاماتها، عندئذ سيكون لدى إسرائيل الحق باعتماد خطوات عملية وإعلامية ضدها والمطالبة بدعم دولي لسياستها هذه. من الأفضل بالنسبة لإسرائيل ألا يُشكل اتفاق المصالحة ذريعة لمواصلة الوضع الراهن السيئ لها والذي تتفاقم أثمانه. رب ضارة نافعة، فربما يشكل اتفاق المصالحة أساساً لتوافق أوسع لدى الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي حول خطوات حقيقية للتقدم في طريق حل الدولتين. |
||||||